المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإجابة عن الاعتراضات المثارة حول عقوبة الردة في الإسلام



أهــل الحـديث
15-03-2013, 02:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الإجابة عن الاعتراضات المثارة حول عقوبة الردة في الإسلام

حين يُجمِع علماء المسلمين على مر قرون العلم ومن مختلف المذاهب وفي عصور حُكمية وسياسية متنوعة -كما سأثبت هذا الإجماع علميا بإذن الله- على أن الردة عن الإسلام جريمة يعاقب عليها القانون الإسلامي = تنبعث بعض التساؤلات تُجاه هذا الموقف منهم!

هل يا تُرى خفي عليهم -جميعاً- قول الله تعالى "لا إكراه في الدين" ؟
هل اجتمع فيهم غياب الفقه الصحيح للقران والسنة؟
أم أنهم أُكرِهوا جميعا من قِبَل أصحاب السلطة في وقتهم على اختراع هذا القول؟
هل غاب عنهم سماحة الإسلام وسعته؟
أو يكون مخالفوهم ممن لايرون تجريم الردة والعقوبة عليها هم الذين خفيت عليهم باقي الأدلة الشرعية التي تشرح وتبين معنى قول الله "لا إكراه في الدين"؟

هل إحداث القول بإنكار عقوبة المرتد في الشريعة كان نتيجة للضغط الهائل من القِيم الغربية المدنية التي ضُخَّت في مجتمعاتنا الإسلامية خلال قرن ونصف من الزمان؟!
أم أن الإنكار حدث حين تم النظر في النصوص الشرعية بطريقة سليمة؟!

لنضع هذه المسألة على طاولة الحوار العلمي الشرعي ..

حين تقرأ قول الكاساني من فقهاء الحنفية: "العرب لما ارتدت بعد وفاة رسول الله،
أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم" بدائع الصنائع للكاساني/كتاب السير/بيان أحكام المرتدين.
ثم تُعرِّج على النووي -من فقهاء الشافعية - إذ يقول عن حديث أبي موسى، الذي أخرجه مسلم في صحيحه في قتل المرتد:
"فيه وجوب قتل المرتد وقد أجمعوا على قتله" المنهاج 12/207 ط. المعرفة.

ثم تصغي إلى نقل ابن عبدالبر الأندلسي -من فقهاء المالكية- عن الأمة قائلا:
"من ارتد عن دينه حل دمه وضُربت عنقه والأمة مجتمعة على ذلك وإنما اختلفوا في استتابته" التمهيد لابن عبدالبر 13/88 ط الفاروق.

ثم يشاركهم فقيه الحنابلة في الشام ابن قدامة المقدسي قائلا:
"وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين " المغني 12/264 ط.عالم الكتب.

تلاحظ أن هؤلاء وهم من أشهر فقهاء المذاهب الأربعة كل واحد منهم ينقل إجماع
العلماء على تجريم الردة وعقوبتها..
والمراد من نقل هذه الإجماعات شيء مهم جدا، وهو أن الاستشكالات الذهنية التي تواجه بعض المعاصرين في الجمع بين هذا الحكم وبين أصول الشريعة إنما هي في الحقيقة استشكالات وهمية .. فإنها لو كانت استشكالات علمية محضة متعلقة بالأدلة الشرعية = لما ظلت خفية مدة اثني عشر قرناً.. !!
والعجيب أن تجد من يتجاوز مرحلة مخالفة إجماع علماء المسلمين إلى أن يصل إلى تجريم هذا القول الذي اتفقوا عليه !!
ولأني مهتم -هنا- بنقاش الإشكالات المطروحة حول عقوبة المرتد ، وبتأصيل المسألة؛ فسأركز على النواحي العلمية والدوافع الباعثة على الإنكار، ولست حريصا على ذكر الأسماء سوى إشارة واحدة كان الغرض منها توثيق المعلومة.
وهي ما ذكره د.محمد المختار الشنقيطي حين عبّر عن أسفه لوجود مثل هذا القول في التاريخ الفقهي ، قائلا "ليس حد الردة سوى مصيبة من المصائب الفقهية في تاريخنا التي قاد إليها نبذ القرآن وراء الظهور، وجعل الشريعة خادمة للدولة،بدل العكس المفترض"كما نشر ذلك على حسابه في تويتر بتاريخ 2 أكتوبر2012

وهذا الاتهام -غير المقبول- لعلماء الإسلام (الذين أجمعوا على هذا الحكم) بنبذ
القران وراء الظهور وبتطويعهم الشريعة للدول الحاكمة = هو نتيجة متوقعة وصل إليها غير قليل ممن يُنكر الثوابت الشرعية التي هي محل إجماع أهل السنة.

