المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحديث النبوي الشريف بين الْهَذْرَمَةِ والترتيل



أهــل الحـديث
14-03-2013, 11:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث النبوي الشريف بين الْهَذْرَمَةِ والترتيل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ...
ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال ، لكن لما سمعت منذ قليل شيئا من مجلس سماعٍ حديثي ، وجدت يدي تسعى في كتابة المقال مع كثرة الأشغال ، فقدمته من باب الدين النصيحة ، وإنما الأعمال بالنيات ، وليس معنى النقد الطعن والتجريح في العلماء ، معاذ الله ، بل نحب كل شيوخنا وعلمائنا ، وهذا من باب التواصي والتناصح ، بسم الله الرحمن الرحيم
((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) (3 العصر) ، وهذا من باب المفاعلة التي تفيد المشاركة ، فلا أحد كبير على الوصية والنصيحة .
منذ زمن ونحن نحلم بمجالس الحديث ، ونظنها قاصرة على الهند وباكستان والسعودية ، حتى علمت بمجلس في الكويت ، وتقدمت له فإذا بهم يضعون شروطا تعجيزية كأن من دخل الكويت فقد دخل جنة الله في أرضه ؟! فلما عبرت عما بداخلي من شوقي لسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسناد المتصل بالسماع وقلت :
((يا ليت هذه المجالس الطيبة كانت في مصر بلد الكرم والكرماء ؛ البلد التي لا تحجب عنها زائرا وتهش لمن جاءها مسافرا سواء ركب البحر او الطائره ، من البدو كان أو الحاضره ؛فالكل مكرم في القاهره وفي بقاع حولها عامره . هذي بلادك يا أخي فلك الجميع مناظرا. يا ضيفنا لو جئتنا في بيتنا ... لعلمت أنّا ضيوف وأنت صاحب المنزل.))
، انتقدني أخ فاضل أحبه في الله وهذا طرف من كلامه :
((مش حلوة النفسنة دي ...
ولو دي نظرتك للحياة فتلك المجالس لن تفيدك شيئا .
فهي إسناد لاأكثر ولا أقل
..
ولو حضرتها لعلمت أن القراءة فيها تتجاوز المائة كلمة في الثانية ، يعني لو عطست سيضيع منك حديثين تلاتة
..
وهذا ليس تهوينا من تلك المجالس أو تزهيدا فيها، بل أنا أحرص عليها إن شاء الله ، لكن أرى البعض يتقطع كبده ويتلوى كأنه يظن أنه مجلس لحفظ الصحيح ، أو التعليق على حديث حديث واستخراج فوائده
..
وأحدنا في مصر يبكي على ما لا يستطيع تحصيله ، بينما لا أود أن أجزم أن جمهرة من الباكين لو كان هذا السماع في شارعهم ربما لم يكن ليحضر ( لأن الوقت ضيق) !!
فالمطلوب بالراحة شوية بس )) انتهى .
في واقع الأمر الأخ صادق في كلامه ، لأني كنت لا أعلم أن القراءة بهذه السرعة التي لو سمعها إنسان عامي لقال أمجنون هذا ؟!
عندما حضرنا مجالس البخاري في الإسكندرية - وكان بعض قراء الحديث يهذرمون ، وهي أكثر قراءة المجالس - ولاحظ بعض شيوخنا هذا وقدم النصيحة فلم تقبل منه ، وكثيرا ما أذكر استدلاله بقوله تعالى : ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) (2 الملك) ، ونحوها في (7 هود) ، ويقول الله سبحانه : ((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) (7 الكهف) ، وهل هَمُّنَا الكمّ أم الكيف ؟!
