المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال نثر الشذر على "إزاحة الضجر" عن فتح ابن حجر, لشيخنا المحدث ساعد بن عمر غازي



أهــل الحـديث
20-03-2013, 04:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


نثر الشذر على "إزاحة الضجر" عن فتح ابن حجر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد.

فقد اطلعت على الكتاب الماتع الموسوم بـ( إزاحة الضجر عن فتح ابن حجر)، لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل -حفظه الله-، وقد علقت عنه أشياء مفيدة، كما علقت منه ما رأيت أنه يحتاج إلى مزيد بحث، أو إضافة فائدة، وفي هذه الورقات، سوف يجد القارئ هذه التعليقات، الموسومة بـ"نثر الشذر على إزاحة الضجر". والشَّذْرُ هنا صغار اللؤلؤ.

ولا شك أن كتاب: "إزاحة الضجر"، من أنواع المصنفات المهمة في بابها، المتعلقة بالتنكيت، أو التقريب أو التقييد، أو الإيضاح، أو التنبيه، أو التعليق، أو إصلاح الخطأ، وبيان الوهم، ونحو ذلك؛ لأن الهدف منها كما قال الحافظ ابن ناصر السلامي -رحمه الله- في كتابه: "التنبيه" (ص/154): "وإنما أخذ العلماء بعضهم على بعض فيما يقع منهم سهواً أو خطأً نصيحة منهم للعلم وحفظه، ولئلا يكون خيانة منهم لطالب العلم، ولم يقصدوا بذلك عيب بعضهم لبعض؛ إذ كان الله سبحانه قد برأهم من ذلك، ونزههم عنه".

وقال ابن قتيبة -رحمه الله- في كتابه "إصلاح الغلط" (ص/48): "وقد يظن من لا يعلم من الناس ولا يضع الأمور مواضعها أن هذا اغتياب للعلماء وطعن على السلف وذكر للموتى. وكان يقال: "اعف عن ذي قبر". وليس ذلك كما ظنوا؛ لأن الغيبة سب الناس بلئيم الأخلاق وذكرهم بالفواحش والشائنات. وهذا الأمر العظيم المشبه بأكل اللحوم الميتة، فأما هفوة في حرف أو زلة في معنى أو إغفال أو وهم ونسيان، فمعاذ الله أن يكون من ذلك الباب، أو يكون له مُشاكلاً أو مقارباً، أو يكون المنبّه عليه آثماً، بل يكون مأجوراً عند الله مشكوراً عند عباده الصالحين الذين لا يميل بهم هوى ولا تدخلهم عصبية. ولا يجمعهم على الباطل تحزب ولا يلفتهم عن اسْتبَانة الحق حَسَد. وقد كنا زمانا نعتذر من الجهل، فقد صرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم، وكنا نُؤمّل شكر الناس بالتنبيه والدلالة، فصرنا نرضى بالسلامة. وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال، ولا يُنكر مع تغير الزمان. وفي الله خَلفٌ وهو المستعان". وقال أيضاً في (ص/45-46): "ولا نعلمه -عز وجل- خص بالعلم قوماً دون قوم، ولا وقفه على زمن دون زمن، بل جعله مشتركاً مقسوماً بين عباده، يفتح للآخر منه ما أغلقه على الأول، وينبه المقل فيه على ما أغفل عنه المكثر، ويحييه بمتأخر يتعقب قول متقدم وتالٍ يعتبر على ماضٍ، وأوجب على كل من علم شيئاً من الحق أن يظهره وينشره، وجعل ذلك زكاة العلم، كما جعل الصدقة".

وأقول: إن ما يلزم المتعقب أن يكون تعقبه بعلم، وتأدب، مع الاعتراف بعدم العصمة من السهو والخطأ والزلل.

ومن هذا المنطلق ختم الشيخ الزامل -حفظه الله- مقدمة كتابه بقوله: "فمن وجد خللاً فليسد الخلل".

فكانت مني هذه التعليقات:
1- في (ص/48) قال الشيخ الزامل -حفظه الله-: "قال الحافظ -رحمه الله- (1/225): "ومثله قول ابن مسعود: "ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". رواه مسلم". أهـ

هذا الأثر رواه مسلم في مقدمة صحيحه، فنسبته إلى مسلم بدون تقييد منه تسامح، والأولى أن يقول: رواه مسلم في المقدمة، أو نحوها من العبارات، وهو عند مسلم في المقدمة، (1/3) برقم (14)".

