المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية لأحاديث الزكاة في الحلي



أهــل الحـديث
18-03-2013, 08:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




دراسة نقدية لأحاديث زكاة الحلي

وقبل أن ندخل في تضاعيفالمسألة نقدم خلاصة هذه الدراسة ؛ وهي أن جميع الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب زكاة الحلي وعدمه معلولة لا يحتج بها. وإن كان بعضهم يسعى جاهدا لتصحيحها باذلا قصارى جهده بوضع الأصول والقواعد في غير محله مبتعدا بذلك عن منهج النقد الذي قدمه لنا الأئمة النقاد رحمهم الله ومعتمدا على الاحتمال والتخمين الذين ليس لهما يد في علم الحديث.
وكفى لهذه القضية قاضيا قول الإمام الناقد أبي عيسى الترمذي رحمه الله، حيث بين : ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء(سنن الترمذي – رقم : 637).
وإن كان هذا القول من الترمذي قد انتقده بعض أهل العلم ، فليس ذلك الانتقاد إلا لخفاء مغزاه وعدم اعتبار سياق كلامه.
فندأ بحمد الله بدراسة المرويات التي وردت في وجوب الزكاة في الحلي ؛ وهي كما يلي :
1) حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ؛
أخرجه النسائي بسنده عن خالد عن حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال أتؤدين زكاة هذا؟، قالت: لا ، قال: أيسرك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار !، قال: فخلعتهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هما لله ولرسوله . (السنن الكبرى - النسائي – باب زكاة الحلي: 2/19- رقم:2258)
وأخرجه النسائي أيضا في الصغرى (5/38- رقم:2479)، وأبو داود في باب الكنز ما هو (2/4- رقم:1565)من طريق خالد بن الحارث عن حسين عن عمرو به ، يعني مرفوعا.
ورواه النسائي أيضا (الكبرى 2/19-رقم:2259) من طريق المعتمر قال سمعت حسين بن ذكوان المعلم البصري وهو ثقة قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة ومعها ابنة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان نحوه مرسلا.
هذه الرواية من أصح ما ورد في حديث عمرو بن شعيب. و قد اختلف فيها وصلا وإرسالا. فحسبما فهم بعضهم من كتب المصطح أن الحديث إذا جاء موصولا ومرسلا فإن الموصول يقدم ، أو أن الحديث من كلا الطريقين صحيح.
لحل مشكلة الاختلاف نلجأ إلى أقوال أئمة هذا الفن ، فوجدنا الإمام النسائي يقول : خالد أثبت من المعتمر(5/38).
وهناك أمر ظريف وقع لبعضهم ، وذلك أنه رأى قول الإمام النسائي هذا فأفصح : أن هذه الزيادة من الثقة ، وزيادة الثقة مقبولة ، حتى حكم على الحديث بأن الوجه المرفوع هو الصحيح والمرسل شاذ لمخالفة الثقة ( أي المعتمر) لمن هو أوثق منه ( يعني خالد بن الحارث ).
أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب
والذي وقع له أنه لم يستكمل كلام النسائي رحمه الله، بل كان فيه هذه الزيادة أيضا "وحديث المعتمر أولى بالصواب". وقد نقل هذه الزيادة الإمام الزيلعى في نصب الراية (2/370)، وابن حجر في الدراية (1/259).
وبيّن النسائي رحمه الله حكم هذا الحديث ههنا، وهو أن الوجه المرسل هو أولى بالصواب، هذا وإن دل على شيء فإنما يدل على عبقريته في هذا الفن الجليل.
والإمام النسائي قدم هنا رواية معتمر بن سليمان على رواية خالد بن الحارث مع أن خالدا أوثق وأثبت من المعتمر ، فإنما ذلك لقرائن وخلفيات تحوم حول هذه الرواية.
وأما ما تطرق بعضهم إلى عمرو بن شعيب نفسه ، ومحاولته لتضعيف حديثه في زكاة الحلي فإنه كمن يبني قصرا ويهدم مصرا ، فإن الأسباب التي ذكرها للتضعيف يعم جميع رواياته ، وقد اتفق أكثر النقاد على أن حديث عمرو بن شعيب لا يكون ضعيفا بروايته عن أبيه عن جده . فإن عبد الله جده هو الذي تولى تربية شعيب ، لأن أباه محمدا قد توفي في باكورة سنه. لذا فإن سماع شعيب من عبد الله بن عمرو صحيح ثابت.
