المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضائل الصديق بقلم ابن القيم.........



أهــل الحـديث
20-03-2013, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



http://img29.imageshack.us/img29/5513/basmlah.png


فضائل الصديق
بقلم ابن القيم رحمه الله تعالى

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فصل )

لما بَايع الرَّسُولُ أهل الْعقبَة أَمرَ أَصْحَابه بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة فَعلمت قُرَيْش أَن أَصْحَابه قد كَثُرُوا وَأَنَّهُمْ سيمنعونه فأعلمت آراءها فِي اسْتِخْرَاج الْحِيَل !

فَمنهمْ من رأى الْحَبْس !

وَمِنْهُم من رأى النَّفْي !

ثمَّ اجْتمع رَأْيهمْ على الْقَتْل فجَاء الْبَرِيد بالْخبر من السَّمَاء وَأمره أَن يُفَارق المضجع فَبَاتَ عَليّ مَكَانَهُ ونهض الصِّدِّيق لرفقة السّفر .

فَلَمَّا فارقا بيُوت مَكَّة اشْتَدَّ الحذر بالصدّيق فَجعل يذكر الرصد فيسير أَمَامه وَتارَة يذكر الطّلب فَيتَأَخَّر وَرَاءه وَتارَة عَن يَمِينه وَتارَة عَن شِمَاله إِلَى أَن انتهيا إِلَى الْغَار فَبَدَأَ الصدّيق بِدُخُولِهِ ليَكُون وقاية لَهُ إِن كَانَ ثَمَّ موذ وَأنْبت الله شَجَرَة لم تكن قبل (1 ) فأظلمت الْمَطْلُوب وأضلّت الطَّالِب وَجَاءَت عنكبوت فحازت وَجه الْغَار(2 ) فحاكت ثوب نسجها على منوال السّتْر فأحكمت الشقة حَتَّى عمي على الْقَائِف الْمطلب وَأرْسل حَمَامَتَيْنِ(3 ) فاتخذتا هُنَاكَ عشا جعل على أبصار الطالبين غشاوة .

وَهَذَا أبلغ فِي الإعجاز من مقاومة الْقَوْم بالجنود فَلَمَّا وقف الْقَوْم على رؤوسهم وَصَارَ كَلَامهم بسمع الرَّسُول والصدّيق قَالَ الصدّيق وَقد اشْتَدَّ بِهِ القلق يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى مَا تَحت قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله : " يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟! " (4 ) .

لما رأى الرَّسُول حزنه قد اشْتَدَّ لكن على نَفسه قوَّى قلبه بِبِشَارَة : {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعنا} ( التوبة :40) .

فَظهر سر هَذَا الاقتران فِي الْمَعِيَّة لفظا كَمَا ظهر حكما وَمعنى إذ يُقَال رَسُول الله وَصَاحب رَسُول الله فَلَمَّا مَاتَ قيل خَليفَة رَسُول الله ثمَّ انْقَطَعت إِضَافَة الْخلَافَة بِمَوْتِهِ فَقيل أَمِير الْمُؤمنِينَ .

فأقاما فِي الْغَار ثَلَاثًا ثمَّ خرجا مِنْهُ ولسان الْقدر يَقُول لتدخلنها دُخُولا لم يدْخلهُ أحد قبلك وَلَا يَنْبَغِي لأحد من بعْدك فَلَمَّا استقلا على الْبَيْدَاء لحقهما سراقَة بن مَالك فَلَمَّا شَارف الظفر أرسل عَلَيْهِ الرَّسُول سَهْما من سِهَام الدُّعَاء فساخت قَوَائِم فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا(5 ) فَلَمَّا علم أَنه لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِمَا أَخذ يعرض المَال على من قد رد مَفَاتِيح الْكُنُوز(6 ) .

يقدم الزَّاد إِلَى شبعان " أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني " .

كَانَت تحفة ( ثَانِي اثْنَيْنِ) مدخرة للصديق دون الْجَمِيع فَهُوَ الثَّانِي( 7) فِي الْإِسْلَام وَفِي بذل النَّفس وَفِي الزّهْد وَفِي الصُّحْبَة وَفِي الْخلَافَة وَفِي الْعُمر وَفِي سَبَب الْمَوْت لِأَن الرَّسُول مَاتَ عَن أثر السم وَأَبُو بكر سم فَمَاتَ (8 ) .