قال مقيده -عفا الله عنه-: لم يبين هل هو صحيح، أم ضعيف؟ وكان الأولى بيان ذلك فقد رواه مسلم قال: وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن أبي شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال: فذكره.

قال الإمام الألباني -رحمه الله- في "الضعيفة" (9/419): "قلت: وهذا رجاله ثقات، لكنه منقطع بين عبيد الله وعبد الله بن مسعود".

فقد قال الحافظ المزي -رحمه الله- في "تحفة الأشراف" (7/90): "عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, عن ابن مسعود، ولم يدركه". وقال في "تهذيب الكمال" (19/73): "روى عن:...، وعم أبيه عبد الله بن مسعود مرسل". ولذا قال الحافظ العلائي -رحمه الله- في "جامع التحصيل" (ص/232): "وفي التهذيب أنه روى عن ابن مسعود وعمار وأن ذلك مرسل أيضاً".

فائدة: وقـد روي الحديث مرفوعاً ولا يثبت، فأخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/201)، والقاضي عبـد الجبار الخولاني في "تاريخ داريا" (89)، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (38/355-356) من طريق عثمان بن داود، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة".

قال العقيلي -رحمه الله-: "عثمان بن داود. مجهول بنقل الحديث.

لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به".

وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في "ميزان الاعتدال" (3/33): "لا يدرى من هو، والخبر منكر". وكذا قال في "المغني في الضعفاء" (2/425). والضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس. وهو مخرج في "الضعيفة" (4427)، وقال: "منكر". والله أعلم.

2- في (ص/ 570-58) قال الشيخ الزامل -حفظه الله-: "قال الحافظ -رحمه الله- (1/249): "وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها فكره النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فنزلت آية الحجاب".

هذا الأثر ذكره ابن جرير في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ... ﴾ [الأحزاب: 53] فقال: حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد...فذكره، وهشيم مدلس وليث هو ابن أبي سليم ضعيف مضطرب الحديث واختلط، فالخبر مع إرساله ضعيف. وقد جاء هذا الحديث بإسناد متصل حسن عن مجاهد عن عائشة وبسياق أتم من السياق الذي ذكره وفيه بيان الرجل الذي أصابت يده يد عائشة رضي الله عنها فكان ذكره هو المتعين لا هذا المرسل الضعيف، وهو ما رواه النسائي في سننه الكبرى برقم (11419) قال: أخبرني زكريا بن يحيى قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن مسعر عن موسى بن أبي كثير عن مجاهد عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه و سلم حيساً في قعب فمر عمر رضي الله عنه فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعي فقال حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب. إسناده أئمة مشهورون غير موسى بن أبي كثير وهو الأنصاري، وبالنظر في ترجمته من "التهذيب" يتبين أنه لا بأس به، قال الحافظ في "التقريب" برقم (7004): "صدوق رمي بالإرجاء لم يصب من ضعفه". أهـ.

قال مقيده -عفا الله عنه-: فات الشيخ -حفظه الله- أن الحديث الموصول ذكره الحافظ -رحمه الله- في "الفتح" (8/531) وعزاه للنسائي فقال: "وقد وقع في رواية مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ: "كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيساً في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعي فقال حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب".

ثم وقفت على ما قاله الدارقطني في "العلل" (14/338): "وسئل عن حديث مجاهد، عن عائشة، قالت: كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكل معنا عمر، فأصابت إصبعه إصبعي، فقال: حس، والله لو أطاع فيكن ما رأتكن عين. فنزلت آية الحجاب.

فقال يرويه مسعر، واختلف عنه؛ فرواه ابن عيينة، عن مسعر، عن أبي الصباح: موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، عن عائشة.

وغيره يرويه عن مسعر، عن أبي الصباح، عن مجاهد مرسلاً.

والصواب المرسل".

والرواية المرسلة التي أشار إليها الدارقطني أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف" (32680) قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، قال: مر عمر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو وعائشة وهما يأكلان حيساً, فدعاه فوضع يده مع أيديهما, فأصابت يده يد عائشة, فقال: أوه, لو أطاع في هذه وصواحبها ما رأتهن أعين, وذلك قبل آية الحجاب, قال: فنزلت آية الحجاب.