إن من أكبر مصادر الإشكالات التي سببت إنكار المحكمات الشرعية = التهوين من
شأن السنة ،والظن بأنها قاصرة عن الاستقلال بتشريع بعض الأصول من الأحكام
الشرعية مما لم يُذكر في القران!

فتجد كثيرا ممن ينكر عقوبة المرتد ينكر عقوبة الرجم كذلك، ويضيف بعضهم إنكار
نزول عيسى بن مريم عليه السلام أو خروج الدجال، وجميعها -عندهم- مما لم يُذكَر في القران..

برأيك -ايها القارئ الكريم- ماذا لو أحسن كثير من منكري هذا الحكم الظنَّ بإجماع
علماء المسلمين؟ وبِنَقَلَة الأخبار ممن ثبتت عدالتهم وثقتهم من الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم قتل المرتد؟

قل لي ما ذا لو اجتهدوا في التأمل في حِكمة تشريع هذا الحُكم ومدى اتساقه مع أصول الشريعة الإسلامية والنظر إلى تصور الفقهاءتجاهه؟
ألا يؤدي هذا -على الأقل- لأن يكون نَفَسُهم في الخلاف أهون مما هو عليه من اتهام
القائلين به بقصور النظر في القران أو في الشريعة أو اتهامهم بتطويع الشريعة
لأهواء الحكام؟!!

وقد يقوم أحدهم بتشكيل صورة ذهنية -غير صحيحة- لعقوبة المرتد في الشريعة
الإسلامية ثم يستبشعها فيرد أصل الحكم، بينما لو تم تصور هذا الحكم بشكل صحيح
كما هو في تصور فقهاء الإسلام لَزالت عدد من الإشكالات في هذا..

جمهور الفقهاء يرون أن المرتد قبل أن تُقام عليه العقوبة فإنه يُمهَل وتعرض عليه
التوبة لعله يُراجع، وأنه ليس لأي أحد سواء أكان سلطانا أو غيره استغلال هذا الحكم لإفناء من شاء من عباد الله.. بل وصفوا حدود الردة وموجباتها وشروط إقامة العقوبة على من تحققت ردته بعد عرض التوبة عليه.

والذي يدخل في الإسلام ويعرف حدوده، وأنه الدين الحق، وأن ما سواه باطل موجب
لدخول النار، ثم يتركه ويُصر على تركه حتى بعد أن تُعرَض عليه التوبة والمراجعة = فإنه قد كشف عن نفس خبيثة دنيئة تضر ولا تنفع.. كما أنه يُجرّئ غيره من ضعاف النفوس وممن لايقوى إيمانهم على صد الشبهات والشهوات على ترك الدين، وقد يكون فتنة لمن لم يدخل هذا الدين حين يرى من أتباعه من يخرج منه طوعا، بينما إقامة العقوبة الشرعية في هذا لها آثار إيجابية عامة كما في سائر الحدود الشرعية..

ربما نحتاج الان للانتقال إلى أبرز الاشكالات التي طرحها منكرو عقوبة الردة في
الشريعة الإسلامية..

الاعتراض الأول:
إن أول ما ينادي به منكروا عقوبة الردة: هو قول الله تعالى : "لا إكراه في الدين" ثم يقولون إن الاية تتعارض تماما مع قتل المرتد الذي إنما ثبت في السنة
وبناء على ذلك يقولون: نُقدم القران على السنة، وقد سمعت أحدهم في قناة تلفزيونية وهو من أشهر من قال بإنكار عقوبة الردة بدعوى الحرية في الشريعة يقول : " خاصة وأنه -أي قتل المرتد- لم يرد إلا في حديث واحد " مع أنه ثابت في ثلاثة أحاديث في البخاري!!

حسناً.. دعونا نتأمل في هذا سويا..

إذا كان إنكار عقوبة المرتد مبنيا على أخذٍ بظاهر آية من القران - دون النظر إلى مجموع الأدلة - ؛ فإن هناك -أيضا- آية في كتاب الله يتعارض ظاهرها مع فهمهم لآية : "لا إكراه في الدين" وهي قول الله "ستُدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون" بل ما قد يصدم الكثير أن من أشهر الأقوال في تفسير" تقاتلونهم أو يسلمون " أن المراد بذلك المرتدين من بني حنيفة وأن المخلّفين عن صُلح الحديبية سيُدعون إلى قتالهم ، فعلى هذا القول يكون دليل قتل المرتد موجودا في القران!

