المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات من يسوغ الخروج علي الحاكم والرد عليها للشيخ بن باز وابن عثيمين - مادة فريدة وهامة في عصرنا



أهــل الحـديث
12-03-2013, 08:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


والرد عليها ...... منقول


وجادلهم بالتي هي أحسن
مناقشة علمية هادئة لـ 19 مسألة متعلقة بحكام المسلمين

مدعـّمٌ بالنقل عن الإمامين

عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
1330هـ - 1420هـ

محمد بن صالح ابن عثيمين
1347هـ - 1421هـ

- رحمهما الله -

تأليف
بندر بن نايف بن صنهات العتيبي

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

الطبعة الرابعة
مزيدة ومنقحة

يحق طبعه لكل من أراد ، سواء لغرض خيري أو تجاري
بشرط الحصول على إذن خطي من المؤلف

الطبعة الأولى - رجب 1425 هـ ( الرياض )
الطبعة الثانية - رمضان 1425 هـ ( الرياض )
الطبعة الثالثة - ذو القعدة 1425 هـ ( الرياض )
الطبعة الرابعة - ربيع الآخر 1426 هـ ( الرياض )



بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الرابعة


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه , وبعد :
فأقدّم للقراء الكرام كتابي في طبعته الرابعة , والجديد في هذه الطبعة :
أنني قمت بما أعانني الله عليه من التصويب والتنقيح , مع إضافة فائدتين نفيستين إحداهما تحت الأصل الأول , والأخرى تحت الشبهة الثامنة , وإضافة شبهة جديدة وهي : تكفيرهم الحكام بأنهم طواغيت ! والجواب عنها .

ومما سرّني جداً :
ما بلغني من ثناء بعض أهل العلم , وطلبته , ومحبيه على الكتاب , ولا أجد نفسي تتّجه لنشر هذا مهما جلّ قدر قائله ؛
إذ الكتاب - لو كان حقاّ - فإن الحقّ يعلو بنفسه . ولو كان باطلاً ما نفعه مدح أحد كائناً من كان .
وليس الميزان هو كثرة المادحين ولا قلة القادحين ؛ بل الميزان الذي يُحكم من خلاله ؛ هو موافقة أو مخالفة الحق .

ثم لا يفوتني التأكيد على أمر مهم , وهو :
أن الكتاب ليس قُرباناً لحكام المسلمين ! ولست أبتغي به مرضات أحد ! فوالذي نفسي بيده ليس هذا هو مرادي ؛
بل إنني أرمي لما هو أسمى من ذلك ؛ ألا وهو : نصرة المعتقد الحقّ ؛ معتقدِ أهل السنة والجماعة في تلك المسائل , والتي أساء لها البعض بإيراداتهم !

وبيان ذلك :
أن الواقع في الشبهة لا يسيء لأولئك الحكام فحسب ! بل إنه إساءته تتعداهم لتمسّ العقيدة الصحيحة ! وقد أخذتني الغيرة على التوحيد والسنة لتأليف هذا الكتاب , ودونكه فاقرأه ترى مصداق ما قلت لك .

أقول :
ولكن البعض - هداهم الله - يتّخذ الطعن في النوايا ، واتهام المقاصد : سبيلاً للصدّ عما في الكتاب من الحقّ ؛ خوفاً على أصوله , وشفقةً على فكره ! فإلى الله المشتكى , وهو حسبي ونعم الوكيل .

كما أودّ التنبيه إلى أن الكتاب إنما وضع بطريقة الإيجاز , ولم أشأ أن أتوسّع فيه خشية من الإثقال على القاريء : المبتديء , أو غير المختصّ .
وقد راعيتُ في الكتاب : إفادة طلاب المدارس الثانوية والجامعة بالدرجة الأولى . لأنهم المستهدفون عند أرباب الفكر المنحرف أكثر من غيرهم , فوقايتهم من هذا الانحراف واجب على الأعناق .

وفي الختام :
أكرر رجائي لجميع الإخوة طلاب العلم ؛ بأن يبعثوا لي بملاحظاتهم لأنظر فيها , فالمؤمن مرآة أخيه .

كما أكرر الشكر لكل من اتصل بي أو راسلني ؛
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً .



المؤلف
6 / 4 / 1426 هـ
ص . ب : 371282
الرمز البريدي : 11325
الجوال / للاتصال أو للرسائل القصيرة sms
506264319 00966


ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ

مقدمة الكتاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

فبين يديك - أخي المسلم - هذا الكتاب الذي جمعتُ فيه الكثير والكثير من الأجوبة العلميّة على عددٍ كبيرٍ من الشبهات التي نتسامع بإثارتها من حين لآخر , والتي تحمل - في حقيقتها - التلبيس على الأمة , والتعدّي على السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - بل ويتناقلها الكثير - هداهم الله - من حيث يدرون بحقيقتها ويشعرون , أو من حيث لا يدرون ولا يشعرون !

ومما دفعني لإخراج الكتاب :
أنني لم أرَ - حتى هذه اللحظة - مولَّفاً يختصّ بردِّ هذا النوع من الشبهات على هذا النحو من الترتيب والتبويب . نعم قد تعرّض البعض لشيء من الشبهات ولكنّ الكثير منها لم أر أحداً ناقشها وأجاب عنها .

وهذه الشبهات ؛ تختلف في نتائجها ؛
1. فتارة يراد بها إسقاط بيعة وليّ الأمر .
2. وتارة يراد بها صرف الناس عن طاعته .
3. وتارة يراد بها تكفيره .
4. وتارة يراد بها تجويز الخروج عليه .

وقد اهتممتُ - في دفع هذه الشبه - بـ :
1. الإيجاز - ما استطعتُ إليه سبيلاً(1) - .
2. والاعتناء بالدليل الشرعي .
3. مع الإرجاع لأصول أهل السنة والجماعة .
4. والنقل عن أهل العلم في كلّ ما أُقرِّره .

ثم إنني - في نقلي عن أهل العلم - قد اعتنيتُ بذكر كلام الشيخين الإمامين :
· عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ,
· ومحمد بن صالح ابن عثيمين - رحهما الله - بالدرجة الأولى ؛
§ لما لهما من القبول عند المسلمين ,
§ ولمعاصرتهما أكثر - إن لم أقل كلّ - هذه المسائل .

والكتاب إنما هو لردّ الشبه , فليس من هدفه الكلام عن أصحابها .

ومعاذ الله أن أكون قد كتبتُ ما كتبتُ محاباةً أو مجاملةً أو استماتةً في الدفاع عن الحكام !

بل الباعث على تأليف هذا الكتاب هو حمايةُ(2) :
§ أصولِ أهل السنة والجماعة : من هجمات المُغرضين .
§ وعُقولِ المسلمينَ : من الفكر الضالّ بجميع صوره .

وقد رددتُ الشبهات من وجهين :
§ وجهٍ عامٍّ ؛ وهو ردّ مُجملٌ على جميع الشبهات المذكور منها وغير المذكور .
§ ووجهٍ خاصّ ؛ وهو ردّ مُفصّل على كلّ شبهة لوحدها .

وقبل ختمِ المقدمة - هذه - أبعث رسالة :
§ لإخواني المسلمين عموماً ,
§ ولأخي المُخالف على وجه الخصوص :

أوصيه فيها بتقوى الله عز وجل ,
وبلزوم الدليل الشرعي ,
وبترك التعصّب للرموز ,
وبقراءة هذا الكتاب بتأنٍّ ورويَّةٍ ؛
فلعلّك - أخي - أن تُدرِكُ فيه شيئاً غابَ عنكَ وظننتَ الحقّ فيه معك وظللتَ عليه حيناً من دهرك , ومن تابَ تاب اللهُ عليه ,

واقرأ - بنَفْسٍ مُقبلةٍ - قولَ الله عز وجل :
« قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم » .

واعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له .
أسأل اللهَ أن ينفع بكتابي وأن يدّخرهُ لي - عنده - في ميزان الحسنات .
والحمد لله رب العالمين ؛



المؤلف .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
الردّ الأول على جميع الشبهات


وذلك بأربعة أصول عند أهل السنة والجماعة :
هناك أصول ينطلق منها أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام ؛ وهذه الأصول الأصيلة يمكن اعتبارها بمثابة الردّ الإجمالي على جميع الشبهات المثارة بالإضافة إلى الردّ التفصيلي الآتي على كلّ شبهةٍ في مكانها .



الأصل الأول

المسلم مأمور بالتثبّت في ما يسمع من الأخبار، إذ ليست كلّ الدعاوى التي ثُثار على حكام المسلمين صحيحة ؛ فيجب التأكّد من صحة الخبر ،

ولذلك فإنه يُقال :
إن الكثير من الشبه المثارة ما هي إلا دعاوى مجردة من البراهين .



تقريره

قال الله تعالى :
« . . . إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين » .

قال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 19/63 ) :
« يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت ؛ فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 15 / 308 ) :
« وأيضاً فإنه علّل ذلك بخوف الندم ، والندم إنما يحصل على عقوبة البريء من الذنب ، كما في سنن أبى داود ( ادرؤوا الحدود بالشبهات

فإن الإمامَ أن يخطيءَ في العفو خير من أن يخطيءَ في العقوبة ) ، فإذا دار الأمرُ بين أن يخطيء فيعاقب بريئاً أو يخطيء فيعفو عن مذنب ؛ كان هذا الخطأ خير الخطأين » انتهى .

وقال ابن كثير - رحمه الله - ( تفسيره 4/245 ) :
« يأمر الله تعالى بالتثبُّت في خبر الفاسق ليُحتاط لـه ، لئلا يُحكَم بقوله فيكون - في نفس الأمر - كاذباً أو مخطئاً » انتهى .

وقال السعدي - رحمه الله - ( تفسيره ص 800 ) :
« وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها ؛ وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره فلا يأخذوه مجرداً ؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً ووقوعاً في الإثم . . .
ففيه دليل على أن :
 خبر الصادق مقبول ،
 وخبر الكاذب مردود ،
 وخبر الفاسق متوقف فيه » انتهى .



الأصل الثاني

أجمع أهل السنة على أنه : لا يجوز الخروج على وليّ الأمر ؛ إلا في حالة مواقعته للكفر البواح .

ولذلك فإنه يُقال :
إن الكثير من الشبه المثارة ما هي إلا معاصٍ لا تصل بفاعلها إلى حدّ الوقوع في الكفر ؛ والسبيل هو التعامل مع معاصي الحاكم وفق ما في الكتاب والسنة من النصح ، والدعاء بالصلاح ، مع بقاء السمع والطاعة في كل ما يأمر به - عدا ما أمر به من المعاصي - .



تقريره

قال النووي - رحمه الله - ( شرحه لصحيح مسلم جزء 11 - 12 ص 432 تحت الحديث رقم : 4748 كتاب : الإمارة ، باب : وجوب طاعة الأمراء . . . ) :
« . . . وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقةً ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق » انتهى .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ( الفتح 13/9 تحت الحديث رقم : 7054 ) :
« قال ابن بطال : وفي الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار ، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه ؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء . وحجّتهم هذا الخبرُ وغيره مما يساعده ، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح » انتهى .

وموافقةً لهذه الإجماعات :
فقد قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - عن السعودية ( فتاواه 4/91 ) :
« وهذه الدولة - بحمد الله - :
لم يصدر منها ما يوجب الخروج عليها ، وإنما الذي يستبيح الخروج على الدولة بالمعاصي هم الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالذنوب . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 8/202 ) :
« . . . فإذا أمروا بمعصيةٍ فلا يُطاعون في المعصية ؛ لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 8/203 ) :
« . . . فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان » انتهى .

وقال - رحمه الله - عمّن لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في السعودية ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 54 ) :
« . . . بل هذا من المنكرات العظيمة ، بل هذا دين الخوارج .
هذا دين الخوارج والمعتزلة :
الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم إذا وُجدتْ معصية » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن بعض أنواع الرسوم التي تؤخذ من الحكومات هل هي من الضرائب ؟ ( الباب المفتوح 3/416 لقاء 65 سؤال 1465 ) :
« تعمّ كلّ شيء يؤخذ بلا حقّ ؛ فهو من الضرائب ، وهو محرم . . .
ولكن على المسلم السمع والطاعة ، وأن يسمع لولاة الأمور ويطيعهم ، وإذا طلبوا مالاً على هذه المعاملات أعطاهم إياه . . .
ولا يجوز أن تُتّخذ مثل هذه الأمور وسيلةً إلى :
 القدح في ولاة الأمور ،
 وسبّهم في المجالس ،
 وما أشبه ذلك » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح الواسطية 2/337 ط ابن الجوزي ) :
« . . . خلافاً للخوارج الذين يرون أنه لا طاعة للإمام والأمير إذا كان عاصياً ؛ لأن من قاعدتهم أن الكبيرة تُخرج من الملة » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 4/514 ط دار الوطن ) :
« مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم ؛ لو شربوا الخمر ، لو زنوا ، لو ظلموا الناس ؛ لا يجوز الخروج عليهم » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 4/517 ط دار الوطن ) :
« وأما قول بعض السفهاء : إنه لا تجب علينا طاعة ولاة الأمور إلا إذا استقاموا استقامة تامة !
فهذا خطأ ، وهذا غلط ، وهذا ليس من الشرع في شيء ؛ بل هذا مذهب الخوارج الذين يريدون من ولاة الأمور أن يستقيموا على أمر الله في كل شيء . وهذا لم يحصل من زمن ، فقد تغيرت الأمور » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 5/269 ط دار الوطن ) :
« يجب علينا أن نسمع ونطيع وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين ؛ فتقصيرهم هذا عليهم ، عليهم ما حُمّلوا وعلينا ما حُمّلنا » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 3/333 ط دار الوطن ) :
« ليس معنى ذلك أنه إذا أمر بمعصية تسقط طاعته مطلقاً ! لا . إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المُعيّن الذي هو معصية لله ، أما ما سوى ذلك فإنه تجب طاعته » انتهى .



الأصل الثالث

ليس كلّ من وقع في الكفر أصبح كافراً ؛ إذ قد يوجد عند الواقع في الكفر ما يمنع من تكفيره .

ولذلك فإنه يقال :
إن بعض الأمور التي تثار على بعض حكام المسلمين هي من قبيل المكفّرات ، ولكن ليس لأحدٍ أن يُعامل هذا الحاكم كما يُعامَل الحاكم الكافر ؛ حتى تُقام عليه الحُجّة . بحيث تتوفّر فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه .



تقريره

قال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 16/434 ) :
« فليس كل مخطيء(3) كافراً ؛ لا سيما في المسائل الدقيقة التي كثر فيها نزاع الأمة » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 12/466 ) :
« وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط ؛ حتى :
 تقام عليه الحجة ،
 وتبين له المحجة ،
ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزُل ذلك عنه بالشكّ ؛ بل لا يزول إلا :
 بعد إقامة الحجة ،
 وإزالة الشبهة » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 12/487 ) :
« . . . كلّما رأوهم قالوا : ( من قال كذا فهو كافر ) ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكلّ من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير لـه شروط وموانع قد تنتفي في حق المُعَيّن ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المُعَيّن إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع .
يُبيِّن هذا :
أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن مسائل التكفير ( فتاواه 23/348 ) :
« . . . ولكن المقصود هنا :
أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 12/500 ) :
« . . . فتكفير المُعيّن من هؤلاء الجهال(4) وأمثالهم بحيث يُحكم عليه بأنه من الكفار؛ لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبيّن بها أنهم مخالفون للرسل ؛ وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر . وهكذا الكلام في تكفير جميع المُعيّنين . . . » انتهى .

وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - ( الصحيحة . تحت الحديث رقم : 3048 ) :
« ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفرُ عليه وأحاط به » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 3/125 لقاء 51 سؤال 1222 ) :
« كلّ إنسانٍ فعل مُكفِّراً فلا بدّ ألاّ يوجد فيه مانعٌ من موانع التكفير . . .
فلا بدّ من الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل .
فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يُكفَّر صاحبُه وإن قلنا أنه كُفرٌ(5) ؛
فيُفرَّق بين :
 القول والقائل ،
 وبين الفعل والفاعل ،
قد تكون الفِعْلةُ فِسقاً ولا يُفسّق الفاعل لوجود مانعٍ يمنع من تفسيقه ،
وقد تكون كفراً ولا يُكفّر الفاعل لوجود ما يمنع من تكفيره ، وما ضرّ الأمة في خروج الخوارج إلا هذا التأويل . . .
ربما يفعل الإنسان فعلاً فِسقاً لا شكّ فيه لكنه لا يدري .
فإذا قلتَ يا أخي هذا حرام . قال : ( جزاك الله خيراً ) ، وانتهى عنه .
إذاً : كيف أحكم على إنسان أنه فاسق دون أن تقوم عليه الحجة ؟
فهؤلاء الذين تُشير إليهم من حكام العرب والمسلمين :
 قد يكونون معذورين لم تتبيَّن لهم الحجة ،
 أو بُيِّنتْ لهم وجاءهم من يُلبِّسُ عليهم ويُشبِّه عليهم » انتهى .

وقال - رحمه الله - جواباً على سؤال :
( هل يعتبر الذين لا يُحكمون القرآن والسنة ويُحكمون الشرائع الفرنسية أو الإنجليزية كفاراً ؟ ) ، ( الباب المفتوح 1/24 لقاء 1 سؤال 31 ) :
« هذا يحتاج إلى النظر ؛ ما هو السبب الذي حملهم على هذا ؟ وهل أحدٌ غرَّهم ممن يدّعي العلم وقال أن هذا لا يخالف الشرع ؟ أم ماذا ؟ ..
فالحكم في هذه المسألة لا يمكن إلا على كل قضيةٍ بعينها » انتهى .

فائدة :
شروط التكفير أربعةٌ ، تقابلها أربعٌ من الموانع ؛ وهي :
1. توفر العلم وانتفاء الجهل .
2. وتوفر القصد وانتفاء الخطأ .
3. وتوفر الاختيار وانتفاء الإكراه .
4. وانعدام التأويل السائغ ، والمانع المقابل له هو وجود التأويل السائغ .



الأصل الرابع

الخروج على الحاكم الكافر ليس على إطلاقه ؛ بل هو مشروط بـ :
1. القدرة على إزالته ،
2. مع إحلال مسلمٍ مكانه ،
3. بحيث لا تترتّب على هذا الخروج مفسدة أعظم من مفسدة بقاء الكافر .
ولذلك فإنه يقال :
ليس كل من وقع في الكفر وأصبح كافراً - من حكام المسلمين - جاز الخروج عليه .

فائدة :
قال ابن تيمية - رحمه الله - مُشيراً إلى شيءٍ من التلازم بين الخروج والمفسدة ( المنهاج 3/391 ) :
« ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته » انتهى .



تقريره

قال ابن حجر - رحمه الله - عن الحاكم الكافر ( الفتح 13/9 تحت الحديث رقم : 7054 ) :
« . . . فلا تجوز طاعته في ذلك ، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها » انتهى .

وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( الصارم 2/413 ) :
« فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف ، أو في وقت هو فيه مستضعف ؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين . وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون » انتهى .

وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 8/203 ) :
« . . . إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان ، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة ،

أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا. أو كان الخروج يُسبّب شراً أكثر فليس لهم الخروج ؛ رعايةً للمصالح العامة .
والقاعدة الشرعية المُجمع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه ) ؛ بل يجب درء الشرّ بما يزيله أو يُخفّفه . أما درء الشرّ بشرٍّ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين .
فإذا كانت هذه الطائفة - التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً - عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشرّ أعظم من شرّ هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم ، فهذا لا يجوز . . . » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن الخروج على الحاكم الكافر ( الباب المفتوح 3/126 لقاء 51 سؤال 1222 ) :
« إن كنّا قادرين على إزالته ؛ فحينئذٍ نخرج ، وإذا كنّا غير قادرين ؛ فلا نخرج ؛ لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطةٌ بالقدرة والاستطاعة .
ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه .
لأننا خرجنا(6) ثم ظهرت العِزّةُ له ؛ صِرْنا أذِلّة أكثر ، وتمادى في طغيانه وكفره أكثر.
فهذه المسائل تحتاج إلى :
 تعقُّلٍ ،
 وأن يقترن الشرعُ بالعقل ،
 وأن تُبعد العاطفة في هذه الأمور ،
فنحن محتاجون للعاطفة لأجل تُحمِّسنا ، ومحتاجون للعقل والشرع حتى لا ننساق وراء العاطفة التي تؤدي إلى الهلاك » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 4/515 ط دار الوطن ) :
« . . . فقولوا ثلاثة شروط ، وإن شئتم فقولوا أربعة :
1. أن تروا ،
2. كفراً ،
3. بواحاً ،
4. عندكم من الله فيه برهان ؛ هذه أربعة شروط .
وإذا رأينا هذا - مثلاً - فلا تجوز المنازعة حتى تكون لدينا قدرة على إزاحته ، فإن لم يكن لدينا قدرة فلا تجوز المنازعة ؛ لأنه ربما إذا نازعنا - وليس عندنا قدرة - يقضي على البقية الصالحة ، وتتمّ سيطرته .
فهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب - وجوب الخروج على ولي الأمر - ؛ لكن بشرط أن يكون لدينا قدرة ،فإن لم يكن لدينا قدرة فلا يجوز الخروج ؛ لأن هذا من إلقاء النفس في التهلكة .
أيّ فائدة إذا خرجنا على هذا الوالي - الذي رأينا عنده كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان - ونحن لا نخرج إليه إلا بسكين المطبخ وهو معه الدبابات والرشاشات ؟
لا فائدة !
ومعنى هذا أننا خرجنا لنقتل أنفسنا !
نعم لا بدّ أن نتحيّل بكلّ حيلة على القضاء عليه وعلى حكمه ، لكن بالشروط الأربعة التي ذكرها النبي - عليه الصلاة والسلام - : ( أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(1) يُلاحظ أن غالب المؤلفين يُثقلون كتبهم بالحشو الكثير ، والحواشي الطويلة التي - جُلها - لا طائل منه ؛ ولأجل هذا نفرَ الشبابُ من القراءة، وامتلأت المكتبات بالكثير - والكثير جداً - من الكتب. فيا حبذا لو سار المرء على منهج ( الإقلال من غير إخلال ) . وليُعلم أن : ( كلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة ) .
(2) ولم أشأ مخاطبة أرباب هذه الشبهات من الرؤوس والمُنظِّرين .
(3) يُلاحَظ أن كلامه هنا - رحمه الله - في المسائل المُكفّرة .
(4) المعنى : ( تكفير المعيّن من قِبل الجهّال . . . ) .
(5) المعنى : ( وإن قلنا عن الفعل أنه كفرٌ ) .
(6) المعنى : ( لأننا لو خرجنا ) .

.................................................. .............................. .




بداية الردّ التفصيلي
تمت الأصول الأربعة ،
والتي هي الردّ الإجمالي ( الأول ) ،
وإلى الردّ التفصيليّ ،
والذي هو الرد ( الثاني ) .

الشبهة الأولى :
طعنهم في بيعة الحاكم الذي ليس مِن قريش !

الرد على الشبهة(1)

اشتراط كون الحاكم من قريش : صحيح ؛ ولكن إنما يُنظر إليه في حال الاختيار ، أي عند المفاضلة .
أما في حال تولِّي غير القرشيّ بالغلبة ، والقوة ، وحصول الخلافة له ، وتمكُّنه من الأمر ؛ فلا تجوز حينئذٍ منازعته ، ولا الخروج عليه ، ولا استبداله ، ولو وُجد القرشيّ .

فائدة :
وكذلك فإن من المتقرر :
عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم ، ولا نزعُه لاستبداله ؛ ولو وُجد الأفضل المستكمل للشروط .

نُقولٌ على ما نَقول:
بيان الدليل على اشتراط أن يكون الخليفة قرشياً
فمن الأدلة :
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ( خ : 3495 - م : 4678 ) :
« الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن . . . » .
وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - ( خ : 3501 - م : 4681 ) :
« لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان » .

بيان المنع من الخروج على الحاكم المتغلَّب:
قد أجمع العلماء على طاعة الحاكم المتغلِّب ؛ وإجماعهم هذا مطلق لا تقييد فيه .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ( الفتح 13/9 تحت الحديث رقم : 7053 ) :
« قال ابن بطال . . . أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلَّب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه . . . » انتهى .

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ( الدرر السنية 7/239 ) :
« الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلّب على بلدٍ أو بلدانٍ ؛ لـه حكم الإمام في جميع الأشياء » انتهى .

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمهم الله - ( مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/168 ) :
« وأهل العلم . . . متّفقون على طاعة من تغلّب عليهم في المعروف ، يرون نفوذ أحكامه وصحة إمامته ؛ لا يختلف في ذلك اثنان . . . » انتهى .

أقول: ولا غرابة من تناقل هذه الإجماعات ؛ فقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ولاية غير القرشيّ حيث قال أبوذر - رضي الله عنه - ( م : 4732 ) :
( أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً مجدّع الأطراف ) .
قال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 11 – 12 ص 429 تحت الحديث السابق ) :
« . . . وتتصور إمامة العبد إذا :
 ولاّه بعض الأئمة ،
 أو تغلّب على البلاد بشوكته وأتباعه ؛
ولا يجوز ابتداء عقد الولاية له مع الاختيار ؛ بل شرطها الحرية » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 3/331 ط دار الوطن ) :
« قال - صلى الله عليه وسلم - : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبدٌ حبشيّ ) :يعني : السمع والطاعة لولي الأمر .
وإن تأمر عليكم عبد حبشي : سواء كانت إمرته عامة - كالرئيس الأعلى في الدولة - ، أو خاصة - كأمير بلدة أو أمير قبيلة وما أشبه ذلك - . وقد أخطأ من ظنّ أن قوله « وإن تأمر عليكم عبد حبشي » أن المراد بهم الأمراء الذين دون الولي الأعظم - الذي يسميه الفقهاء ( الإمام الأعظم ) - ؛ لأن الإمارة في الشرع تشمل : الإمارة العظمى - وهي الإمامة - ، وما دونها - كإمارة البلدان والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك - » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 6/385 ط دار الوطن ) :
« فلو فُرض أن السلطان غلب الناسَ واستولى وسيطر ، وليس من العرب ، بل كان عبداً حبشياً ؛ فعلينا أن نسمع ونطيع . . . » انتهى .

وتطبيقاً لهذه الإجماعات :
فقد اعتدّ العلماء الأكابر في هذا العصر كـ :
 سماحة شيخي الشيخ عبد العزيز ابن باز ،
 وفضيلة العلامة الشيخ محمد ابن عثيمين ، وغيرهم ؛
بحكم آل سعود - وفقهم الله - مع أنهم ليسوا من قريش .

بيان المنع من الخروج على المسلم المفضول لغرض تولية الفاضل
قال الغزاليّ - رحمه الله - في سياق منعه من استبدال مفضول بفاضل(2) :
« . . . فلا يُهدم أصلُ المصلحة شغفاً بمزاياها ، كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً » انتهى .

أقول :
فـ( المصلحة ) : في معنى بقاء الحاكم الجاهل بالأحكام أو الفاسق أو غيرهما من المفضولين .
و ( مزاياها ) : في معنى فائدة تولية الفاضل العالِم أو الصالح أو غيرهما .

ومن القواعد المقررة في الشريعة :
1. قاعدة : ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ؛
2. وقاعدة : ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه ) وانظر : إعلام الموقعين ، لابن القيم - رحمه الله - ( 3/12 ) . كما قد حكى ابن باز - رحمه الله - الإجماع على هذه القاعدة ، وسيأتي كلامه .
والخروج على المسلم المفضول فيه من المفاسد ما هو أشدّ على المسلمين من بقائه ؛ من : سفك للدماء ، وإظهارٍ للفتن ، وإضاعة للأمن ، وتعطيل للحدود ؛ فهو من إزالةٌ للشرّ بأشرّ منه .

ومن أظهر مفاسده :
أنه يؤدي إلى عدم استقرار بيعة أحد ؛ لأنه مهما كان صلاح ولي الأمر فلا بدّ أن يوجد من هو أفضل منه ، ولو بعد حين . كما أن تحديد الأفضلية أمر متفاوت ، فقد تخرج جماعة زعماً أن من لديها هو الأفضل !

وتقدم كلام الشيخ ابن باز - رحمه الله - حول مسألة الخروج على الحاكم الكافر ( فتاواه 8/203 ) :
« . . . إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان : فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته ؛ إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة : فلا يخرجوا . أو كان الخروج يُسبّب شراً أكثر : فليس لهم الخروج ؛ رعايةً للمصالح العامة . والقاعدةُ الشرعية المُجمع عليها أنه : ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه ) ؛ بل يجب درء الشرّ بما يزيله أو يُخفّفه . أما درء الشرّ بشرٍّ أكثر : فلا يجوز بإجماع المسلمين . فإذا كانت هذه الطائفة - التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً - عندها :
 قدرة تزيله بها ،
 وتضع إماماً صالحاً طيباً ،
 من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشرّ أعظم من شرّ هذا السلطان : فلا بأس .

أما إذا كان الخروج يترتب عليه :
 فساد كبير ،
 واختلال الأمن ،
 وظلم الناس ،
 واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال ،
 إلى غير هذا من الفساد العظيم : فهذا لا يجوز …
» انتهى .
.................................................. ......................



الشبهة الثانية :
طعنهم في بيعة مَن أخذ الحكم بالقوة !

الرد على الشبهة

الأصل في تولّي الحكم :
 إما بالشورى ،
 أو بالاستخلاف ؛
ولكن لو جاء من أخذ الحكم بالقوة وتغلّب واستقام لـه الأمر ؛ وجبت طاعته وحرمت منازعته .
وهذا أمرٌ مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة ، لا يختلفون فيه .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان الإجماع على طاعة الحاكم المتغلّب وتحريم منازعته
تقدم تقرير الإجماع في هذا من كلام :
 الحافظ ابن حجر ،
 والشيخ محمد بن عبد الوهاب ،
 والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمهم الله - ،
فراجعه في الشبهة الأولى .
.................................................. ...............



الشبهة الثالثة :
ظنُّهم أن الطاعة لا تجب إلا على مَن بايع بنفسه !

الرد على الشبهة

1. ما دام قد بايع أهلُ الحلّ والعقد ؛ فالطاعة والبيعة لازمةٌ على كلّ واحدٍ من الرعيّة وإن لم يبايع أو يتعهّد لهم بذلك بنفسه .

2. ثم إن الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم ، كانوا على هذا : إذ لم يشترط أحدٌ منهم هذا الشرط للزُوم البيعة ووجوب الطاعة !

3. بل في اشتراط هذا من المشقة والمفسدة ما يوجب على العاقل - فضلاً عن العالم - عدم القول به ؛

 فأما المشقة :
فتلحق الحاكم والمحكوم على السواء ؛ إذ في ظلّ اّتساع البلاد وكثرة الناس وبعد المسافات ما يغني عن كثير من التوضيح .

 وأما المفسدة :
فيستطيع كلّ مَن بيّت سوءاً أن يتخلّف عن البيعة ويعمل ما شاء من أسباب الفرقة والنزاع بحجة عدم لزوم الطاعة عليه !

نُقولٌ على ما نَقول
بيان وجوب الطاعة ولزوم البيعة بمبايعة أهل الحلّ والعقد
قال ابن تيمية - رحمه الله - ( الفتاوى 35/9 ) :
« وما أمر اللهُ به من : طاعة ولاة الأمور ، ومناصحتهم ؛ واجبٌ على الإنسان وإن لم يُعاهدهم عليه ، وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة .
كما يجب عليه الصلوات الخمس والزكاة والصيام وحج البيت . وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله من الطاعة . . . » انتهى .

وقال الشوكاني - رحمه الله - ( السيل الجرار 4/513 ) :
« وليس من شرط ثبوت الإمامة أن يُبايعه كل من يصلح للمبايعة ، ولا من شرط الطاعة على الرجل أن يكون من جُملة المُبايعين ؛ فإن هذا الاشتراط - في الأمرين - مردودٌ بإجماع المسلمين أوّلهم وآخرهم ، سابقهم ولاحقهم . ولكنّ التحكّم في مسائل الدين وإيقاعها على ما يُطابق الرأي المبنيّ على غير أساسٍ يفعل مثل هذا .
وإذا تقرر لك ما ذكرناه :
فهذا الذي قد بايعه أهلُ الحلّ والعقد :
قد وجبتْ على أهل القُطر الذي تنفُذُ فيه أوامره ونواهيه طاعته بالأدلة المتواترة » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 3/176 لقاء 54 سؤال 1262 ) :
« . . . ومن المعلوم أن البيعة تثبت للإمام إذا بايعه أهل الحلّ والعقد . ولا يمكن أن نقول : ( إن البيعة حقّ لكلّ فردٍ من أفراد الأمة ) !
والدليل على هذا :
أن الصحابة - رضي الله عنهم - بايعوا الخليفة الأولَ أبا بكر - رضي الله عنه - ولم يكن ذلك من كلّ فردٍ من أفراد الأمة ؛ بل من أهل الحلّ والعقد .

فإذا بايع أهلُ الحل والعقد لرجلٍ ، وجعلوه إماماً عليهم :

 صار إماماً .
 وصار من خرج على هذه البيعة يجب عليه أن يعود إلى البيعة حتى لا يموت ميتة جاهلية أو يرفع أمره إلى وليّ الأمر لينظر فيه ما يرى .

لأن مثل هذا المبدأ ؛ مبدأ :
 خطير ،
 فاسد ،
 يؤدي إلى الفتن ،
 وإلى الشرور .

فنقول لهذا الرجل ناصحين له :
اتق الله في نفسك ، اتق الله في أمتك ، ويجب عليك أن تبايع لولي الأمر وتعتقد أنه إمام ثابت ؛ سواء بايعتَ أنتَ أم لم تبايع .
إذاً :
الأمر في البيعة ليس لكلّ فردٍ من أفراد الناس ؛ ولكنه لأهل الحل والعقد » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين حديث 1835 ط المصرية ) :
« قد يقول قائل - مثلاً - :
( نحن لم نبايع الإمام ، فليس كل واحد بايعه ) !
فيقال :
هذه شبهة شيطانية باطلة ،
حتى الصحابة - رضي الله عنهم - حين بايعوا أبا بكر ؛ هل كل واحد منهم بايع ؟
حتى العجوز في بيتها ؟
واليافع(9) في سوقه ؟ !
أبداً !
المبايعة لأهل الحلّ والعقد ،
ومتى بايعوا ثبتت الولاية على كل أهل البلاد شاء أم أبى .
ولا أظن أحداً من المسلمين - بل ولا من العقلاء - يقول : إنه لا بدّ أن يبايع كل إنسان ولو في جحر بيته ، ولو عجوزاً ، أو شيخاً كبيراً ، أو صبياً صغيراً ! ما قال أحد بهذا ،
حتى الذين يدّعون الديمقراطية في البلاد الغربية وغيرها لا يفعلون هذا - وهم كاذبون - ،
حتى انتخاباتهم كلها مبنية على التزوير والكذب ولا يبالون أبداً إلا بأهوائهم فقط .

الدين الإسلامي :
متى اتّفق أهل الحلّ والعقد على مبايعة الإمام فهو الإمام ، شاء الناس أم أبوا ، فالأمر كله لأهل الحلّ والعقد .

ولو جُعل الأمر لعامة الناس ، حتى للصغار والكبار ، والعجائز والشيوخ ، وحتى من ليس لـه رأي ويحتاج أن يُولّى عليه : ما بقي للناس إمام ؛ لأنهم لا بدّ أن يختلفوا » انتهى .
ـــــــــــــــــــ
الحاشية:
(9) كذا في المطبوع ، ولها وجهٌ ، ولعل الأقرب : ( البائع )

.................................................. ..........




الشبهة الرابعة :
طعنهم في الحكام بحجة أنهم أدخلوا المشركين جزيرة العرب !


والحديث الآمر بإخراجهم أخرجه :
البخاري ( 3053 ، 3168 ، 4431 ) ومسلم ( 4208 ) وغيرهما ؛ من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .
ولفظه :
« أخرجوا المشركين من جزيرة العرب » .

أقول :
ويتّخذ البعض - من فهمه الخاطيء - لهذا الحديث سبيلاً لـ :
- الطعن في الحكام ؛
- أو لإسقاط أحقيتهم في الحكم ؛
- أو لنبذ بيعتهم ؛
- أو لتوهين أمر طاعتهم ؛
- أو للافتيات عليهم ومباشرة إخراج المشركين من جزيرة العرب بالطرق غير المشروعة ؛
ولأجل هذا كلّه يقال :



الرد على الشبهة

1. يجب إخراج المشركين من جزيرة العرب لدلالة الحديث النبوي على ذلك ؛ ولكن هذا الوجوب ليس على إطلاقه ؛ إذ هو محمولٌ على :
- ألاّ تكون لهم إقامة دائمة في جزيرة العرب .
- أو على منع قيام شعائر دينهم .
فلا يدخل في هذا الأُجراء ، ولا أصحاب العهد ، ولا من أُعطوا الأمان .

2. أنه لا يجوز الافتيات ولا التعدّي على صلاحيات وليّ الأمر ؛
إذ إن المخاطَب بإخراج المشركين من جزيرة العرب هو : وليّ الأمر ؛
ومن ثمّ فإنه إن قصّر في هذا وأدخلهم بلا حاجةٍ فإن السبيل هو نصحه وتوجيهه بالطرق الشرعية لا بأن يقوم من أرادَ إخراجهم بمباشرة هذا الإخراج .

ثم قد يقال :
إن آحاد المسلمين مخاطبون بهذا الإخراج ، ولكن في حدود ما يخصُّهم ؛ بحيث لا يستقدمون المشركين ما وجدوا إلى الاستغناء عنهم سبيلاً .

3. مع أنه وقع الخلاف في تحديد المراد بجزيرة العرب في الحديث ؛
إلا أن الفقهاء متّفقون على أنها ليست هي الجزيرة العربية التي في اصطلاح الجغرافيين - وهو ما وقع فيه المخالفون - ؛ قال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 11 – 12 ص 95 تحت الحديث رقم : 4208 ) :
« لكنّ الشافعيَّ خصّ هذا الحكمَ ببعض جزيرة العرب ، وهو : الحجاز ، وهو(10) - عنده - :
مكة والمدينة واليمامة وأعمالها ، دون (11) اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب » انتهى .

بل قال ابن حجر عن قول الشافعي ( الفتح 6/198 تحت الحديث رقم : 3053 ) أنه :
« مذهب الجمهور » .

وفي اختيارات ابن تيمية - رحمه الله - ( البعلي ص 264 ) :
« ويُمنعون من المقام في الحجاز ، وهو : مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المنحني . وهو عقبة الصوان من الشام كمعان » انتهى .

و قال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 22/235 ) :
« . . . وهكذا إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب - وهي : الحجاز واليمن واليمامة وكل البلاد الذي لم يبلغه ملك فارس والروم من جزيرة العرب - . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 28/630 ) :
« وقد أمر النبي في مرض موته أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب - وهي الحجاز - فأخرجهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من المدينة وخيبر وينبع واليمامة ومخاليف هذه البلاد » انتهى .

ولقائلٍ أن يقول :
ما الدليل على بطلان حمل الحديث على جزيرة العرب التي في اصطلاح الجغرافيّين ؟

فالجواب :
ما حكاه ابن حجر - رحمه الله - من اتّفاق العلماء على إخراج اليمن من الحكم النبويّ ، مع أنها داخلة في جزيرة العرب عند الجغرافيين ؛ قال - رحمه الله - عن جزيرة العرب ( الفتح 6/198 تحت الحديث رقم : 3053 ) :
« . . . لكن الذي يُمنع المشركون من سُكناه منها : الحجاز خاصّة ؛ وهو : مكة والمدينة واليمامة وما والاها ، لا فيما سوى ذلك مما يُطلق عليه اسم جزيرة العرب ؛ لاتّفاق الجميع على أن اليمن لا يُمنعون منها مع أنها من جُملة جزيرة العرب » انتهى .

