تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ذبائح أهل الكتاب ـ بحث فقهي ـ



أهــل الحـديث
17-03-2013, 06:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
ذبائح أهل الكتاب و حكم التمسية عند الذبح

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين :
إن هذا الموضوع من المواضيع المهمة خاصة للمسلمين الذين يعيشون في الغرب . و السبب أن قررت كتابة هذا البحث هو أن هذه المسألة كانت تشغلني لفترة ليست بالقصيرة و كنت أقرأ و أسأل عنها ثم قررت أن أكتب ما توصلت إليه لأني أعتقد أن هناك كثير من الناس قد يستفيدون من بحثي هذا . و الله المتسعان
الله سبحانه و تعالى أحل لنا كمسلمين ذبائح أهل الكتاب كما قال سبحانه في كتابه : ( و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) ( المائدة 5) .
و المراد بطعام هنا هو الكتاب كما بين عدد من المفسرين و منهم الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ (1). و لكن القضية التي اختلف فيها كثير من الفقهاء هي هل كل طعام أهل الكتاب حل لنا ؟ فبعضهم قال أن الآية عامة فإن الكتابي لو ذبح و سمى اسم غير الله كالمسيح و غيره فهي حلال . و بعضهم قال أن ذبائحهم حلال إذا توافرت فيهم الشروط التي تتوافر في المسلم من إنهار دم الذبيحة و التسمية ( للقائلين بوجوبها) و عدم الذبح لغير الله فهذه هي العلة من إباحة ذبائحهم أنهم يذبحون على طريقة المسلمين . و هذا رأي ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة فهو يرى أن التسمية شرط لحل ذبيحة المسلم و الكتابي
و أنا بصراحة ملت إلى أن القول الثاني و هو أن ذبائح أهل الكتاب مباحة طالما طريقة ذبحهم هي نفس طريقة ذبح المسلمين و لأني كنت مقلداَ للشيخ ابن عثيمين فإن قلدته في رأيه في أن التسمية و اجبة على المسلم و لا تسقط سهوا و لا عمداّ . فلذلك كنت لا أرى حل ذبائح أهل الكتاب إلا إذا سموا عليها اسم الله و ذبحوها بطريقة سليمة من غير صعق و لا خنق و غير ذلك من يجعلها ميتة. و لكنني مؤخراَ قررت أن أقوم بالبحث عن هذه المسألة في الكتب التي تصف شروط الذبح لدى اليهود و النصارى . ففي رأيي أن هذا سيقوم بتوضيح المسألة بشكل أكبر بإذن الله. و لا بأس حتى لو أدى ذلك إلى قراءة كتبهم المقدسة لأن بعض علماء نص على أن هذا مباح طالما أن هناك حاجة أو مصلحة . فوجدت أن من شروط الذبح عند اليهود أن يتم قطع أوردة الدم في رقبة الحيوان و أن الدم يجب أن يخرج من الذبيحة و هو مشابه لما عندنا في الإسلام من قوله صلى الله عليه و سلم : ( ما أنهر الدم ) (7) . و أما في النصرانية : ( و أما من جهة الذين آمنوا من الأمم , فأرسلنا نحن إليهم و حكمنا أن لا يحفظوا شيئاَ مثل ذلك , سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام , و من الدم , و المخنوق و الزنا ) (8) . و هذا واضح في أن المسيحين ليس مسموحاً لهم بالذبح للأصنام . و من خلال بحثي لم أجد أي شيء يدل على أنه يجب على اليهود أو حتى النصارى أن يذكروا اسم الله على ذبائحهم .
فبعد بحثي هذا تبين لي بطلان قول القائلين بأن التمسية شرط في حل ذبيحة الكتابي كما هي شرط في حل ذبيحة المسلم , و استخدموا القياس في ذلك فقالوا أن المسلم إذا لم يسمي لا تحل لنا ذبيحته فمن باب أولى أنه لا تحل لنا ذبيحة الكتابي إذا لم يسمي عليها اسم الله . فهذا قياس مناف لنص صريح في القرآن فلذلك هو قياس باطل فإنه و كما بينت في الأعلى فإن التسمية على الذبائح ليست من شريعة أهل الكتاب. و بعد استنتاجي هذا فكرت أن أقوم بالبحث في أقوال العلماء عن حكم التسمية .
