المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح معلقة زهير ابن أبي سلمى للأعلم الشنتمري



أهــل الحـديث
08-03-2013, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



شرح معلقة امرئ القيس وقبلها مقدمة شرح الأعلم لديوان الشعراء الستة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المُعلِّم الإنسانَ البيان،ومميزه به من سائر الحيوان،الذي شرفنا بالإيمان وهدانا إليه،وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس دون حق وجب عليه،وأنطقنا بلسان أهل جنته،وخير أنبيائه وصفوته،وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي العربي القرشي الهاشمي،أفضل صلاة صلاها على أحد من أنبيائه،ورسله وأصفيائه،وملائكته في أرضه وسمائه.
أما بعد:فلما كان لسان العرب خيرَ الألسنة،ولغتها أحسن اللغات لنزول القرآن بلسانها،وشهادته لها بيانها،وكان الشعر ديوانها المثقف لأخبارها وحكمها وأيامها،وسائر ما خصصت به من فضائلها،وكان أشرف من كلامها المنثور،وحكمها المأثور،قال الله تعالى:(وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له)،فأبان أن أهل الشعر أقدر على تأليف الكلام ،وسرد النِّظام،رأيت أن أجمع من أشعار العرب ديوانا يعين على التصرف في جملة المنظوم والمنثور،وأن أقتصر منها على القليل،إذ كان شعر العرب كلُّه متشابهُ الأغراض،متجانس المعاني والألفاظ،وأن أوثر بذلك من الشعر
ما أجمع الرواة على تفضيله،وآثر الناس استعماله على غيره،فجعلت الديوان متضمنا لشعر امرئ القيس ابن حجر الكندي،وشعر النابغة زياد بن عمرو الذبياني،وشعر علقمة بن عبدة التميمي،وشعر زهير بن أبي سُلمى المزني،وشعر طرفة بن العبد البكري،وشعر عنترة بن شداد العبسي.
واعتمدت فيما جلبته من هذه الأشعار على أصح رواياتها،وأوضح طرقاتها،وهي رواية عبد الملك بن قُرَيب الأصمعي،لتواطئ الناس عليها،واعتيادهم لها،واتفاق الجمهور على تفضيلها،وأتبعت ماصح من رواياته قصائد متخيرة من رواية غيره،وشرحت جميع ذلك شرحا يقتضي تفسير جميع غريبه،وتبيين معانيه،وما غمض من إعرابه،ولم أطل ذلك إطالة تخل بالفائدة، وتمل الطالب الملتمس للحقيقة،فإني رأيت أكثر من ألف في شروح هذه الأشعار قد تشاغلواعن كشف المعاني وتبيين الأغراض بجلب الروايات والتوقيف على الاختلافات،والتقصي لجميع ما حوته اللفظة الغريبة
من المعاني المختلفة،حتى إن كتبهم خالية من أكثر المعاني المحتاج إليها،ومشتملة على الألفاظ والروايات المستغنى عنها،وفائدة الشعر معرفة لغته ومعناه،وإلا فالراوي له كالناطق بما لا يفهم،والعامل بما لا يعلم،وهذه صنعة البهائم،ولذلك قال أحد الشعراء يذكر قوما بكثرة الرواية،وقلة التمييز والدراية:

زوامل للأشعار لا علم عندهم
بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
بأوساقه أو راح ما في الغرائر

وقد فسرت جميع ما ضمَّنتُه هذا الكتاب تفسيرا لا يسع الطالب جهله،ويتبين للناظر المنصف فضله،والله الموفق للصواب،وهو حسبي ونعم الوكيل.
ولما صح لي من ذلك ما أملته،وظفِرتُ منه بما رجوتُه وتمَنَّيتُه، سميته باسم من شهد أهل العصر بسموه وتقديمه، وأجمعت الجماعة على تعظيمه وتكريمه،من إذا ذكر المجد فهو المتردي بردائه،والكرم فهو العامر لفنائه،والبأس فهو الحامل للوائه،أو جميل الفعل فهوصاحب أرضه وسمائه،الظافر أبو القاسم محمد بن المعتضد بالله،المنصور بفضل الله،أبي عمرو،عباد بن محمد بن عباد-أدام الله علاءَهما،وفي درج العز ارتقاءهما،وأبقى بهجة الدنيا ببقائهما،وزينها باعتلائهما،وكبت من ساماهما،كما أكبى من جاراهما،ولا أخلاهما من زيادةِ تُنيفُ على آمالهما ورغباتهما،وتتقدم أمامَ أمانيِّهما وإرادتهما،ونعمةٍ لا يوافي منها آت إلا كان زائدا على الماضي،ومسرةٍ لا يغبط منها متجدد إلا قصر عنه الخالي،بمنه،وهذا حين آخذ فيما قصَدته،وابتدئ فيما شرطته،واللهَ أستعين وعليه أتوكل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث بن عمروبن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندة بن ثور بن مُرتع بن عُفيربن الحارث بن مرة بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
قال الأصمعي: زكان يقال لامرئ القيس الملك الضليل،ومات بأنقرة من بلاد الروم منصرفا عن قيصر،وفيه يقول القائل:
يا جَفْنَةَ مُسْحَنْفِرهْ
وطعنة مثْ عَنْجِرَهْ