أقول :
فخروجها عن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - مع دخولها في حكم الجغرافيين ؛ دليل قاطع على تباين الحكمين وسقوط الاستناد على الاصطلاح الجغرافي في فهم المراد النبوي .
فاحفظ هذا فإنه مهم .

4. ويقال - على سبيل التنزُّل - :
لو فرضنا أن الحكام أدخلوا المشركين جزيرة العرب !
ولو فرضنا أن إدخال ولاة الأمور لهم ليس لحاجةٍ !
ولو فرضنا أنهم مخالفون للأمر النبوي في هذا الإدخال !
فإنه لا يعدو أن يكون عصياناً من وليّ الأمر ،
وليس بأمرٍ كفريّ يبيح لنا الخروج عليه ولا مباشرة ما من شأنه التمهيد للخروج !
وأنا لا أُهوّن من شأن المعصية ؛ ولكنني أتحدث عن الأمور المُكفّرة .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب ليس على إطلاقه
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 2/450 ) :
« . . . أما في الجزيرة العربية :
فالواجب أن يُمنعوا من دخولها ، وأن لا يُبقَوا فيها ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بقائهم فيها وأمر أن لا يبقى فيها إلا الإسلام وأن لا يجتمع فيها دينان وأمر بإخراج اليهود والنصارى وغيرهم من الجزيرة ؛ فلا يدخلوها إلا لحاجة عارضة ثم يخرجون ؛ كما أذن عمر للتجار أن يدخلوا في مُدد محدّدة ثم يرجعون إلى بلادهم ؛ وكما أقرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود على العمل في خيبر لمّا احتيج إليهم ، ثم أجلاهم عمر .
فالحاصل :
أن الجزيرة العربية لا يجوز أن يُقرّ فيها دينان ؛ لأنها معقل الإسلام ومنبع الإسلام ؛ فلا يجوز أن يقرّ فيها المشركون إلا بصفة مؤقتة لحاجة يراها وليّ الأمر . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 3/286 ) :
« . . . فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة ؛ عليهم جميعاً أن يجتهدوا كثيراً في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألاّ يستقدموا إلا المسلمين . . . أما الكفار فلا يستخدمهم أبداً إلا عند الضرورة الشرعية ، أي : التي يقدرها ولاة الأمر ، وفق شرع الإسلام وحده » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن دخول الكفار المسجدَ النبويَّ بالمدينة ( الموقع الرسمي على الانترنت ، نور على الدرب ، الولاء والبراء ، دخول غير المسلمين المساجد ) :
« وأما بقية المساجد فلا بأس من دخولهم للحاجة والمصلحة ، ومن ذلك المدينة وإن كانت المدينة لها خصوصية ، لكنها في هذه المسألة كغيرها من المساجد ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط فيها الكافر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرّ وفد ثقيف حين دخلوا المسجد قبل أن يسلموا ، وهكذا وفد النصارى دخلوا مسجده عليه الصلاة والسلام ؛ فدل ذلك على أنه يجوز دخول المسجد النبوي للمشرك , وهكذا بقية المساجد من باب أولى إذا كان لحاجة ، إما لسؤال ، أو لحاجة أخرى ، أو لسماع درس ليستفيد ، أو ليسلم ويعلن إسلامه ، أو ما أشبه ذلك » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن دخول الكفار جزيرة العرب للتجارة ( الموقع الرسمي على الانترنت ، نور على الدرب ، الولاء والبراء ، التعامل مع غير المسلمين بالبيع والشراء ) :
« لكن إذا قدموا لتجارة ثم يعودون ، أو بيع حاجات على المسلمين ، أو قدموا إلى ولي الأمر برسالة من رؤسائهم ؛ فلا حرج في ذلك ؛ لأن رسل الكفار كانوا يقدمون على النبي في المدينة عليه الصلاة والسلام ، وكان بعض الكفار من أهل الشام يقدمون على المدينة لبيع بعض ما لديهم من طعام وغيره » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 2/368 لقاء 39 سؤال 1055 ) :
« أما قولـه - صلى الله عليه وسلم - ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) ؛ فالمعنى :
لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب . يعني - مثلاً - لا تُبنى الكنائس ولا يُنادى فيها بالناقوس وما أشبه ذلك . وليس المعنى أنه لا يتديّن أحدٌ من الناس في نفسه . بل المراد أنه لا يكون لهم كنائس أو معابد أو بـِيـَع كما للمسلمين مساجد .
وأما قوله ( لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ؛ فالمراد منها : السكنى .
وأما الأُجراء وما أشبه ذلك فلا يدخلون في هذا ؛ لأنهم ليسوا قاطنين بل سيخرجون .
وأما إبقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يهود خيبر فيها ؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يُبقهم إبقاءاً مطلقاً عامّاً ، بل قال : ( نقرّكم فيها ما شئنا ) ؛ يعني : إلى أمد . وهذا الأمد كان لانتهائه سببٌ وذلك في عهد عمر - رضي الله عنه - حيث اعتدوا على عبد الله بن عمر وعلى الرجل الذي بات عنده ولم يوفوا بما عليهم فطردهم عمر - رضي الله عنه - » انتهى .

وقال - رحمه الله - لمّا سئل عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية ( فتاوى أركان الإسلام ص 187 سؤال 98 ) :
« . . . لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة ؛ جائز بشرط أن لا يُمنحوا إقامة مطلقة . . . » انتهى .

بيان أن دور آحاد الناس في الإخراج يختصّ بما تحت أيديهم من الصلاحية
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 2/451 ) :
« . . . ويجب على الرعية في الجزيرة العربية أن يساعدوا ولي الأمر ،
وأن يجتهدوا مع ولي الأمر في :
- عدم جلب المشركين ،
- وعدم التعاقد معهم ،
- وعدم استعمالهم في أي عمل ،
- وأن يُستغنى عنهم بالعُمّال المسلمين ؛
فإن في ذلك كفاية » انتهى .

ولـه - رحمه الله - رسالة في تحذير المواطنين في الجزيرة العربية من استقدام غير المسلمين ختمها بقوله ( فتاواه 8/356 ) :
« فأوصي إخواني جميعاً في هذه الجزيرة بـ :
- الحذر من استقدام الكفار من النصارى والهندوس وغيرهم ،
- والتواصي بذلك ،
- وأن يعتاضوا عنهم بالمسلمين . . . » انتهى .

بيان المنع من الافتيات على ولي الأمر فيما هو من صلاحياته
قال ابن تيمية - رحمه الله - عن المحتسب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الفتاوى 28/69 ) :
« . . . وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم » انتهى .

وقال في موضعٍ آخر ( الفتاوى 28/109 ) :
« . . . فإن المحتسب ليس له القتلُ والقطعُ » انتهى .

أقول :
يقصد - رحمه الله - أن إقامة الحدود ليست من أعمال المحتسب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا هي من صلاحياته .

بيان أن المعاصي لا تبيح الخروج على وليّ الأمر
تقدم نقل كلام :
- النووي ،
- وابن حجر ،
- وابن باز ،
- وابن عثيمين - رحمهم الله - ؛
فراجعه في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب .
ــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(10) أي : ( الحجاز ) .
(11) أي : ( ما عدا ) .

.................................................. ........................



الشبهة الخامسة :
طعنهم في الحكام بحجة أنهم استعانوا بالقوات الكافرة !




الرد على الشبهة

1. الاستعانة بالقوات الكافرة ليست أمراً محرما في كلّ حالٍ ؛ فقد تجوز عند الحاجة .

2. - وهو جواب خاص بحكام الحرمين - :
أن حادثة استعانة حكام الحرمين بالقوات الأجنبية في أحداث الخليج الأولى كانت بفتوى من كبار العلماء في السعودية ؛ فمن ثمّ - وعلى فرض التنزّل - فإنهم لا يُلامون ؛ لأنهم آخذون بفتوى جهة علمية قوية موثوقة ليس عندهم فحسب ؛ بل عند أهل السنة والجماعة في كل مكان .

3. لو فُرِض التحريم !
بل وعدم تجويز العلماء لهم !
فإن هذا يعدّ - على أسوإ التقديرات - محرماً وليس بكفرٍ ؛
فلم يجز نبذ طاعتهم ،
ولا الخروج عليهم ،
ولا خلع بيعتهم بمثل هذا .

نُقولٌ على ما نَقول
ذكر بعض العلماء المجيزين الاستعانة بالكافر عند الحاجة
أذكر - هاهنا - بعض أهل العلم المجيزين للاستعانة بالكافر عند الحاجة ؛
فمنهم :
- الإمام الشافعي - رحمه الله - .
- والإمام أحمد - رحمه الله - .
- أبو القاسم الخِرقي - رحمه الله - .
- أبو الحسن السندي - رحمه الله - .
- الشيخ ابن باز - رحمه الله - .
- الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - .

وليس المقصد الاستيعاب في النقل ؛
ولا ترجيح القول بالجواز على القول بالمنع ؛
ولا النظر في أدلة الفريقين ؛
ولكن المقصد :
بيان أن هذا القول قد قيل قديماً ، وأن لمن قال به حديثاً ( كالشيخين ابن باز وابن عثيمين وغيرهما - رحم الله الجميع ) سلفٌ فيما ذهب إليه .

قال ابن قدامة - رحمه الله - ( المغني 13/98 ) :
« فصلٌ :
ولا يُستعان بمشرك ؛ وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم . وعن أحمد ما يدلّ على جواز الاستعانة بهم - وكلامُ الخِرقي يدلّ عليه أيضا - عند الحاجة ؛ وهو مذهب الشافعيّ . . . » انتهى .

وقال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 11 – 12 ص 403 تحت الحديث رقم : 4677 ) :
« قوله - صلى الله عليه وسلم - ( ارجع فلن أستعين بمشرك ) ؛
وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه . فأخذ طائفة من أهل العلم بالحديث الأول على إطلاقه ؛
وقال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسَن الرأي في المسلمين ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به ؛ استُعين به . وإلا فيكره . وحَمَلَ الحديثين على هذين الحالين » انتهى .

وقال الخِرقي - رحمه الله - في مختصره ( المغني 13/97 مسألة رقم : 1651 ) :
« ويُسهَمُ للكافر إذا غزا معَنا » انتهى .

وقال السنديّ - رحمه الله - في شرحه لحديث ( إنا لا نستعين بمشرك ) من سنن ابن ماجه ( 3/376 تحت الحديث رقم : 2832 ) :
« يدلّ على أن الاستعانة بالمشرك حرام . ومحلُّه عدم الحاجة ؛ إذ الحاجة مستثناةٌ . فيُحمل ما جاء من ذلك على الحاجة . فلا تعارض » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن الكفار ( الباب المفتوح 3/20 لقاء 46 سؤال 1140 ) :
« . . . وأما الاستعانة بهم فهذا يرجع إلى المصلحة ؛ إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس ؛ بشرط أن نخاف(12) من شرّهم وغائلتهم وألاّ يخدعونا . وإن لم يكن في ذلك مصلحة فلا يجوز الاستعانة بهم لأنهم لا خير فيهم » انتهى .

وسيأتي - بإذن الله - كلام الشيخ ابن باز في الترجمة التالية .

بيان أن استعانة حكام السعودية بالقوات الأجنبية كان بفتوى من أهل العلم
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 6/148 ) :
« . . . وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ،
لمّا تأمَلوا هذا ،
ونظروا فيه ،
وعرفوا الحال ؛
بيّنوا :
أن هذا أمر سائغ ،
وأن الواجب استعمال ما يدفع الضرر ،
ولا يجوز التأخر في ذلك ،
بل يجب فوراً استعمال ما يدفع الضرر عن المسلمين ولو بالاستعانة بطائفة من المشركين . . . » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( فتاواه 6/172 ) :
« وأما ما اضطرت إليه الحكومة السعودية من الأخذ بالأسباب الواقية من الشرّ والاستعانة بقوات متعددة الأجناس من المسلمين وغيرهم للدفاع عن البلاد وحرمات المسلمين وصدّ ما قد يقع من العدوان من رئيس دولة العراق ،
فهو إجراءٌ :
مسدّد ،
وموفّق ،
وجائز شرعاً .
وقد صدر من مجلس هيئة كبار العلماء - وأنا واحد منهم - بيان بتأييد ما اتخذته الحكومة السعودية في ذلك وأنها قد أصابت فيما فعلته . . . » انتهى .

بيان أنه لا يُخرج على الحاكم إلا بالكفر الصريح
تقدم نقل كلام :
النووي ،
وابن حجر ،
وابن باز ،
وابن عثيمين ، - رحمهم الله - ؛
فراجعه في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب .
ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(12) كذا في المطبوع ؛ ولعلّ الصواب : ( نأمن ) .

.................................................. ...........................



الشبهة السادسة :
طعنهم في الحكام بحجة أنهم أضاعوا أموال الدولة !



الرد على الشبهة

إن قضايا الأموال ليست سبباً لمحبة أو بغض ولي الأمر ؛
فكما أنه لا يجوز السكوت عن الكافر ولو كان مُنعِماً على قومه بالدنيا ؛
فكذلك لا يسوغ الخروج على المسلم ولو ظلم في أمور الأموال .

بل إنه قد ورد الذم الشديد على الذي يُعلِّق بيعته بالمال ؛
فإن أعطي رضي وإن لم يُعط سخط .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بمجيء من يستأثر بالمال
جاء في حديث أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ( خ : 3792 - م : 4756 ) :
« إنكم ستلقون بعدي أثَرةً ؛ فاصبروا ؛ حتى تلقوني على الحوض » .

قال ابن حجر - رحمه الله - عن الاستئثار ( الفتح 13/11 تحت الحديث رقم : 7057 ) :
« . . . فبَيَّن له أن ذلك لا يقع في زمانه . . .
وأن الاستئثار للحظّ الدنيويّ إنما يقع بعده .
وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر » انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 1/219 ط دار الوطن ) :
« وفيه دليل على نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه أخبر بأمر وقع ،
فإن الخلفاء والأمراء منذ عهد بعيد كانوا يستأثرون بالمال ؛
فنجدهم يأكلون إسرافاً ،
ويشربون إسرافاً ،
ويلبسون إسرافاً ،
ويسكنون إسرافاً ،
ويركبون إسرافاً ،
وقد استأثروا بمال الناس لمصالح أنفسهم الخاصة .
ولكن هذا لا يعني أن ننزع يداً من طاعة ، أو أن ننابذهم !
بل نسأل الله الذي لنا ونقوم بالحقّ الذي علينا » انتهى .

بيان وجوب السمع والطاعة ولو استُؤثِرَ علينا في الدنيا
جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ( م : 4731 - ن : 4165 ) :
« عليك السمع والطاعة في عُسرك ويُسرك . ومنشطك ومكرهك .
وأثَرَةٍ عليك » .

والأثرة تعني الاستئثار بأمور الدنيا ؛
قال ابن الأثير - رحمه الله - ( نهايته 1/26 ) :
« . . . أراد أنه يُستأثَرُ عليكم ؛ فيُفضَّلُ غيرُكم في نصيبه من الفيء .
والاستئثار :
الانفرادُ بالشيء » انتهى .

وقال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 11 – 12 ص 428 تحت الحديث رقم : 4731 ) :
« . . . وهي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم .
أي :
اسمعوا وأطيعوا وإن اختصّ الأمراءُ بالدنيا ولم يوصلوكم حقّكم مما عندهم .
وهذه الأحاديث في الحثّ على السمع والطاعة في جميع الأحوال . . . » انتهى .
وقال - رحمه الله - تحت باب : الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم ( شرحه جزء 11 – 12 ص 439 تحت حديث رقم : 4756 ) :
« تقدم شرح أحاديثه في الأبواب قبله ؛
وحاصله :
الصبرُ على ظلمهم وأنه لا تسقط طاعتهم بظلمهم » انتهى .

وقال السندي - رحمه الله - ( حاشيته على سنن النسائي 7 - 8/157 تحت الحديث رقم 4165 ) :
« . . . فالمراد : ( وعلى أثرةٍ علينا ) .
أي : بايَعَنا على أن نصبر وإن أُوثر غيرُنا علينا . . . » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن بعض أنواع الرسوم التي تؤخذ من الحكومات ؛ هل هي من الضرائب ؟ - بعد أن أفتى بتحريمها - ( الباب المفتوح 3/416 لقاء 65 سؤال 1465 ) :
« ولا يجوز أن تُتّخذ مثل هذه الأمور وسيلةً إلى القدح في ولاة الأمور وسبّهم في المجالس وما أشبه ذلك ، ولنصبر ،
وما لا ندركه من الدنيا ندركه في الآخرة » انتهى .

بيان الوعيد الشديد على من يبايع لأجل الدنيا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( خ : 7212 - م : 293 ) :
« ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ،
رجل على فضلِ ماءٍ بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ،
ورجل بايع رجلا بسلعةٍ بعد العصر فحلف لـه بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه وهو على غير ذلك ،
ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف » .

قال ابن العربي المالكي - رحمه الله - ( العارضة 7/70 تحت الحديث رقم : 1595 ) :
« نصّ في :
الصبرِ على الأثرةِ ،
وتعظيمِ العقوبة لمن نكث لأجل منع العطاء » انتهى .

وقال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 1 – 2 ص 300 تحت الحديث رقم : 293 ) :
« . . . وأما مُبايع الإمام على الوجه المذكور فمُستحِقّ هذا الوعيد :
لغِشِّهِ المسلمينَ ،
وإمامَهُم ،
وتسبُّبه إلى الفتن بينهم بنكثه بيعته ،
لا سيما إن كان ممن يُقتدى به » انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ( الفتح 13/216 ) :
« والأصل في مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛
فمن جعل مبايعته لمالٍ يُعطاه دون ملاحظة المقصود فقد :
خسر خسراناً مبيناً ،
ودخل في الوعيد المذكور ،
وحاق به ؛ إن لم يتجاوز الله عنه » انتهى .

وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 35/16 ) :
« وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم ؛ فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله ، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فماله في الآخرة من خلاق » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين حديث رقم : 1835
ط المصرية ) :
« فهذا الرجل بايع الإمام ، لكنه بايعه للدنيا لا للدين ولا لطاعة رب العالمين ،
إن أعطاه من المال وفى ، وإن منعه لم يف ،
فيكون هذا الرجل - والعياذ بالله - :
متبعاً لهواه ،
غير متبع لهداه ،
ولا طاعة مولاه ،
بل هو بيعته على الهوى » انتهى .

.................................................. ......................



الشبهة السابعة :
تكفيرهم جميع الحكام بلا استثناء !

الرد على الشبهة

1. أنكم تُكفِّرون مِن الحكام مَن ليس بكافرٍ ؛ إذ إن الكثير من الأمور التي ينقهما البعض - هداهم الله - يظنّونها مكفِّرات ؛ وعند التحقيق لا تكون كذلك .
فلا نُسلم لكم بتكفير جميع حكام المسلمين .

2. أن التكفير لا يجوز أن يصدر إلا من العلماء ؛
إذ لا يقبل التكفير من آحاد طلاب العلم فضلاً عن آحاد الناس .

وبالنظر لمن صرّح الراسخون في العلم بتكفيره نجدهم قلّةً إذا ما قُورن هذا بتعميم البعض - هداهم الله - التكفيرَ لجميع الحكام ، أو لجميع الحكام العرب ، أو لجميع حكام المنطقة الفلانية !
وما ذاك الإقلالُ من الراسخين إلا نتيجةً لفهمهم منهج أهل السنة والجماعة وتشرّبهم إياه ؛ وهذا يتّضح بالنظر لـ :

3. أنه ليس كلّ واقعٍ في الكفر يكون كافراً .
وهذا أصلٌ أصيلٌ راسخٌ عند أهل السنة والجماعة قاطبةً . فالعمل قد يكون كفراً لكن قد يتخلّف التكفير عن بعض من وقع فيه لعدم استكمال شروط تكفير المعيَّن . وإن شئت فقل لوجود مانعٍ يمنع من التكفير .
وقد تقدم تقرير هذا في الأصل الثالث من الأصول الأربعة التي في أوّل الكتاب ، فراجعه .
وهنا السؤال لمن عمّم التكفير :
هل أقمتَ الحجة على كلّ هؤلاء الحكّام الذين صدعت ( ! ) بكفرهم ؟
تالله إن هذا إن لم يكن مُحالاً لهو أخو المُحال .