حكم التسمية للمسلم :
اختلف العلماء ـ رحم الله حيهم و ميتهم ـ في حكم التسمية على الذبيحة على ثلاثة أقوال :
الأول : هو أنها واجبة و لا تسقط سهوا و لا عمداَ . و هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن عثيمين (5) .
الثاني : أنها واجبة و لكنها تسقط سهوا و هذا أيضاً قول جماعة من العلماء منهم ابن قدامة المقدسي في المغني .
الثالثة : أنها مستحبة . و أشهر من نقل عنه هذا القول هو الصحابي الجليل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فإن هذا الذي يفهم من قوله حينا سأل عن المسلم يذبح و ينسى ذكر الله فقال : المسلم فيه اسم الله , و إن لم يذكر التسمية . (4)
أدلة القائلين بالوجوب
قوله تعالى : ( و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه و إنه لفسق ... الآية ). الأنعام 121
و هذه الآية قال بعض العلماء أن المراد منها تحريم الميتة كما نقل ذلك عن أحمد بن حنبل (3). و بعضهم قال أن المراد منها أن ما لم يذكر اسم الله عليه عمداَ أو سهواَ لم يحل .و جمع من العلماء قال أن المراد منها هو تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدأ . و منهم من قال أن المراد منها هو تحريم الميتة و ما أهل به لغير الله خاصة (6) .
و الذي يتبين لي أن القول الأول هو الأقوى و السبب في ذلك هو سبب نزول الآيات . و قصة نزول هذه الآية كما بين عدد من المفسرين أن مجموعة من اليهود (أو المشركين) جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه حينما سمعوا عن حكم أكل الميتة و أنها حرام فقالوا : أتأكلون مما قتلتم أنتم و لا تأكلون مما قتل الله؟ فنزلت الآية .
و الدليل على أن المراد بالآية الميتة أن الله سبحانه قال في آخر الآية ( و إن أطعتموهم إنكم لمشركون) . أي أن المسلم إذا اعتقد حل أكل الميتة فهو مشرك بنص الآية . أما إذا حملنا الآية على أن معناها أن المسلم إذا اعتقد حل أكل ما لم يسم الله عليه عمدا فهو مشرك فهذا قول ليس بالهين. فكيف نقول هذا و بعض العلماء نقل هذا القول عن بعض الصحابة أن التمسية سنة . كما نقل القرطبي ذلك عن ابن عباس و أبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ . و قد يتساءل البعض عن سبب تسمية الله للميتة بهذا الإسم و هذا ليس بالأمر المستغرب في القرآن . ففي قوله تعالى : ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) ( البقرة 222) الإتيان هنا معناه الجماع , و في آية أخرى ( أو لامستم النساء ) ( المائدة 6) و هنا اللمس بمعنى الجماع. و لله الحكمة في اختيار الألفاظ و علينا النظر في القرائن حتى نعرف معنى الآية .
و الأمر الآخر الذي يبين أن المراد من هذه الآيات ليس هو وجوب ذكر اسم الله عند الذبح هو أن جميع الآيات الأخرى في القرأن كآية الأنعام رقم 145 , و آية سورة النحل رقم 115 و و آية سورة المائدة رقم 3 كلها آيات تبين أن المحرم هو فقط ذكر اسم غير الله على الذبيحة أما غير ذلك فظاهر الآيات يدل على جوازه أي ما لم يذكر اسم الله عليه و ما ذكر اسم الله عليه . و آية المائدة من آخر الآيات التي نزلت من القرآن فحتى لو كان ذكر اسم الله واجبا على الذبيحة في بدء الأمر فهذه الآية نسخت ما كان قبل ذلك .