قد غودرت بأنقره

وكان ملك الروم قد أتبعه حلة مسمومة فلما لبسها تقطع.

قِفا نبْكِ من ذكرَى حبِيبٍ ومنْزِلِ
بسَُِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحومل


فتُوضِحَ فالمقْراةِ لم يعفُ رسمها
لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل

ترى بعَرَ الأرآم في عرصاتها
وقيعانها كأنه حبُّ فُلفُل

1-السَّقطُ والسِّقطُ والسُّقط : منقطع الرمل،واللِّوى:حيث يلتوي ويرق،وإنما خصَّ منقطع الرمل وملتواه،لأنهم كانوا لا ينزلون إلا في صلابة من الأرض ليكون ذلك أثبت للأوتاد والأبنية،وأمكنَ لحفرِ النُّؤيِ وإنما تكون الصلابة حيث ينقطع الرمل ويلتوي ويرق،والدَّخول وحمل بلدان.

2-توضَح والمقراةُ موضعان،ومعنى يعفُ يدرسُ.والرسم الأثر.والجنوب الريح القبلية،والشمأل الريح الجوفية.ومعنى "نسجتها" تعاقبت عليها فمحت آثارها.
وقوله:"لم يعف رسمها":يقول تغير لتقادم عهده،وبقيت منه آثارٌتدل عليه، منعها من أن تذهب البتَّةَ اختلاف الريحين عليه،فكلما رمسته هذه ودفنته-بما هالت عليه من الرمل-سفرت عنه الأخرى وأظهرته فهو- وإن تغير أثره-باق، فنحن ننظر إليه ونحزن،ولو ذهب كل الذهاب لاسترحنا ولم ننظر إلى ما يحزننا كما قال :
ألا ليت المنازل قد بلينا
فلا يرمين عن شُزُنٍ حزينا

أي بعدج شزُن، والشزُن الضعف وسوء الحال،وأنث ضكير المنزل في قوله:"رسمها"لأنه في معنى الدار والمنزلة.

3-الأرآم:الظباء البيض،يعني أن الدار أقفرت من أهلها وصارت مألفا للوحش فبعرهافيها.
كأني غداةَ البينِ يومَ تحمَّلوا
لدى سمُراتِ الحيِّ ناقفُ حنظَل

وُقوفًا بهَا صَحْبِي علَيَّ مَطِيَّهُمْ
يقُولونَ لا تهلِكْ أسًى وتَجَمَّلِ

وإنَّ شفائي عبرَةٌ إن سَفحْتها
وهلْ عنْدَ رسْمٍ دارسٍ من مُعوَّل

كدينِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَّيْرِثِ قبْلَهَا
وجَارتِها أُمِّ الرَّبابِ بمَأسَلِ