4. أن الخروج على الحاكم الكافر ليس أمراً مطلقاً ؛ بل هو مشروطٌ بما يلي :
? القدرة على إزاحة ذلك الكافر .
? عدم ترتُّب مفسدةٍ عُظمى .
? إحلال مسلمٍ مكانه .

نُقولٌ على ما نَقول
ثناء الشيخين ابن باز وابن عثيمين على حكام المملكة العربية السعودية واعترافهم لهم بالبيعة وتحريمهم الخروج عليهم(13)

أولاً : الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - :
قال - رحمه الله - في كلامٍ لـه عن جامعة الإمام محمد بن سعود يرحمه الله
( فتاواه 1/383 ) :
« . . . وإني على يقين بأن حكومة المملكة العربية السعودية السُّـنّـيّـة - وفقها الله لما فيه رضاه ونصر بها الحقّ - لن تتوانى في دعم توصياتكم ومقرراتكم فيما يخدم الإسلام والمسلمين كما هي عادتها في هذا الشأن . . .
وذلك من فضل الله عليها ومما تُشكر عليه هذه الدولة التي قامت على مذهب السلف وطبّقته في مجتمعها » انتهى .

ولما تكلم - رحمه الله - عن الجيوش الإسلامية التي قاتلت صدام حسين في حرب الخليج الأولى كان مما قال ( فتاواه 6/150 ) :
« وهذه الجيوش ليست تحت راية الكفر ؛ بل كل جيشٍ تحت قيادة قائده ؛ فالجيوش السعودية تحت قائدها خالد بن سلطان ، وتحت القائد الأعلى خادم الحرمين الشريفين » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 8/181 ) :
« وفي زمننا هذا - والحمد لله - توجد الجماعات الكثيرة الداعية إلى الحق ؛ كما في الجزيرة العربية : الحكومة السعودية ، وفي اليمن والخليج ، وفي مصر والشام ، وفي أفريقيا وأوروبا وأمريكا ، وفي الهند وباكستان ، وغير ذلك من أنحاء العالم ؛ توجد جماعات كثيرة ومراكز إسلامية وجمعيات إسلامية تدعوا إلى الحق وتبشِّر به وتحذِّر من خِلافه » انتهى .

وقال - رحمه الله - وأَنْعِمْ بما قال(14) ( فتاواه 9/98 ) :
« وهذه الدولة السعودية دولةٌ مباركةٌ ؛
نصر اللهُ بها الحقّ ،
ونصر بها الدين ،
وجمع بها الكلمة ،
وقضى بها على أسباب الفساد ،
وأمَّن اللهُ بها البلاد ،
وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله ،
وليست معصومة ، وليست كاملة ، كلٌّ فيه نقصٌ ؛ فالواجب :
التعاون معها على إكمال النقص ،
وعلى إزالة النقص ،
وعلى سدّ الخلل ؛
بالتناصح ، والتواصي بالحقّ ، والمكاتبة الصالحة ، والزيارة الصالحة ؛ لا بنشر الشرّ ، والكذب ، ولا بنقل ما يقال من الباطل . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن الاقتداء بالمملكة العربية السعودية في رؤية هلال رمضان ( فتاواه 15/106 ) :
« والمملكة العربية السعودية أولى الدول بالاقتداء بها ؛ لاجتهادها في تحكيم الشريعة . زادها الله توفيقاً وهداية » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 53 ) :
« الواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف . . .
ولا يجوز لأحد أن ينزع يداً من طاعةٍ ؛
بل يجب على الجميع السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف . . .
وهذه الدولة السعودية :
دولةٌ إسلاميةٌ والحمد لله ؛
تأمر بالمعروف ،
وتنهى عن المنكر ،
وتأمر بتحكيم الشرع ،
وتُحكِّمه بين المسلمين » انتهى .

وقال - رحمه الله - عمّن لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في السعودية ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 54 ) :
« . . . بل هذا من المنكرات العظيمة ، بل هذا دين الخوارج . هذا دين الخوارج والمعتزلة :
الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم إذا وُجدتْ معصية » انتهى .

ثانياً : الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
قال - رحمه الله - ( الباب المفتوح 1/364 لقاء 12 سؤال 499 ) :
« أقول : إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد أنّ اللهَ سبحانه وتعالى أبقى فيها عقيدة التوحيد في الربوبية وفي الألوهية وفي الأسماء والصفات ، ولم يعرفوا تلك البدع المُكفِّرة وما دون المُكفِّرة ؛ إلا حيثُ اختلطوا بالناس ذهاباً إليهم ، أو اختلط الناسُ بهم إياباً إليهم . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - لما تكلم عن الغربة في الدين ( الباب المفتوح 1/441 لقاء 15
سؤال 584 ) :
« الآن - والحمد لله - لا غرابة لذلك في بلادنا ؛ فالداعي يدعو ، والمصلي يصلي ، والمتصدق يتصدق ، والعابد يعبد الله . وليس في ذلك غرابة . ولكن قد يوجد في بعض بلاد المسلمين من يستغرب . . .
والغُرْبة - عندنا في بلادنا والحمد لله - ليست موجودةً . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - عندما سُئل عن إيقاف بعض الدعاة ( الباب المفتوح 3/496 لقاء 69 سؤال 1526 ) :
« كيف نهدم هذا الأمن - الذي نعيشه - بأيدينا ؟
أمنٌ ، رخاءٌ ، وطمأنينة ؛ كيف نساعد على هدمه وإزالته بأيدينا ؟
ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلّحة ضدّ الحكومات - التي ليست كحكومتنا ولكنها حكومات تصرّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله وتضع القوانين الفرنسية أو الإنجليزية أو الأمريكية أو الروسية لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين - وكانت النتيجة هي ازدياد هذه الحكومات عُنْفاً وسُلْطةً ، وانعدام الاستقرار والأمن . . . » انتهى.

وقال - رحمه الله - عندما سئل : ( ما هو ردّكم على من يقول : أكثرُ الشرّ في بلد التوحيد مصدره الحكومة وأن الولاة ليسوا بأئمة سلفيين ؟ ) ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 58 ) :
« ردّنا على هذا كالذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مجنون وشاعر ، وكما يقال : ( لا يضرّ السحاب نبح الكلاب ) ، لا يوجد - الحمد لله - مثل بلادنا اليوم في التوحيد وتحكيم الشريعة ، وهي لا تخلو من الشرّ كسائر بلاد العالم ؛ بل حتى المدينة النبوية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وُجد من بعض الناس شرٌّ ؛ لقد حصلت السرقة وحصل الزنا » انتهى .

بيان أنه ليس كلّ ما يقال إنه مُكفِّر يكون كذلك
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن بعض صور التعامل مع الكفار ( الباب المفتوح 3/466 لقاء 67 سؤال 1507 ) :
« . . . وهذه المسألة من أدقّ المسائل وأخطرها ولا سيما عند الشباب ؛
لأن بعض الشباب يظنّ أن أيّ شيء يكون فيه اتصالٌ مع الكفار فهو موالاة لهم ؛ وليس كذلك . . . » انتهى .

بيان أن التكفير لا يجوز أن يصدر من كلّ أحد
قال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 35/100 ) :
« . . . فإن تسليط الجُهّال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات ؛ وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض ، الذين يُكفِّرون أئمة المسلمين لِما يعتقدون أنهم أخطؤوا فيه من الدّين » انتهى .

وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - ( الصحيحة . تحت الحديث رقم : 3048 ) :
« ولهذا فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورّعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم وأن يستمرّوا في طلب العلم حتى ينبُغُوا فيه وألاّ يغترّوا بأنفسهم ويعرفوا حقّ العلماء وأسبقيّتهم فيه . . . » انتهى .

بيان شروط الخروج على الحاكم الكافر
تقدم نقل كلام :
الحافظ ابن حجر ،
وابن باز ،
وابن عثيمين ، - رحمهم الله - ؛
في الأصل الرابع من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .
بيان أن لتكفير المُعيَّنِ شُروطاً(15)
قال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 16/434 ) :
« فليس كل مخطيء كافراً ؛ لا سيما في المسائل الدقيقة التي كثر فيها نزاع الأمة » انتهى .

وقال ( فتاواه 3/229 ) :
« هذا مع أني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ؛ إلا إذا عُلِم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى ،
وأني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها - وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية - ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية » انتهى .

ثم قال بعد ذلك ( فتاواه 3/230 ) :
« وكنت أُبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين ، وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار ؛ وهى مسألة الوعيد ؛ فان نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . . . ) الآية ،
وكذلك سائر ما ورد : من فعل كذا فله كذا ؛ فإن هذه مطلقة عامة ، وهى بمنزلة قول من قال من السلف : من قال كذا فهو كذا .
ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة .
والتكفير هو من الوعيد ؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول ؛ لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها . وإن كان مخطئاً .
وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : ( إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذُرّوني في اليم فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين ) ففعلوا به ذلك ، فقال الله له : ما حملك على ما فعلت ؟
قال : ( خشيتك ) ؛ فغفر له .
فهذا رجل شك في قدرة الله ، وفي إعادته إذا ذُري ، بل اعتقد أنه لا يعاد : وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه فغفر لـه بذلك . والمتأوّل من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 12/466 ) :
« وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط ؛ حتى تقام عليه الحجة ، وتبين لـه المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزُل ذلك عنه بالشكّ ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 12/500 ) :
« . . . وإذا عُرف هذا ؛ فتكفير المُعيّن من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يُحكم عليه بأنه من الكفار ؛ لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبيّن بها أنهم مخالفون للرسل ؛ وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر . وهكذا الكلام في تكفير جميع المُعيّنين . . . » انتهى .

وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - ( الصحيحة . تحت الحديث رقم : 3048 ) :
« ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفرُ عليه وأحاط به . . . » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 3/125 لقاء 51 سؤال 1222 ) :
« كلّ إنسانٍ فعل مُكفِّراً فلا بدّ ألاّ يوجد فيه مانعٌ من موانع التكفير . . .
فلا بدّ من الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل ؛ فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يُكفَّر صاحبُه وإن قلنا أنه كُفرٌ(16) ؛ فيُفرَّق بين القول والقائل وبين الفعل والفاعل ،
قد تكون الفِعْلةُ فِسقاً ولا يفسُق الفاعل لوجود مانعٍ يمنع من تفسيقه ، وقد تكون كفراً ولا يكفر الفاعل لوجود ما يمنع من تكفيره ، وما ضرّ الأمة في خروج الخوارج إلا هذا التأويل . . .
ربما يفعل الإنسان فعلاً فِسقاً لا شكّ فيه ؛ لكنه لا يدري . فإذا قلتَ يا أخي هذا حرام ، قال : ( جزاك الله خيراً ) ، وانتهى عنه .

إذاً :
كيف أحكم على إنسان أنه فاسق دون أن تقوم عليه الحجة ؟
فهؤلاء الذين تُشير إليهم من حكام العرب والمسلمين :
? قد يكونون معذورين لم تتبيَّن لهم الحجة ،
? أو بُيِّنتْ لهم وجاءهم من يُلبِّسُ عليهم ويُشبِّه عليهم » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(13) سبب إيراد هذه الترجمة وما تحتها هو وقوع الكثيرين - هداهم الله - في تكفير الحكومة السعودية. فصحّ التمثيل بهذا على أنه تكفيرٌ لمن ليس بكافرٍ من حكام المسلمين .
(14) جديرٌ بنا تأمل هذا النقل بحروفه . وبما قال الشيخُ - رحمه الله - أقولُ ، فإن لهذه الدولة فضائل لا تُنْكَر وفيها نقصٌ لا يُتجَاهل . والذي يجب على المُنصِف أن يكون وسطاً بين من يُلغي فضائلها ويجحد فضلها وبين من يُنكر النقص ويدّعي الكمال .
(15) تقدم تقرير عدم كفر كل من وقع في مُكفّر ، فراجعه في الأصل الثالث من الأصول الأربعة . مع العلم أن في كلا الموضعين من النقول ما لم يّذكر في الآخر ، فتنبّه .
(16) المعنى : ( وإن قلنا عن الفعل أنه كفرٌ ) .

.................................................. .............................. .



الشبهة الثامنة :
تجويزهم الخروج على الحاكم الفاسق !

الرد على الشبهة

قد استقرّ الإجماع وانعقد على تحريم الخروج على الحاكم الفاسق ؛
ومن ثم فلا يجوز الخروج عليه ولو ظهر منه الظلم والفسق والعدوان ، ما لم يصل للحدّ المبيح للخروج وهو : الكفر .

فائدة :
جاء في الصحيحين ( خ : 7056 - م : 4748 ) :
« إلا أن تروا كفراً بواحاً » .

ولابن حبان ( 4566 ) :
« إلا أن تروا معصيةً لله بواحاً » .

فهل فيها دليلٌ على تجويز الخروج حال المعصية ؟
الجواب :
لا ،
لا حجة في هذه الرواية - على تجويز الخروج على الحاكم الفاسق - من أوجه :
1. أن لفظ الصحيحين « كفراً بواحاً » ؛
وقد قرر الحاكم - رحمه الله - أن الحديث إن كان في الصحيحين وجاءت في غيرهما زيادة فهي ضعيفة ، فـ - على أقلّ تقدير - يجب النظر في ثبوت هذه الزيادة .
وليس لأحد أن يقول أنها ( ليست زيادة ؛ لأنها إبدال لفظٍ بلفظ ) ! لأن الزيادة هنا في المعنى .

2. أنه يجب تفسير ( المعصية ) - هنا - بالكفر ؛ فالكفر - من حيث الاسم - يسمّى معصيةً . والموجب لهذا أمران :
الإجماع المستقرّ على منع الخروج إلا في حالة الكفر .
الأحاديث الأخرى المانعة من الخروج على الحاكم ولو عصى .

3. - وهو وجه قويّ دقيقٌ - :
أن الحديث الذي فيه ( الكفر ) سيق في غير مساق الحديث الذي فيه ( المعصية ) .
يتضح هذا بالنظر لسياق الحديثين ؛ فحديث « كفراً بواحاً » جاء جواباً على السؤال عن مشروعية المنابذة ( الخروج ) .
وحديث « معصيةً لله بواحاً » جاء تقريراً لعدم الطاعة في المعصية .

فالمعنى :
لا تخرجوا إلا إن رأيتم الكفر البواح .
ولا تطيعوا إن أمرتم بالمعصية .

ومعلومٌ أن النهي عن الطاعة في المعصية لا يستلزم تجويز الخروج ؛ إذ غايته ألاّ يطاع في تلك المعصية فحسب .
ويتّضح هذا التأويل بتأمل اللفظين :
* ( . . . وألاّ ننازع الأمر أهله ، قال : « إلا أن تروا كفرا ‏‏ بواحاً‏ ‏عندكم من الله فيه ‏ ‏برهان » ) [ البخاري ومسلم ] .

* « اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومكرهك وأثرةٍ عليك ، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ؛ إلا أن تكون معصيةً لله بواحاً » [ ابن حبان ] .
وهو في معنى ما في الصحيحين ( خ : 7257 - م : 4742 ) :
« لا طاعة في معصية الله » ، والله أعلم .

ثم وجدتُ لابن حجر - رحمه الله - ما يؤيد ما قررته في الوجه الثالث من اختصاص رواية الكفر بالخروج ورواية المعصية بالإنكار وعدم الموافقة بدون خروج ؛ حيث قال بعد أن ذكر الروايتين ( الفتح 13/8 ) :
« والذي يظهر :
حمل رواية ( الكفر ) على ما إذا كانت المنازعة في الولاية ؛
فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر .
وحمل رواية ( المعصية ) على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ؛
فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ،
ومحل ذلك إذا كان قادراً .
والله أعلم » انتهى .

نُقولٌ على ما نَقول
تقدم نقل كلام :
النووي ،
وابن حجر ،
وابن باز ،
وابن عثيمين ، - رحمهم الله - ؛
في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب.

.................................................. .............................. .



الشبهة التاسعة :
تجويزهم الخروج على الحاكم المبتدع !


قد يتمسك بعض المخالفين بشيءٍ لا متمسّك فيه - عند التحقيق العلميّ - ؛ كمثل قول القاضي عياض - رحمه الله - ( بواسطة شرح النووي لصحيح مسلم جزء 11 – 12 ص 433 تحت الحديث رقم : 4748 ) :
« فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع ، أو بدعة : خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك . . . » انتهى .

وكمثل قول صاحب كتاب الإمامة العظمى - قاصداً الإمام أحمد - رحمه الله - ( ص 539 ) :
« بل قد صرح بالخلع للمبتدع عند الاستطاعة ؛ فذكر ابنُ أبي يعلى - في ذيل كتابه طبقات الحنابلة - كتاباً ذكر فيه بالسندِ المتّصل اعتقادَ الإمام أحمد قال فيه :
( وكان يقولُ :
من دعا منهم إلى بدعةٍ فلا تجيبوه ولا كرامة . وإن قدرتم على خلعه فافعلوا ) » انتهى .



الرد على الشبهة

مع عدم تسليمنا بكون جميع حكام المسلمين مبتدعة ؛
ومع كون تبديع المعين يحتاج لشروط ؛
إلا أنه يقال : لا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان مبتدعاً ؛
وبيان هذا من أربعة أوجه :
الوجه الأول :
أن فيه مخالفةً لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ( خ : 7055 [ 7056 ] - م : 4748 ) :
( دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه . فكان فيما أخذ علينا :
أن بايَعَنا على السمع والطاعة ؛ في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثَرَةٍ علينا ؛ وألاّ ننازع الأمرَ أهلَهُ . قال : « إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » ) .

بل فيه مخالفةٌ لما قد انعقد من الإجماع على منع الخروج إلا في حالة الكفر الصريح .
وهذا هو : الوجه الثاني .
الوجه الثالث :
إن تحديد مفهوم البدعة يحتاج إلى ضبط ؛
إذ ليس كلّ ما يُظنّ أنه بدعة يكون كذلك !
بل ليست كلّ بدعةٍ يتفق العلماء كلهم على أنها بدعة ؛ فقد يفعل الحاكم شيئاً موافقةً لطائفة من العلماء لا ترى في هذا الفعل بدعة !

ثم إنه لا بدّ من أن يُترك الكلام في التبديع للعلماء الكبار ؛ إذ لا يخوض فيه كلّ طالب علمٍ - فضلاً عن العامّي - .

الوجه الرابع :
وأما بخصوص كلام صاحب كتاب ( الإمامه العظمى ) ففيه(17) - زيادة على ما تقدم - :
1- أنه عزا الكلام إلى ابن أبي يعلى !
والواقع أنه ليس من كلامه ؛ بل مما أضافه المحقق ملحقاً بالكتاب .

2- أنه نسب الكلام للإمام أحمد - رحمه الله - !
والواقع أن القائل هو أبو الفضل عبدُ الواحد بن عبد العزيز التميميّ في حديثه عن اعتقاد الإمام أحمد . وليس هو كلام الإمام أحمد نفسه .

3- ذكر أنه بالسند المتصل !
والواقع أنه منقطع . فبين الإمام أحمد وأبي الفضل ما يزيد على ( 150 ) سنة .

نُقولٌ على ما نَقول
إثبات الإجماع على المنع من الخروج إلا في حالة الكفر الصريح
تقدم تقريره في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ؛ فراجعه .

فائدة :
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - راداً على من زعم الإجماع على الخروج على الحاكم إذا دعا إلى بدعة ( ! ) ما نصه ( الفتح 13/124 ) :
« وما ادعاه من الإجماع على القيام فيما إذا دعا الخليفة إلى البدعة : مردودٌ .
إلا إن حُمل على بدعةٍ تؤدّي إلى صريح الكفر(18) » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(17) مستفاد من مقال كتبه الأخ خالد الظفيري - وفقه الله - في الانترنت .
(18) والمعنى : البدعة المكفرة . وإلا فالبدع - في أصلها - بريدٌ موصلٌ للكفر .