وصورة الإرسال في هذه الرواية أن مجاهداً هو الحاكي لقصة لم يدركها؛ لأنه لم يدرك مرور عمر برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أسند حكايتها إلى عائشة رضي الله عنها، فكان نقله لذلك مرسلاً.

ومحمد بن بشر قال أبو عبيد الآجري: "سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من سعيد بن أبي عروبة فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة". وقال ابن حجر في "التقريب": "ثقة" وقال المزي في "تهذيب الكمال"(27/465): قال محمد بن بشر: كان عند مسعر ألف حديث أو أقل من ألف حديث فكتبتها إلا عشرة". وهذا يشعر بأن محمد بن بشر كانت له بمسعر عناية خاصة. وقد يقال: إن الرواية المرسلة، لا تعل الرواية الموصولة على اعتبار أن من وصله معه زيادة علم فيجب قبولها إذا كانت من ثقة والأمر كذلك هنا فإن زيادة الوصل من سفيان بن عيينة وهو ثقة حافظ. فعلى هذا فإن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة. أو يقال: إن الرواية التي ظاهرها الإرسال، سياقها يشعر بأن مجاهداً تلقاها عن عائشة، فلا تعارض بين الروايتين. والله أعلم. ولكن الذي يظهر لي هو ما قاله الدارقطني: "والصواب المرسل". والله أعلم.

3- في (ص/113) قال الشيخ الزامل -حفظه الله-: "أما حديث أبي قرصافة فقد ذكره الهيثمي في المجمع (2/9) بلفظ: "ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة" فقال رجل: يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال: "نعم، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين". رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده مجاهيل.

قال الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الضعيفة برقم (1675) بعد ذكره لهذا الخبر وذكر سند عند الطبراني قال -رحمه الله تعالى-: وهذا إسناد مظلم، من دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال، حاشا محمد بن الحسن بن قتيبة، فإنه حافظ ثقة ثبت كما في "الشذرات" (2 / 261). أهـ.

قال مقيده -عفا الله عنه-: قول الحافظ الهيثمي: "في إسناده مجاهيل"، يتعارض مع قول الإمام الألباني: "من دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال"؛ لأن قول الهيثمي يعني: أن بعض الرواة وقف له على ترجمة ولكنه مجهول الحال أو العين، على عكس قول الألباني الذي يصرح بعدم وجود ترجمة لهؤلاء الرواة في كتب الرجال.

وإسناد الحديث عند الطبراني: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة: أخبرنا أيوب بن علي حدثنا زياد بن سيار عن عزة بنت عياض قالت: سمعت أبا قرصافة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكره.

فقول الإمام الألباني -رحمه الله- إن من دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال، ويعني بذلك أيوب بن علي، وزياد بن سيار، وعزة بنت عياض، خطأ لا أدري سببه؛ لأن أيوب بن علي، وزياد بن سيار لهما ترجمة في كتب الرجال، وقد وقف الإمام -رحمه الله- على ترجمتهما عند ابن أبي حاتم، وابن حبان، بعد ذلك فقال في "الضعيفة" (5/138) الحديث رقم (2117): "رواه الديلمي (1/1/95) عن أبي الشيخ معلقاً عن أيوب بن علي بن الهيصم: حدثنا زياد بن سيار عن عزة بنت أبي قرصافة عن أبيها مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم ليس فيهم موثق توثيقاً معتبراً، فعزة وهي بنت عياض بن أبي قرصافة، لم أجد لها ترجمة.

وزياد بن سيار وأيوب بن علي بن الهيصم، ترجمهما ابن أبي حاتم (1/2/534 و1/1/252)، ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً، إلا أنه قال في أيوب: "قال أبي: شيخ".

و(زياد بن سيار) ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/255)". انتهى كلامه.

فتبين من ذلك أن زياد بن سيار، وأيوب بن علي، لا يقال عنهما ليس لهما ترجمة!!