ففَاضتْ دُمُعُ العين مني صبابَةً
على النَّحْرِ حتَّى بَلَّ دمعِيَّ مِحمَلِ


4-السَّمُر:شجرُ أمِّ غيْلانَ؛وهي شجر الصمغ العربي.والناقفُ المستخرجُ حب الحَنظلِ،والحنظلُ له حرارة تدمع منها العينُ؛فشبه ما جرى من دمعه لفقد أهل الدار بما يسيل من عين ناقف الحنظل؛وإنما خصَّ ناقف الحنظل،لأنه لا يملك سيلان دمعه كما لا يملكه من اشتد شوقه وحزنه.
5-المطي:الإبل؛والواحدة مطية؛وانتصب بقوله: "وقوفا"؛يقال:وقفت الدابة،أي حبستها.
6-قوله:"عند رسم دارس" وقد قال :"لم يعفُ رسمُها"؛فإنما يريد أنه قد درس ولم يذهب كلُّه؛كما تقول:درس الكتاب؛وليس معناه أنه ذهب كلُّه.والمُعوَّلُ هنا:من العويل والبُكاء،وأنه يقول واعَولاه!ويحتمل أن يكون من التّعويل على الشيئِ؛أي أن البُكاء على الرسُومِ لا يُجدي شيئًا؛فلا ينبغي أن يُعَوَّلَ عليه.
7-الدينُ:الدَّأبُ؛وهو العادة؛أي لقيت من هذه ما كنت تلقى من أم الحُوَّيْرِثِ؛وهي هرٌّ أختُ الحارث بن حُصين بن ضمضم.ومأسَلُ:موضع.
8-الصبابة :رقة الشوق.والمِحْمَلُ:سيْرٌ يُحمَلُ بهِ السيفُ؛وأرادَ أنه بكى بكاءً شديدًا حتى بَلَّ دمْعُه مَحْمَلَ سيْفه.
ألا رُبَّ يومٍ لكَ منهُنَّ صالحٍ
ولاسِيَّمًا يومٌٍ بدارةَ جُلْجُلِ

9-دارة جُلْجُل:موضع يقالُ له الحمى.حدَّثَ الفرزدقُ عن جدِّه،أن امرأ القيس كانَ عاشقا لابنة عمٍّ له يُقال لها عنَيْزةُ؛وأنه طلبها فلم يصِلْ إليْهَا؛وأرادَ أن يتزوجهَا فلم يُقْضَ له؛حتى إذا كان يومُ الغديرِ-وهو يومُ دارة جُلجُل-احتَمَل الحيُّ متقدمين،وخلفوا النساء والخدم والعُسَفاء،فلمَّا ذلك امرؤ القيسِ تخلفَ عن رجال قومه؛فكمن في غيابة من الأرضِ حتى مرَّت به فتياتٌ فيهن عنيزة،فلمَّا وردن الغدير نحين العبيد عنهن وتجردن ،ودخلن الغدير،فخاتلهن امرؤ القيس فأخذ ثيابهن فحملها،وأقشَمَ ألا يُعطي جارية منهن ثوبا حتى تخرج كما هي وتأخذ ثوبها؛فأَبَيْنَ ذلكَ حتى تعالى النهار؛وخشينَ أن يقصرن عن المنزل الذي يردنه،فخرجت إحداهن،فوضع لها ثوبها فأخذتْه،وتتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة،فناشدنه أن يطرح لها ثوبها؛فأبى عليها،فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة؛فأخذت ثوبها فلبستهُ،فأقبلن عليه فقلن:عذبتنا وجوعتنا!فقال إن نحرت لكن راحلتي أتأكلن منها؟قلن: نعم؛فعرقبها ونحرها،وأججَ الخدَمُ نارًافجعَل يُقطع لهن اللحم فيرمينه على الجمر،ويسقين من ركوة كانت معه،ويغنِّيهُن حتى شبِعن وطربن،فقالت إحداهن:أنا أحمل طِنْفِسَته،وقالت أخرى أنا أحمل ركوته وقالت أخرى أنا أحمل حشيته وأنساعه؛ وبقيت عنيزة لم يُحمِّلنها شيْئًا،فقال لها يابنت الكرام؛ليس لك بد من أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي؛فحملتْهُ على غارب بعيرها؛فكان يجنح إليها فيدخلُ رأسهُ في خدرها ويُقَبِّلُها،فإذا امتنعت أمال خدرها،فتقول :يا امرأ القيس،عقرت بعيري فانزل.فسار معهن حتى إذا كان قريبا من الحيِّ نزلَ؛فأقام حتى جَنَّ عليه الليل،ثم أتى أهله ليلا.
ويَوْمَ عقَرْتُ للعذارى مَطِيَّتِي
فيًا عجَبًا منْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ

يَظَلُّ العذارى يرتَمينَ بِلَحمِهَا
وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ

ويوْمَ دَخلْتُ الخِدْرَ خدْرَ عُنَيْزَةٍ
فقالَتْ لكَ الوَيلاتُ إنكَ مُرْجِلِي

تقول وقد مال الغبيط بنا معًا
عقرت بعيري يا امرأالقيسِ فانزِل





10-معنى قوله:"فيا عجبًا من رحلها المتَحمَّل"؛يعني أنه لمَّا نحر ناقته صارت هذه تحمل رحْلَه،وهذه نُمرُقتَه؛فعجِبَ لذلك.
زعن الأصمعي قال: عجب لما فعل من عقر ناقته حتى حمل رحلها على أخرى؛كأنه سفَّه نفسه لذلك."فيا عجبًا " يُروى بتنوين عجبًا وترك تنوينه؛فمن نونه ففيه وجهان:على أن يكون منادى منكرا،أو على المصدر والمنادى محذوف،وتقديره:فيا قومي اعجبوا عجبا،ومن لم ينونه فعلى أنه "فيا عجبي"ثم قلبت الياء ألفا؛كما قال:
*يا ابنة عما لا تلومي واهجعي*
11-قوله:"يرتمين بلحمها" أي يتهادينه بينهن،وقيل مغناه تدعي كل واحدة منهنَّ أن عقر الناقة كان من أجل صاحبتها.والدَّمَقْسُ:الحري ر الأبيَضُ؛شبه اللحم به لبياضه ولينه ونعمته.

12-الخدر:الهودج،وهو من مراكب النساء.وقوله:"مُرجلي" أي تاركي أمشي راجلة.

13-الغبيط: قَتَبُ الهودجِ،وخصَّ البعير لأنهم كانوا يحملون النساء في الهوادج على الذكورمن الإبل من أجلِ أنها أقوى وأصبر؛وقد يُقال للناقةِ بعيرٌ.
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تُبعديني من جناك المعلِّلِ

فمثلَِكِ حبْلى قد طرقْتُ ومرضِعًا
فألهَيْتُها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشِقٍّ وشِقٌّ عندَنا لمْ يُحَوَّلِ

ويومًا على ظهر الكثيب تَعذَّرَتْ
عليَّ وآلتْ حلْفَةً لمْتَحَلَّلِ

أفاطِمَُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ
وإن كنتِ قدْ أزمَعتِ صَرْمي فأجمِلِي


14-قوله:"سيري" أي هوني عليك ولا تباليأعقِرَ أم لم يُعْقر؛وأراد بالجنى ما يجتني منها من القُبَل واللمْسِ وغير ذلك.والمُعَلِّل من العَلَلِ أي الذي يُعَلِّلُنا.

15-من نصبَ"مثْلَكِ" فعلى قوله :"طرقتُ" ومن خفضَه فعلى مغنى "رُب".والتمائم معاذات تُعَلّقُ على الصبِيِّ.والمُغْيَلُ المُرضَعُ وأُمُّهُ حُبْلَى،أو الذي يَرضَعُ وأمُّه تُجامع؛وإنما أرادَ أن ينفي عن نفسه الفِرك؛وهو بُغضُ النساء للرجال،فأخبر أن المراضع والحبالى معجبات به؛وخصهن دون الأبكار؛لأن البكر أشد محبة للرجال وأبعدهن من الفِرك.

16-الشقُّ:شطْرُ الشيئ؛فيريد أنه كان يُذهلها عن ولدها حتى تميل إليه بهواها.

17-الكثيب: رمل مرتفع.ومعنى "تعذرت" تصعبت؛وأصله من العذر.ومعنى"لم تحلل"،لم تستثن من يمينها.

18-قوله:"بعض هذا التدلل" أي كفي بعضَ تدلُّلك عني وأقلِّي منه.

ومعنى "لم تحلَّلِ"،لم تستثن من يمينها.
ومعنى "أزمعت" عزمت وأجمعت.وفاطمة بنت العبيد بن ثعلبة،من عذرة.
وإن كنتِ قد ساءتك مني خليقة
فسُلِّ ثيابي من ثيابك تنْسُلِ

أغرَّك مني أن حبَّكِ قاتلي
وأنَّكِ مهما تأمري القَلْبَ يَفْعَلِ

وما ذرَفَتْ عيناكِ إلا لتَقدحي
بسهميكِ في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ

وبيضَةِ خدْرٍ لا يُرامُ خِباؤها
تَمتَّعتُ من لهوٍ بها غيرَِ مُعْجَل

تجاوزت أحراسا وأهوال معشرٍ
علَيَّ حراصٍ لو يُشِرُّونَ مَقْتَلي


19-معنى قوله: "سُلّي ثيابي من ثيابك"نأخرجي أمري من أمرك.أي إن كان في خلقي ما لا ترضينه فاقطعي أمري من أمرك.
ويُقال نسل الريشُ ينْسِلُ ويَنْسُلُ،إذا سقط.