.................................................. ..............................



الشبهة العاشرة :
تجويزهم الخروج على الحاكم الظالم !


قد يستدل بعضهم بمنازعة ابن الزبير ،
وبقيام الحسين بن علي - رضي الله عنهم - ،
وبقيام بعض التابعين - رحمهم الله - مع ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف الثقفيّ .



الرد على الشبهة

1. أن الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمنع من الخروج ولو ظلم ولو فسق ولو عصى ،
ولم تستثنِ إلا الكفر الصريح .

2. أن ابن الزبير والحسين قد خالفهم الصحابةُ في ذلك - رضي الله عنهم أجمعين - ،
كما أنكر بعضُ كبار التابعين الدخولَ مع ابن الأشعث .

3. وأن الخروج على الحجاج ليس سببه الفسق !
بل كان بدافع التكفير - عند من رأوا الخروج عليه - .

4. ثم إن الإجماع قد استقرّ بعدُ على منع الخروج على الحاكم ؛
إلا في حالة الكفر الصريح فقط .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان الأحاديث المانعة من الخروج على الحاكم الفاسق الظالم
جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - ( خ : 7053 - م : 7467 ) :
« من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر . فإن من فارق الجماعة شبراً فمات ؛ فميتةٌ جاهلية » .

وجاء في حديث أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ( خ : 3792 - م : 4756 ) :
« إنكم ستلقون بعدي أثَرةً ؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض » .

وقد تقدم - في الشبهة السادسة - بيان المراد بالاستئثار ، وأن فيه ما يُشعر بالظلم ،
ونقلتُ كلامَ النووي - رحمه الله - :
« وحاصله :
الصبرُ على ظلمهم وأنه لا تسقط طاعتهم بظلمهم » انتهى .

وتطبيقاً لهذا ؛ فقد قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين
3/364 ط دار الوطن ) :
« لكن موقفنا نحو الإمام أو نحو الوالي الذي لم يعدل أو ليس بعادل : أن نصبر ؛ نصبر على ظلمه وعلى جوره وعلى استئثاره » انتهى .

بيان أنه لا يُستثنى من هذا المنع إلا وقوع الحاكم في الكفر الصريح
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ( خ : 7055 [ 7056 ] - م : 4748 ) :
( دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه . فكان فيما أخذ علينا : أن بايَعَنا على السمع والطاعة ؛ في منشطنا ، ومكرهنا ، وعسرنا ، ويسرنا ، وأثَرَةٍ علينا . وألاّ ننازع الأمرَ أهلَهُ .
قال :
« إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » ) .

بيان الإجماع على أنه لا يستثنى إلا الكفر الصريح
تقدم تقريره في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ؛ فراجعه .

بيان مخالفة الصحابة للحسين وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين وإنكار بعض كبار التابعين الدخول مع ابن الأشعث
قال البخاري - رحمه الله - ( 7111 ) :
حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، قال :
لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال :
إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
« ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة » ،
وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ،
وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجلٌ على بيع الله ورسوله ثم ينصب لـه القتال ،
وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه .

وقال ابن الأثير - رحمه الله - عن خروج الحسين - رضي الله عنه - ( أُسْد الغابة 2/28 ) :
« فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة ، فتجهز للمسير ، فنهاه جماعة ، منهم : أخوه محمد ابن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم » انتهى .
وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( المنهاج 4/529 ) :
« وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ؛ كما كان عبد الله ابن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد ، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( المنهاج 4/530 ) :
« ولهذا لما أراد الحسين - رضي الله عنه - أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة :
أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج . . . » انتهى .

وقال ابن كثير - رحمه الله - لمّا ذكر قتال أهل المدينة ليزيد ( البداية والنهاية 8/235 حوادث سنة : 64هـ ) :
« وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد ولا بايع أحداً بعينه بعد بيعته ليزيد » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن خروج الحسين - رضي الله عنه - ( البداية والنهاية 8/161 حوادث سنة : 60هـ ) :
« ولما استشعر الناس خروجه : أشفقوا عليه من ذلك ، وحذروه منه ، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة لـه بعدم الخروج إلى العراق ، وأمروه بالمقام بمكة ، وذكروا ما جرى لأبيه وأخيه معهم » انتهى .

وأختم هذا المبحث بنقل عبارات لبعض الصحابة في إنكار قيام الحسين وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين(19) :
قال عبد الله بن عبّاس - رضي الله عنهما - :
استشارني الحسين بن علي - رضي الله عنه - في الخروج فقلت : لولا أن يزري بي الناس وبك ، لنشبت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب .

وجاءه ابن عباس - رضي الله عنهما - وقال :
يا ابن عمّ ؛ إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبيِّن لي ما أنت صانع ، فقال لـه : إني قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إن شاء الله تعالى ، فقال لـه ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبرني : إن كانوا دعوك بعد ما قتلوا أميرهم ، ونفوا عدوّهم ، وضبطوا بلادهم ، فسر إليهم ، وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم قاهر لهم ، وعمّاله تجبي بلادهم ، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال .

وجاءه مرّة فقال :
يا ابن عمّ ؛ إنّي أتصبّر ولا أصبر ، إنّي أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك ، وإن أهل العراق قوم غدر فلا تغترّنّ بهم .

وبلغ ابنَ عمر - رضي الله عنهما - أن الحسين - رضي الله عنه - توجّه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاثة ليال ، فقال : أين تريد ، قال : العراق ، وهذه كتبهم وبيعتهم ، فقال لـه ابن عمر : لا تذهب ، فأبى فقال ابن عمر : إنّي محدثك حديثاً : إن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنّك بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يليها أحدٌ منكم أبداً ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال : استودعك الله من قتيل .

وقال سعيد بن ميناء سمعت عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - يقول :
عجّل حسين - رضي الله عنه - قدره والله ، ولو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني .

وجاءه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال :
يا أبا عبد الله ؛ إني لكم ناصح ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج فلا تخرج إليهم ، فإنّي سمعت أباك - رضي الله عنه - يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملّوني وأبغضوني .

وقال عبد الله بن مطيع العدوي - رضي الله عنه - :
إنّي فداك وأبي وأمي ؛ فأمتعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق ، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا عبيداً وخولاً .

وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - له ولابن الزبير - رضي الله عنهم أجمعين - :
أذكركما الله إلاّ رجعتما ولا تفرقا بين جماعة المسلمين .

وكان يقول :
غلبَنَا الحسين بن علي - رضي الله عنهما - بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي لـه أن يتحرّك ما عاش ، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس ، فإن الجماعة خير .

وقال لـه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
اتق الله والزم بيتك ولا تخرج على إمامك .

وقال أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - :
بلغني خروج الحسين بن علي - رضي الله عنهما - فأدركته بملل ، فناشدته بالله أن لا يخرج ، فإنه يخرج في غير وجه خروج ، إنما خرج يقتل نفسه ، فقال : لا أرجع .

وقال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - :
كلمت حسيناً - رضي الله عنه - فقلت : اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض ، فوالله ما حمدتم ما صنعتم ، فعصاني .

وكتب إليه المسور بن مخرمة - رضي الله عنهما - :
إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق .

بيان أن الخروج على الحجاج ليس موجبه الفسق بل الكفر عند من خرجوا عليه
قال النووي - رحمه الله - ( شرحه جزء 11 – 12 ص 433 تحت الحديث رقم : 4748 ) :
« قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق ؛
بل لما غيّر من الشرع وظاهر الكفر » انتهى .
بيان استقرار الإجماع وانعقاده بعد هذه الفتن على منع الخروج إلا في حالة الكفر
وتقرير هذا من وجوه :

1. أن حكاية الإجماع متأخرة زمناً - وهذا ظاهر - .

2. بل قد قال النووي - رحمه الله - بعد الكلام عن خروج الحسين وابن الزبير وبعض التابعين ( شرحه جزء 11 – 12 ص 433 تحت الحديث رقم : 4748 ) :
« قال القاضي :
وقيل إن هذا الخلاف كان أولاً ؛
ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم(20) » انتهى .

3. وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( المنهاج 4/529 ) :
« ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين » انتهى .

4. وقال ابن حجر - رحمه الله - ( التهذيب 1/399 ترجمة : الحسن بن صالح بن حي ) :
« وقولهم : ( وكان يرى السيف ) يعني أنه كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور ، وهذا مذهبٌ للسلف قديم . لكن استقرّ الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشدّ منه ؛ ففي وقعة الحرّة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عِظةٌ لمن تدبّر(21) » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(19) من كتاب ( وصيتي للإخوان بمنهج أهل السنة في نصيحة السلطان ) للشيخ بدر بن علي العتيبي ص 28 ، وعزا هذه النقول لـ( البداية 8/152 - 173 ) ، و( السير 3/300 - 320 ) . ومع كوني اطّلعتُ عليها في مصادرها إلا أني أحببتُ الإشارة لكتاب الشيخ بدر اعترافاً بفضله في الدلالة عليها .
(20) أي : إلا عند الكفر البواح .
(21) فأين من يتدبر ؟

.................................................. ................




الشبهة الحادية عشرة :
تكفيرهم بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله بدون تفصيل !

الرد على الشبهة

الوجه الأول :
لا نسلم بكون جميع الحكام يحكمون بغير ما أنزل الله ؛ بل هناك من يحكم بما أنزل الله ويجتهد في ذلك ؛ كالحكومة السعودية - مثلاً - ولا ندّعي لها الكمال في ذلك .

الوجه الثاني :
ليس كلّ من حكم بغير ما أنزل الله يكون كافراً ؛ إذ هناك تفصيلٌ في المسألة ، فليست هذه المسألة مكفِّرةً بإطلاق .

الوجه الثالث :
لا يُنكَر أنه قد يوجد من الحكام - في هذا الزمان - من وقع في الحكم بغير ما أنزل الله على صورته المُكفِّرة . ولكن الحاكم - وإن وقع في أمرٍ مُكفِّرٍ - فإنه لا يجوز تكفيره بعينه إلا بعد إقامة الحجة عليه .

لأن اعتقاد أهل السنة والجماعة يقضي بعدم تنزيل الأحكام على الأعيان إلا بعد إقامة الحجة على ذاك المُعيَّن .
لأنه قد يكون جاهلاً . .
أو قد يكون متأوِّلاً . .
أو قد يكون عنده مِن علماء السوءٍ مَن لبَّس عليه . . .
إلى غير تلك الاحتمالات التي توجب التريُّث وعدم العجلة ؛

ولئن كانت الحدود تُدرأُ بالشبهات ؛ تالله إن الكفر لمن باب أولى .

وهنا السؤال :
هل أقيمت الحجة على كل حاكمٍ بعينه بحيث يستطيع المُكفِّر الجزم بكفر ذلك المعين ؟

فإن دُعِيَ للخروج - مطلقاً - ؛
فالوجه الرابع :
لا يُنكَر أنه قد يوجد من الحكام من وقع في الصورة المكفِّرة وقامت عليه الحجة المشروطة في المعين .

ولكن الحاكم الكافر لجواز الخروج عليه شروطٌ ؛ هي :
1. القدرة على إزاحة ذلك الكافر .
2. عدم ترتّب مفسدةٍ عُظمى .
3. إحلال مسلمٍ مكانه .

فلا يجوز الخروج على الكافر ما لم تُستجمع هذه الشروط ؛
وإلا وجب الكفّ عن الخروج والصبر وسؤال الله تعالى الفرج .

نُقولٌ على ما نَقول
ثناء العلماء على المملكة العربية السعودية وأنها تحكم بما أنزل الله ولا يجوز الخروج عليها
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ردّاً على مَن أطلقَ القول بأن الدول العربية والإسلامية - بوجهٍ عام - لا تحكم بالشريعة إلا في الأحوال الشخصية ( ! ) ( فتاواه 8/243 ) :
« . . . وهذا الإطلاق غير صحيح ؛ فإن السعودية - بحمد الله - تحكّم الشريعة في شعبها ، وتقيم الحدود الشرعية ، وقد أنشأت المحاكم الشرعية في سائر أنحاء المملكة ، وليست معصومة لا هي ولا غيرها من الدول . وقد بلغني أن حكومة بروناي قد أمر سلطانها بتحكيم الشريعة في كل شيء .
وبكل حالٍ فالواجب الرجوع عن هذه العبارة وإعلان ذلك في الصحف المحلية في المملكة العربية السعودية والكويت ، ولو عبّرتَ بالأكثر لكان الموضوع مناسباً ؛ لكونه هو الواقع في الأغلب . نسأل الله لنا ولك الهداية » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 9/98 ) :
« . . . فالواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة التعاون مع هذه الدولة في كل خير ، وهكذا كل من يقوم بالدعوة إلى الله ونشر الإسلام والدعوة إلى الحق ؛ يجب التعاون معه في المشارق وفي المغارب ؛ فكل دولةٍ تدعو للحق وتدعو إلى تحكيم شريعة الله وتنصر دين الله : يجب التعاون معها أينما كانت » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - جواباً على مسألةٍ عُرِضتْ عليه مُحيلاً للمحاكم السعودية ( الباب المفتوح 1/86 لقاء 3 سؤال 139 ) :
« هذه ترجع إلى المحكمة ؛ والذي تحكم به إن شاء الله فهو خير » انتهى .

وقال - رحمه الله - لما سئل : ( إذا قتل رجل رجلاً آخر ، ورُفع الأمر للدولة ، ولكن الدولة أفرجت عن هذا القاتل ؛ فهل لأهل المقتول أن يأخذوا بالثأر من ذلك القاتل ؟ ) ( الباب المفتوح 3/420 لقاء 65 سؤال 1470 ) :
« . . . أما إذا أبرأته الدولة ؛ فليس لهم الحقّ أن يقتلوه ؛ لأنه يحصل بذلك فوضى . والدولة لا تبرؤه إلا بطريق شرعيّ » انتهى .

وقال - رحمه الله - تعليقاً على الحكم الصادر ضدّ مَن فجّر في الرياض ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 84 ) :
« . . . وإنني بهذه المناسبة لأعجبُ من أقوامٍ أطلقوا ألسنتهم بشأن الحكم فيهم . مع أن الحكم صادر بأقوى طرق الحكم ؛
فقد صدر من عددٍ من قضاة المحكمة الذين يؤتمنون على دماء الناس وأموالهم وفروجهم ،
وأُيِّد الحكمُ بموافقة هيئة التمييز ،
ثم بموافقة المجلس الأعلى للقضاء ،
ثم جرى تنفيذه من قِبَل وليّ الأمر . . .
ومن المعلوم للخاصة والعامة :
أن بلادنا - ولله الحمد - أقوى بلاد العالم الآن في الحكم بما أنزل الله عز وجل . يشهد بذلك القاصي والداني . . . » انتهى .

بيان أنه لا يجوز التكفير بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله على الإطلاق ؛ بل لا بدّ من تفصيل
إن القول بالتكفير مطلقاً بكلّ صورةٍ من صور الحكم بغير ما أنزل الله يلزم منه لوازم فاسدة ؛ وبيان هذا على النحو التالي :

المقدمة الأولى :
مسألة الحكم بغير ما أنزل الله لا تختصّ بالحاكم أو القاضي ؛ بل يدخل فيها كل من تولَّى الحكم بين اثنين ؛ لذلك قال ابن تيمية - رحمه الله - ( الفتاوى 18/170 ) :
« وكل من حكم بين اثنين فهو قاضٍ ، سواءاً كان :
صاحب حربٍ ،
أو متولِّي دِيوان ،
أو منتصِباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط ؛ فإن الصحابة كانوا يعدُّونه من الحكام » انتهى .

المقدمة الثانية :
المرء الواقع في أيّ معصيةٍ يصدُقُ عليه أنه حاكمٌ بغير ما أنزل الله ؛ فمثلاً : حالق اللحيةِ يكون كذلك ؛ لأن حُكْمَ اللهِ تعالى في اللحية ألاّ تُحلق ، فمن ثَمّ كان الحالق قد حكَّم هواه في شأنِ نفسه ولم يأخذ بحكم الله تعالى .
اللازم الفاسد ( النتيجة ) :
فيلزم من هذا تكفير كلّ مَن وقع في المعصية ! كحالق اللحية في المثال السابق !

ولأجل فساد هذا الإطلاق فقد قال العلماء عن آية « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » :
أن ظاهرها ليس بمرادٍ ؛
وأنه لا يجوز أخذها على إطلاقها :

قال ابن عبد البر - رحمه الله - ( التمهيد 17/16 ) :
« وقد ضلّتْ جماعة من أهل البدع من :
الخوارج ،
والمعتزلة ،
في هذا الباب فاحتجوا بآياتٍ من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) » انتهى .

وقال أبو حيان الأندلسي - رحمه الله - ( البحر المحيط 3/493 ) :
« واحتجّت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافر ،
وقالوا : هي نصٌّ في كل من حكم بغير ما أنزل الله ؛ فهو كافر » انتهى .

وقال الخطيب البغدادي - رحمه الله - ( تأريخه10/183 ، ترجمة الخليفة المأمون ، ترجمة رقم : 5330 ) :
« أخبرنا أبو محمد يحيى بن الحسن بن الحسن بن المنذر المحتسب ،
أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدّل ،
أخبرنا أبو بكر بن دريد ،
أخبرنا الحسن بن خضر قال :
سمعت ابن أبي دؤاد يقول :
أُدخل رجلٌ من الخوارج على المأمون ،
فقال : ما حملك على خلافنا ؟
قال : آيةٌ في كتاب الله تعالى .
قال : وما هي ؟
قال : قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ،
فقال له المأمون : ألكَ عِلمٌ بأنها مُنزَلة ؟
قال : نعم ،
قال : وما دليلك ؟
قال : إجماع الأمة ،
قال : فكما رضيتَ بإجماعهم في التنزيل فارضَ بإجماعهم في التأويل ،
قال : صدقتَ ، السلام عليك يا أمير المؤمنين » انتهى .

بيان أنه ليس كل من وقع في الكفر يكون كافراً
تقدم نقل كلام :
ابن تيمية ،
والألباني ،
وابن عثيمين - رحمهم الله - ،
في الأصل الثالث من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .
بيان أن الخروج على الحاكم الكافر ليس على إطلاقه ؛ بل هو مشروطٌ
تقدم نقل كلام :
الحافظ ابن حجر ،
وابن باز ،
وابن عثيمين ، - رحمهم الله - ،
في الأصل الرابع من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .

وأختم الكلام على هذه الشبهة بنقل جانب من فتاوى اللجنة الدائمة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 5226 ) ، ( فتاوى اللجنة 2/141 ) :
س : متى يجوز التكفير ومتى لا يجوز ؟ وما نوع التكفير المذكور في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ؟
الجواب :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد :
أما قولك متى يجوز التكفير ومتى لا يجوز فنرى أن تبين لنا الأمور التي أشكلت عليك حتى نبين لك الحكم فيها .
أما نوع التكفير في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فهو كفر أكبر ، قال القرطبي في تفسيره : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد رحمه الله : ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً للقرآن وجحداً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر . انتهى .
وأما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أنه عاصٍ لله لكن حمله على الحكم بغير ما أنزل الله ما يُدفع إليه من الرشوة أو غير هذا أو عداوته للمحكوم عليه أو قرابته أو صداقته للمحكوم لـه ونحو ذلك ، فهذا لا يكون كفره أكبر ؛ بل يكون عاصياً وقد وقع في كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي
عضو : عبد الله بن غديان
عضو : عبد الله بن قعود

السؤال الحادي عشر من الفتوى رقم ( 5741 ) ، ( فتاوى اللجنة 1/780 ) :
س : من لم يحكم بما أنزل الله هل هو مسلم أم كافر كفراً أكبر وتقبل منه أعماله ؟
الجواب :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه . . وبعد :
قال الله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر وظلم أكبر وفسق أكبر يخرج من الملة ، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم يعتبر كافراً كفراً أصغر وظالماً ظلماً أصغر وفاسقاً فسقاً أصغر لا يخرجه من الملة كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي
عضو : عبد الله بن غديان.