حتى وإن ضاق وقت الشيوخ عشرة أحاديث أو قدر محدود من الكتاب بقراءة متأنية على هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم أفضل من قراءة مئات الكتب بسرعة تخالف هديه صلى الله عليه وسلم ، لكن للأسف رأينا بأعيننا من يستغل هذا ويتصدر للرواية والإجازة وهو لا يعرف كيفية الرواية الصحيحة ،
فيا علماءنا أعيدوا النظر في هذا الأسلوب ، وفقكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين ،
سأنقل الخلاف الوارد ، وأضع مذهبا وسطًا ، ويبقى للقارئ الكريم حرية اختيار مايناسبه من سبيل ، وبالله التوفيق ، أقول :
قراءة الأحاديث -في كثير من مجالس التحديث المنقولة عبر الشبكة - قراءة مهذرمة لا فائدة منها ، وإن أثبتها بعض العلماء حفظهم الله وأجازوها ، ولهم كل الاحترام والتقدير ، لكن نحن فيهذا العصر في أمس الحاجة للدراية والفهم أكثر من الرواية المجردة ، القرآن وحي أنزله الله ليقرأ على مكث ((وَقُرْآنًافَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)) (106 الإسراء) أي على مَهَل وتَرَسُّل ، وكل مراتب الترتيل من تجويد وحدر وتدوير فيها إقامة للأحكام ووضوح للكلام ، وليست هذرمة ، والسنة وحي ، قال الله تبارك وتعالى : ((مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))(4 النجم) ، وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" . صحيح رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17173) وأبو داود في سننه (4/ 200) (4604) وغيرهما .
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسرع في كلامه حتى لا يفهم ، وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول كان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم «يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ» وراه البخاري (3567) (4/190) ،
وهذا الإمام الحافظ العراقي - رحمه الله - يقول في ألفيته (565) :
.... شَرُّ الْقِرَاءَةِ إِذَا مَا هَذْرَمَا : أَيْ: أَسْرَعَ بِحَيْثُ يَخْفَى السَّمَاعُ.وقدر روى الخطيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله " شَرُّ الْكِتَابَةِ الْمَشْقُ (وَهُوَ خِفَّةُ الْيَدِ وَإِرْسَالُهَا مَعَ بَعْثَرَةِ الْحُرُوفِ وَعَدَمِ إِقَامَةِ الْأَسْنَانِ) ، وَشَرُّ الْقِرَاءَةِ الْهَذْرَمَةُ ، وَأَجْوَدُ الْخَطِّ أَبْيَنُهُ ". فتح المغيت للسخاوي (3/52) .
وفي الرد على هذا كثيرا ما نسمع من يقول وقت الشيخ لا يتحمل ، سبحان الله ! ولماذا لا يصبر الطلاب حتى يتاح وقت آخر لاستكمال ما بقي أو يُكْتَفَى بما سمعوا ؟! أليس الله واهب العمر ، والأعمار بيده وحده ، وهو القادر على أن يجمع الطلاب بشيخهم مرات أخرى ؟! وهذا يذكرني بما نقله الإمام السخاوي المتوفى سنة (902هــ) عن الخطِيب قال : بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى خَطًّا دَقِيقًا قَالَ: هَذَا خَطُّ مَنْ لَا يُوقِنَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. يُشِيرُ إِلَى أَنَّ دَاعِيَةَ الْحِرْصِ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْوَرَقِ أَلْجَأَتْهُ لِذَلِكَ ; إِذْ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ لَوَسَّعَ. فتح المغيت (3/51) .
وقال رحمه الله شارحا قول العراقي:[تَبْيِينُ التَّحْدِيثِ وَتَرْتِيلُهُ] : (وَلِلْحَدِيثِ رَتِّلِ) اسْتِحْبَابًا إِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا تَسْرُدْهُ سَرْدًا، أَيْ لَا تُتَابِعِ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا، بَعْضَهُ إِثْرَ بَعْضٍ ; لِئَلَّا يَلْتَبِسَ أَوْ يَمْنَعَ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِهِ ; لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: ( «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُالْحَدِيثَ سَرْدَكُمْ» ) .