فالراجح في رواية عمرو هو الإرسال ، ليس غير . وليس المرسل وحده بحجة.
ومن هنا يقول الإمام الترمذي رحمه الله : ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء (سنن الترمذي – رقم : 637).
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الترمذي إنما قال هذا القول بعد أن ضعف رواية عمرو التي جاء عن طريق ابن لهيعة والمثنى ، وبين أنهما ضعيفان. وعقبه أصدر هذا الحكم بأنه لا يصح شيء في هذا الباب. فكأنه قال : هذه الرواية وغيرها من الروايات الأخرى لم تثبت ولا تقوم الحجة بها.
إلا أن بعض أهل العلم لم يرض هذا الحكم ، فحاول أن يأتي بتأويلات بعيدة عن مراد الترمذي بينما اعتذر بعضهم عن الترمذي بأنه لم يعلم بوجود رواية غير ابن لهيعة والمثنى، حيث يقول : قد رواه عن عمرو بن شعيب حسينُ المعلم في رواية أبي داود والنسائي. وحسين المعلم ثقة. ولعل الترمذي لم تقع له رواية أبي داود هذه.
كما أخطأ من فهم أن هذا القول إنما كان على حديث الباب الذي أورده ، وليس حكما عاما في الموضوع ، ينقل ذلك الزيلعي عن الإمام المنذري حيث يقول : لعل الترمذي قصد الطريقين اللذين ذكرهما، وإلا فطريقُ أبي داود لا مقال فيها.
فأما الحديث الذي ورد في عدم وجوب زكاة الحلي فهو أيضا معلول ، لا يحتج بمثله أبدا.
وإليك الحديث :أخرج ابن الجوزي في التحقيق من طريق أحمد بن الحسن بن البناء قال: أنبأنا أبو الطيب الطبري، نا أبو محمد عبدالله بن محمد، نا أحمد بن المظفر، نا أحمد ابن عمير بن جوصاء، نا إبراهيم بن أيوب، نا عافية بن أيوب، عن ليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((ليس في الحلي زكاة)).
فهذا الحديث أيضا قد اختلف في رفعه ووقفه ؛ والصواب فيه هو الحديث الموقوف كما سنبينه بعد.
وأما الحديث المرفوع فهو معلول من وجوه :
الأول: أن عافية بن أيوب تفرد بهذا الحديث المرفوع.
الثاني : تفرد عافية بما ليس له أصل في المصدر الأصلي ألا وهو الليث، مع كثرة تلامذته.
فهذا الذي قلنا إذاما كان عافية ممن لا بأس به. وأما إن كان مجهولا أو ضعيفا فإنه ليزيد في الحديث شناعة.
الثالث : جماعة من أصحاب أبي الزبير يروونه موقوفا ؛ كما أخرجه ابن أبي شيبة حيث قال :حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبد الْملك، عَنْ أَبِي الزُّبير، عن جابر، قَالَ: «لا زكاة في الحلي » قلت: إنه ألف دينار، قال: «يعار ويلبس» ( ابن أبي شيبة- رقم : 10177)
وكما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، ومعمر، عن عمرو بن دينار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحلي هل فيه زكاة؟ قال: لا، قلت: إن كان ألف دينار؟ قال: الألف كثير. ( 2/7046:82)
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أَبو الزُّبير، أَنَّه سمع مثْل ذلك من جابر مثل ما أخبرني عمرو بن دينار.
وعنه أيضا،عن معمر، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر مثله. (مصنف عبد الرزاق :7048،7049 )
هذا غيض من فيض فيما ورد عن جابر موقوفا . فأما رواية عافية فمخالِفَة لهذه الروايات كلها. إن شئت فسمّه شاذا أو منكرا أو باطلا.
