المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة حديث الخضاب بالسواد



أهــل الحـديث
19-03-2013, 08:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




مسألة خضاب الشعر بالسواد على لوحة الدراسة النقدية

اختلف الناس ف حديث أبي الزبير عن جابر في خضاب الشعر بالسواد ، وذلك لاختلاف أصحاب أبي الزبير فيما بينهم في متن ذلك الحديث . وأناس من أصحابه كابن جريج وأيوب (عن طريق عبد الوارث ) وعزرة بن ثابت وليث بن أبي سليم اتفقوا على أن جابرا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظة :"وجنبوه السواد".
بينما أبو خيثمة زهير بن معاوية خالف غيره من أصحاب أبي الزبير حيث نفى زيادة لفظة :"وجنبوه السواد"، و أبى أن تكون من متن الحديث .
وقد دار جدل بين علماء الحديث ما بين مثبت لهذه اللفظة ومنكر لها. ولا يهمني ذكر ذلك الاختلاف ، بل الذي يهمني في هذا المقام أن أقوم بدراسة نقدية لهذا الحديث حسب ما يوحي إلينا خلفيات هذه الرواية وملابساتها.
وقبل أن نتصدى لنقدها لا بد لنا من أن نفهم أصحاب أبي الزبير المقدمين ، فنجد الإئمة يقدمون فيه ليث بن سعد وابن جريج وأيوب السختياني وزهير بن معاوية وغيرهم .
وليث ابن سعد أوثق الناس في أبي الزبير على الإطلاق كما بينه الحافظ رحمه الله ( التلخيص الحبير:2/49) . ولكن ليس له رواية لهذا الحديث ، وأما ابن جريج وأيوب وغيرهما من أثبت أصحابه . وقد خالفهم جميعا زهير بن معاوية ، فعلى ما تقرر في المصطلح أعل بعض المعاصرين هذا الحديث بالشذوذ .
ولكن عندما نتتبع خلفيات هذا الحديث وملابساتها ومواقع تخريج الأئمة له نفهم أن هذا الحكم غير منهجي ولا مطابق لواقع الحديث ومغاير لمنهج النقاد. وذلك لأسباب :
1) أن جميع من روى هذا الحديث عن أبي الزبير اتفقوا على سياق الحديث بينما أبو خيثمة استفتاه عن هذه اللفظة ، وهذا الاستفسار يسفر عن أمرين : الأول : أن أبا خيثمة كان على علم برواية ابن جريج المزيدة فيها. والثاني : تيقظه التام وضبطه المتين في أخذ هذا الحديث عن شيخه ثم بيانه أمام تلامذته.
2) وتغير سياق المتن يوجب الناقد أن يبقى متوقفا حوله كي يثبت من أمره ، وهذا ابن رجب يبين هذه المسألة : والطريق المشهور تسبق إليه الألسنة والأوهام كثيراً. فيسلكه من لا يحفظ. ويقول أيضا ما معناه : إذا كان في شيئ من الإسناد ما يستغرب فإنه لا يحفظه إلا حافظ .
3) جميع روايات من زاد تلك العبارة في الحديث معلولة ، الأول : رواية أيوب ، فإن أيوب من الشيوخ المشهورين، فلو حدث بحديث لرواه عنه جم غفير . وأما في هذه المسألة فإنه لا يرويه عنه إلا عبد الوارث وعن عبد الوارث إلا عبد الرحمن بن المبارك وعن عبد الرحمن إلا أحمد بن إبراهيم القهستاني.
وأما رواية ليث بن أبي سليم فلا يعتبر به حتى يقوم له متابع من حديث الآخرين .
وأما رواية ابن جريج فإنه من أصح الروايات ، ولكنها أيضا لا تسلم من العلة . وذلك لمخالفته لزهير بن معاوية ، وهذا يوجب تعليل حديثه .
4) إن سياق مسلم رحمه الله في كتابه لا يؤيد إلا ما ذكرنا ، فإنه من المعروف لدى من له إلمام بالحديث وعلومه أن الإمام مسلما قدم إلى من يخلفه من العلماء منهجا نقديا من خلال كتابه الصحيح ، وذلك بتقديم الأصح فالأصح من الأحاديث التي وردت في الباب وبترتيب ما هو أسلم من العيوب أولا بأول.
ومع أنه رحمه الله – الناقد الجهبذ – كانت له عدة اعتبارات في البحث عن سلامة الحديث من العلة . منها العلو ، ( والعلو له أيضا اعتبارات كثيرة ، وليس منحصرا فيما يذكره كتب المصطلح).
فهذا الحديث عال بالنسبة إلى حديث ابن جريج . فإن سند ابن جريج إنما يتكون من خمسة نفر، وسند زهير بن معاوية لا يتكون إلا بأربعة أشخاص .
أضف إلى ذلك أن رجال سند زهير كلهم من أماكن مختلفة ، فيحيى بن يحيى من أهالي نيسابور، وزهير أبو خيثمة كوفي الأصل وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مكي الأصل ، وجابر بن عبد الله من الصحابة المدنيين .
فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شهرة هذه الرواية في بلاد مختلفة كالمدينة ومكة والكوفة ونيسابور. وهذه الخصيصة الإسنادية أيضا مما دفع الإمام مسلما إلى تقديم رواية زهير بن معاوية.
وأما رجال إسناد ابن جريج فإن الاثنان منهما من مكان وهو الديار المصرية ، والآخران من مكان آخر ، ألا وهو أرض مكة. فهذا الحديث ليس له من المزية التي امتاز بها رواية زهير.
فالأمر الذي أؤكد من خلال هذه الدراسة النموذجية أن تلك الزيادة ليست من حديث جابر رضي الله عنه .