أسلم على يَدَيْهِ من الْعشْرَة عُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وقّاص وَكَانَ عِنْده يَوْم أسلم أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم فأنفقها أحْوج مَا كَانَ الْإِسْلَام إِلَيْهَا فَلهَذَا أجلبت نَفَقَته عَلَيْهِ " مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر(9 ) فَهُوَ خير من مُؤمن آل فِرْعَوْن لِأَن ذَلِك كَانَ يكتم إيمَانه(10 ) والصدّيق أعلن بِهِ وَخير من مُؤمن( آل ياسين )( 11) لِأَن ذَلِك جَاهد سَاعَة وَالصديق جَاهد سِنِين " .

عاين طَائِر الْفَاقَة يحوم حول حب الإيثار ويصيح ( من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حسنا ) (القرة :245) . فَألْقى لَهُ حب المَال على روض الرِّضَا واستلقى على فرَاش الْفقر فَنقل الطَّائِر الْحبّ إِلَى حوصلة المضاعفة ثمَّ علا على أفنان شَجَرَة الصدْق يغرد بفنون الْمَدْح ثمَّ قَالَ فِي محاريب الْإِسْلَام يَتْلُو { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى} (الليل : 17_18) .

نطقت بفضله الْآيَات وَالْأَخْبَار وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فيا مبغضيه فِي قُلُوبكُمْ من ذكره نَار كلما تليت فضائله علا عَلَيْهِم الصغار أَتُرَى لم يسمع الروافض الكفّار( 12) { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} ( التوبة : 40)؟!

دعِي إِلَى الْإِسْلَام فَمَا تلعثم وَلَا أَبى .

وَسَار على المحجة فَمَا زل وَلَا كبا وصبر فِي مدَّته من مدى العدى على وَقع الشبا(13 ) وَأكْثر فِي الْإِنْفَاق فَمَا قلل حَتَّى تخَلّل بالعبا(14 ) .

تالله لقد زَاد على السبك فِي كل دِينَار دِينَار { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} ( التوبة : 40)؟!

من كَانَ قرين النَّبِي فِي شبابه ؟

من ذَا الَّذِي سبق إِلَى الْإِيمَان من أَصْحَابه ؟

من الَّذِي أفتى بِحَضْرَتِهِ سَرِيعا فِي جَوَابه ؟

من أوّل من صلى مَعَه ؟

من آخر من صلّى بِهِ ؟

من الَّذِي ضاجعه بعد الْمَوْت فِي ترابه ؟

فاعرفوا حق الْجَار نَهَضَ يَوْم الرِّدَّة بفهم واستيقاظ وَأَبَان من نَص الْكتاب(15 ) معنى دق عَن حَدِيد الألحاظ فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ .

حسرة الرافضي أَن يفر من مجْلِس ذكره وَلَكِن أَيْن الْفِرَار؟

كم وقى الرَّسُول بِالْمَالِ وَالنَّفس وَكَانَ أخص بِهِ فِي حَيَاته وَهُوَ ضجيعه فِي الرمس( 16) .

فضائله جليلة وَهِي خليّة عَن اللّبْس ياعجبا ؟ من يُغطي عين ضوء الشَّمْس فِي نصف النَّهَار؟!

لقد دخلا غارا لَا يسكنهُ لابث فاستوحش الصّديق من خوف الْحَوَادِث فَقَالَ الرَّسُول مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ وَالله الثَّالِث ؟!

فَنزلت السكينَة فارتفع خوف الْحَادِث فَزَالَ القلق وطاب عَيْش الماكث فَقَامَ مُؤذن النَّصْر يُنَادي على رُؤُوس منائر الْأَمْصَار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} .

حبه وَالله رَأس الحنيفية وبغضه يدل على خبث الطوية فَهُوَ خير الصَّحَابَة والقرابة وَالْحجّة على ذَلِك قَوِيَّة لَوْلَا صِحَة إمامته مَا قيل ابْن الحنيفة(17 ) .

مهلا مهلا فَأن دمّ الروافض قد فار!