قوله صلى الله عليه و سلم : ( ما أنهر الدم و ذكر اسم الله عليه فكلوا) ( صحيح البخاري 2507)
و هذا الحديث صريح صحيح و لكن أمر الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ يحمل على الوجوب إذا لم تكن هناك قرائن تدل على غير ذلك و هناك قرائن سأذكرها في ادلة الإستحباب بإذن الله تدل على أن الأمر هنا للإستحباب . و لو كان الأمر هنا للوجوب لنسخته آية سورة المائدة و.

أدلة الإستحباب
أن جارية لكعب بن مالك ترعى غنماَ له بالجبيل الذي بالسوق, و هو بسلع , فأصيبت شاة, فكسرت حجراً فذبحتها به فذكروا للنبي صلى الله عليه و سلم , فأمرهم بأكلها. ( صحيح البخاري ( 5502)
فالرسول صلى الله عليه و سلم لم يسأل هل سمت الله على الذبيحة أم لا . و مع أن احتمالية أن الجارية نسيت ذكر الله في هذه الحالة كبير فإن الجارية حتى لم تذهب تبحث عن أداة لقطع حنجرة الشاة و الغالب أن الجارية كانت في عجلة من أمرها و لم تذكر اسم الله تعالى على الذبيحة .
عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( أن قوماَ قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم : إن قوماَ يأتوننا باللحم ,لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : ( سموا عليه أنتم و كلوه ). فقالت : و كانوا حديثي عهد بالكفر . ( صحيح البخاري 5507)
و هذا حديث أكثر وضوحاَ فإن قول أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أن القوم حديثي عهد بإسلام يدل على أنهم ربما لم يتعلموأ فروع الإسلام بعد . أما الذبح لغير الله فهذا لا يحدث من مسلم لأنه من أساسيات الدين و لأنه شرك . فلذلك كانت ذبيحتهم حلالاً لأنهم اجتنبوا المحرم و هو أن الغالب عليهم أنهم لم يذكروا عليها اسم غير الله . أما من قال من العلماء أن هذا دليل على أن من شق عليه العلم بالتسمية فإنه لا يجب عليه ذلك فإنه فيه نظر إذا طبقناه على هذه الحادثة. فنقول هنا كلمة يأتوننا تدل على أن الفعل مستمر فكان بإمكان الرسول صلى الله عليه و سلم أن يسألهم إذا اتوكم في المرة القادمة اسألوهم و لا يوجد في هذا الفعل مشقة ظاهرة . و لكنهم أخبرهم أنه لا داعي لفعل ذلك . و العلة الظاهرة من هذا كما قلت مسبقاَ و الله أعلم أنهم مسلمون مأمون من أن يسموا لغير الله عند ذبحهم . و من قال أن التسمية واجبة فهم يقولون أن من أكل مما لم يسم الله عليه فإنه ارتكب كبيرة لقوله تعالى : ( وإنه لفسق). فأنا أرى أن هناك تعارض بين من قال أن التسمية و اجبة و لا تسقط عمداَ و لا سهوا و من يقول لا تسألوا عن ذلك حتى و لو كانت هناك قرائن قد تدل على أن الذابح لم يذكر اسم الله و كان بامكان الإنسان أن يعرف ذلك من دون مشقة ظاهرة.
القياس :
و كما وضحت مسبقاً فإن ذبيحة الكتابي تصح و إن لم يذكر عليها اسم الله فمن باب أولى أن المسلم تصح ذبيحته و إن لم يذكر اسم الله عليها و الله أعلم .

المصادر :
1-ـ تفسير الشيخ السعدي
2 ـ- تفسير القرطبي
3ـ المغني , كتاب الصيد و الذبائح
4-ـ فتح الباري , شرح صحيح البخاري كتاب الذبائح و الصيد .
5-ـ أحكام الأضحية و الذكاة للشيخ أبن عثيمين .
6ـ التحرير و التنوير
7ـ to Shechita Guide A
8ـ أعمال الرسل ( فصل 21 , آية 25)