المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيني وبين فودة في (ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم)



أهــل الحـديث
14-03-2013, 11:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كنت كتبت فيما سبق في منتدى الأصلين تعقيباً على تعليق سعيد فودة على عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية : "وطوائف من النظار قالوا : ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم. إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة. وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبدالعزيز المكي في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه ولا لفظ الجهة ولا نفوه ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ونفوا مماثلة المخلوقات"

وكنت كتبته تحت إسمي الفعلي "وضاح أحمد محمد الحمادي" فلم يطلع النهار حتى كان تعيلقنا محذوفاً ، وعضويتنا ملغية ، فدخلنا باسم آخر ، فكان نصيب العضوية الجديدة الغلق أيضاً ، لكن مع بقاء التعليق ، وهكذا استمررنا حتى عزفت عن الإستمرار ، وقد كان ذلك أول احتكاك لي بكتابات سعيد فودة، لكني عدت وقرأت الموضوع اليوم فوجد فيه فائدة ترجى ، ورأيتُ نقله مع ردود سعيد فودة علي خاصة ، راجياً من الحاضرين التنبيه على خطأ والإفادة بعلم.
ابتدأت فقلت :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
اطلعت في موقعكم على موضوع (ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم) فرأيت المدعو سعيد فودة قد خبط فيه خبط عشواء، جهلاً منه بمراد ابن تيمية من جهة بالجسم الاصطلاحي، وجهلاً منه ثانياً بمعنى الجسم عند المتكلمين. فأحببت أن أبين ذلك رجاء الدخول في قوله تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) فأحببت أن أكون الأداة التي يستخدمها الله في الدفاع عن بعضهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما) وأرجوا أن لا يكون التفاعل مع الموضوع عبر إغلاقه وإيقاف العضوية.
قال شيخ الإسلام وعلم الأعلام رحمه الله في (تلبيس الجهمية) : وطوائف من النظار قالوا : ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم. إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامةب. وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبدالعزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم
وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه ولا لفظ الجهة ولا نفوه ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ونفوا مماثلة المخلوقات".


أقول : لم يفهم سعيد فودة كلام ابن تيمية رحمه الله لعدم تمرسه في علم الكلام ومصطلحات المتكلمين حتى زعم أن القدر المشترك في معنى الجسم باصطلاح المتكلمين هو ما له ثلاثة أبعاد الطول والعمق والعرض، ولم يكتفِ بهذا، بل ابتدء هذا التعريف بقوله "لا يخفى أن الجسم" فزعم أن تعريف الجسم بهذا التعريف أولاً اصطلاحي ثانياً أنه مشترك بين جميع المتكلمين ثالثاُ: أنه غير خافٍ.
وأخذ كل من شارك في هذا المنتدى يصفق ويكبر على طريقة "الله الله زدنا يا مولانا"
مع أن هذا التعريف لا هو تعريف الجسم اصطلاحاً عند المتكلمين، ولا هو مما اتفق عليه المتكلمين.
ولبيانه نقول:
أولاً : لاحظ أن شيخ الإسلام فرق بين ما يثبته النظار من معاني الجسم بين الاصطلاحي واللغوي حيث قال :
"إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي"وبين كل معنى اصطلاحي ولغوي قدر مشترك وإلا لما فهمنا المراد بالاصطلاح.فمثلاً يقول علماء الحديث : "هذا حديث معلل" والعلة في مصطلح أهل الحديث غير العلة في اللغة، لكن لما كانت العلة في اللغة مخرجة للمريض عن كونه صحيحاً، وفي الاصطلاح مخرجة للحديث عن كونه صحيحاً، كان هذا القدر المشترك معيناً على فهم الاصطلاح بلا شك.
لكن هذا القدر المشترك في معنى الجسم بين الاصطلاحي واللغوي غير مراد لشيخ الإسلام، ولو كان المعنى المشترك هو المراد، لكان إثبات الجسم الاصطلاحي مع نفي اللغوي تناقضاً، ولكنه أراد ما امتاز به الاصطلاحي عن اللغوي فقط دون غيره.
ومثال ذلك أن تقول : هذا الحديث ضعيف على مصطلح المحدثين لا الفقهاء. فإنك حين نفيت أن يكون الحديث صحيحاً عند المحدثين من دون الفقهاء علمنا أن الكلام ليس هو المقدار المشترك من شروط الصحة بين الطائفتين وهو عدالة وضبط الرواة مع اتصال السند وإلا لكان ضعيفا عند الجميع، ولكن الكلام في الشذوذ والعلة الخفية؛ إذ أن الفقهاء لا يعللون بمثل هذا على ما ذكره كثير من أهل العلم.