................................................




الشبهة الثانية عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى إعانتهم الكفار على المسلمين !


الوجه الأول :
لا ينبغي تصديق كلّ ما يُقال عن كل حكام المسلمين ؛ لاسيما إن أريد بهذا إيقاع الإثم على المسلم ؛ فضلاً عن إيقاع الكفر .
وقد أمرنا اللهُ تعالى بالتثبُّت في خبر الفاسق .
لا سيما أن الاعتماد في مثل هذه الأمور إما على :
خبر إعلاميٍّ كافرٍ .
أو مثله فاسق .
أو على توقّعات المُتسيِّسين ! من القرائن التي تحتمل الصواب والخطأ .

الوجه الثاني :
أن مِن الحكام - المراد تكفيرهم بهذا - مَن ينفي عن نفسه إعانة الكفار على المسلمين ؛ كمثل نفي حكام الحرمين - وفقهم الله - أَيّ معاونةٍ لأمريكا ضدّ طالبان .
وحيث كان المتكلم هو أعرف الناس بشأنِ نفسه ؛ وجب تصديقه حتى يثبت لدينا ما يقطع بكذبه .

الوجه الثالث :
أنه ليست كلّ إعانة للكفار مُكفِّرةً ؛ بل في الأمر تفصيلٌ .
فمع الاعتراف بكونه معصيةً لله تعالى إلا أنه لا يكون كفراً مطلقاً ؛ فإنه إن أعانهم رغبةً في دينهم كفر ، وأما إن أعانهم لغيره - كدنيا مثلاً - فإنه لا يكفر .
وهذا التفصيل هو ما دلّت عليه الأدلة ونصّ عليه العلماء .

الوجه الرابع :
أنه - وعلى سبيل التسليم - لو قيل بتكفير كلّ مُعِيْن مطلقاً ! أو جرى لأحدهم أن أعان الكفار على الوجه المُكفِّر ؛ فليس كلّ واقعٍ في الكفر يكون كافراً .
فكما أن التأثيم قد يتخلف ؛ فكذلك الكفرُ .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان الأمر بالتثبُّت في خبر الفاسق ؛ والتثبت في خبر الكافر أولى
قال الله تعالى :
« . . . إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين » .

وتقدم نقل كلام :
ابن تيمية ،
وابن كثير ،
والسعدي - رحمهم الله - ،
في الأصل الأول من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .

بيان أنه ليست كل إعانة مكفِّرة
من الأدلة حديثُ حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - في الصحيحين ؛ حيث(22) :
أعان - رضي الله عنه - كفارَ قريش حين كاتبهم بخبر غزوِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم .
ولم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفره .
ولم يوافق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ بنَ الخطاب - رضي الله
عنه - في تكفيره لحاطب .
ورجع عمرُ عن تكفيره وبكى وقال : ( اللهُ ورسولهُ أعلم ) .
ولم يكن تركُ تكفير النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاطب إلا لعذر أنه قصد الدنيا بإعانته ؛ حيث اعتذر بأنه يريد أن تكون لـه يدٌ على قريش ليحمي أهله الذين في مكة .
ولا يمكن اعتبار حاطب متأوِّلاً ؛ لأنه لو كان كذلك :
• لقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليمه وإزالة الشبهة عنه ؛
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقُم بذلك .
• ولَمَا لحِقه - رضي الله عنه - إثم لوجود التأويل ؛ ومن ثَمّ فليس مُحتاجاً لفضيلةِ شهوده بدراً حتى يُكفَّر عنه ذلك الإثمُ ! .
• ثم إنه - رضي الله عنه - كان يعلم بخطورةِ عمله وخطإه ، مما يؤيّد علمَهُ ونفيَ التأويلِ عنه .
كما لا يمكن اعتبار حاطب - رضي الله عنه - معفياً من التكفير على اعتبار أنه من أهل بدر ؛ لأنه لو صدر منه الكفرُ لكان الكفر قاضياً على بدريَّتِهِ بالحبوط ؛ ومن ثَمّ فلا يمكن أن يشفع لـه عملٌ حابط ؛ كيف وقد أخبر اللهُ تعالى بأن الشركَ محبط للنبوّة والرسالة - وهما أعظم من بدريّةِ حاطب - حين قال :
( لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك ولتكونن من الخاسرين ) .

قال الإمام الشافعي - رحمه الله - ( الأم 4/249 ) :
« وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يُحذِّر أن المسلمين يريدون منه غِرَّةً ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفرٍ بَـيـِّنٍ » انتهى .

وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( فتاواه 7/522 ) :
« وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً : كما حصل لحاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم . . . » انتهى .

بل إن التفصيل - وعدمُ الإطلاق - هو مذهب :
أبي حنيفة ،
وأحمد ، وغيرهما .
وقد قال به الشيخ ابن عثيمين - رحم الله الجميع - .

بيان ضابط الإعانة المكفِّرة
لمّا سأل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حاطباً بقوله :« ما حملك » ؟ ، كان الواجب على مَن أراد الحكمَ في المسألة أن يسأل عن الحامِل ( الباعث ) ، وبناء على معرفة الباعث يكون الحكمُ ؛
فيُنظر إلى الباعث للإعانة ما هو ؟
فيكفر إن قد أعانهم لأجل دينهم ؛
قال البغوي - رحمه الله - ( تفسيره 3/68 ) :
« ( ومن يتولهم منكم ) فيوافقهم ويعينهم » انتهى .

وقال الآلوسي - رحمه الله - ( تفسيره 3/157 ) :
« وقيل : المراد من قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ؛
كافر مثلهم حقيقة ، وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولعل ذلك إذا كان توليهم من حيث كونهم يهوداً ونصارى » انتهى .

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - ( الرسائل والمسائل النجدية 3/10 ، الدرر السنية 1/474 ) :
« وأما قوله ( ومن يتولهم منكم ) وقوله ( لا تجد قوماً . . . ) وقوله ( . . . لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً ) فقد :
فسّرته السنة ،
وقيّدته ،
وخصّته بالموالاة المطلقة العامة .
وأصل الموالاة هو الحب والنُّصرة والصداقة ،
ودون ذلك مراتب متعدّدة ولكل ذنبٍ حظُّه وقِسطُه من الوعيد والذم ، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروفٌ في هذا الباب وغيره » انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( عند تفسير الآية 51 من سورة المائدة « ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم » من أشرطة تسجيلات الاستقامة ) :
« . . . هو منهم في الظاهر بلا شك بسبب المعاونة والمناصرة .
لكن :
هل يكون منهم في الباطن ؟
نقول : يمكن .
قد تكون هذه المناصرة والمعاونة تؤدِّي إلى المحبَّة ثم إلى اتِّباع المِلَّة . . .
إذاً : من يتولّهم منكم فإنه منهم في الظاهر . وربما يؤدِّي ذلك إلى الباطن ومُشاركتهم في عقائدهم وفي أعمالهم وأخلاقهم » انتهى .

أما إن كان لأجل الدنيا فإنه لا يكفر به - مع كونه إثماً عظيماً - ؛
وهذا يستفاد من عذر حاطب الذي قبله النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛

قال ابن كثير - رحمه الله - ( تفسيره 4/410 ) :
« قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لَمّا ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعةً لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد » انتهى .
بيان أنه ليس كل من وقع في الكفر يكون كافراً
تقدم نقل كلام :
ابن تيمية ،
والألباني ،
وابن عثيمين - رحمهم الله - ،
في الأصل الثالث من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .
ــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(22 ) لي - في هذه المسألة - كتاب خاص موجود في الانترنت - يسّر الله طبعه - ، فراجعه إن شئت .

.................................................. ...............



الشبهة الثالثة عشرة :
تكفيرهم للحكام بدعوى موالاة الكفار !

الرد على الشبهة(23)..

الوجه الأول :
لا يصحّ إجمالُ الكلام ؛ إذ لا بدّ من التفصيل الكاشف للالتباس والرافع للاحتمال ؛ ولا سيما في مسائل التكفير .

فنقول - هنا - :
ماذا تريدون بالموالاة ؟
أ****- فهل تريدون منها أنهم أعانوا الكفار على المسلمين - مثلاً - ؟
فحينئذٍ يكون في كفر الحاكم المُعِيْن للكفار تفصيل ؛
إذ لا يكفر بإطلاقٍ(24) .

وقد قال بالتفصيل :
أبو حنيفة والشافعي وأحمد وابن تيمية وابن عثيمين ؛ وغيرهم .
وراجع - إن شئت - كتابي في هذه المسألة .

ب****- أم هل تريدون منها أنهم يتعاونون معهم فيها يرون المصلحة فيه ؟
فحينئذٍ لا يكون كفراً ولا داخلاً في الموالاة المكفرة ؛
لأنه لا يحرم التعاون مع الكافر فيما هو حقّ ، وفيما يعود بالمصلحة للإسلام والمسلمين .

ت****- أم هل تريدون منها أنهم يتعاملون مع الكفار بالاحترام والإكرام وتبادل التهاني والهدايا ؟
فحينئذٍ لا يكون كفراً ؛
لأنه لا دليل على التكفير بهذه الأمور .
فإن من الأمور المتقدّمة ما هو مباح ، ومنها ما هو محرم لا يصل إلى حدّ الكفر .
ومن المباح قول الله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم . . . ) .

والخلاصة في هذا الوجه هي :
أنه يجب على المُكفّر أن يذكر الصورة التي ينتقدها على الحاكم بعينه ؛
ليُنظَر فيها : هل هي كذلك أم لا ؟
أما رميُ التكفير بمثل هذه الإجمالات فلا يصحّ وليس هو بسبيل أهل السنة والجماعة .

وهذا يقودنا إلى ذِكر :
الوجه الثاني :
ليس حكمُ كلّ موالاةٍ للكفار الكفر ؛
وبمعنىً آخر يقال :
ليست كل موالاةٍ مكفِّرة .

فمثلاً :
هناك أمور يعتقدها البعض من الموالاة وهي ليست كذلك ، كالأكل والشرب مع الكافر ، وقبول هديته ، وإكرامه ؛
كما أن هناك صور من الموالاة ، لكنها موالاة غير مكفرة .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان أن الأمور المُحتملة لا يُكفَّر بها على سبيل الإطلاق ؛ بل لابدّ من التفصيل
قال الشافعيّ - رحمه الله - تعليقاً على حديث حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -
( الأم 4/249 وما بعدها ) :
في هذا الحديث - مع ما وصفنا لك - :
طرح الحكم باستعمال الظنون ؛ لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام ، وأنه فعله ليمنع أهله ، ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام ، واحتمل المعنى الأقبح ، كان القول قوله فيما احتمل فعله ، وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب » انتهى .

وقال ابن تيمية - رحمه الله - ( الصارم 3/963 ) :
« فإن التكفير لا يكون بأمرٍ محتمل » انتهى .

وسئل الإمام أحمد - رحمه الله - عن رجلٍ سمع مؤذّناً يقول : ( أشهد أن محمداً رسول الله ) فقال : كذبت ، هل يكفر ؟ فقال ( البدائع 4/42 ) :
« لا ، لا يكفر . لجواز أن يكون قصده تكذيب القائل فيما قال لا في أصل الكلمة ، فكأنه قال : أنت لا تشهد هذه الشهادة » انتهى .

وقرّرت اللجنة الدائمة ( فتوى رقم : 9879 ) أن الطواف بالقبر ؛
? إن قُصِد به التقرّب للميت فهو شركٌ ،
? وإن قُصِد به التقرّب لله تعالى فهو بدعةٌ .

وقرّر الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - ( فتاواه 1/131 ) في الذبح عند القبور أنه :
? إن قُصِد أنه للميت فهو شرك ،
? وإن قُصِد أنه لله فهو معصية .

وقرّر - رحمه الله - تقريراً مماثلاً له في مسألة الصلاة عند القبر ( 1/132 ) .

وقرّر المحدّث السُّنِّيُّ الألباني - رحمه الله - في الذبح عند القبر ( الجنائز رقم : 128 ، ص 203 ) أنه :
? إن كان لوجه الله فهو محرم ،
? وإن كان للميت فهو شرك .
وأفتى العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - ( المجموع الثمين 1/65 ) في الاستهزاء بالصالحين أنه :
? إن قُصِد به ما هم عليه من الدين فهو كفر ،
? وإن قصد به المظهر والزيّ فليس بكفر .

بيان أنه ليس كل ما يقال عنه أنه موالاة يكون كذلك
للشيخ ابن باز - رحمه الله - كلام جميل في موقعه الرسمي على الانترنت ، ( نور على الدرب ، الولاء والبراء ) أنقل منها ما تيسر :

* تحت عنوان ( حكم مصاحبة الكافر ) :
« فالواجب على المسلم البراءة من أهل الشرك وبغضهم في الله ، ولكن لا يؤذيهم ولا يضرهم ولا يتعدى عليهم بغير حق ، لكن لا يتخذهم أصحاباً ولا أخداناً ، ومتى صادف أن أكل معهم في وليمة عامة أو طعام عارض من غير صحبة ولا ولاية ولا مودة فلا بأس » انتهى .

* وتحت عنوان ( علاقة المسلم بغير المسلمين والمشاركة في حفلات توديعهم ) :
« ولا مانع أن يسأله عن أولاده وعن حاله ، فلا بأس في ذلك ، ولا بأس أن يأكل معه إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ولا بأس أن يجيب دعوته كما أجاب النبي عليه الصلاة والسلام دعوة اليهود وأكل من طعامهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك » انتهى .

* وتحت عنوان : ( الواجب على المسلم تجاه غير المسلم ) :
« لا يظلمه ، لا في نفس ، ولا في مال ، ولا في عرض ، إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي إليه حقه ، فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ، ولا يظلمه في بدنه بالضرب ولا بالقتل . . .
لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك . . .
لا يبدؤه بالسلام ، ولكن يرد . . .
ومن ذلك أيضاً :
حسن الجوار إذا كان جاراً تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره وتتصدق عليه إذا كان فقيراً ، وتهدي إليه ، وتنصح لـه فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ، ودخوله في الإسلام ؛ ولأن الجار لـه حق . . . وإذا كان الجار كافراً كان لـه حق الجوار ، وإذا كان قريباً وهو كافر صار له حقان : حق الجوار ، وحق القرابة . ومن حق الجار أن يتصدق عليه إن كان فقيراً من غير الزكاة . . .
أما بالنسبة لاحتفالاتهم بأعيادهم فالمسلم لا يشاركهم في احتفالاتهم بأعيادهم ، لكن لا بأس أن يعزيهم في ميتهم ويقول لهم : جبر الله مصيبتكم ، أو أحسن لك الخلف في خير، أو ما أشبه ذلك من الكلام الطيب ، ولا يقول : غفر الله له ، ولا رحمه الله إذا كان الميت كافراً ، فلا يدعو للميت إذا كان كافراً ، ولكن يدعو للحي بالهداية والعوض الصالح ونحو ذلك » انتهى .

وتحت عنوان : ( التبرع بالدم لغير المسلم ) :
« لا أعلم مانعا من ذلك . . . فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بينا وبينه حرب ، إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم ، كما لو اضطر إلى الميتة ، وأنت مأجور في ذلك ؛ لأنه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة » انتهى .
وتحت عنوان : ( مشاركة النصراني أو غيره في التجارة أو غيرها ) :
« وهذا فيه تفصيل : فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة ، أو لفعل ما حرم الله ، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد ، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك ، والمسلم هو الذي يباشرها وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك ، ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة ، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم » انتهى .

وتحت عنوان : ( دخول غير المسلمين المساجد ) :
« أما المسجد الحرام فلا يجوز دخوله لجميع الكفرة . . . لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) فمنع سبحانه من دخولهم المسجد الحرام . . . وأما بقية المساجد فلا بأس من دخولهم للحاجة والمصلحة ، ومن ذلك المدينة وإن كانت المدينة لها خصوصية ، لكنها في هذه المسألة كغيرها من المساجد ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط فيها الكافر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأقرّ وفد ثقيف حين دخلوا المسجد قبل أن يسلموا وهكذا وفد النصارى دخلوا مسجده عليه الصلاة والسلام ، فدل ذلك على أنه يجوز دخول المسجد النبوي للمشرك , وهكذا بقية المساجد من باب أولى إذا كان لحاجة ، إما لسؤال ، أو لحاجة أخرى ، أو لسماع درس ليستفيد ، أو ليسلم ويعلن إسلامه ، أو ما أشبه ذلك » انتهى .

وتقدم كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن الموالاة ( الباب المفتوح 3/466 لقاء 67 سؤال 1507 ) :
« . . . وأما معاملتهم في البيع والشراء ، وأن يدخلوا تحت عهدنا ؛ فهذا جائز . . .
وهذه المسألة من أدقّ المسائل وأخطرها ولا سيما عند الشباب ؛ لأن بعض الشباب يظنّ أن أيّ شيء يكون فيه اتصالٌ مع الكفار فهو موالاة لهم ؛ وليس كذلك . . . » انتهى .

وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - تعليقاً على قوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ( الصحيحة . تحت حديث : 704 ) :
« فهذه الآية صريحة بالأمر بالإحسان إلى الكفار المواطنين الذين يسالمون المؤمنين ولا يؤذونهم والعدل معهم . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( الصحيحة . تحت حديث : 161 ) :
« من فوائد الحديث :
1 . أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك ، وأن ذلك لا ينافي بُغضه إياه لشركه ،
ألا ترى أن علياً - رضي الله عنه - امتنع - أول الأمر - من مواراة أبيه معلِّلاً ذلك بقوله : ( إنه مات مشركاً ) ؛ ظناً منه أن دفنه - مع هذه الحالة - قد يُدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى : ( لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ) . فلما أعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه الأمرَ بمواراته بادر لامتثاله وترك ما بدا لـه أول الأمر » انتهى .

بيان أن من صور الموالاة ما لا تكون كفراً
قال ابن تيمية - رحمه الله - ( الفتاوى 7/522 ) :
« وقد تحصل للرجل موادّتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً :
? كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي وأنزل الله فيه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ،
? وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد ابن معاذ : كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله . قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(23) يلاحظ أن هذه الشبهة ( الثالثة عشرة ) تتحدث عن مسائل موالاة الكفار على سبيل العموم ، ومن الصور المندرجة تحت الموالاة صورة إعانة الكافر على المسلم والتي جعلتها في شبهة مستقلة
( الثانية عشرة ) نظراً لطول الكلام فيها ، وللحاجة لبحثها بشكل موسّع .
(24) مع اعترافنا بأنه عاصٍ لله تعالى بعمله هذا ؛ إلا أن الكلام - هنا - عن الأمور المكفرة .

.................................................. ..............



الشبهة الرابعة عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم أماتوا الجهاد !

الرد على الشبهة

قد بينتُ - في غيرما موضعٍ - أنه لا يجوز الإقدام على التكفير بلا برهان ؛ وأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا بيقينٍ يُزيل اليقين الذي دخل به الإسلامَ .

وهذا اليقين أعني به أن يثبتَ عندنا أمران :
أحدهما متعلق بالفعل ؛
والآخر متعلق بالفاعل ؛

فالمتعلق بالفعل هو :
أن يثبت لدينا بالدليل الصحيح الصريح كون هذا الأمر كفراً .

والمتعلق بالفاعل هو :
كون الواقع فيه ممن توفَّرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه .

وتكفير المسلم - بمثل الأمور المحتملة للكفر ولما هو دون الكفر - لا يجوز ؛ إذ لا بد من وجود اليقين .
وعليه فإنه يقال :
إماتة الحكام للجهاد ؛ كلمة مجملة تحتاج إلى تفصيلٍ كاشِفٍ عن المراد بها ؛ حيث إنها تحتمل معنيين بينهما - في الحكم - كما بين السماء والأرض ؛ فـ :
هل المراد أن الحكام أنكروا شرعيته مطلقاً ؟!
أو المراد أنهم تركوه مع عدم إنكار شرعيته ؟!