فيُقال لهم : على فهمكم لآية " لا إكراه في الدين " : ما قولكم في قول الله"تقاتلونهم أو يسلمون" ؟
لأن حقيقة إنكارهم لعقوبة الردة ليس لأنها القتل، وإنما لتعارضها مع مفهوم الحرية الذي ينسبونه للشريعة، والدليل على ذلك أنهم لا ينادون بعقوبةٍ أقلَّ من القتل في حق المرتد ، وإنما ينادون بأن الشريعة قد كفلت حق ردته وأنه لا يُتعرض له بأي شيء بسبب هذا الاختيار!!

أما قول الله تعالى "لا إكراه في الدين" فإن أهل العلم اختلفوا في تفسيره على أقوال شهيرة لاتكاد تقرأ كتابا من كتب التفسير إلا تجدها..
وهذه نماذج من كلام كبار المفسرين تُثبت استقرار الخلاف لديهم في تفسير هذه الاية: قال الطبري في جامعه عند تفسير الاية "القول في تأويل قوله : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "..اختلف أهل التأويل في معنى ذلك " الطبري 4/546 عالم الكتب.
وقال القرطبي في جامعه أيضا عند تفسير هذه الاية: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أقوال " 4/280 ط.الرسالة
وقال ابن كثير في تفسيره عندما بلغ هذه الاية : " وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب .. وقال آخرون : بل هي منسوخة بآية القتال " 1/687 ط. طيبة
والشوكاني في الفتح وابن عاشور وغيرهما يذكرون الخلاف في تفسير هذه الاية
فهل الخلاف هنا غير معتبر؟!

وهذه الاية: "لا إكراه في الدين" عند كثير من المفسرين وأهل العلم محمولة على أخذ الجزية من الكفاروعدم إكراههم على الدخول في الدين إن بذلوها، وهل تشمل كل الكفار أم هي خاصة بأهل الكتاب؟ على قولين مشهورين لأهل العلم فيها. وأيضا،فإن القول بنسخها كذلك منهج مطروق لأهل العلم
قال الشوكاني " وقد ذهب إلى هذا -أي نسخ الاية- كثير من المفسرين " فتح القدير 1/470 ط.الوفاء

ولك أن تقرأ قول إمام المفسرين : ابن جرير الطبري فله دلالات مهمة في المسألة، حيث يقول في تفسيره:( المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه و سلم أنه أَكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام و حكم بقتلهم إن امتنعوا منه و ذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب و كالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم = كان بينا بذلك أن معنى قوله لا إكراه في الدين إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام )
(تفسير الطبري 4/554) ط. عالم الكتب.
الاعتراض الثاني :

وأما الاستدلال بقول الله تعالى "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" على الحرية المطلقة في اختيار الدين وتغييره فهذا غريب جدا.. وإكمال الاية يبين أنها للتهديد وليست للتخيير، بل من العجيب أن بعض الأصوليين في باب الأمر يُمثل بهذه الاية على ما كان بصورة الأمر (فليؤمن، فليكفر) والمراد به التهديد.


الاعتراض الثالث: تضعيف أحاديث قتل المرتد.وبعد هذا المرور السريع على ما قيل في آية"لا إكراه في الدين"ننتقل إلى الأحاديث المثبتة لهذا الحكم والتي قوبلت من المنكرين بالرد أو التأويل

الرسول صلى الله عليه وسلم إذا صدر منه خبر أو أمر أو نهي فإن تصديقه وطاعته من طاعة الله وتصديقه، ولا تضارب بين أقوال رسول الله وبين ما جاء في كتاب الله.الذين سلكوا مسلك رد أحاديث قتل المرتد من جهة الإسناد تجدهم في الغالب يتحدثون عن عكرمة وهو الذي روى عن ابن عباس حديث "من بدل دينه فاقتلوه"

وقد تقدم معنا قول أحد مشاهير منكري قتل المرتد حين يذكر أنه ليس هناك سوى حديث واحد في قتل المرتد ويعني به حديث عكرمة عن ابن عباس "من بدل دينه.." فإسقاطه يعني انتفاء وجود أي حديث يثبت هذا الحكم. بينما قد ثبت في البخاري وجود حديثين فيهما هذا الحكم
سوى حديث عكرمة عن ابن عباس، الحديث الأول: وهو أن معاذا حين بعثه النبي إلى اليمن فقدم على أبي موسى وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا ؟ قال كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء
فتهود.قال -أي معاذ لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله .
فقال اجلس نعم . قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات . فأمر به فقٌتل . رقمه في البخاري (6923) وفي مسلم (1733). وليس فيه عكرمة وإنما أخرجاه
من طريق يحيى عن قُرّة بن خالد عن حُميد عن أبي بردة عن أبي موسى.