وأزيد على ما ذكره الإمام الألباني -رحمه الله- أن الإمام البخاري -رحمه الله- ترجم لزياد بن سيار بقوله في "التاريخ الكبير" (3/357): "زياد بن سيار مولى أبي قرصافة الكناني الشامي، روى عنه الطيب بن زبان". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وذكره الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" (12/161) بقوله: "زياد بن سيار الكناني، مولاهم.

عن: أبي قرصافة، كأنه منقطع، وعن ضمرة، عن أبي قرصافة. وعنه: أيوب بن علي، والطيب بن زبان العسقلانيان. قاله أبو حاتم وما ضعفه".

وقال في "تاريخ الإسلام" (18/181): "أيوب بن علي بن الهيصم بن أيوب بن مسلم. الكناني الفلسطيني. سمع: زياد بن سيار. وعنه: سليمان بن محمد بن الفضل، وأبو بكر بن أبي داود، وأحمد بن جوصا، وآخرون. قال أبو حاتم: شيخ. وجده الأعلى مسلم هو أخو أبي قرصافة من أبيه". والله أعلم.

4- في (ص/7) قال الشيخ الزامل -حفظه الله-: "قال الحافظ -رحمه الله- (1/247): "وللحكيم الترمذي بسند صحيح: "فرأيته في كَنِيف". أهـ.

ينظر أين رواه الحكيم الترمذي، وهل رواه غيره، ومدى صحة الحكم للإسناد بالصحة؟".

قال مقيده -عفا الله عنه-: وقفت على الحديث في "المنهيات" للحكيم الترمذي (ص/36) قال: حدثنا سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كنيفه على لبنتين مستقبل القبلة يبول.

والظاهر أن سهل بن العباس، هو الترمذي، قال الدارقطني في "السنن" (2/259): "سهل بن العباس متروك".

وقال أيضاً في "العلل" (13/18): "سهل بن العباس الترمذي قيل له: ثقة؟ قال: لا".

ولذا قال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكين" (1567): "سهل بن العباس الترمذي يروي عن ابن علية، قال الدارقطني: ليس بثقة، متروك".

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/239): "سهل بن العباس الترمذي.

عن إسماعيل بن علية. تركه الدارقطني، وقال: ليس بثقة".

5- في (ص/7-8) قال الحافظ -رحمه الله- (1/304): "وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي - صلى الله عليه و سلم - قدحاً من زجاج، لكن في إسناده مقال".

ينظر أين هو في المسند؟ وقد رواه ابن سعد في الطبقات (1/485) من طريق مندل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح زجاج كان يشرب فيه. ورواه من طريق مندل، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كان لرسول اله - صلى الله عليه وسلم - قدح زجاج فكان يشرب فيه. وهما مرسلان ضعيفان من طريق مندل بن علي وهو ضعيف، وفي الأول محمد بن إسحاق، والثاني ابن جريج وكلاهما مدلس، وهاتان العلتان يضاف إليهما علة الإرسال في كل منهما. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بلفظ: "قدح من قوارير"، وقال: "رواه البزار وفيه مندل بن علي وقد وثق وفيه ضعف" (4/153).

قال مقيده -عفا الله عنه-: هذا الحديث ليس في مسند أحمد؛ إنما رواه البزار في "مسنده"، كما سيأتي، فلعل هذا من الناسخ، أو وهم من الحافظ، وقد قال العيني في "عمدة القاري" (20/160): "رواه البزار في (مسنده) من رواية مندل عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله قدح قوارير فكان يشرب فيه".

وهو حديث رواه مندل بن علي، واختلف عنه.

فأسنده زيد بن الحباب، حدثنا مندل بن علي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أهدى المقوقس صاحب - مصر- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدحاً من زجاج وكان يشرب فيه". أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4343)، وأبو بكر الشافعي في "الفوائد" (989).

وأسنده أيضاً الحسين بن الحسن ثنا مندل، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أهدى المقوقس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح قوارير فكان يشرب فيه". أخرجه البزار (2904 -كشف الأستار)، وذكر الحافظ في "مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد" (1/629) رقم (1130). وقال البزار: "لا نعلم أحداً رواه متصلاً إلا مندل، عن ابن إسحاق".

وأرسله محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا مندل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح زجاج كان يشرب فيه. لم يذكر بن عباس. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/485).

ورواه مرسلاً محمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا مندل، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كان لرسول اله - صلى الله عليه وسلم - قدح زجاج فكان يشرب فيه. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/485).