إذا عرفت ما تقدم فما هو القدر المشترك بين تعريفي الجسم اللغوي والاصطلاحي؟
الجسم لغةً: قال أبو زيد الجِسْمُ الجسد وكذا الجُسْمانُ و الجُثْمانُ وقال الأصمعي الجسم والجسمان الجسد.
هذا هو الجسم لغة ولا يثبته أهل السنة لله جل وعلا. ولو عمر سعيد فودة ما عمر نوح ما استطاع أن يثبت لشيخ الإسلام كلمة واحدة يقول فيه الجسمية بهذا المعنى، بل لن يجد له عبارة تدل على هذا المعنى ولو لم تكن صريحة بالجسم. وقد أخذ المتكلون من هذا التعريف معاني مشتركة جعلوها تعريفاً للجسم.
قال ابن حزم الظاهري رحمه الله في (الفصل في الملل والنحل) : " الجسم في اللغة موضوع للطويل العريض العميق ذي المساحة"
ومثله قال أحمد بن يحيى بن المرتضى في (رياضة الأفهام) المطبوع ضمن (البحر الزخار) 1/261
وإنما جعلوه معناً لغوياً لأنه ما من جثة أو جسد إلا وتدخله الأبعاد الثلاثة ولا تنفك عنه، لكن هذا الذي جعلوه جسماً لغةً ليس هو الجسم المتفق عليه بين المتكلمين كما زعمه سعيد فودة، فالفلاسفة مثلاً تجوز في تفسيريها الطبيعي والتعليمي للجسم أن يخلو الجسم من الطول والعرض والعمق.
وكثير من الأشاعرة زعموا أن أقل ما يتألف منه الجوهر هو جوهرين مفردين، وقال المعتزلة أن الأبعاد الثلاثة لا تتركب من جوهرين، بل ولا من أربعة، إذ المؤلف من الجوهرين هو الخط، ومن الأربعة السطح، وفي الأخير نظر إذ يجوز الحصول على تركيب هرمي من جواهر أربعة، ولكن الكلام هنا على اصطلاحاتهم في معنى الجسم.
ووافقهم في أن الجسم هو المؤلف كثير من المعتزلة، لكنهم يخالفونهم في عدد ما يجب أن يتركب منه الجسم من الجواهر.
بل اختلفوا فيما يتألف منه الجسم، فأجازت النجارية من المعتزلة أن يتألف الجسم من الأعراض دون الجواهر، بل المنقول عنهم في المقالات أن الجسم مؤلف من الأعراض!
وذهب هشام وابن الهيصم إلى أن الجسم هو القائم بذاته فقط.
بل الذي في (المواقف) 2/321 أن تعريف الجسم بأنه الطويل العريض العميق إنما هو تعريف المعتزلة، وقد اعترض عليهم الحكماء إدخال الأبعاد الثلاثة في التعريف.
ولهم تخبيطات غير ما ذكرنا، منها أن الجسم هو ما يقبل القسمة، ومنها أن الجسم هو المتحيز لتألفه من الجواهر المتحيزة. وغير ذلك.
فإذا سلمنا جدلاً أن المقدار المتفق عليه بين الجسم لغة وصطلاحاً هو ما دخله الأبعاد الثلاثة، فلا بُدَّ حينئذٍ من أن هذا المقدار لا يدخل في كلام شيخ الإسلام "أنه ما ثم موجود إلا جسم" لأنه نفى أن يكون ذلك داخلاً في المعنى اللغوي، بل هو مختص بالاصطلاحي حيث تقدم عنه قوله: "إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي"
فما هو المعنى الاصطلاحي المحض المتفق عليه بين المتكلمين، أو أكثرهم على الأقل لنجري عليه كلام ابن تيمية؟
أقول قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية القدر المتفق عليه بين المتكلمين من معنى الجسم في نفس السياق، ونص كلامه بتمامه "بل قد بين أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب إمام الصفاتية كأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري، وأبي عبدالله بن مجاهد وغيرهم من انحصار الموجودات في المباين والمحايث وأن قول من أثبت موجودا غير مباين ولا محايث معلوم الفساد بالضرورة مثل ما بين أولئك انحصار الممكنات في الأجسام وأعراضها وأبلغ.
