المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـبَـون بيْن الرضــوخ والرسُـوخ.



أهــل الحـديث
20-03-2013, 11:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




أزجالُ الكلم إذا جَمعها الراقمُ اسْتحيَت واشفقت أن تمضي لما يتعاورُها من سِهام التقصير ورماح الوجَع..
وقد يغشى الكاتبُ إبانَ تسْطيره حَديثه من الحزن مالا يكتنههُ وصْف ولا يفي بهِ رصف ..
سيَما إن رامَ الحَديث عن الرعيل الأول وهُو الذي يقلبُ المقل كُل آنٍ في نفسه ومُجتمَعه ليرى البَون البيّن بينهم , والفرقَ الشاسع بين السَلفِ والخلف ..
والقلب إذا كَان موصُولا بالحُب لأولئكَ القوم هيجَه الحديث عنهُم فأبكاه .. واللهُ المسْـتعان .!
والذي يبحرُ في السيَر يجد لهم في كُل رابيَة شذىً وفي كُل مربع أثر ..

سِـيرٌ فريدة .. ونفوسٌ زكيَة ..

لو صُغنا مواقفهُم بحُروفٍ من عسْجَد وكلمَاتٍ من زبرجَد ما أبنا عَن خردلة مما يكُن لهم التاريخ ويسطر من أمجاد وشمَم ..
ولقد ذاقوا ما ذاقوا من شدائدَ محَن وزلازلَ وفتَن كما هيَ سُنة الله أن يُبتلى المرء على قدر دينه ..
هذا رسُول الله – صلى الله عليه سلم- أمضى عمُره يتلقى الكُرب والشدائد ويمـتطي الصعاب ..
ويُهاجرُ من موطنِه ويُفارق أهله ويمُوت بنوه ويقتلُ صحبُه ويسخرُ منه ويؤذى فـ يصبرُ ابتغاء مرضاةِ الله والدار الآخرة !
و ها هُو إبراهيمُ عليْه السلام في خضم امتحَانٍ عصيب يمْضي تبرقُ الدمُوع في مقلتيه ,
ما يملكُ أن يصْدفها .. وهُو يسُوق ابنه منقادا لأمر اللهِ مُذعنا لـ يذبحَه ابتغاءَ مرضاةِ الله والدار الآخرة !
يعقوب عليه السلام تتواترُ عليهِ المحن تواترَ القطا على منهـَـل فيذهبُ بصرُه ,
ويفقد أحبَ أبنائِه إليه وأعظمهم منزلة .. و يتغشاهُ من الحُزن مالله بهِ عليم فــَ يصبرُ ابتغاءَ مرضاةِ الله والدار الآخرة !
نوحٌ عليه السلام عاشَ حياته يُنادي ويصْدحُ في كل نادي ألفَ سَنة إلا خمسينَ عاما راسخاً ثابتاً ..
في دُجَم المواجع والسُخريَة والتكذيب صابراً ابتغاءَ مرضاةِ الله والدار الآخرة !
يوسفُ عليه السَلام في عنفوان شبابهِ تقبلُ عليه الفتن : هيتَ لك..
فيهابُ نظر الله إليْه ويعرضُ عنها .. ويختارُ غياهبَ السجن وقيُوده ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة !
أيوبَ عليه السلام يبتلى بـ مرض شديد ويلقى فيه ما يلقى من الكُرب ويذوقُ ما لم يذقهُ أحَد من المحن ..
ويسكنهُ الوجعُ أربعينَ سَنة فـ يمضي صابراً منقادا ابتغاءَ مرضاةِ الله والدار الآخرة !
مُصعبُ بن عميْر يهاجُر ويذر ماله وأهله ويجهد في الإسلام جهداً شديدا حَتى إن جلدهُ لــَ يتخشفُ عنه لما كَان يعتادُ من النعيم ..
ويرى رسُول الله منظره فما يملكُ الدمْع وعلى ما ذاق يمضي ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة !
صهيبُ بن سَنان عليه رضوان الله يسْلم فيذوق ويلقى صُنوف العذاب حتى إنه لـ يغشى عليه ما يدري الذي يقول ..
فلا يتزحزحُ و لاينهار بل يصبرُ ويمضي ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة !
بلالُ بن رباح عبدٌ مملوكٌ حينئذ ولا ناصر لهُ يُذيقه أميَة ألوان العذاب يخرجُه إلى الرمضاء فيطرحُه فيها ويخنقهُ بالحبال ..
ويضعُ الصخر المتقدَ العظيمَ على صدره ويُكرهه على الجُوعوهُو صابرٌ ينادي: أحَدٌ أحد ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة !
عمارُ بن ياسر يلقى الله وهُو يعذبُ في ذات الله إذ يحرقُ بالصَخر ويُوضع في الحَر ويغط في الماء حتى يفقد وعيه..
ويغشى عليه فما زالَ صابراً حتى انــتــُزعَت روحُه وما فعلَ إلا ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة !
أبُوفكيهة تغمدهُ الله برضوانه توضعُ القـيُود في رجلـيْه ويُجرد من ثيابه ويكوى جسَده ويخنقُ حتى يظنُ أنه قد قضى نحبَه ..
ويظلُ محتسباً صامداً مُستصغرا كُل جَلل دونَ الكفر ابتغاء مرضاةِ الله والدار الآخرة !
خباب وما أدراكَ ما خباب ؟!
هذا الذي لاقى من العذاب ما لو صُب على الشماريخ الراسيَات لأنهدت , تذيقه مولاته في سبيل دينه العِظام..
تأخذ أسياخ الحَديد فـ تضعها على النار حتى تحمر وتتقد فما يُطفئها إلا تقاطر شحم ظهره..
فما يوهنهُ ذلكَ ولا يصُده بل يسيرُ ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة !
الشهيدُ أبُوبكر النابلسيّ يصْدحُ بالحَق فيأمرُ القائد به فـ يضربُ ويصلب ويبتدئ اليهُودي في سَلخه من رأسِه ..
وهُو يصدح بذكر الله حَتى إذا ما بلغ في السَلخ قلبه أشفقَ عليه فـ طعنه فلقيَ الله وما تزحزح ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة !
الإمامُ أحمد بن حنبل يعلق في السقف برجليه ويجلدُ بالسياط وهُو على هَذه الشاكلة حتى انقطعَ الحبلُ ودكَت عنقهُ وغشيَ عليه..
فلما أفاقَ لــفَ في حصير وظلَ يُداسُ حتى غشيَ عليه وكان ينخسُ بالسيف حَتى يفيضَ جلده بالدم..
فما تحلحَل بل صمَد وصبر ابتغاءَ مرضاةِ الله والدار الآخرة !

