المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يلعب الرافضة بالنار ، أم يريدون إحراق غيرهم !!



االزعيم الهلالي
17-03-2013, 07:40 AM
هل يلعب الشيعة بالنار أو يريدون إحراق غيرهم بها؟
وقفتُ على مقالة الأخ الدكتور سليمان الضحيان، المعنونة بـ: "شيعة السعودية واللعب بالنار"، منشورة في موقع "الإسلام اليوم"، ولستُ أشكُّ طرفة عين في نُصح الكاتب للمسلمين، وحرصه على وأدِ الخلاف في مَهْدِه، وجعل نتيجة الشَّغب الذي افْتَعَلَهُ الشيعةُ الإمامية في المدينة النبوية لصالح أهل السنة، وتخطئة الرافضة فيه، ولكن ما كلُّ ناصح مصيبًا، كما أنَّه ليس كل منتقد مخطئًا، والبَشَرُ كلهم لهم أُصُولهم ومصادرهم التي يرون صوابها، ويحتكمون إليها بحسب أديانهم ومذاهبهم.
والخلافُ الكبير الذي يصل إلى حدِّ الاقتتال بينهم، إنما يقع بينهم بسببِ اختلاف الأُصُول التي يعتمدونها، والمصادر التي يتلقونها بالقَبول والإذعان، ويصدرون عنها.
وقد قَرَّرَ الكاتبُ - وفَّقَه الله تعالى - ذلك في بداية مقالته، حين أفادنا بأن الخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف جذري، يَتَعَلَّق بصميم العقيدة، بمعنى أنهما لا يمكن أن يلتقيا ويَتَّفِقا إلا بتنازُل أحد الطرفين للآخر عن أُصُول عقيدته ومصادرها؛ ولذا اقْتَرَحَ في مقالته أن تبقى الأماكنُ المقَدَّسَة بعيدة عن الصراع.
وهنا يحق لي أن أتساءَلَ: أين يقف الكاتب من هذا الخلاف؟ هل هو على الحياد، أو يُحاوِل أن يكونَ كذلك؟ وهل مُعالجته في مقالتِه كان مُنطلقها دينيًّا شرعيًّا لإحقاق الحقّ، وإبطال الباطل، أم أن مُنطلقها سياسي، حسب فن الممكن؟
فإن كان محايدًا ومعالجته شرعية، فليرجع إلى أُصُول الطائفتين، وليبيِّن للقُرَّاء مَن هي الطائفة التي انقلبتْ على الإسلام وعقيدته وأُصُوله وحرَّفتها.
وإن كانتْ معالجته سياسيَّة، فإن المناورة السياسية على نوعينِ:
مُناورة تقود إلى التنازُل، وأخرى تُبرز الحقائق، وفي ظنِّي أنَّ الكاتبَ - سدَّدَهُ الله تعالى - قد عالَجَ مشكلة شغب الرافضة وَفْقَ النوع الأول منَ المناورة، وذلك حين قال: "ولنفرض أن جمهرة من علماء السنة كتبوا بيانًا؛ يطالبون فيه بهدم القباب والمساجد التي بُنيت على قبور أئمة أهل البيت ... ولنفترض أن جمهرة من السلفيين مع نسائهم تجمهروا في كربلاء، وضجوا بالإنكار على ما يحصل عند القبر المنسوب للحسين؛ لأنهم يرونه بدعة لا يرضى بها الحسين، ولا أهل البيت، ألا يكون هذا الفعل منهم استفزازًا صارخًا للشيعة، وإثارة بغيضة للطائفية؟! وعلى هذا؛ فإذا أردنا المحافَظة على السِّلْم الأهلي، فيجب أن نؤمن أن الأماكن الدينية - وخاصة في وضع ثقافي كوضع عالمنا العربي اليوم - يجب أن يكونَ تنظيمها دينيًّا وفقًا لمرئيات مَن يسيطر عليها، وهذا من بدهيات فقه السياسة" اهـ. كلامه.