وطوائف من النظار قالوا : ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم. إذا فسر الجسم بالمعنى الاصطلاحي لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة"
إذاً المقدار المتفق عليه عند الأكثرين بل عند الجميع هو المباينة والمحايثة، وهذا المقدار لا خلاف فيه سوى عند من يثبت الأحوال كبعض المعتزلة والأشاعرة ومن يقول بأن الذوات ثابتة حال عدمها كما يقوله البغدادية من المعتزلة كابن خياط والكعبي ومن يثبت العقول والأنفس مجردة عن كونها أعراض كما هو قول بعض الفلاسفة، وجوزه عقلاً بعض الأشاعرة كالأرموي، ونُسِبَ إلى الشهرستاني ولم أتحققه.
فقول ابن تيمية أنه ما ثم موجود إلا جسم، أي أنه ما ثم موجود إلا مباين ومحايث. وهذا كما قال هو قول أكثر المتكلمين والنظار، بل لعله قول كل المتقدمين من الأشاعرة إلى زمن أبي المعالي الجويني ولم يعرف نفي المحايثة والمباينة عن الله فيهم إلا بعده.
وهذا أيضاً إنما كان على سبيل التنزل، بمعنى أنا لو سلمنا مع المتكلمين أن ما كان محايثاً ومباينا فهو جسم، فإن كل من أثبت عدم انفصال الموجودات جميعها واجبها وممكنها يثبت أن الله جسم.
لكن لم يسلم ابن تيمية لهم أن هذا هو المعنى اللغوي للجسم في اللغة التي نزل بها التكليف، وإنما هو اصطلاح حادث مخالف لمقتضى الشرع والعقل معاً.
وقد أطبق أهل السنة من أصحاب الحديث وغيرهم أن الله عالٍ على عرشه مباين لخلقه، وعليه أكثر المتقدمين كما هو مسطر في كتب الأشعري رحمه الله والماتريدي والباقلاني ومن لا يأتي عليهم الحصر.
فمن ذلك قول الأشعري في (رسالته إلى أهل الثغر) صفحة232 ط مكتبة العلوم والحكم : "وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه" وقال صفحة 233-234 : "وليس استواؤه على عرشه استيلاء كما قال أهل القدر"
وقال الإمام البيهقي رحمه الله : "وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستوٍ على عرشه كما أخبر بلا كيف، بائن من جميع خلقه" (الاعتقاد) صفحة 211-212 ط اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع.
فهذا القول بلا خلاف هو قول بالمباينة وبالمحايثة، وهو الجسم باصطلاح المتكلمين.
إلا أن المتعالم يظن جهله بمراد ابن تيمية علماً.
فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وقبل أن أختم أحب أن أعلن أني مستعد لإثبات أن المتكلمة كلهم من أي طائفة كانوا لا يستطعون إقامة الحجة على أن الله ليس بجسم بحسب اصطلاح المتكلمين، بل على أصولهم لا يستطيعون أن يقيموا الحجة على أن الله جسم بأي اصطلاح ولا حتى بالمعنى اللغوي.
وأنا هنا مستعد لمناظرة سعيد فودة في هذا الموضوع خاصة. وهو أكبر ما يشنعون به على أهل السنة.
بهذا أكتفي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قد كنت نشرت هذا الموضوع بشكل مستقل في موقعكم، فكان الجواب كما هو متوقع بحذفه وإلغاء عضويتي، مما اضطرني إلى التسجيل باسم آخر.
واعلم أن حذف الموضوع لم يكن من أجل كلمة نابية أو تجريح شديد، فأن أشد ما ذكرته هنا لا يصل إلى عشر ما ذكره فودة في كتابه من شتم وسب لأهل السنة ممن يدعوهم وهابية، ولكن السبب أنه رأى عجزه عن إجابتي بما يبطل ما ذكرت في هذه الكلمات.
ولا زال التحدي قائم.

أخوكم وضاح أحمد محمد الحمادي (اسم العضوية السابق والملغي حالياً)
انتهت مشاركتنا الأولى ، وقد كانت أول احتكاكي بكتابات سعيد فودة مطلقاً ، وذلك في 17 أبريل 2008م.
أرجو أن يحصل بها الفائدة كما أرجو أن أستفيد من آرائكم.