وعلى هذا السَـنَـن سارَ كثيرٌ من الأبطال البهاليل .. أشاوس الأمة .. ولــيُوث الإسلام .. جَازوا الجَوزاء .. واعتلوا العلياء .. وفاقوا مفارقَ الفراقد ..

ومـا أشد البَون بيْن رضُوخنا ورسُوخهم .!!

كذا الإيمان إذا اسْـتوطنَ القلوبَ فعل وسَكن مسالكها جسَر المرء على فعل ما كانت تتهيبُه الجيُوش الخضارم فلا يخشى في ذاتِ الله لوم ولا يكترثُ بعذل !
كانوا يرونَ العظيم من حظوظ الدُنيا خسيساً .. وسعيرَ المواجع يسيراً .. وعذابَ الفواجع عذبا .. فعدوا منعَ الله لهم عطاءً .. وابتلاءَه تمحيصا وثوابا ً .!
كنتُ أتأملُ في سيَر علماء الأمة وأعلام الإسْلام فإذا كُل منهُم قد ذاقَ من الشدائد والمحَن في سبيل الله ما يسْتدر الدمع ويستوقفُ العابر ..
سُجن بن تيميَة وضُرب مالك وعُذب بن حنبل واتهمَ الشافعي وفاضت روحُ أبي حنيفة وهُو في الحبس ..
الله إذا أحبَ عبْدا ابتلاه .. وما يغاشاكَ من البلاء إلا بقدر دينك ..
وما بلغَ الرعيلُ الأول هذا المبلغ إلا بمخافة الله في الخلواتِ والجَلوات , والصبرُ على الأذى في ذات الله , والصَدع بالحَق دونما توريَة ...)