21-قوله "ذرفت" أي سال دمعها.وأراد بالسهمين العينين.والأعشار: القطعُ والكسور،يقول:ما بكيتِ إلا لتجرحي قلبًا مُعشَّرًا،أي مُكَسَّرًا،ولم تبكي لأنك مظلومة.والقدح ههنا :الخرق والتأثيرفي الشئ.والأعشار إنما هي في الإناء،يُقالُ بُرمة أعشارٌ،أي متقطعة.
ويروى"لتضربي بسهميك"ويكون تفسيره على ضربين:
-أحدهما مثل الذي تقدم،
-والآخر أنه يقول:ما ذرفت عيناك إلا لتذهبي بقلبي كلِّه،كالرجلِ الذي يأخذ المعلى والضريب؛وهما من سهام القمار،ولهما عشرة أنصباء،والجزورُ يقسم عشرة أعشار؛وهذا مثل ضربه لذهابها بقلبه كله.
22-شبَّه المرأة بالبيضَةِ لبياضِها ورِقَّتها،وأضافها إلى الخدر لأنها مكنونة غير مبْتذَلةٍ.وقوله:"غير مُعْجَل" أي لم أفعله مرة ولا مرتين فأُعجَل عنه ولكن فعلته مرارا.

23-معنى "يُشِرُّونَ" يُظهرون،أي هم حِراصٌ لو يُظهرون قتْلي من غيظهم عَلَيَّ.ويُروى"لو يُسِرُّونَ" أراد:لو يكتمون مقتَلي؛وذلك لا يخفى لنباهتي وموضِعي في حسبي.


إذا ما الثُّريَّا في السماء تَعَرَّضتْ
تَعَرُّضَ أثناءِ الوشاح المُفَّصَّل

فجِِئتُ وقد نضَتْ لنومٍ ثِيابها
لدى السِّتْرِ إلا لِبْسَةَ المُتَفَضِّل

فقالتْ يمينَُ الله مالك حيلةٌ
وما إن أرى عنكَ العَمايَة تنجلي

خرجت بها تمشي تجُرُّ وراءنا
على أثرينا ذيل مرط مرحَّل


24-يقول تجاوزت هذه الأهوال والأحراس حين تصوبت الثريا للمغيب،وذلك أن الثريا تستقبلكَ بأولها حين تطلُع ،فإذاأرادت المغيب تعرضت،أي أرتك عُرْضَها،أي ناحيتها؛فشبهها بالوشاح المفصَّلِ إذا تلقَّاك بناحيته،والمُفصَّل الذي جُعِل بين كلِّ خرزتين فيه لؤلؤة.
وقال بعضُ أهل المعاني:أراد بالثُّريا الجوزاء؛لأن الثريا لا تتعرض،وجعله مثل قول زهير:"كأحمر عاد"وإنما أراد أحمر ثمود؛وتعرض الجوزاء معلوم ،قال الراجز:
*تعرُّضَ الجوزاء للنجوم*

25-معنى "نَضَتْ " نزعت .واللبسة هيئة اللباس.والمتفضل:اللابس ثوبا واحدا.

26-قوله:"مالك حيلة" أي احتيال،أي تجيئ والناس حولي!.والعمايةُ:الجهالة؛وه� � من عمى القلب.

27-قوله:"خرجت بها تمشي" أي خرجت من البيوت لأخلو بها. والمرط:إزار خز له علم ،ويكون من صوف أيضا؛وإنما تجر مرطها ليخفى أثره وأثرها فلا يستدل عليهما.والمُرَحَّلُ الموشَّى؛وهو ضرب من البرود،وشيه معيَّن كتعيين جَدَيَات الرَّحل.

28-قوله:"أجزنا"قطعنا.والساحة:الفناء.والحق� � من الرمل:المعوج؛ومعنى "ركام" بعضه على بعض.والعقنقل:المنعقد المتداخل.والواو في قوله :"وانتحى" زائدة عند الكوفيين؛وهي عند البصريين للعطف.
وجواب "لمَّا" محذوف لعلم السامع.

29-معنى "تضوعت الريح" انتشرت وتحركت.والنسيم تحرك الريح بلين وضعف.والريا:الرائحة.