عجبتُ كثيرًا منَ الكاتب - وهو موحِّد لله تعالى - كيف يُقَرِّر أن الدعوة إلى التوحيد، والنَّهْي عن الشِّرك في مشاهد الشيعة الشركية استفزازٌ صارخ للشيعة، وإثارة للطائفية البَغِيضة، ويسوق ذلك في مساق الإنكار وعدم الرضا؟!
ولا بدَّ هنا أن أسأل: أَلَمْ يكن الأنبياء عليهم السلام مستفزِّين للمشركين حين دعوهم إلى التوحيد، ونهوهم عنِ الشِّرْك؟! أَلَمْ يكن إبراهيم عليه السلام مُستفزًّا للمشركين حين هدم أصنامهم، ولم يكتفِ بمُجَرَّد القول، ومدحه الله تعالى في مواضع منَ القرآن، وأثنى على فعله؟!
ألم يكنِ النبي صلى الله عليه وسلم مستفزًّا لقريش وكبرائها، حين عاب آلهتهم وسفَّهها؟! مع استحضار أن الأنبياء وأتباعهم هم الأقلية، وهم الذين دَخَلُوا على المشركين في أماكن عبادتهم.
إذًا: فالميزانُ هو الحق، وليس وضع اليد.
ولو طردنا هذا الأصل الذي قَرَّرَه الكاتب الكريم وعمَّمناه، لكان من حقِّ أئمة الشِّيعة الإماميَّة أن يمنعوا بناء مساجد للسنة في طهران، وفي قُمّ، وكربلاء، وغيرها من محلاتهم؛ لأنهم المسيطرون عليها، ولها مكانة دينية في قلوبهم، ويرون أن مساجد أهل السنة ليس فيها مظاهر تقديس القبور والأضرحة، والبناء عليها والاستغاثة بأصحابها، التي هي أساس مُعتَقَد الشيعة؛ بل تنطلق منها دعوات التوحيد المناهِضة لهم ولشركهم، ففيها تحدٍّ سافِرٌ لمذهبهم، واستفزاز ظاهر لمشاعرهم.
وعليه: فلا يحق لأهل السنة المطالَبة بشيء من ذلك، والنِّضال مِن أجْلِه، وإلا كانوا مستفزين للشيعة، محيين للطائفية البغيضة.
ولو وسعنا هذا الأصل الذي قَرَّرَهُ الكاتب الكريم، وطبَّقناه مع غير أهل القبلة - ونحن في زمن دعاوى قبول الآخر، والتعايُش السلمي، وحوارات الأديان، والاعتراف بها - لقُلْنا: لماذا إذًا نُحارِب اليهود على الأقصى؟ أليس تحت أيديهم منذ انتصارهم في حرب 1967م؛ أي: منذ ثنتين وأربعين سنة ميلادية، وهم يدَّعون - كما يدَّعي الشيعة - أنهم أصحاب حقّ، ولهم رسالة دينية سماوية؟! ويريدون بناء هيكلهم، وإعادة مملكة داود عليه السلام السابقة لرحلة الإسراء والمعراج، وللفتْح الإسلامي للبيت المُقَدّس، ولبناء المسجد الأقصى؟! فهل سيطرد الكاتب الكريم أصله عليهم، كما قرَّره في الشيعة أو ماذا؟!
ثم ماذا لو قال الشيعة الإمامية: إن وضع اليد على المقدسات في التاريخ الإسلامي كان بالقوة لا بالاختيار، لا سيما وهم يعتقدون أن كل الحكومات الإسلامية الماضية والحاضرة مغتصبة لحق أئمة آل البيت في الإمامة - كما هو معلوم من كتبهم - وماذا لو قالوا: إنهم سيرجعونها إلى من يستحقها حسب زعمهم، ويحفزهم إلى ذلك أمران:
أولهما: نجاحهم في العراق بعد تحالُفهم مع أمريكا، وليس يخفى على أحد أن شعائر الشرك في المراقد الشيعية ما ظهرت إلا بعد إسقاط صدام حسين.