وكُلما ضعفَ مقامُ الله في قلب العبد كلما اشتدَ فرَقه منَ الناس حَتى إنكَ لترى الرجُل يــنهارُ عند ذنب – عياذا بالله – يشاهد الذنبَ العظيم ..
الذي تكاد السماواتُ يتفطرنَ منه وتنشق الأرضُ وتخر الجبالُ هداً ..
فما يصدفهُ عن إنكَاره إلا مخافة الناس ولو أنه أنكَر ابتغاء مرضاةِ الله والدار الآخرة لـ بلغه الله مراقيَ الفائزين !
وترى صَاحبَ العلم ينهارُ أمامَ الفتن فــَ يكتمُ الحَق ويُحابي ويتحايلُ خشيَة أن يُورده قولُ الحَق موارد الهلاكِ في الدُنيا..
ويعلمُ إذا خلا بنفسِه والله ثانيه أن الحَق خلافَ ما نطقَ به ولو أنه نطقَ بالحَق ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة ..
لـ وجَد ثمرَة ذلكَ عاجلا أو آجلا {نَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِر فإنَ اللهَ لا يضيعُ أجرَ المحْسِنين} .!
وترى الرجُل يشارُ إليه بالدين والمعرفة ينهــارُ أمامَ فتنة النسَـاء ويتهاونُ في الحَديث معهُن والمزاح ولـ ربما اتخذ من علمِه شاهيناً يصيدُ به الدنيا والنسَاء ..
ولا يعلم أن الله قد يأتي بُنيانه من القواعِد فيخرُ عليه السَقف, ولو شاءَ لفضحَه فما جَلسَ مجلساً إلا تغشاهُ ذلُ المعصيَة ..
والله سُبحانه يغار وغيرته أن تؤتى محارمه ولو أنه صبرَ ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة لـ عوضه الله خيراً .!
وترى الرجُل ينهار أمامَ الشهواتِ في خلواته فأشد ما يكُون جُرأة على الله وجسًورا على ما يُسخطه إذا كان في موْطن لا يراهُ فيه إلا الله..
فيكابد معاصيَ الخفاء فرحاً بها ( وفرحُ العبْد بالذنب أشدُ عند الله من الذنب ) فإذا خرجَ للناس تسربل بالتقوى ونصَحَ الناسَ ودعاهُم ..
ولا تزالُ هذه شِنشنته حتى يذهبَ الله من القلوبَ محبته ويسلبَه الإخلاص حتى إنكَ لـ تقرأ له ألفَ مقالٍ ما تجد أثرا لواحدٍ منها في قلبك – عياذا بالله – ..
ولو أنه صَمد ونأى عَن المعاصي ابتغاءَ مرضاة الله والدار الآخرة لـ ألقيَ له القبُول في القلوب !
وترى المرءَ ينهار أمامَ فتنة النظر المحَرم فيسُر مقلته ما يفتكُ بمهجته ويُشغلُ فكره ويصرفُ همته ويقتلعُ العلمَ من قلبه ويسلب البصيرَة ..
ثمَ لا هُو قادرٌ على نيـْـل ما رأى, وقد يُنزع الإيمان من قلبهِ بقدر غشيانه للذنوب ..
وكلما ارتكبَ العبْد ذنباً وانتهكَ لله حُرمة كلما حُرم الرزقَ وسُدت في وجهه الأبواب وفي الحَديث ( إن العبد ليحرمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه ) .!

ولا يزالُ العبد يغشى الذنوبَ ويُبارز الله بالكبائر حتى يسْلب الإيمان ..
ولايزالُ العبْد ينأى عن معاَطن الخطايا ويجاهد نفسَه حتى يعينه الله و يُذهبها الله من قلبه ..
ولا يزالُ العبْد يصبر عـلى الأذى ويذوقُ الآلامَ في الدرب إلى الله حَتى يدنيه من ظلالِ النعيم ..
ولا يزالُ العبْد يمضي ويزدلفُ إلى الله ويمتطي المصـاعبَ نصـرة له حتى يرزقه الله الزلفى لديه ..
ولايزالُ العبْد يتقربُ إلى الله بـالنوافل حـتى يحبَه ويكسوَه حلل التقوى ويبلغه منازل الرضوان ..
ولا يزالُ العبْد يسير إلى مـعين الوحيُ ينهلُ منه حَتى يسبغ الله عليه فيضَ رحماتهِ وعفوِه ورضوانه !

وبقدر سَبقكِ إلى ميادين الخيْر والطاعَة في الدنيا يكُون سَبقكَ على الصِراط يوم القيامة من فوقِ لفحَات السعير وكلاليب جَهنَم ..
وكلما أحسَن العبْد وقوفهُ بين يَدي الله في غلس الليالي وحُلك الظلمات كلما هانَ عليه الموقفُ الأكبر في عرصاتِ القيامة وشدة الكُربات .!

وهَذهِ كلماتٌ أصُوغها وأسُوقها لي ولمن على شاكِلتي ..
أرجُو أن أسْمو بها وكُل قارئ , وأن يُنبتَ الله بها كلأ الإيمانِ في قلبٍ قفر , ويُخرجَ بها ثمَر التقوى في نفسٍ يباب ..
وإن يكُن الله –سُبحانه – يعلمُ فرط حُبي له وعظمَ حَاجَتي لهدايتهِ, وشِدة فاقتي لرضوانِه ..
أن يجعلَ هذه الكَلمات بوابَة عبُور لي إلى مرابع التقوى ومنازل الرضوان ..
ويهديَني بها ويهديَ بي ويهديني !
وأن يَنفعَني بها وينفعَ بها قارئها وناقلها .. ويُقربني بها إليْه .. ويكتبَ لي بها الحَظوَة عنده .. والزلفى لديه .. ويُوجب لي بها رضوانه إلي يوم ألقاه !

أنا ياربّ وكُل قارئ قال : آمين !