30-قوله:"نوليني" من النوال؛وهو العطية.ومعنى "تمايلت" عطفت.والهضيم الضامر.وقوله :"ريَّا" أي ممتلئة لحما وشحما في موضع الخلخال من ساقيها،أي ليست بناتئة العظام.

31-المهفهفة:الضَّربة اللحم المخففة.والمُفاضة الضخمة البطن ضامرته.والترائب جمع تريبة،وهي موضع القلادة من الصدر.والسجنجل :المرآة،بالرومية.

كبِكر مقاناة البياض بِصُفْرة
سقاها نمير الماء غيرَُِ المحلَّلِ

تصُدُّ وتُبدي عن أسيل وتتّقي
بناظرة من وحش وجرة مُطفل

وجيدٍ كجيد الرئم ليس بفاحشٍ
إذا هي نصَّته ولا بمعطَّلِ

وفرعٍ يُغشي المتْنَ أسودَ فاحم
أثيثٍ كقشنو النخلة المتعثكل


32-البكرهنا:البيضة الأولى من بيض النعام،وخصَّها لأن الأولى لا يخلص بياضها خلوص سائرها،وهي أيضا الدرة التي لم تنقب،يريد أن المرأة بيضاء يخالط بياضها صُفرة،وكذلك لون الدر.وقوله: "غذاها نمير الماء"يعني المرأة ،والنميرالماء العذب الناجع في البدن
،يعني أنها نشأت بأرض مريئة،ومعنى غير المحلل أي لم ينزل عليه فيُكدر.وقيل معنى:"غذاها نمير الماء"أي إذا الدرة ماء البحر،وجعله نميرالأنه موافق للدرة مغذ لها،إذلا تكون إلا فيه،وقوله:"غير المحلل" أي لا ينزل عليه لأنه ملح لا يتغذى به.ويروى برفع "غير" وخفضِه ونصبه.

33-الأسيل :الخدُّ السهل.والناظرة :العين،والمعنى:بناظرة بقرة ذات طفل،أي معها ولدها،وخصَّ الطفل،لأنه أراد أن هذه المرأة ليست بصغيرة جاهلة،ولا كبيرة فانية،فهو أكمل لها.ويحتمل أن يريد:وتتقي من نفسها ببقرة ناظرة،أي تقابلك من نفسها بمثل بقرة ناظرة إليك.

34-قوله:"ليس بفاحش" أي ليس بكريه المنظر فاحش الطول.ومعنى "نصَّته "مدته وأبرزته.والمعطل الذي لا حلي عليه.

35-الفرع:الشعر الطويل.والفاحم:الشديد السواد كالفحم.والأثيث:الكثير النبات.والقنو:العذق؛وهو كباسة النخلة.والمتعثكل:المتداخل لكثرته.

غدائره مستسجِراتٌ إلى العُلى
تضِلُّ المدارَى في مثنى ومرسل

وكشحٍ لطيفٍ كالجَديلِ مُخَصَّرٍ
وساقٍ كأنبوب السَّقِيِّ المُذَلَّلِ

وتعطو برخصٍٍ غيرِ شثنٍ كأنَّه
أساريعُ ظبيٍ أو مساويكُ إسحل

تضيئ الظَّلاَمَ بالعشاء كأنها
منارَةُ مُمْسى اهب متبتل

وتُضحي فتيتُ المسك فوق فراشها
نؤومَُ الضُّحى لم تنتطق عن تفضُّل


36-الغدائر:ذوائب الشعر.وقوله :"مستسجرات إلى العلا" أي مفتولات إلى فوق؛والشزر من الفتل:ما أدبرت به عن صدرك
37-الكشح :الخَصر.والجديل:زمام يتخذ من سيور؛وهو لين؛فشبه كشحها فيلينه ولطافته بهذا الزمام.والأنبوب ههنا البرديُّ،والسي:النخل المسقيُّ.والمذلَّل: الذي جمعت أعذاقه لتُجنى،فشبه ساق المرأة بالبردي لبياضه ونعمته بين النخل المسقي،وخص المذلل: لأنه يكرُم على أهله،ويتعاهدونه بالسقي.
38-الشثءنُ :الجافي الغليظ .وظبي هنا :اسم رملة،وأساريعه:دواب بيض تكون فيه،فشبه أصابعها ونعمتها وبياضها بها.والإسحل شجر يستاك به.
39-المنارة ههنا :المسرجة؛ويحتمل أن يريد صومعة الراهب؛لأنه يوقد النار في أعلاها للطارق.وقوله"ممسى راهب":أي المنارة التي تضيئ في وقت إمساء الراهب.والمتبتل المجتهد في العبادة المنقطع عن الناس؛أي أن هذه المرأة كالسراج المضيء لحسنها وبياضها.
40-قوله :"نؤومَُ الضحى":يقول لها من الخدم من يكفيها؛فهي لا تهتم بأمرها.وقوله :"لم تنتطق"أي لم تشد عليها نطاقا بعد تفضل؛والتفضل:لبسُ ثوب واحد؛أي ليست بخادم فتتفضل وتنتطق للخدمة.
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة
إذا ما اسبكرت بين درع ومجول

تَسلَّت عماياتُ الرجالِ عن الصِّبا
وليس صشباي عن هواها بمنسّلي

ألا رُبَّ خصمٍ فيك ألوى رددته
نصيح على تعذاله غيرش مأتل

وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتل

فقلت له لمَّا تمطَّى بجوزه
وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصُبح وما الإصباح فيك بأمثل


41-معنى:"اسبكرت"امتدت وتم طولها.وقوله:"بين درع ومجول" أي هي شابة بين الصغيرة والكبيرة؛أي هي بين من يلبس الدرع وهو ثوب لمن دخل في السن-وبين المجول-وهو ثوب خفيف لطيف يلبسه الصبيان.
42-قوله "تسلت عمايات الرجال"أي ذهبت عمايات الجهل.والصبا:اللهو واللعب.
43-الألوى:الشديد الخصومة.وقوله:"رددته":أي رددته عن نصيحتي.والمأتلي:المقصِّر.أ� � لا يقصر في نصحي.
44-شبه الليل بموج البحر في تراكمه وشدة ظلمته وتتابعه.وسدوله :ستوره؛يقول :اشتمل عليه الليل بأنواع الهموم ليختبرما عنده من الصبروالجزع.
45-قوله:"تمطى ":يعني امتد.وقوله:"بجوزه":يعني بوسطه.وقوله:"ناء بكلكل":أي نهض بصدره؛وفي الكلام تقديم وتأخير،والمعنى: "ناء بكلكل" وأردف أعجازا.
46-قوله:"ألا انجلي"أي انكشف؛ومعنى قوله:"وما الإصباح فيك بأمثل"،أي أنا أبدا مهموم في الليل وفي الصبح.
فيالك من ليل كأن نجومه
بكُلِّ مُغارِ الفتْلِ شُدَّت بيَذبُلِ


كأن الثريا عُلِّقاْ بمصامها
بأمراس كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَل

وقدْ أغتدي والطيرُ في وُكُناتِها
بمنجَردٍ قيدِ الأوابدِ هيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا

كجلمودِ صخْرٍ حَطَّه السَّيْلُ من عَلِ


47-المُغارُ:الشَّديدُ الفتْلِ.ويذْبُل:اسم جبلٍ.يقول:كأن هذه النجوم شُدَّتْ بشئ مفتول قوي إلى جانب هذا الجبل؛فكأنها لا تسري؛وإنما يَصِفُ طولَ الليل.
48-المَصَامُ:مكانها الذي لا تبرح منه كمصام الفرس؛وهو مربطه.والأمراس جمع مرس؛وهو الحبل؛يقول كأن الثريا أواخي مضروبة في الأرض فهي لا تبرح.
49-الوُكناتُ:المواضع التي تأوي إليها الطير.والمنجرد:الفرس القصير الشعر؛وبذلك توصف العتاق؛ويقال: المنجرد الماضي المنسلخ من الخيل غند السباق.والأوابد :الوحش؛وجعله قيدا لها لأنه يسبقها فيمنعها من الفوت.والهيكل الفرس الضخم،شبهه بيت النصارى والمجوس،يقال له الهيكل.والمعنى في قوله:"والطير في وُكناتها":أي أنه يبكر قبل خروج الطير؛على أنها مما يبكر في الخروج.
50-يقول إذا أردت الكرَّ على العدو وأنا عليه وجدت ذلك عنده،وكذلك إذا أردت الفرار منهم.ثم قال :"مقبل مدبر"فالمقبل هو الِكَرُّ،والمدبر هو المِفر،يعني أن هذه الأشياء عنده.وشَبَّهَ صلابته وصلابة حافره بالجلمود؛وجعل الجلمود منحطًّا من فوق الجبل؛لأن ذلك أصلبُ له،وأسرع لوقوعه؛وكأنه شبه سرعة الفرس وصلابته به.
كُمَيْتٌ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حَالِ متْنِهِ
كما زلت الصفواءُ بالمُتَنزِّلِ