ورواه أحمد بن سنان، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا مندل بن علي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح قوارير يشرب فيه. أخرجه ابن ماجه (3435).

قال الحافظ الهيثمي في "كشف الأستار": "قلت: الشرب في الزجاج رواه ابن ماجه ولم يذكر أن المقوقس أهداه".

وقال في "مجمع الزوائد" (5/96): "قلت: رواه ابن ماجة باختصار. رواه البزار وفيه مندل وهو ضعيف، وقد وثق".

وقال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" (4/48): "هذا إسناد ضعيف لضعف مندل وتدليس ابن إسحاق".

فتبين أن الحديث مداره على مندل، وقد اضطرب فيه، ولم يحفظه، فتاره يرويه عن ابن عباس، ويذكر فيه أن المقوقس أهداه، ومرة يرويه عن ابن عباس، ولا يذكر أن المقوقس أهداه، ومرة يرسله، عن عبيد الله بن عبد الله، فلا يذكر ابن عباس، ومره يجعله عن عطاء مرسلاً.

ثم وقفت على الحديث في "الضعيفة" (9/238) رقم (4228): "كان له قدح زجاج، فكان يشرب فيه".

قال الإمام الألباني: "ضعيف.
رواه ابن ماجه (2/338)، وابن سعد (1/485)، وأبو بكر الشافعي في "الفوائد" (10/ 275 - حرم) عن مندل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس مرفوعا. قال البوصيري في "زوائده" (ق 207/ 1):
"وإسناده ضعيف؛ لضعف مندل، وتدليس ابن إسحاق".

ثم رواه ابن سعد من طريق مندل أيضا، عن ابن جريج، عن عطاء مرسلاً".

فالإمام الألباني لم ينتبه إلى أن ابن سعد رواه مرسلاً عن عبيد الله بن عبد الله، ولم يذكر ابن عباس. فوجب التنبيه. والله أعلم.

6- في (ص/8) قولكم: "قال الحافظ -رحمه الله- (1/319): "وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي أتاه بالجريدة بلال ولفظه كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة إذ سمع شيئا في قبر فقال لبلال ائتني بجريدة خضراء الحديث".

ينظر أين موضعه؟ فلم أجده عند النسائي في الصغرى برقم (862)، والكبرى برقم (935) عن أبي رافع حديث في المعنى، وليس فيه ذكر بلال ولا الجريدة، وهو الذي ذكره في تحفة الأشراف برقم (12028)، ولم أره باللفظ الذي ذكره الحافظ رحمه الله، وقد ذكر في مجمع الزوائد (3/53) حديثاً لأبي رافع في معنى هذا الحديث، وقال: "رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفه".

قال مقيده - عفا الله عنه -: الحديث ليس عند النسائي كما ذهب الشيخ الزامل -حفظه الله-، لكن وقفت عليه في "ميزان الاعتدال" (2/669) فأخرجه بإسناده في ترجمة عبد المنعم بن بشير، وقد خرجه الإمام الألباني في "الضعيفة" (13/19-20) رقم (6007): "إنّه مَسَّه شيءٌ من عذابِ القبرِ، فقال لي: يا محمدُ! فَشَفّعتُ إلى ربِّي أن يُخَفِّف عنه إلى أن تجِفَّ هاتان الجَرِيدتان". قال الإمام الألباني: "منكر جداً.

أخرجه الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/669) في ترجمة (عبدالمنعم بن بشير أبي الخير الأنصاري) بسنده عن يعقوب الحافظ عنه: حدثنا أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان عن رافع بن أبي رافع عن أبيه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، إذ سمع شيئاً في قبر، فقال لبلال: "ائتني بجريدة خضراء" فكسرها باثنتين، وترك نصفها عند رأسها ونصفها عند رجليه، فقال له عمر: لم يا رسول الله فعلت هذا به؛ قال:... فذكره.