فإنّ الأولَ كفرٌ بلا ريب .

وأما الثاني فله حالتان :
أ****- فإنْ ترَكه وهو غير قادر ؛ فهو معذور شرعاً .
ب****- وإنْ ترَكه وهو قادر ؛ فهو مقصِّر غير معذور ؛ ولكنه لا يكفر بذلك التقصير .

وبعض الحكام كان لهم دورٌ بارزٌ - يعرفه المُنْصِفُون - في الجهاد ؛ كموقف حكام الحرمين من الجهاد الأفغانيّ الروسيّ ؛ فحاشاهم أن يكونوا مميتين للجهاد تاركين له - بالكُلّيّة - مع توفر أسبابه ومقوماته .

خلاصة الأمر:
أن التارك للجهاد - من حكام المسلمين - أحد رجلين :
رجلٍ غير قادر : فهو معذور .
ورجلٍ مقصِّر : فهو عاصٍ ليس بكافر .
ومعلومٌ أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ولا استباحة بيعته بالذنب .
وكذلك لا يخفاك - أخي المسلم - ما تعانيه الأمة الآن من ضعفٍ شديد ، بل ومن تسلُّطٍ شديد من أعداء الإسلام .

وأما من ثبت عليه - بعينه - إنكار شرعية الجهاد - مُطلقاً - فإنه يكفر - وفق الشروط والموانع في المعيّن - .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان أن حكام الحرمين لم يُعطّلوا الجهاد بالكُلّيّة
لا ينسى العالَم كلّه موقف المملكة العربية السعودية - حرسها الله - مع إخواننا المسلمين في أفغانستان في جهادهم الشرعيّ ضد الروس ، ولعلي أكتفي بنقلٍ واحدٍ عن سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - حيث قال عن ذاك الجهاد ما نصه ( فتاواه 2/452 ) :
« لا ريب أن الجهاد في أفغانستان جهاد إسلامي ، يجب أن يُشجّع ويُدعم من المسلمين جميعاً . . . وقد قامت الدولة - وفقها الله - بتشجيع الشعب السعودي على مساعدتهم ، وقد حصل من ذلك مساعدات كثيرة للمجاهدين عن طريق الشعب وغيره ، ولا نزال مستمرين في هذا الأمر مع إخواننا في هذه المملكة ، والدولة - وفقها الله - تشجع الشعب على ذلك وتعين على إيصال هذه المساعدات إلى المجاهدين والمهاجرين ؛ لأنهم بحاجة شديدة إلى ذلك . . . » انتهى .

بيان خطإ التكفير بدعوى تعطيل الجهاد
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - جواباً على سؤال : ( هناك من يقول : إن ولاة الأمر والعلماء في هذه البلاد قد عطّلوا الجهاد وهذا كفر بالله . فما هو رأيكم في كلامه ؟ ) . ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص110 ) :
« هذا كلامُ جاهلٍ ، يدل على أنه ما عنده بصيرة ولا علم وأنه يُكفّر الناس ، وهذا رأي الخوارج ؛ هم يدورون على رأي الخوارج والمعتزلة . نسأل الله العافية » انتهى .

بيان عدم الحرج في ترك الجهاد حال العجز (25)
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 2/284 لقاء 34 سؤال 990 ) :
« . . . ولكن أنا لا أدري(26) : هل الحكومات الإسلامية عاجزة ؟ أم ماذا ؟
إن كانت عاجزة فالله يعذرها . والله يقول : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) .
فإذا كان ولاة الأمور في الدول الإسلامية قد نصحوا لله ورسوله لكنهم عاجزون فالله قد عذرهم . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - عن الجهاد ( الباب المفتوح 2/420 لقاء 42 سؤال 1095 ) :
« . . . إذا كان فرض كفاية أو فرض عين ؛ فلا بد لـه من شروط . من أهمها : القدرة ، فإن لم يكن لدى الإنسان قدرة فإنه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة .
وقد قال الله تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) . . . » انتهى .
وقال - رحمه الله - جواباً على السؤال التالي : ما رأيكم فيمن أراد أن يذهب إلى البوسنة والهرسك ؟ مع التوضيح ( الشريط رقم : 19 من أشرطة الباب المفتوح من الموقع الانترنتي الرسمي للشيخ الدقيقة : 26 الثانية : 3 ) :
« أرى أنه في الوقت الحاضر لا يذهب إلى ذلك المكان ، لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة ؛ وفيما نعلم من الأخبار - والله أعلم - أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة . صحيح أنهم صمدوا ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال ! فإذا تبيّن الجهاد واتّضح ؛ حينئذٍ نقول : اذهبوا » انتهى .

بيان أن الأمة الآن في ضعفٍ يوجب عليها عدم استعجال الجهاد
[ لا يشك عقول غير مكابر ولا جهول أن المسلمين - الآن - أشبه بالحالة المكية من الحالة المدنية في هذا الأمر فجهادهم العدو يضر أكثر مما ينفع ؛
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ( شرح كتاب الجهاد من بلوغ المرام الشريط : الأول الوجه : أ ) :
« ولهذا لو قال لنا قائل الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا ؟ ! لماذا ؟ ! لعدم القدرة .
الأسلحة إلي قد ذهب عصرها عندهم هي التي في أيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ . ما تفيد شيئاً . فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء ؟
ولهذا أقول :
إنه من الحمق أن يقول قائل أنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا !
كيف نقاتل ؟
هذا تأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه .
لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به عز وجل ( اعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ، هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة ، وأهم قوة نعدها هو(27) الإيمان والتقوى » ا .هـ ](28) .

وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 3/375 أول كتاب الجهاد ط المصرية ) :
« فالقتال واجب ، ولكنه كغيره من الواجبات لا بدّ من القدرة . والأمة الإسلامية اليوم عاجزة . لا شكّ عاجزة ، ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية . إذاً يسقط الوجوب عدم القدرة عليه ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، قال تعالى : ( وهو كره لكم ) » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( الباب المفتوح 2/261 لقاء 33 سؤال 977 ) :
« لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار، حتى ولا جهاد مدافعة » انتهى .

وقال - رحمه الله - ( فتاواه 18 / 388 ) :
« إنه في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه ، لضعف المسلمين ماديًّا ومعنويًّا ، وعدم إتيانهم بأسباب النصر الحقيقية ، ولأجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية ، فلم يبق إلا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة» انتهى .
ــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(25) يلاحظ - هنا - أن الكلام عامّ ؛ فيشمل جهاد الطلب وجهاد الدفع ؛ حيث إن جهاد الدفع يسقط حال العجز وخشية الهلكة . ولم أرد بسط المسألة بقدر ما أردتُ التنبيه عليها .
(26)كان جواب الشيخ عن الجهاد لنصرة إخواننا المستضعفين في البوسنة والهرسك ؛ وأنتَ ترى أن الشيخ قد عذر الحكومات في حال العجز ؛ مما يؤيد سقوط شرعية جهاد الدفع حال العجز كما بينتُ في التعليق الذي قبل هذا التعليق .
(27) كذا .
(28)ما بين القوسين مأخوذ من رسالة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم - حفظه الله - المسماة : ( إتحاف الإخوان ) الجزء الأول .


.................................................. ..........




الشبهة الخامسة عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم يُعادون الدين بسجن الدعاة ومطاردة المجاهدين !

الرد على الشبهة

أولاً : من المراد بالدعاة ؟!
فهل يُرادُ بهم : الدعاةَ الذين يدعُون الناس - حكاماً ومحكومين - إلى الرجوع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى آثار السلف الصالح ؟
أم هم أناس يعتبرهم صاحبُ الشبهة من الدعاة بينما هم - في حقيقة الأمر - أهل إفسادٍ ، يدعون الناس إلى الخروج ونزع يد الطاعة بغير سبب شرعيّ ؟

وثانياً : لماذا سَجَنَ حكامُ المسلمين من سجنوا ، وأوقفوا من أوقفوا ، وطاردوا من طاردوا ؟ !
هل قاموا به كراهية للحق ورغبة في منع انتشاره ؟
أم نظراً لخطر هؤلاء الدعاة ! على المجتمع الإسلامي عقيدةً ومنهاجاً ؟

وثالثاً : هل طاردوهم بمحض آرائهم ، واتّباعاً لأهوائهم ، وموافقةً لأعداء الدين من الكفرة وغيرهم ؟ !
أم أنهم فعلوا ذلك بموجب فتوى من علماء أجلاء كانت - ولا زالت - تثق الأمة بفتاويهم ؟

ورابعاً : هل سَجْنُ الدعاة الصادقين ومُطَارَدَةُ المجاهدين المخلصين يعدّ من المُكفِّرات ؟
أم أنه معصية لا تصل بصاحبها إلى الكفر ؟

لا شكّ أن الإجابات - على مثل هذه التساؤلات - ظاهرة ، وعلى ضوءها يتّضح الجواب على هذه الشبهة - بحمد الله - .

نُقولٌ على ما نَقول
جاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم - ( م : 4762 ) :
« تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ؛ فاسمع وأطع » .

قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 8/401 ) :
« . . . كون بعض الناس يوقف لأجل خطإه في بعض المسائل ؛ ما يمنع من الدعوة(29) . كل إنسان يلزم الطريق ويستقيم على الطريق السوي لا يُمنَع .
وإذا مُنع أحد أو أُوقف أحد ، [ فـ ] لأجل(30) أنه خرج عن السبيل في بعض المسائل ، أو أخطأ حتى يتأدب ويلتزم .
ومن حق ولاة الأمور أن ينظروا في هذه الأمور ،
وأن يوقفوا من لا يلتزم بالطريقة التي يجب اتَّباعها .
وعليهم أن يحاسبوا من خرج عن الطريق حتى يستقيم .
هذا من باب التعاون على البرّ والتقوى .
على الدولة أن تتقي الله في ذلك ،
وعليها أن تأخذ رأي أهل العلم وتستشير أهل العلم . عليها أن تقوم بما يلزم ، ولا يُترك الحبل على الغارب : كلّ إنسان يتكلم . لا . قد يتكلم أناس يدعون إلى النار .
وقد يتكلم أناس يُثيرون الشرّ والفتن ويُفرّقون بين الناس بدون حقّ .
فعلى الدولة أن تراعي الأمور بالطريقة الإسلامية المحمّدية بمشاورة أهل العلم حتى يكون العلاج في محلّه .
وإذا وقع خطأ أو غلط ؛ لا يُستنكر . من يسلم من الغلط ؟ !
الداعي يغلط ، والآمر والناهي قد يغلط ، والدولة قد تغلط ، والأمير قد يغلط ، والقاضي قد يغلط ؛ كل بني آدم خطاء .
لكن المؤمن يتحرّى ، والدولة تتحرى ، والقاضي يتحرى ، والأمير يتحرى ؛ فليس أحد معصوماً ؛ فإذا غلط يُنبّه على أخطائه ويوجّه إلى الخير ،
فإذا عاند فللدولة أن تعمل معه :
من العلاج ،
أو من التأديب ،
أو السجن ؛
إذا عاند الحقّ وعاند الاستجابة ، ومن أجاب وقبل الحق فالحمد لله » انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( الباب المفتوح 3/99 لقاء 50 سؤال 1202 ):
« إذا قال ولي الأمر لشخصٍ - مثلاً - ( لا تدعُ إلى الله ) ؛ فإن كان لا يقوم أحد سواه بهذه المهمة ؛ فإنه لا يطاع ولي الأمر في ذلك ؛ لأنها تكون فرض عين على هذا الشخص ، ولا طاعة لولي الأمر في ترك فرضِ عينٍ .
أما إذا كان يقوم غيرُه مقامه ؛ نظرنا :
إذا كان ولي الأمر نهاه لأنه يكره دعوة الناس ؛ فهنا يجب أن يُناصَح ولي الأمر في هذا ، ويقال ( اتق الله ، لا تمنع من إرشاد عباد الله ) .
أما إذا كان نهيه هذا الشخص لسببٍ آخر يحدُث من جرَّاء كلام هذا الرجل ، ورأى ولي الأمر أن المصلحة إيقافه وغيرُه قائمٌ بالواجب ؛ فإنه لا يحلّ لهذا أن يُنادد ولي الأمر . . . » انتهى .

وقال - رحمه الله - جواباً على السؤال التالي :
فضيلة الشيخ : معلوم أنه قد تم إيقاف بعض الدعاة من قبل هيئة كبار العلماء بموجب خطاب لسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز . وهذا الخطاب موجود بين أيدي الشباب ، وقد ذُكر في آخره أن ذلك الإيقاف للدعاة حماية للمجتمع من أخطائهم - هداهم الله - .
فإذا جاء شخص يُحذر من هذه الأخطاء ويُنبِّه عليها ثار الناس على من يُحذر منها واتّهموه بالطعن في الدعاة وأصبحوا يتعصّبون لأشخاص هؤلاء الدعاة ويُعادون ويُوالون فيهم . فسبّب ذلك فتنة وفرقة بين شباب الصحوة . فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً(31) ؟ ( الباب المفتوح 3/494 لقاء 69 سؤال 1526 ) :
« . . . فالذي أرى :
أن الناس إذا كانوا يثقون في هيئة كبار العلماء - وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز ابن باز - ؛ فليجعلوا الأمر في ذمّتهم وتحت مسؤوليتهم . وإذا كانوا لا يثقون ؛ فهذا بلاء عظيم أن لا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء . . . » انتهى .
ــــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(29) ( ما ) بمعنى ( لا ) ، أي : لا يمنع .
(30) الظاهر أنها ( فلأجل ) حتى يكتمل جوابُ ( إذا ) . والذي في الفتاوى ( لأجل ) بدون الفاء .
(31) يقع الجواب في نحو ثلاث صفحات ، وقد نقلتُ منه ما يلزم في هذا الموضع . وأوصي بقراءته كاملاً والانتفاع به ففيه من الفائدة الشيء الكثير لمن هداه الله للحقّ .

.................................................. ........




الشبهة السادسة عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم يأذنون بالربا ويحمونه !

الرد على الشبهة

أن هذا الفعل - وإن كان ذنباً - إلا أنه لا يصل إلى حدّ الكفر ؛ ومن ثم لم يجز الخروج على الحاكم لأجل هذا ؛ بل الواجب الدعاء لـه بالصلاح ونصحه ودعوته بالتي هي أحسن .

فائدة :
واعلم - وفقك الله للعلم - أن هناك من يكفِّر بهذه البنوك - وإن كانت معصيةً - تحت ستار الاستحلال(32) ! ويدّعي أن حماية هذه البنوك قرينة دالّة على الاستحلال ؛ ومن ثم فإن الحاكم يكفر بذلك !

وجواباً على هذه الدعوى أقول :
لا يمكن أن يُستفاد الاستحلال إلا من التصريح ؛ فليس :
1. الإصرار على الذنب ؛
2. ولا حمايته ؛
3. ولا الدعوة إلى مقارفته ؛
دالاًّ على الاستحلال .

بل لا يقول هذا إلا من تشرَّب حبّ التكفير وتجرّأ عليه ممن لم يعرف العلم الشرعي !
وإلا :
? لكفّرنا المصرّ على شرب الخمر - مثلاً - ،
? ولكفَّرنا الأبَ الذي يحمي أجهزة الإفساد من اعتداء أحد أبنائه عليها ،
? ولكفَّرنا كلّ صديقِ سوءٍ داعٍ إلى المعاصي . . وبيان أمثلة هذا يطول .

فليُكفِّر أولئك المُتعجِّلون أباءهم وإخوانهم وذويهم إن كانوا يلتزِمون تطبيق ما يقولون ؛ وإلا فلْيَعُوا خطورة الأمر ولْيَقصُروا عن غيِّهم ولْيَنْتهوا عما هم عليه .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان أن التمكين من الربا لا يُكفِّر ، وأن الاستحلال لا يستفاد من الفعل المجرّد
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - جواباً على سؤال : ( ما هو ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد ؟ ) ( الباب المفتوح 3/97 لقاء 50 سؤال 1198 ) :
« الاستحلال هو أن يعتقد الإنسان حلّ ما حرّمه الله . . .
وأما الاستحلال الفعلي فيُنظر :
لو أن الإنسان تعامل بالربا ، لا يعتقد أنه حلال لكنّه يُصرّ عليه ؛ فإنه لا يُكفَّر ؛ لأنه لا يستحلّه .
ولكن لو قال : ( إن الربا حلال ) ويعني بذلك الربا الذي حرّمه الله ؛ فإنه يكفر ؛ لأنه مكذب لله ورسوله » انتهى .

وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - جواباً على السؤال التالي :
( هناك من يدعو الشباب - وبخاصة في الانترنت - إلى خلع البيعة لولي أمر هذه البلاد ، وسبب ذلك لوجود البنوك الربوية وكثرة المنكرات الظاهرة في هذه البلاد ، فما توجيهكم ؟ ) ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 61 ) :
« توجيهنا أن هذا :
كلام باطلٌ ،
ولا يُقبل ؛
لأنه يدعو إلى الضلال ويدعو إلى تفريق الكلمة ،
وهذا يجب الإنكار عليه ،
ويجب رفض كلامه ،
وعدم الالتفات إليه ؛
لأنه يدعو إلى باطل ، ويدعو إلى منكر ، ويدعو إلى شرّ وفتنة » انتهى .

وقال - حفظه الله - جواباً على سؤال : ( هل وجود البنوك الربوية ووضعها في البلاد دليل على استحلال الربا واستباحته ؟ ) ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ط الأولى ص 68 ) :
« أكل الربا لا يدل على استباحة الربا ، أكل الربا كبيرة من كبائر الذنوب ، والتعامل بالربا كبيرة وموبقة من الموبقات ؛ لكن لا يدل هذا على كفر المرابي ؛ إلا إذا استحله ولو لم يأخذه . إذا قال : ( الربا حلال ) ؛ فهو كافر ولو لم يأخذ الربا . فإذا جمع بين الجريمتين وقال : ( الربا حلال ) ، وأخذه ؛ فهذه جريمتان والعياذ بالله ؛ أكله كبيرة وفسق واستحلاله كفر » انتهى .
ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(32) وبعضهم - هداه الله - يُكفّر بهذا الفِعْل تحت ستار ( التشريع ) و( سنّ القوانين ) ، وقد بيّنتُ طرفاً من هذا في الشبهة الحادية عشرة . ومحلّ بسط الكلام فيه : كتابي المُتعلّق بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله - يسّر اللهُ إتمامه وطبعه - .


.................................................. .



الشبهة السابعة عشرة :
تكفيرهم لابس الصليب مطلقاً !

الرد على الشبهة

1. لا ينبغي تصديق كلّ ما يُنقل عن المسلمين ؛ لاسيما إن أريد بهذا إيقاع الإثم على المسلم ؛ فضلاً عن إيقاع الكفر .
لا سيما إن كان الناقل فاسقاً ، أو مجهولاً ، - فضلاً عن الكافر - .

2. أنه ليس كلّ لبسٍ للصليب يكون مُكفِّراً .

3. أنه - وعلى سبيل التسليم - لو قيل بالتكفير ؛ فليس كلّ واقعٍ في الكفر يكون كافراً . فقد يكون اللابس له مُكرهاً ، أو متأوّلاً ، أو جاهلاً .
فمع كون عمله معصيةً إلا أنه لا يكون كفراً .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان الأمر بالتثبُّت
قال الله تعالى :
« … إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين » .
وتقدم نقل كلام :
ابن تيمية ،
وابن كثير ،
والسعدي - رحمهم الله - ،
في الأصل الأول من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .
بيان أنه ليس كُلّ لبْسٍ للصليب يكون كفراً
قال البخاري - رحمه الله - في كتاب الصلاة من صحيحه باب رقم ( 15 ) :
« بابٌ ، إن صلى في ثوبٍ مصلَّبٍ أو تصاوير ؛ هل تفسد صلاته ؟ » انتهى .
ثم ساق حديث أنس - رضي الله عنه - :
كان قِرامٌ(33) لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
« أميطي عنّا قِرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعْرِضُ في صلاتي » .