وَالله مَا أحببناه لهوانا وَلَا نعتقد فِي غَيره هوانا وَلَكِن أَخذنَا بقول عَليّ وكفانا رضيك رَسُول الله لديننا أَفلا نرضاك لدنيانا؟!

تالله لقد أخذت من الروافض بالثار .

تالله لقد وَجب حق الصدّيق علينا فَنحْن نقضي بمدائحه وَنَقر بِمَا نقر بِهِ من السنى عينا فَمن كَانَ رَافِضِيًّا فَلَا يعد إِلَيْنَا وَليقل لي أعذار! ( 18) .





__________________

( 1) قال شيخنا علي الحلبي : الوارد في ذالك لا يصح : أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1_229) والبزار في مسنده (1_299) والطبراني في الكبير (20_443) وغيرهم . وأورده ابن كثير في البداية والنهاية (3_181) وقال : " غريب جداً من هذا الوجه " .
قلت : لحال أبي مصعب المكي مجهول وعُوين بن عمرو منكر الحديث .
(2 ) قال الشيخ علي انظر : التخريج السابق .
(3 ) قال الشيخ علي انظر : التخريج السابق .
(4 ) رواه البخاري (3922_ 4663_ 6353) ومسلم (2381) عن أبي بكر .
( 5) رواه البخاري (3908) ومسلم ( 2009) عن البراء بن عازب .
( 6) قال الشيخ علي : أشار الى هذه الرواية الحافظ ابن حجر في الإصابة ( 3_42) ومن قبله ابن عبد البر في الاستيعاب ( 2_581) وهي من مراسيل الحسن البصري .
( 7) قال الشيخ علي : قال المزي : في تهذيب الكمال (15/284) : ( كان أول الناس إسلاماً ) . وانظر الإصابة ( 4/175) . فلعل المصنف رحمه الله أراد أنه الثاني بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
(8 ) قال الشيخ علي : في طبقات ابن سعد (3/198) من طريق الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة أكلا خزيرة (نوع طعام ) أهديت لأبي بكر وكان الحارث طبيبا فقال : لأبي بكر : " ارفع يدك والله إن فيها لسم سنة فلم يزالا عليين حتى ماتا عند انقضاء السنة في يوم واحد " .
قلت : سنده منقطع .
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " ( 7/ 18) : ( وقد جمع الله بينهما في التربة كما جمع بينهما في الحياة فرضي الله عنه وأرضاه " .
( 9) رواه ابن ماجه (94) واحمد ( 2/ 253) وابن شيبة ( 12/6,7) والنسائي في الكبرى ( 9_ فضائل الصحابة ) وابن حبان (6858) عن أبي هريرة بسند صحيح .
(10 ) كما في سورة غافر في آية : 28 .
( 11) وخبره _ كما ذكره المسرفون _ ضمن سياق سورة (يس) آيات : 20_29 وانظر تفسير ابن كثير ( 6/556) وتفسير (7/15) وتاريخ الطبري ( 2/21) وتفسيره (22/161) ونظم الدرر(16/133) للبقاعي . وفي مستدرك الحاكم (3/615) مرفاعاً : " مثل عروة بن مسعود الثقفي مثل صاحب ( ياسين ) دعا قومه إلى الله فقتلوه " . وهو حديث ضعيف ينظر تخريجه في السلسلة الضعيفة ( 1642) .
( 12) قال الشيخ علي : تكفيره إنما للغلاة منهم الذين يكفرون الصحابة .
( 13) المدى : جمع مدية وهي السكين الصغيرة .
والشبا : جمع شبوه وهي طرف السيف وحدته .
( 14) أي حتى جاءه الموت .
( 15) قال الشيخ علي انظر البداية والنهاية (6/ 312) .
( 16) الرمس : هو تراب القبر .
( 17) الحنفية : هي ام محمد بن علي بن ابي طالب واسمها خولة بنت جعفر وهي من سبي اليمامة زمن ابي بكر رضي الله عنه . انظر سير اعلام النبلاء (4/110) والبداية والنهاية ( 9/38) .
( 18) ينظر فوائد الفوائد : ( 313_317) . بترتيب شيخنا علي الحلبي حفظه الله تعالى .