وأما حديث ابن عباس الذي رواه عكرمة عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو " من بدل دينه فاقتلوه " والذي أخرجه البخاري برقم 6922
فإن البخاري لم ينفرد بتصحيح الحديث بل صححه كبار المحدثين معه.
فالترمذي أخرج الحديث برقم "1458" من طريق عكرمة أيضاً وقال " حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد "
والدارقطني _وهو من أبرز محدثي الإسلام_ أخرج الحديث في سننه من طريق عكرمة أيضا وقال "هذا ثابت صحيح" رقمه/ 3143 /ط المعرفة

وأما بالنسبة لعكرمة مولى ابن عباس فقد تعقّب كلٌّ من الطبري ومحمد بن نصر وابن منده وابن حبان وابن عبدالبر من تكلم في عكرمة وصنفوا (ألّفوا) في الذب عنه. ذكره ابن حجر في الهدي
وابن حجر في نفس الموضع من هدي الساري لخص التهم الموجههة إلى عكرمة وفنّدها تفنيداً علميا متيناً ولم يترك طعنا إلا وأتى به ثم أجاب عنه .

وأما ما ورد في الثناء عليه وتوثيقه فهو كثير جدا يطول المقام بنقله كله أو حتى أكثره، فعلى سبيل المثال : قال البخاري : ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة . (هدي الساري1144 ط طيبة)
وقال محمد بن نصر " أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا " (الهدي 1144 ط طيبة)
وقال ابن منده " أما حال عكرمة في نفسه فقد عدّله أمّة من التابعين منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين " (هدي الساري 1145 ط طيبة)
وقد تعجب إسحاق بن راهويه وابن معين من سؤال من سألهما عن الاحتجاج بحديث عكرمة ! وقال إسحاق : عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا ! (الهدي 1144)

والحديث الثاني سوى الذي فيه عكرمة هو حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " أخرجه البخاري (6878) ومسلم (1676) من طريق الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود .
الاعتراض الرابع :

وللمنكرين اعتراض على كلمة (التارك لدينه المفارق للجماعة) حيث قالوا إن معنى مفارقة الجماعة : الخروج عليها، فقيدوا بها (التارك لدينه) واستدلوا بروايةٍ لعائشة رضي الله عنها في هذا الحديث بلفظ "أو رجل خرج محاربا لله ورسوله"
وسنبدأ بالحديث عن رواية عائشة ثم نتطرق للحديث عن كلمة (المفارق للجماعة).

عائشة رضي الله عنها روي عنها هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول من طريق إبراهيم بن طهمان عن عبدالعزيز بن رُفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا بلفظ "لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال : زان محصن فيرجم , ورجل يقتل مسلما متعمدا فيُقتل, ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض"
وقد أعل بعض المحدثين هذه الرواية بأن إبراهيم بن طهمان تفرد بهذا اللفظ عن سائر من روى حديث "لا يحل دم امرئ مسلم" وقد أرسلت للشيخ المحدث سليمان العلوان أسأله عن هذه الرواية فأجاب "الرواية الواردة في حديث عائشة "خرج محاربا" معلولة، وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ، ولعل ابن طهمان رواه بالمعنى، والمحفوظ عن عائشة نحو حديث ابن مسعود"
تاريخ السؤال 1 ربيع الأول 1434 هـ .

والوجه الثاني المروي عن عائشة: من طريق أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن غالب عن عائشة مرفوعا بلفظ "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ ، رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ ، أَوْ قَتَلَ فَيُقْتَلُ "

إذن ؛ فحديث عائشة روي بلفظين ، قال ابن رجب عند شرح حديث لايحل دم امرئ مسلم، في جامع العلوم والحكم "وبكل حال ، فحديث عائشة ألفاظه مختلفة ، وقد روي عنها مرفوعا ، وروي عنها موقوفا ، وحديث ابن مسعود لفظه لا اختلاف فيه ، وهو ثابت متفق على صحته "

إضافة إلى هذا فإنه قد روي هذا الحديث من طريق عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ "لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: "رجل كفر بعد إسلامه او زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس" وقد أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما وإسناده صحيح .
وكما تلاحظ فإن رواية عثمان توافق الوجه الثاني من رواية حديث عائشة..