زَادَالْإِسْمَاعِيلِيُّ: (إِنَّمَا كَانَ حَدِيثُهُ فَهْمًا تَفْهَمُهُ الْقُلُوبُ) .وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ مِمَّا قَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ: (وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ) .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْرُدُونَ الْحَدِيثَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ بَعْضُهُ، بَلِ اعْتُذِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ، بِأَنَّهُ كَانَ لِكَوْنِهِ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ، لَايَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَهْلِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَدِيثِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيِّ.
وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ، فَإِذَا خَفِيَ الْبَعْضُ فَأَوْلَى أَنْ يُنْكَرَ، وَلِذَا قِيلَ كَمَا سَلَفَ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ: (شَرُّ الْقِرَاءَةِ الْهَذْرَمَةُ) . فتح المغيث (3/244) .
((وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرَّاءَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ، بَلْ وَحَكَاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، أَيْضًا قَدْ تَسَامَحُوا فِي ذَلِكَ، وَصَارَ الْقَارِئُ يَسْتَعْجِلُ اسْتِعْجَالًا يَمْنَعُ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ بَلْ كَلِمَاتٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَامِسِ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ.)) فتح المغيث (3/244 ، 245) ،
قال الحافظ العراقي رحمه الله ذاكرًا مذهبَيْ العلماء في صحة سماع النساخ على سرعتهم تشددا وإفراطا
416 - وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ ... مِنْ نَاسِخٍ فَقَالَ بِامْتِنَاعِ
417 - الْإِسْفَرَايِينِيُّ مَعَ الْحَرْبِيِّ ...وَابْنِ عَدِيٍّ وَعَنِ الصِّبْغِيِّ
418 - لَا تَرْوِ تَحْدِيثًا وَإِخْبَارًا قُلِ ...حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِي
419 - وَابْنُ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا كَتَبْ ...وَجَوَّزَ الْحَمَّالُ وَالشَّيْخُ ذَهَبْ
420 - بِأَنَّ خَيْرًا مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلَا ...فَحَيْثُ فَهْمٍ صَحَّ أَوْ لَا بَطَلَا
421 - كَمَا جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيِّ حَيْثُ عَدْ... إِمْلَاءَ إِسْمَاعِيلَ عَدًّا وَسَرَدْ
422 - وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلَامِ أَوْ إِذَا... هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ كَذَا
423 - إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ ثُمَّ يُحْتَمَلْ ... فِي الظَّاهِرِ الْكِلْمَتَانِ أَوْ أَقَلْ
قال الإمام السخاوي رحمه الله :
((وَقَدْ سُئِلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ عَنْ كَلَامِ السَّامِعِ أَوِ الْمُسْمِعِ غَيْرِالْمُتَّصِلِ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ السَّرِيعَةِ وَالْمُدْغَمَةِ الَّتِي تَشِذُّ مِنْهَا الْحَرْفُ وَالْحَرْفَانِ، وَالْإِغْفَاءِ الْيَسِيرِ، فَأَجَابَ: إِذَاكَانَتْ كَلِمَةً لَا تُلْهِيهِ عَنِ السَّمَاعِ جَازَتِ الرِّوَايَةُ، وَكَذَا لَا يُمْنَعُ مَا ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ السَّمَاعِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِدْغَامُ يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَارِكًا بَعْضَ الْكَلِمَةِ – انتهى .
بَلْ تَوَسَّعُوا حِينَ صَارَ الْمَلْحُوظُ إِبْقَاءَ سِلْسِلَةِ الْإِسْنَادِ لَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، بِحَيْثُ كَانَ يُكْتَبُ السَّمَاعُ عِنْدَ الْمِزِّيِّ وَبِحَضْرَتِهِ لِمَنْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ الْقَارِئِ، وَكَذَا لِلنَّاعِسِ، وَالْمُتَحَدِّثِ، وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يَنْضَبِطُ أَحَدُهُمْ، بَلْ يَلْعَبُونَ غَالِبًا وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ. حَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنِ الْقَاضِي التَّقِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ حَمْزَةَ أَنَّهُ زَجَرَ فِي مَجْلِسِهِ الصِّبْيَانَ عَنِ اللَّعِبِ، فَقَالَ: لَا تَزْجُرُوهُمْ ; فَإِنَّا إِنَّمَا سَمِعْنَا مِثْلَهُمْ.
وَكَذَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُحِبِّ الْحَافِظِ التَّسَامُحُ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُ: كَذَا كُنَّا صِغَارًا نَسْمَعُ ، فَرُبَّمَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَالْقَارِئُ يَقْرَأُ ، فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْنَا مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ كَالْمِزِّيِّ وَالْبِرْزَالِيِّ وَالذَّهَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ:كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ يُسْرِعُ فِي الْقِرَاءَةِ وَيُعْرِبُ،لَكِنَّهُ يُدْغِمُ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ، وَمِثْلُهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، يَعْنِي: ابْنَ تَيْمِيَّةَ، يُسْرِعُ وَلَا يُدْغِمُ إِلَّا نَادِرًا، وَكَانَ الْمِزِّيُّ يُسْرِعُ وَيُبِينُ، وَرُبَّمَا تَمْتَمَ يَسِيرًا- انْتَهَى.
وَمِمَّنْ وُصِفَ بِسُرْعَةِ السَّرْدِ مَعَ عَدَمِ اللَّحْنِ وَالدَّمْجِ الْبِرْزَالِيُّ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ، بِحَيْثُ قَرَأَ الْبُخَارِيُّ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيِّ الْحِيرِيِّ الضَّرِيرِ رَاوِيهِ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ: اثْنَانِ مِنْهُمَا فِي لَيْلَتَيْنِ، كَانَ يَبْتَدِئُ بِالْقِرَاءَةِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، وَيَخْتِمُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالثَّالِثُ مِنْ ضَحْوَةِ نَهَارٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا شَيْءٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِيزَمَانِنَا يَسْتَطِيعُهُ - انْتَهَى. فتح المغيث (2/203 ، 204 ، 205) .
أقول : وخلاصة المذاهب أربعة:
1- التشدد فلا قراءة إلا بتأني في كل كلمة سواء كان السامعون نسّاخا أو علماء أو عوامّا .
2- التساهل مع سرعة القراءة للنساخ وغيرهم بحيث يصح سماع الأطفال والنائمين .
3- القراءة بالترتيل كالقرآن ، ورفضها بعض العلماء وقالوا لا يرتل إلا القرآن .
أرى حتى وإن كان التساهل كما ذكر شمل النسّاخ بل والأطفال والنائمين كما سبق فإن خير الأمور الوسط ،فما المانع من : 4- أن تكون المجالس سريعة القراءة حتى ولو بالهذرمة خاصة بالنساخ دون سواهم ، وأما مجالس القراءة بتمهل يفهم منه الكلام المقروء من السامع ولو بدون تعليق ، وليس بإمساك الكتاب ثم الجري خلف القارئ ليعلم أين هو ثم يفرح بالإجازة بما لم يسمع منه شيئا !!!
يعلم القاصي والداني أن أكثر هذه المجالس اليوم سارت على المذهب الثاني من التساهل ؛ فالتحق بها العوام ، وصارت مضحكة لبعضهم .
القارئ الكريم ، لقد قلت مذهبي الذي أدين لله به ، دون طعن أو تجريح في علمائنا ؛ لأني ما زلت أعتز بهم وبما نقلته عنهم من علم ، وإن كان قليلا ، وأذكر كل عامل في الحقل العلمي بقول الله تعالى : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (105 التوبة) ، وقد قدمت النصيحة ، وأختم بما به بدأت ، يقول الله سبحانه وتعالى :
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)) (30 الكهف) ،
أسأل الله أن ينفعنا جميعا بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصلّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .