المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثنائيات رباعية(العقل و الشهوة)



أهــل الحـديث
08-03-2013, 08:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




ثنائيات رباعية



في العلوم النقلية و العقلية (1)



العقل والشهوة





أ.عادل عبد الوهاب عبد الماجد





المخلوقات التي خلقها الله تعالى من التنوع و الكثرة بحيث لا يحصيها حساب و لايجمعها كتاب ، كما قال الله عز وجل عن نفسه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) سورة 86الحجر، و (الخلاق) صيغة مبالغة تفيد كثرة الخلق ، فهو عز و جل يخلق ما يشاء متى شاء و كيف شاء ، و مع ذلك فهو (العليم) بخلقه لا تخفى عليه خافية ، و العليم بما تفرق من أبدانهم ، و تحلل من أجسادهم بعد موتهم ، و هذا فيه تقرير للمعاد .
و مخلوقات الله عز و جل منها المرئي و منها الخفي ، لذلك أقسم الله بها فقال (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)) سورة الحاقة ، و منها المعلوم و منها المجهول كما قال الله عز و جل (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ) سورةالنحل .
و كل مخلوقات ثنائية العدد فان لها أنواع أربعة لا خامس لها من حيث القسمة المنطقية ، و سأتناول في هذه السلسلة مجموعة من هذه الثنائيات بحول الله و قوته .
فمن حيث العقل والشهوة تنوع خلق الله تعالى إلى أنواع أربعة :


النوع الأول : له عقل و ليس له شهوة ، و هم الملائكة ، فهي مخلوقات كريمة عاقلة مدركة ، لكنها لا تأكل و لا تشرب و لا تلهو و لا تلعب و لا تتكاثر و لا تتناسل و لاتنام ، و هم مفطورون على العبادة ، خلقهم الله من النور ، ولهم وظائف مختلفة في هذا العالم ، ومن الآيات المتكلمة عنهم قوله تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)) سورةالأنبياء .



النوع الثاني : له شهوة و ليس له عقل ، وهي الدواب و الأنعام التي تأكل و تشرب و تلهو و تلعب وتتكاثر وتتناسل ، و لكن ليس لها عقول مدركة تحجزها عن القبائح أو تدعوها إلى الفضائل ، و إنما لها غرائز تحركها لجلب ما ينفعها ، ودفع ما يضرها ، لذلك فهي غير مكلفة ، و لا تدخل جنة و لا نارا ، بل يقول لها الله تعالى يوم القيامة : كوني ترابا وعندها ( يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) ، و يلحق بها النباتات التي تتغذى و تشرب و تتكاثر ، و كل من الحيوانات و النباتات لها من الانواع والفصائل و الوظائف و الطبائع ما يبهر العقول و يحير الألباب ، و في كل يوم يتم اكتشاف المزيد منها ، و هي مخلوقة للإنسان ليستعين بها على طاعة الله ويسخرها لمصالحه في هذه الحياة ، و من الآيات الموضحة لجانب من حكمة خلقها قوله تعالى(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ) سورة النحل .
وهي مع ذلك تصلي لله و تسبحه و تعبده كما قال الله عز وجل (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)) سورة النور ، و كما قال جل في علاه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)) سورة الحج.


النوع الثالث : ليس له عقل و لا شهوة ، و هي الجمادات و منها الأرض و السماء و الكواكب و النجوم و البحار و الانهار ، و هي كذلك مسخرة للانسان كما قال الله عز وجل (الَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)) سورةالحج ، وهي أيضا تعبد الله و تسبحه كما قال تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) سورةالاسراء ، وأخبر الله تعلى بسجودها له فقال(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)) سورة الحج .
و نسب الله لها الخشوع فقال (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)) سورةالحشر .
و هي تغضب على أعداء الله تعالى حتى تكاد أن تنشق و تنفطر كما قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)) سورةمريم
و هي تبكي لفراق الطائعين و لا تبكي لفراق العاصين ، كما قال جل و علا عن فرعون و قومه (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)) سورة الدخان .
و هي تدعو لأهل الخير و تصلي عليهم كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إنه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر)رواه بن ماجة و غيره ، و عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض ، حتى النملة في جحرها ، يصلون على معلم الخير ) رواه الترمذي و غيره.
و هي أمم و أجناس و فصائل مثل البشر كما قال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)) سورةالأنعام


النوع الرابع : له عقل و شهوة و هم الإنس و الجن الذين قال الله عنهم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) سورة الذاريات ، و هم المخاطبون بقوله (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)) سورة الرحمن ، و سموا بالثقلين لأن لهما ثقل ووزن أحياء و امواتا ، أو لأنهما مثقلان بالذنوب ، فقد ركب الله فيهم العقل و امتحنهم بالشهوات كما قال عز و جل (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)) سورةآل عمران
العقل يدعو الى الرشاد و الفضائل ، وهو القائد و المتحكم في البدن عن طريق الفكر و النظر ، و اتخاذ القرارات و توجيه الأعضاء و الجوارح ، ومن القواعد المهمة في السيطرة عليه مراقبة الخواطر و الهواجس وتوجيهها إلى المسار الصحيح ، كما قال الحكماء في قواعد البرمجة الذ اتية : ( راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالا ، و راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات ، و راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعا ، و راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك) .
والشهوات تجر إلى الغي و الرذائل ، و كل شهوة لها طريق محرم لإشباعها و آخر مباح ، مثل شهوة البطن و الفرج و النظر و السمع و اللسان و غيرها ، فمن سلك الطريق المحرم أثم و من سلك الطريق المباح سلم .
و الشهوات المباحة هي أساس الإستقرار واستمرار الحياة ، مثل شهوة الزواج و الأكل و الشرب من الطيبات و ، أما الشهوات المحرمة فهي سبب الإضطراب و الخراب مثل شهوة الزنا و شرب المسكرات و أكل الربا و نحوها .
و الصراع مستمر بين العقول و الشهوات ، فمن حكم العقل كان شبيها بالملائكة و من حكم الشهوة كان شبيها بالدواب و الأنعام أو دونها .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله) - : كما قال أبو بكر عبد العزيز - من أصحابنا - وغيره : خُلقَ للملائكة عقولٌ بلا شهوة , وخُلق للبهائم شهوة بلا عقل , وخُلق للإنسان عقل وشهوة ، فمَن غلب عقلُه شهوتَه : فهو خير من الملائكة , ومَن غلبت شهوتُه عقلَه : فالبهائم خير منه . " مجموع الفتاوى " ( 15 / 428 ، 429 ( .



و نواصل حديثنا في ثنائية أخرى بمشيئة الله و هو الموفق .