والتعامل مع رواية (خرج محاربا) لا يكون من ناحية أصولية (حمل المطلق على المقيد) قبل أن يُتحقق ثبوتها إسناديا.

وأما حديث ابن مسعود فالذي ذهب إليه جماعة من العلماء أن كلمة(المفارق للجماعة) صفة مبينة لـ (التارك لدينه) وليست مقيدة لها.. فكل تارك لدينه فهو مفارق لجماعة المسليمن.
قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة عند حديث "لا يحل دم امرئ" وهو أول حديث في كتاب القصاص من عمدة الأحكام : " المفارق للجماعة كالتفسير لقوله التارك لدينه والمراد بالجماعة جماعة المسلمين وإنما فارقهم بالردة عن الدين "
قال ابن حجر في الفتح "فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة وإلا لكانت الخصال أربعا" ولو أردت نقل كلام أهل العلم في تأييد هذا لطال المقام..
فها هي السنة القولية الصحيحة تثبت قتل المرتد ، ثم إن النظر إلى صنيع أهل العلم تُجاه هذهالأحاديث يدل على أنهم أجمعوا على فهمها بأن الردة الموجبة للعقوبة هي الردة المجردة وإن لم ينضم إليها قتال أو حرب..

قال الإمام الشافعي في كتابه الأم " فلم يختلف المسلمون أنه لا يَحِل أن يُفادى بمرتد بعد إيمانه، ولا يُمنّ عليه، ولا تؤخذ منه فدية، ولا يتركبحال حتى يُسلِم أو يُقتل" الأم 6/169
وقال بدرالدين العيني (وقد أجمع العلماء على قتل الرجل المرتد إذا لم يرجع إلى وأصر على الكفر) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 34/324

قال ابن دقيق العيد في الإحكام 2/217 ط.عالم الكتب
"والمراد بالجماعة : جماعة المسلمين، وإنما فراقهم بالردة عن الدين، وهو سبب
لإباحة دمه بالإجماع في حق الرجل، واختلف الفقهاء في المرأة"

وقد تقدم ذِكر شيء من الإجماعات في المسألة ، ولن أطيل بذكر مزيد من الإجماعات والتي هي كثيرة في هذا الباب..

إن الإجماع الذي يتوارد على نقله جماعة من العلماء في أوقات مختلفة وبلدان متعددة ومذاهب متنوعة من أقوى الإجماعات، وهذا ما ترونه في قضيتنا.
ومن يقول برأي (الأغلبية) في الديمقراطية ولو اختارت غير الشريعة مع أن
الأغلبية لاتخلو من جهال وفاسدين ثم يعارض (إجماع) علماء الإسلام فهذا شيء
يحتاج إلى تأمل من فاعله!!

الاعتراض الخامس :
قتال الصحابة للمرتدين لأجل بغيهم وعدوانهم .
فأما أصحاب رسول الله فإن المنقول عنهم في حروب الردة يدل على أن سبب حربهم
للمرتدين هو رجوهم عن الإسلام أو عن بعض شرائعه وليس الحرب أو البغي ،
وهذا جلي في قول أبي بكر
"والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة"
واعترض عمر على قتاله لمن يقول منهم لاإله إلا الله ، ولم يعترض على قتاله لمسيلمة ومن
معه ممن لايقولها ،
وهذا دليل على موافقة عمر ابتداء لقتال المرتدين من اتباع
مسيلمة ، وإنما استشكل قتال من يقول لا إله إلا الله ، فلو كانوا بغاة فهل سيتشكل
عمر كونهم يقولون لا إله إلا الله ؟!!
ثم إن عمر بعد ذلك وافق أبا بكر في قتال من قال لا إله إلا الله.. وهذه القصة بينهما في صحيحي البخاري ومسلم.

الاعتراض السادس: ما نُقل عن عمر في عدم القول بقتل المرتد:

ورجوع عمر لقول أبي بكر، وقبل ذلك عدم اعتراضه على قتال المعلنين ردتهم يُفسر
ما نُقل عنه في قصة اعتراضه على المسارعة بقتل المرتدين بعد ذلك في خلافته بقوله
"لأن أكون أدركتهم كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، قال - أي أنس بن مالك-
قلت له: وما سبيلهم إلا القتل؟
قال : كنت أعرض عليهم الدخول من الباب الذي
خرجوا منه فإن فعلوا وإلا استودعتهم السجن "..