وقال الذهبي - وأقره العسقلاني-: "هذا حديث منكر جداً لا نعلم رواه غير أبي الخير. وشيخه أبو مودود القاصُّ من المعمَّرين، والنُّساك المذكورين، وثقه أحمد... [وغيره]، قال الختلي: سمعت ابن معين يقول: "أتيت عبدالمنعم فأخرج لي أحاديث أبي مودود نحواً من مائتي حديث كذب، فقلت: يا شيخ! أنت سمعت هذه من أبي مودود؛ قال نعم. قلت: اتقِ الله! فإن هذه كذب. وقمت، ولم أكتب عنه شيئاً". وقال الخليلي في "الإرشاد": "هو وضاع على الأئمة". واتهمه أحمد بالكذب". ينظر "الإرشاد" (1/158-159).

ثم وقفت في "تلخيص المتشابه في الرسم" للخطيب البغدادي (2/170) قال: أخبرني أبو عمر محمد بن محمد بن علي بن حُبيش التمار، نا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، نا علي بن داود القنطري، نا عبد المنعم بن بشير، نا أبو مودود، عن رافع بن أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن أبيه رافع قال كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو مقبل من بني حارثة إذ دخل البقيع فقال: "لا دريتَ ولا أفلحت". فقلت: مالي، بأبي أنت وأمي، لا أدري، ولا أفلح؟ قال: "ليس لك يا أبا رافع". قال: قلت: ليس معك غيري! قال: "إن صاحب هذا القبر يسأل عني، فقال: لا أدري، فقلت: لا دريت، ولا أفلحت". فهذه الرواية على خلاف الرواية السابقة كما هو ظاهر، مما يؤكد كذب عبد المنعم بن بشير هذا.

7- في (ص/10) قولكم قال الحافظ -رحمه الله- (1/11): "ووهم من زعم أنه في الموطأ مغتراً بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك". أهـ.

وفي هذا النفي نظر، فقد أخرجه مالك في الموطأ من رواية محمد بن الحسن برقم (983).

قال مقيده -عفا الله عنه-: أصاب الشيخ في تعقبه على الحافظ، فالحديث أخرجه مالك في الموطأ من رواية محمد بن الحسن، لكن للفائدة أذكر عدة أشياء:
أ- صرح الحافظ أن الذي عناه بقوله: "ووهم من زعم"، هو الحافظ ابن دحية الكلبي في "أماليه" فقال الحافظ في "التلخيص" (1/218): "وإن كان ابن دحية وهم في ذلك فادعى أنه في "الموطأ" نعم رواه الشيخان والنسائي من حديث مالك".

ب- أن الحافظ لم يتفرد بتوهيم ابن دحية، فقد تبعه على ذلك البدر العيني، والحافظ الناجي، فقال البدر العيني في "عمدة القاري" (1/55): "ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى مالك فإنه لم يخرجه في "موطئه"، ووهم ابن دحية الحافظ، فقال في "إملائه" على هذا الحديث: أخرجه مالك في "الموطأ"، ورواه الشافعي عنه، وهذا عجيب منه". وقال الحافظ الناجي في "عجالة الإملاء" (ص/31): "... لكنه ليس في "الموطأ"، وإن كان البخاري ومسلم قد روياه عن القعنبي، والنسائي عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، كلهم عن الإمام مالك، فتوهم الحافظ ابن دحية أنه في "الموطأ"، فوهم". وسبقهم في الجزم بعدم رواية مالك لهذا الحديث في "الموطأ"، الحافظ ابن الملقن، لكنه لم يذكر الحافظ ابن دحية، فقال في"البدر المنير" (1/656): "ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى مالك فإنه لم يخرجه في "الموطأ"، نعم رواه خارجها".

ج- فات الشيخ الزامل -حفظه الله- أن يذكر الحافظ السيوطي -رحمه الله- قد سبق في رد الحافظ ومن تبعه، فقد قال السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/10): "وقد وقفت على الموطأ من رواية محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وفيها أحاديث يسيرة زيادة على سائر الموطآت منها حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وبذلك يتبين صحة قول من عزى روايته إلى "الموطأ"، ووهم من خطأه في ذلك". وقد ذكر ذلك العلامة عبد الحي اللكنوي في "التعليق الممجد" (3/491). هذا ما أردت إضافته. والله أعلم. هذا ما تيسر لي النظر فيه، فلم أقصد الاستقصاء. مع التنبيه، على أن الشيخ الزامل -حفظه الله- قد أجاد، جزاه الله خيراً.

والله ولي التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/52043/#ixzz2O5R2S2Iw