المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال يستحق الوقوف عنده مليا للأمة الإسلامية



أهــل الحـديث
16-03-2013, 02:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مقال يستحق الوقوف عنده مليا للأمة الإسلامية

الدين معاملة في الاتجاهين:

يقول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 96 - 99]. هذه الآيات ومثيلاتها، تدل على أن الله يعامل عباده بحسب ما يعاملونه سبحانه؛ فإن أطاعوه، سخر لهم كل شيء (السماء والأرض)؛ وإن عصوه، أمر أجزاء العالم أن تمنع عنهم الخير المخزون فيها، وتمدهم بما يزيدهم بعدا، حتى يرِدوا العذاب.

لقد كان عدم اعتبار معاملة الله، في النظر إلى حال الفرد أو حال الجماعة، علامة من علامات الكفر لدى الأمم والأفراد. أما اليوم، فإن الأمة الإسلامية نفسها، لم تعد تأبه لانعكاس معاملة الله عليها. وصارت تتبع المنطق الكفري الذي يعم العالم، وكأنه لم ينزل عليها من الله شيء. بلغ منها ضعف الإيمان، أن صارت تعمل بعمل الكافرين! واقتُصر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن وقع، على ندوات خاصة، يحضرها "أهل الدين الرسمي" الذين يعيشون علمانية بالفعل، تفصل الدين عن الواقع كله، لا عن الدولة فحسب؛ كما هي حال العلمانية عند غيرنا.

إن الكفر العملي الذي يقارب الكفر العقدي، هو ما يجر على الأمة البلاء من كل صنف، ومن كل صوب. يقول الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]. العذاب الأدنى، هو عذاب الدنيا؛ والعذاب الأكبر هو عذاب الآخرة. ومن لم يعتبر بعذاب الدنيا، فقد غامر بورود عذاب الآخرة. وقد بيّن الله أصناف العذاب في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]. فالخوف والجوع يكونان من فقد الأمن والغذاء؛ ينتهيان إلى الفوضى وتسلُّط بعض على بعض، مما يؤدي إلى إتلاف الأنفس والثمرات في هُياج الاقتتال والصراعات. فإن رجعت الأمة إلى ربها، بإصلاح معاملتها له سبحانه، فإنه سيكشف عنها الضر؛ ولكنه إن علم منها الإصرار على المعاصي، فإنه سيقيم عليهم حالهم الأولى ويديم. يقول الله تعالى عن هذا الصنف: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75].

حال الأمة اليوم، هو أقرب إلى مدلول قول الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]؛ وهو نوع من الإصرار الناتج عن قسوة القلب وتزيين الشيطان؛ وهذه حال أقرب إلى تحدي الله، وإن قالت الألسنة خلاف ذلك. فما ظنك بعبد يبارز ربه، ولا يعود إلى حال عبوديته؛ إلا أن يصير هدفا للبلاء المهين؟!

قد يقول قائل: إن الناس يصلون ويصومون ويحجون و... ؛ فالأمة لم تعص المعاصي الكبيرة في عمومها! فنقول: إن الله ذكر في الآية السابقة ما يمنع من التضرع وخص قسوة القلوب؛ لأن القلوب إذا قست، صارت معها صور العبادات فاقدة لروحها؛ وعادت ضربا من ضروب الاستهزاء بالدين. فالمطلوب، ليس هو الذهاب بالأبدان إلى المساجد، ولا كفها عن الطعام والشراب لفترة؛ وإنما المطلوب قبل ذلك، خشوع القلوب لله، وخضوعها لعظمته سبحانه. وهذا أمر لا يكون بالكلام الأجوف، ولا بالتدين المصطنع! وإنما يكون بصحبة المتحققين بالعبودية، الذين ينسبهم الله إليه في كلامه على وجه التخصيص؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} [البقرة: 186]؛ وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]؛ وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].

إن معاملة الله تعالى بما تقتضيه العبودية من آداب، لا بد فيها من تعلّم وتدرّب، هما مناط التزكية التي دل عليها الله في مثل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]. وعِلْم التزكية علم قائم بذاته؛ كلما أُهمل، انزلقت الأمة في منحدرات الغفلة والبعد؛ أفرادا وجماعات. وإن علم التزكية، ليس علما تؤخذ فيه الشهادات من العباد وتعلق على الجدران كما هو حال العلوم اليوم؛ وإنما هو علم تكون فيه الشهادة من الله ورسوله لأهله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21]؛ أي يشهد سبحانه لمن يشاء بالزكاة. وهو أيضا المعنى المفهوم من قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ } [البقرة: 129]، إذا كانت التزكية (الشهادة بالزكاة) من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه التزكية الربانية، هي أصل الإذن الذي يكون من الله ورسوله، لأهل التزكية من الشيوخ المرشدين.

إن الله قد أعد لهذه الأمة مستشفيات تداوي عللها فيها إن هي اعتلت؛ فما عليها إلا أن تقبل رحمة الله وتعرض نفسها على أطبائها، إن حالفها التوفيق؛ وإلا فإن مُصابها في عدم التطبُّب، يكون أكبر لديها من مصابها في مرضها.

أما الكلام عن تغيير حاكم من الحكام، أو استبدال نظام حكم بآخر، أو محاولة الاقتداء بالغربيين فيما هم عليه، فإنه كله خارج دائرة النظر الصحيح. الأمر بيد الله، فلينظر المرء كيف يأخذ حاجته من ربه! وأما إن أُهمل هذا الأصل، فليعلم العبد أنه قد حكم على نفسه بعدم إجابة طلبه؛ والله يفعل ما يشاء سبحانه.

هب أن الأمة أقامت حكما ديموقراطيا، ترى أنه الضامن للعدل وأداء الحقوق؛ وهب أنها صارت تختار رؤساءها كما تشاء، وتعزلهم متى شاءت؛ وهب أن الثروات وُزعت بين أفرادها بالتساوي، وأسندت المناصب بحسب الكفاءات؛ وهب أن المرء ما عادت عنده مؤاخذات ولا مطالبات؛ أليس كل هذا، يذهب مع الموت، ويأتي الجد الذي لا ينفع فيه إلا ما كان موافقا لأمر الله؟!... يقول الله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]. إن أمة، لا تضع الآخرة في حسبانها حقيقة لا تظاهرا زائفا، ليست على الإسلام التام الذي كان عليه سلفها. ومن خالف، خولف به!

فمتى يُعالج الداء من موضعه؟!... ومتى يتكلم في العلاج أهل الدراية به؟!... ومتى يُسمع لهم، بدل خطباء الفتنة الذين لا يريدون إلا عرضا من الدنيا، قليلا زائلا؟!...



الشيخ عبد الغني العمري