ومن هنا يقول الإمام البيهقي - رحمه الله - : : والذي يرويه بعض فقهائنا مرفوعا : ليس في الحلي زكاة ، لا أصل له إنما يروى ، عن جابر من قوله غير مرفوع ، والذي يروى عن عافية بن أيوب ، عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، مرفوعا ، باطل لا أصل له ، وعافية بن أيوب مجهول ، فمن احتج به مرفوعا كان مغررا بدينه ، داخلا فيما نعيب به المخالفين في الاحتجاج برواية الكذابين ، والله يعصمنا من أمثاله.
وكان الإمام البيهقي رحمه الله واضحا في عباراته حين علل حديث جابر المرفوع ، ولكن بعضهم - منهم صاحب كتاب "امتنان العلي بعدم زكاة الحلي" لم يفهم مغزى كلامه حتى ثار ثائره ، فجعل يرد على البيهقي بشيء لا يوزن في ميزان النقد حبة خردل.
ولكي يستجد الموضوع لدى القارئ أود أن أفسر قول الإمام البيهقي رحمه الله. ولفهم كلامه لا بد لنا من إلمام بجوانب نقدية للأحاديث، وهي كما يلى:
الحديث المعلول هو الحديث الذي أخطأ فيه الراوي . والخطأ نوعان ، خطأ على وجه العمد ، وخطأ من غير تعمد. وإذا كان الخطأ تعمدا سميناه موضوعا، وإذا كان من غير عمد سميناه معلولا.
فالكل يجتمع في نقطة الخطأ ، فإذا ثبت لدى الناقد أن الراوي قد أخطأ في الحديث - تعمدا أو غير متعمد - يعبرون عنه بعبارات متقاربة المعنى مع وضوحه، مثل :" هذا حديث باطل" أو "لا أصل له" أو "لا يصح" أو "منكر" أو "خطأ".
ولنعد النظر مرة أخرى إلى قول البيهقي، وقد أفصح بأن الحديث باطل ، وليس له أصل. لأن الراوي - وهو عافية - أخطأ حين حدث بحديث ليس له أصل في حديث الليث ولا يعرفه أحد من أصحاب الليث ، بل خالف الواقع الحديثي، ونسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا لم يقله. ومعلوم أن كل ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ فباطل ، فهذا هو السر في تعبير البيهقي رحمه الله.
أضف إلى ذلك أن الإمام البيهقي شافعي المذهب ومنتصر لمذهبه ، ومذهبه في زكاة الحلي معروف، ألا وهو عدم وجوبه . وهذا الحديث الذي انتقده هو حجة لمذهبه ، ومع ذلك انتقده وبين أنه ليس بحجة . وهو بذلك بين لنا كيف نؤدي أمانتنا العلمية، هكذا كانوا....!
ولكن الشيخ الغماري - رحمه الله - ومن معه اتهموا البيهقي بالإسراف، من غير دليل قائم . بل أكبر دليلهم ما عثروا من كتب التراجم على أن عافية هو ممن ليس به بأس.
ولكن ينبغي أن نفهم أن ليس لوثاقة الراوي ولا ضعفه كبير أثر في صحة الحديث ، حتى نقول : هذا حديث صحيح لأن رجاله ثقات ، وهذا ضعيف لأن فيه رجل ضعيف. ( وفي الموضوع تفصيل، وليس هذا مقامه).
والعجب من الشيخ الغماري أنه في معرض رده على البيهقي لم يعرف أن مذهبه قائم على الظن والتخمين وقائم على معلومات سطحية اكتسب من كتب التراجم، كما ورد في المثل : من كان بيته من زجاج فلا يرمينّ الناس بالحجارة.
والاتهام الثاني نحو البيهقي أنه زعم أن عافية مجهول ، وقالوا: ما هو بمجهول. ودليلهم ما سبق من قول أبي زرعة أنه ليس به بأس.
وهذا الاتهام أيضا نشأت من فهم خاطئ في اصطلاح "مجهول". والمجهول عندهم هو من كان غير معروف لديهم ، لا في عصره ولا فيما بعده. (وفي الموضوع تفصيل ، وله موضع آخر).
فخلاصة لهذه العجالة نقول : إن الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت في زكاة الحلي في شيء. وأرجو من خلاله أن نعود إلى منهج النقاد في معالجة الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ، وعلى الأقل أن نسلم لهم أراءهم في النقد الحديثي.



والله المستعان ، وعليه التكلان