فقد قرن البخاريُّ - رحمه الله - بين الصلاة بالثوب المصوّر والصلاة في الثوب المُصلَّب ؛ وقَصَدَ بذلك - رحمه الله - : هل تفسد الصلاة أم لا ؟
ولم يخطر بباله - رحمه الله - أن اللابس سيكون كافراً بمجرّد لبسه للصليب .
بل رجح ابن حجر - رحمه الله - عدم فساد الصلاة بالثوب المُصوّر - والمُصلّبُ في حكمه ؛ لأنه موافق للبخاريَّ في ترجمته - ؛ فقال :
« لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يُعِدْها » انتهى .

وجاء في حاشية الروض المُرْبِع ما نصّه ( 7/404 ) :
« وفي الانتصار : مَنْ تزيّا بزيّ الكفر ؛ مِن لبس غيار ، وشدّ زنار ، وتعليق صليب في صدره : حرُمَ ، ولم يكفُر » انتهى .

وقد أجابت اللجنة الدائمة عن حكم الصلاة لمن يلبس ساعةً فيها صليب بما نصه ( فتاوى اللجنة 6/185 ) :
« لا يجوز لبس الساعة أُمّ صليب لا في الصلاة ولا غيرها حتى يُزال الصليب . . . لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة . . . » انتهى .

الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز

نائب رئيس اللجنة
عبد الرزاق عفيفي

عضو
عبد الله بن غديان

وللشيخ ابن باز - رحمه الله – حوار مع بعض السائلين ( أسئلة وأجوبة الجامع الكبير ، المجموعة الثانية ، إصدار تسجيلات التقوى ، الشريط 29 ، الوجه الثاني ) :
سؤال : ( يحدث أحياناً أن يحضر بعض المسلمين إلى بلد يدين أهله بدين غير الإسلام ؛ إما للزيارة أو لمناسبة ما ، ويقوم الكفار بتقليد أحد المسلمين بقلادة على هيئة صليب أو عليها صور الصليب كتكريم منهم لهذا المسلم ، ويتقبلها هذا المسلم مجاملة لهم ويعتبره من حسن المعاملة ؛ هل فعل هذا المسلم يعتبر من موالاة الكافرين ؟ وهل يصل ذلك إلى مرتبة الكفر ؟ ) .
الشيخ : « لا ، هذه أمور عادية مثل ما تقدم ، هذه أمور عادية ينظر فيها ولي الأمر بما تقتضيه المصلحة ؛ فإذا كان من المصلحة الإسلامية قبول هذه المجاملة أو هذه الهدية كان ذلك جائزاً من باب دفع الشرّ وجلب الخير ، كما يقبل هداياهم التي يهدون إليه يرى مصلحة في ذلك ، وإن رأى المصلحة في ردّها ردّها ،
هكذا ما يُتوّج السلاطين والملوك على قلائد يصنعها الكفار أو يقدمها المسلم لهم إذا رأى في هذا المصلحة الإسلامية كفّاً لشرّهم وجلباً لخيرهم ؛ فلا مشاحّة في ذلك وليس هذا من الموالاة » .
اثنان من الحضور باستنكار : فيها صليب يا شيخ !
الشيخ : « ولو فيها صليب . . يأخذه ثم يلقيه » .
أحد الحضور مستنكراً : يلبسه لباس هو يا شيخ ؟ !
الشيخ : « بعدين يُزيله ، بعدين يُزيله » انتهى الحوار .



###########
تنبيه:
هذه الفتوى كذبها الشيخ ابن باز رحمه الله
http://www.misrsalaf.com/vb/showthread.php?t=6073 (http://www.misrsalaf.com/vb/showthread.php?t=6073)
[المشرف العام]
###########


بيان أنه ليس كل من وقع في الكفر يكون كافراً
تقدم نقل كلام :
ابن تيمية ،
والألباني ،
وابن عثيمين - رحمهم الله - ،
في الأصل الثالث من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .
ــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(33) القِرام : السِّتار .

.................................................. ................



الشبهة الثامنة عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم أصحاب مكوس استناداً ! إلى حديث : « لا يدخل الجنة صاحب مَكْس »


قال ابن الأثير - رحمه الله - ( نهايته 4/279 ) :
« المَكْس : الضريبة التي يأخذها الماكِس . . . » انتهى .


الرد على الشبهة

يُقال - على اعتبار صحة الحديث ؛ وإلا ففيه نظر - :
هذا العمل - مع كونه معصيةً - إلا أنه لا يستوجب الكفر ؛ ولا يبيح الخروج على الحكام ؛ بل الواجب هو الدعاء لهم ونصحهم بالطرق الشرعية والصبر على ما عندهم من المعاصي .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان أن المكوس من المعاصي وليست من المكفّرات
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - لمّا سئل : ( هناك من يرى - حفظك الله - أن لـه الحق في لخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر كالمرور والجمارك والجوازات . . إلخ ، باعتبار أنها ليست على أساس شرعي ، فما قولكم حفظكم الله ؟ ) ، ( فتاواه 8/208 ) :
« . . . وأما الشيء الذي هو منكر ، كالضريبة التي يرى ولي الأمر أنها جائزة فهذه يراجع فيها ولي الأمر ؛ للنصيحة والدعوة إلى الله ، وبالتوجيه إلى الخير . . . » انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن بعض أنواع الرسوم التي تؤخذ من الحكومات هل هي من الضرائب ؟ ( الباب المفتوح 3/416 لقاء 65 سؤال 1465 ) :
« تعمّ كلّ شيء يؤخذ بلا حقّ ؛ فهو من الضرائب ، وهو محرم . . .
ولكن على المسلم السمع والطاعة ، وأن يسمع لولاة الأمور ويطيعهم ، وإذا طلبوا مالاً على هذه المعاملات أعطاهم إياه . . . ولا يجوز أن تُتّخذ مثل هذه الأمور وسيلةً إلى :
القدح في ولاة الأمور ،
وسبّهم في المجالس ،
وما أشبه ذلك » انتهى .

بيان أن المعصية لا تبيح الخروج
تقدم نقل كلام :
النووي ،
وابن حجر ،
وابن باز ،
وابن عثيمين ، - رحمهم الله - ؛
في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في مقدمة الكتاب ، فراجعه إن شئت .

بيان أن الواجب نصح الحاكم العاصي بالطرق الشرعية مع الصبر عليه وبقاء الطاعة له في المعروف
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ( فتاواه 8/205 ) :
« وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصيةٍ أو معاصٍ وقعت منه ؛ بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة ، بالطرق الطيبة الحكيمة ، وبالجدال بالتي هي أحسن ؛ حتى ينجحوا ، وحتى يقلّ الشرّ أو يزول ، ويكثر الخير . . . » انتهى .

وقد تقدم - قريباً - كلام ابن باز - رحمه الله ـ ، وهذا هو بتمامه ، فقد سئل : ( هناك من يرى - حفظك الله - أن لـه الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر كالمرور والجمارك والجوازات . . إلخ ، باعتبار أنها ليست على أساس شرعي ، فما قولكم - حفظكم الله - ؟ ) ، فقال ( فتاواه 8/208 ) :
« هذا باطل ومنكر ، وقد تقدم : أنه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد ، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر ، بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين ، فيجب الخضوع لذلك ، والسمع والطاعة في ذلك ؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين ،
وأما الشيء الذي هو منكر - كالضريبة التي يرى ولي الأمر أنها جائزة - فهذه : يراجع فيها ولي الأمر ؛
للنصيحة ،
والدعوة إلى الله ،
وبالتوجيه إلى الخير ،
لا بيده يضرب هذا أو يسفك دم هذا أو يعاقب هذا بدون حجة ولا برهان ، بل لابد أن يكون عنده سلطان من ولي الأمر يتصرف به حسب الأوامر التي لديه وإلا فحسبه النصيحة والتوجيه ، إلا فيمن هو تحت يده من أولاد وزوجات ونحو ذلك ممن لـه السلطة عليهم » انتهى .

كما تقدم - قريباً – كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن بعض أنواع الرسوم التي تؤخذ من الحكومات هل هي من الضرائب ؟ ( الباب المفتوح 3/416 لقاء 65 سؤال 1465 ) :
« تعمّ كلّ شيء يؤخذ بلا حقّ ؛ فهو من الضرائب ، وهو محرم . . .
ولكن على المسلم السمع والطاعة ، وأن يسمع لولاة الأمور ويطيعهم ، وإذا طلبوا مالاً على هذه المعاملات أعطاهم إياه . . .

ولا يجوز أن تُتّخذ مثل هذه الأمور وسيلةً إلى القدح في ولاة الأمور وسبّهم في المجالس وما أشبه ذلك .
ولنصبر ،
وما لا ندركه من الدنيا ندركه في الآخرة » انتهى .

.................................................. .............



الشبهة التاسعة عشرة :
تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم طواغيت !


الرد على الشبهة من وجهين
الوجه الأول :
إن أريد بهذا الوصف التكفير , فالتكفير لا يثبت إلا ببرهان ,
وعليه : فلا بدّ من التفصيل وعدم الإجمال .

والتفصيل هو : إيراد السبب الذي بعث على هذا الوصف المراد منه التكفير ؛ لينظر فيه :
أهو سبب موجب للتكفير أم لا ؟
ثم إن أوجب التكفير ؛ فينظر :
هل قامت الحجة على هذا الحاكم الواقع في الكفر أم لا ؟

الوجه الثاني :
أن وصف الشيء بأنه طاغوت لا يلزم منه تكفير كل موصوف به , وبيان هذا من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول :
أن الطاغوت يطلق على : ( كل رأس في الضلالة ) , وذلك أنه مشتق من الطغيان الذي هو : مجاوزة الحدّ ؛ وهذا الطغيان قد يكون مكفراً ، وقد لا يصل لحدّ الكفر .

الوجه الثاني :
أن مِنْ أهل العلم مَنْ يُعلّق وصف الشيء بأنه طاغوت بمجرد أن يُتَجاوَز به الحدّ , بدون النظر للموصوف بأنه طاغوت . فساغ إطلاق هذا الوصف باعتبار المُتّخِذ لا بالنظر للمُتّخَذ .
وبرهان ذلك :
أنهم يصفون الجمادات المعبودة من دون الله بأنها طواغيت , ومن المعلوم بداهة أن الجمادات لا توصف بالإسلام ولا بالكفر .

الوجه الثالث :
أن من أهل العلم من أطلق وصف الطاغوت على بعض أهل الذنوب , ولو كان هذا الوصف مكفراً لما ساغ هذا الإطلاق , أو للزم منه تكفيرهم إياهم بتلك الذنوب .

وبياناً لما سبق تقريره ؛ فإني أقول :
إن وصف الطاغوت له حالتان :

الحالة الأولى :
أن يكون اسم فاعل : بحيث يطلق على من وقع منه الطغيان ؛ بأن تجاوزَ - هو - حدَّهُ . وهذا طاغوت بالنظر لفعله , وهذا الطاغوت قد يكون كافراً , وقد لا يكون كذلك ؛ بحسب نوع الطغيان الذي وقع منه .

الحالة الثانية :
أن يكون اسم مفعول : بحيث يطلق على من طُغِيَ فيه ؛ بأن تجاوزَ به الناسُ الحدَّ . وهذا طاغوت بالنظر لمُتَّخِذِيْهِ . وهذا الطغيان : قد يكون كفراً ، وقد لا يكون كذلك . ثم إن هذا المُتَّخَذَ : لا يَلْحَقُهُ الذمُّ إلا إذا رَضِيَ .

وتلخيصاً لما سبق :
لا بدّ قبل تكفير الموصوف بأنه طاغوت من النظر في مسألتين :

المسألة الأولى :
§ هل وصل به الحد في الطغيان للكفر ؟
§ أم لا ؟
وهذا يسلتزم التفصيل في طغيانه .

المسألة الثانية :
§ هل سُمّي طاغوتاً لتجاوزه الحدّ ؟
§ أو لتجاوز الناس به الحدّ ؟ وهنا يُنظر : هل رضِيَ ؟ أم لا ؟
وهذا يستلزم التفصيل في حاله .

نُقولٌ على ما نَقول
بيان عدم جواز التكفير بلا برهان
يكفي في ردع المكفر بلا برهان حديثُ ابن عمر - رضي الله عنهما - ( خ : 6104 - م : 213 واللفظ له ) :
« أيما امريء قال لأخيه ( يا كافر ) : فقد باء بها أحدهما ؛ إن كان كما قال وإلا رجعت عليه (34)» .

بيان أن الطاغوت يطلق على كل رأس في الضلال
قال العلامة القرطبي - رحمه الله - ( تفسيره 5/75 ، تحت آية النحل 36 : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) :
« أي : اتركوا كل معبود دون الله ؛ كالشيطان , والكاهن , والصنم , وكل من دعا إلى الضلال » انتهى .

وقال العلامة الفيروز آبادي - رحمه الله - ( القاموس ، مادة : طغا ) :
« والطاغوت : اللات , والعزى , والكاهن , والشيطان , وكل رأس ضلال , والأصنام، وما عبد من دون الله , ومردة أهل الكتاب » انتهى .

بيان أن أهل العلم يعلقون وصف الطاغوت بمجرد الاتّخاذ لا بالنظر لهذا المُتّخَذ ,
ولذلك يصفون به بعض الجمادات
قال العلامة ابن الجوزي - رحمه الله - ( نزهة الأعين النواظر ص 410 ، باب الطاغوت ) :
« وقال ابن قتيبة :
كل معبود ؛ من حجر , أو صورة , أو شيطان : فهو جبت وطاغوت . وكذلك حكى الزجاج عن أهل اللغة » انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( فتاواه 16/565 ) :
« وهو اسم جنس يدخل فيه : الشيطان , والوثن ، والكهان , والدرهم , والدينار , وغير ذلك » انتهى .

وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ( أعلام الموقعين 1/50 ) :
« والطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود , أو متبوع , أو مطاع » انتهى .

وقال الإمام ابن عثيمين تعليقاً على كلام ابن القيم - رحمهما الله - ( القول المفيد 1/30 ) :
« ومراده : من كان راضياً . أو يقال : هو طاغوت باعتبار عابده , وتابعه , ومطيعه ؛ لأنه تجاوز به حده حيث نزّله فوق منزلته التي جعلها الله لـه , فتكون عبادته لهذا المعبود , واتباعه لمتبوعه , وطاعته لمطاعه : طغياناً ؛ لمجاوزته الحد بذلك » انتهى .

بيان إطلاق بعض أهل العلم وصف الطاغوت على بعض أهل الذنوب غير المكفرة
قال العلامة الراغب الأصفهاني - رحمه الله - ( مفرداته ص 108 ، مادة : طغى ) :
« الطاغوت عبارة عن : كل متعدٍّ , وكل معبود من دون الله . . .
ولما تقدم : سُمّي الساحر , والكاهن , والمارد من الجن , والصارف عن طريق الخير : طاغوتاً » انتهى .

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ( الدرر 1/137 ) :
« والطواغيت كثيرة , والمتبين لنا منهم خمسة : أولهم الشيطان , وحاكم الجور , وآكل الرشوة , ومن عُبدَ فرضِيَ , والعامل بغير علم » انتهى .

وقال الإمام ابن عثيمين - رحمه الله - ( شرح الأصول الثلاثة ص 151 ) :
« وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر , أو يدعون إلى البدع , أو إلى تحليل ما حرم الله , أو تحريم ما أحل الله : طواغيت » انتهى .


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
خاتمة الكتاب


هذا بعض ما يسّر اللهُ ردّه مما يتعلق بالشبهات التي تقال حول حكام المسلمين ؛
وأرجو - ولا أعِدُ - بأن يتبعه قسمٌ ثانٍ وثالثٌ يردّان الشبهات التي تتعلّق بعلماء المسلمين , وبدعوة أهل السنة والجماعة .

ولعلّ قائلاً يقول :
لماذا قدّمتَ الشبهات حول الحكام على الشبهات حول العلماء ؟
فهذا التساؤل لا يصدُر ممّن جرّب الحوار مع المخالفين , حيث إن طعنهم في العلماء فرعٌ عن طعنهم في الحكام , فالذي يقع في العلماء إنما وقع فيهم لاختلافه معهم في تحرير الموقف الصحيح من بعض المسائل - المُتعلّقة بالحكام - مما يظنّه المخالفُ حقاً ويراه العالِم النحرير باطلاً ,
وإنّ المخالف إذا اتّضحت لـه هذه المسائل واندفع عنه هذا النوع من الشبهات فسوف تزول عنه - بالاضطرار - الكثير من الشبهات المُثارة حول العلماء ؛ من اتّهامهم بالمداهنة , وبالمجاملة في دين الله , وبالخوف من الحكام , وبالامتناع عن قول كلمة الحق . . إلخ تلك الشبهات .
لأجل هذا فقد حرصتُ على تقديم الكلام على هذا القسم من الشبهات لأنها أصلٌ فرّع عليه المخالفُ شبهاته التي أثارها حول علماء المسلمين .

كما أؤكّد أنني لا أدّعي العصمة ولا الكمال لأحد من حكام المسلمين .

واللهَ أسأل أن يهدي جميع الحكام وأن يوفقهم لكل خير وأن يجمع كلمتهم على الحق وأن يسخرهم لخدمة الإسلام والمسلمين وأن يتمّ عليهم نعمة الإسلام والسنة .
والحمد لله دوماً وأبداً ,
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


أخوكم
بندر بن نايف بن صنهات العتيبي
26/5/1425هـ (35)

فهرس المحتويات

مقدمة الطبعة الرابعة
مقدمة الكتاب
الرد الإجمالي على الشبهات بأربعة أصول
الشبهة الأولى : الطعن في بيعة مَن ليس مِن قريش !
الشبهة الثانية : الطعن في بيعة من أخذ الحكم بالقوة !
الشبهة الثالثة : اعتقاد أن الطاعة لا تجب إلا على مَن بايع بنفسه !
الشبهة الرابعة : الطعن بحجة أنهم أدخلوا المشركين جزيرة العرب !
الشبهة الخامسة : الطعن بحجة أنهم استعانوا بالقوات الكافرة !
الشبهة السادسة : الطعن بحجة أنهم أضاعوا أموال الدولة !
الشبهة السابعة : تكفير جميع الحكام !
الشبهة الثامنة : تجويز الخروج على الحاكم الفاسق !
الشبهة التاسعة : تجويز الخروج على الحاكم المبتدع !
الشبهة العاشرة : تجويز الخروج على الحاكم الظالم !
الشبهة الحادية عشرة : التكفير بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً !
الشبهة الثانية عشرة : التكفير بمسألة إعانة الكافر على المسلم مطلقاً !
الشبهة الثالثة عشرة : التكفير بحجة أنهم يوالون الكفار !
الشبهة الرابعة عشرة : التكفير بدعوى أنهم أماتوا الجهاد !
الشبهة الخامسة عشرة : التكفير بدعوى أنهم يعادون الدين بسجن الدعاة ومطاردة المجاهدين !
الشبهة السادسة عشرة : التكفير بدعوى أنهم يأذنون بالربا ويحمونه !
الشبهة السابعة عشرة : التكفير بمسألة لبس الصليب مطلقاً !
الشبهة الثامنة عشرة : الطعن بدعوى أنهم أصحاب مكوس !
الشبهة التاسعة عشرة: تكفيرهم الحكام بدعوى أنهم طواغيت !
خاتمة الكتاب


ـــــــــــــــــــــــ
الحاشية:
(34) يلاحظ أن الكفر العائد على من كفر أخاه بلا برهان : إنما هو كفر أصغر لا أكبر ، لوجود ما يصرفه عن الأكبر ، ومن أظهر هذه الصوارف : إبقاء وصف الأخوة يبنهما بنصّ الحديث .
(35) كان الفراغ من الكتاب قبل هذا التأريخ بنحو سنة ، وأراد اللهُ أن يتأخر طبعه ونشره ، فله الحمد في الأولى والآخرة ، وله سبحانه الحكمة البالغة .