ثانيهما: ما يمتلكونه من قوة عسكرية ممثلة في إيران، التي ستنضم إلى النادي النووي، مع أذرعتها المخلصة لها في الشام والخليج وغيره.
إنَّ المشكلة الكبرى في مُوَافَقة أهل الباطل في باطلهم حسب فن الممكن عند أهل السياسة - أنهم لن يتنازَلوا عن باطلهم بتنازلنا نحن عن شيء من حقِّنا؛ بل سيطمعهم ذلك في مزيد من التنازلات، كما أن هذا التنازل منَّا تهتزُّ به قناعات كثير ممن يقفون معنا؛ لشكِّهم في الحق الذي عندنا؛ بحجة أنه لو كان حقًّا لا مرية فيه، لما تنازَلْنا عنه.
وأما اجترار الكاتب النموذج النصراني حلاًّ للمشكلة، بذكره إدارة الأرثوذكس لكنيسة المهد، مع أنهم يخالفون الكاثوليك والبروتستانت في المعتقَد، وتقريره أن ذلك من بدهيات السياسة، ومحاولته إسقاطه على الحالة السنية الشيعية لتحقيق السلم الأهلي - فهو إسقاط في غير محله؛ لأن الباطل المتعدِّد يُمْكن جَمْعه في باطلٍ واحدٍ، وهو ما تَمَّ في أوروبا حين سادت العلمانية، وحلت الوطنية محل الدين، وصار الخلافُ الدِّيني لا يمثِّل مشكلة كبرى بعد أن أُخضعت الكنائس للسيادة العلمانية، ولكن في حالة الخلاف السُّنِّي الشيعي يختلف الوَضْع؛ إذ هو خِلاف بين الحق والباطل، فلا الباطل يريد الخُضُوع للحق، ولا يجوز لأرباب الحقِّ أن يخضعوا حقهم لباطل غيرهم.
وهنا أُسَجِّل بعض النقاط التي أرى أنها جديرة بالعناية والتأمل في المسألة الشيعية:
الأولى: أن لدى الشيعة الإمامية من نُصُوص تكفير المسلمين عمومًا، وأهل السنة على وجه الخصوص، واستحلال دمائهم وأموالهم أضعافَ ما عند من يسمونهم "سلفيين" أو "وهَّابيين" من نصوص تكفير الفرق المغالية في بدعتها، فلماذا الحديث دائمًا عن تكفير السلفية والوهابية، وغض الطرف عن تكفير الشيعة الإمامية لكل المسلمين؟!
الثانية: أن منطلق تكفير السلفية (الوهابية) للفِرَق المغالية التي بلغتْ حدَّ الشِّرك هو تطبيق ما في الكتاب والسنة من تكفير مَنْ وقع في الشرك مُصِرًّا عليه؛ ولذلك لم يكفِّروا الفِرَق المخالِفة التي قصرتْ مخالفتها عن الكفر، بينما منطلق تكفير الشيعة الإمامية لغيرهم هو مجرد مخالِفتهم للغلُوِّ في آل البيت؛ ولذا كفروا كل الصحابة - رضي الله عنهم - وذكروهم في عداد المنافقين إلا نفرًا قليلاً منهم، وبناء عليه، فإنَّ كلَّ مَن لم يوافقهم في غُلوهم في آل البيت، فلن يسلمَ من تكفيرهم، مهما قدم لهم مِن تنازُلات.
الثالثة: أنَّ الشيعة الإماميَّة يستحلون دماء من كفروهم، ويسمونهم (نواصب)، وهم كل من لم يوافقهم على الغلو في آل البيت، وكل من رفض الطعن في جمهور الصحابة رضي الله عنهم، وهم في واقِع الأمر جُمهور المسلمين، بينما أهل السنة - ومنهم السلفيون - لم يستحلوا دماء الفِرَق المخالفة، وإن وقعتْ في الكفر؛ إلاَّ إن أظهروا شركهم، أو دعوا إليه.