فإن هذه القصة مُجملة تُحمل على الاستتابة وليس على نفيه قتل المرتد،

وقبل أن أذكر من كلام أهل العلم ما يُثبت هذا، فأحب أن أسأل من يستدل بهذا الأثر على إسقاط عقوبة الردة: هل ستقوم بمثل ما فعل عمر وترى أن عقوبة المرتد السجن؟ أم أنك تخالف عمر في أصل تجريمه لقضية الردة وكونها شيئا يُعاقب عليه صاحبه؟!

قال الإمام ابن عبدالبر معلقا على قصة عمر - رحمه الله- :
"يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا فإن لم يتوبوا قتلوا هذا لا يجوز غيره
لقول رسول الله" من بدل دينه فاضربوا عنقه " الاستذكار 7/154

والذي يدل على أن مذهب عمر رضي الله عنه قتل المرتد إضافة إلى قصته السالف ذكرها مع أبي بكر : الإجماعات التي نقلها أهل العلم وعدم استثنائهم أحدا.. بل ونصهم على عمر من ضمن القائلين بالإجماع كابن قدامة في المغني..
غير ما روي عن ابن حزم حين نقل الإجماع وذكر استثناء بصيغة ضعيفة لم يُوافق عليه فيما أعلم .
الاعتراض السابع:
وأما الاعتراض بأن إبراهيم التخعي قال في المرتد " يُستتاب أبدا" فإن معنى هذا الكلام ما قاله ابن حجر في الفتح "والتحقيق أنه في من تكررت منه الردة" اهـ. أي أن من ارتد ثم تاب قُبلت توبته، ثم إن ارتد فتاب قُبلت أيضا، وهكذا.. ،
ويؤيد هذا الفهم أنه قد نُقل عن إبراهيم النخعي بإسناد صحيح قوله بقتل المرتدة وهي امرأة .. كما علقه البخاري بصيغة الجزم في صحيحه في باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، وذكر أسانيد هذا التعليق ابن حجر في الفتح.

الاعتراض الثامن:
وبعض المنكرين يعترض بأن قتل المرتد لم يُذكر في القران مع أن الله ذكر الردة كثيرا في كتابه، فيُقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر قتل المرتد صريحا ، وهذا كاف، فإن السنة حجة، مع العلم بأن عقوبة شارب الخمر لم ترد في القران مع ورود ذم الخمر فيه، وإنما وردت في السنة.
الاعتراض التاسع
ويعترض بعض المنكرين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك المنافقين مع صدور كلام الكفر منهم ، فيُقال :
أولا : الله ذكر في كتابه أن المنافقين يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم يحلفون له بأنهم لم يقولوا كلمة الكفر، وهذا يدل على أنهم لم يكونوايتمتعون بالحرية بمفهومها الذي يريده المنكرون، إذ لو كان لديهم حرية في قول الكفر لما جاؤوا خائفين يحلفون ويتبرؤون.
ثانيا: النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقيم الحد بدون بينة ،
والمنافقون كانوا يُبطنون كفرهم ويلمزون خفية، وإذا جيء بهم فحلفوا أو أظهروا التوبة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يتركهم ، قال الشافعي في الأم :
(وَقَدْ آمَنَ بَعْضُ النَّاسِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَتَلَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ الْإِيمَانَ)
ثالثا: امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل بعض رؤوس النفاق في وقته لعلة ذكرها.. وهي "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"
فإن الناس يأخذون بالظاهر، وظاهر أحوال المنافق أنه من أصحاب رسول الله، فإذا قتله الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الناس سيتحدثون أن النبي يقتل أصحابه بعد أن دافعوا عنه وصار في تمكين ، وهذا -لو قلنا بأنه بعد تشريع قتل المرتد- فإنه من باب مراعاة المصالح والمفاسد المعتبرة في الشريعة ،
وعقوبة قتل المرتد لها خصائص تميزها عن باقي العقوبات المقدرة تظهر من الأدلة الشرعية ومن صنيع أهل العلم، منها عرض التوبة على المرتد بعد التمكن منه .
الاعتراض العاشر
ويعترض بعض المنكرين قائلا: إن عقوبة الردة تولد النفاق في الناس، وهذا غير دقيق، فإن النفاق الأكبر كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمنكرون يزعمون أنه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك عقوبة للمرتدين ولا تجريم للردة المجردة، إذن ؛ فلِم ظهر النفاق؟!! أترك لهم التفكير والإجابة.





وكتبه : أحمد بن يوسف السيد
2 - 5 -134 هـ