وأكبرُ دليلٍ على ذلك: أنَّ أهلَ السُّنَّة لَمَّا حَكَمُوا العالم الإسلامي أربعة عشر قرنًا، تركوا الشيعة الإمامية وسائر الفرق الباطنية وما يعتقدون، متى ما كفُّوا عن المسلمين، مع أنهم كانوا قادرين على إبادتهم عن بكرة أبيهم، بينما لما قامتِ الدولةُ الصَّفَوِيَّة في إيران، في مطلع القرن العاشر الهجري، أباد إسماعيل الصفوي أهل السُّنَّة، وقتل منهم قرابة مليون نفس، وشيع الباقين بالقوة، وما نُقل مِن أفعال فرق الموت وفيلق بدر في العراق بأهل السنة ليس بعيدًا عن الأذهان.
الرابعة: أنَّ الانقلاب الإمامي على عقيدة الانتظار التي لازمتِ الشِّيعة الإمامية طيلة القرون الماضية، بعد أنْ أُحدثت فيهم بدعة (ولاية الفقيه) في العهد الصفوي، ثم اعتمدت أساسًا في الثورة الخمينية - هذا الانقلابُ قد غيَّر الواقع السياسي للشيعة الإمامية، ونقلهم منَ الانتظار إلى التحرُّك، وتصدير الثورة، والسعي الجاد لحكم العالَم الإسلامي كله، ولن يتنازَلوا عن ذلك، مهما كلف الأمر؛ لأنه أساس ثورتهم، وعماد قيام دولتهم، ولن تكونَ ملاينتهم والخُضُوع لِمطالبهم إلا إعانة لهم على تحقيق طموحهم، ومشاريعهم في بلاد المسلمين.
الخامسة: أن بيعة الشِّيعة في كلِّ أرجاء الأرض لأئمتهم، ومبايعة أئمتهم للوالي الفقيه (مرشد الثورة) هي أعظم عهد في نفوسهم، وأوثق عقد انعقدت عليه قلوبهم، ولا يرون مصلحتهم الدينية والدنيوية إلا فيه، فمِنَ السذاجة أن يعزفَ البعضُ على أوتار الوطنية عند مَن لهم وطن خاص بهم في معتقدهم، وفكرهم لن يهدأ له بال، ولن يقرَّ لهم قرار حتى يروه قائمًا على ثرى المسلمين، ولو أحرقوا كل المسلمين في سبيل ذلك.
أخيرًا: ليعلم الكاتبُ الكريم أنَّ الخلافَ بين الشيعة والسنة الذي يصل إلى حد الاحتراب لن يوقفه مقاله، ولا مقال غيره؛ لأنه خلاف في أصْلِ العقيدة، ولن يستطيعَ أهل السياسة من كتاب وقادة الحيلولة دونه؛ لأنَّ شيعة العالم كله بيادق تحرِّكها المرجعية الدينية في طهران، بعد أن اعتمد المذهب الإمامي ولاية الفقيه، وولاؤهم لآيات الفرس في إيران أعظم من ولائهم لآبائهم وأمهاتهم، فضلاً عن حكوماتهم وعشائرهم، ويَفْدُون الدولة الفارسية الباطنية بدمائهم وأولادهم وأموالهم، فإذا كان الأمر كذلك، فلأن يقول المرء حقًّا يعلم أن المستمع إليه قليل خيرٌ من أن يقولَ باطلاً قد يطبِّل له كثير من الناس، في عصر ما يسمى بالحوار والتعايش، ولكنه يوقن تمام اليقين أن باطله لن يغير من الواقع شيئًا.


المصدر : البرهان
الـرابط : هـنـا (http://alburhan.com/main/articles.aspx?article_no=4811#.UUUu2De6x9M)