مِسَحٍّ إذا ما السَّابحَاتُ على الونى

أثرْنَ غُبَارًا بالكَديدِ المُرَكَّلِ

على العَقْبِ جَيَّاشٌ كأنَّ اهتِزامَهُ
إذا جَاشَ فيهِ حَمْيُه غليُ مِرْجَلِ

يُطِيرُ الغُلاَمَ الخِفَّ عنْ صهَواتِه
ويُلْوي بأثوابِ العَنِيفِ المُثَقَّلِ


51-قوله:"كميْتٌ يزِلُّ اللبدُ":أي أنه أملسُ المتْنِ سهْلُه.والحالُ:موضع اللبد من ظهره.والصفواء:الصخرة الملساء؛ والمتنزلُ :النازل عليها؛شبَّه اللِّبْدَ إذا زَلَّ عنء ظهرش الفرَسِ بالذِي يزِلُّ عنِ الصَّخْرَة المَلْساءِ؛والتقدير:كما أزلت الصفواء المتنزل؛فعاقبت الباء الهمزة.
52-قوله:"مِسَحٍّ"أي يسُحُّ العدو سحًّا مثلَ سحِّ المَطَرِ؛وانصبابه.والسابح� �ت :التي تبسط يديها إذا عدت فكأنها تسبح.والونى:الفتور.والكديد: ما غلظ من الأرض.والمرَكَّل:الذي ركلته الخيلُ بحذافيرها؛فأثارت الغُبار بصلابتها وشدَّة وقعها؛والمحنى أن هذا المِسَحَّ بمنزلة السابِحاتِ.
53-قوله :"على العقب جياش"أي يجيش،في جريه كما تجيش القِدْرُعلى النّارِ.والعَقْب:جريٌ بعد جري؛وقيل هو تحريك الفرس بالعَقِب؛أي لا يُحْوِجُكَ إلى السوْطِ لنشاطه وسُرْعَتهِ.واهتزامه:صوت جوفه عند الجري.والحَميُ :الغلي.والمِرْجَلُ: القَدرُ.
54-يقول يُسْقِطُ الغلام َ الخِفَّ عن ظهره من سرعة عدْوِه وشِدَّةِ دفْعَتهِ.والخِفُّ الخَفيفُ.والصهوات:جمع صهوة؛وهي موضع اللِّبْدِ من ظهره،وجمَعَها بما حولهازوقوله:"ويُلوي بأثواب العنيف المثَقَّلِ"يعني يذهب بها ويثسْقِطُها من شِدَّة عدوه. والعنيف:الأخرق.والمثقلُ:ال� �قيل الذي لا يُحسن الرُّكوبَ؛فهو يخاف أن يصرعه،فيثبت على ظهره ولا تثبت أثوابه عليه.
دَرِيرٍ كخُذروف الوليدِ أمرَّه
تَقَلُّبُ كفَّيْه بِخيْطٍ مُفَصَّلِ

له أيْطلاَ ظَبْيٍ وسَاقَا نَعامَةٍ
وإرخاءُ سرْحَانٍ وتَقريبُ تَتْفُلِ

كأنَّ على الكِتْفَيْنِ منْهُ إذا انتحَى
وبَاتَ عليْهِ سَرْجُهُ ولِجَامُهُ
مدَاكَ عَروسٍ أوْ صَرَايَةَ حنْظَلِ
وباتَ بِعَيْنِي قائِمًا غيرَ مُرْسَلِ


55-قولهك"درير" يعني هو دريرٌ في عدوِه،أي سريعٌ خفيفٌ.والخُذروفُ :الخَرَّارةُ التي يَلعَبُ بها الصِّبيانُ،تسمع لها صوتًا وهي سريعة المَرِّ،وجعل خيطَ الخذروف موصَّلاً؛لأنه قد لعب به كثيرًا حتى خَفَّ ولأخْلَقَ وتَقَطَّعَ خَيْطُه فوُصِلَ،فذلك أسرعُ لدورانهِ.
56-شبَّه خاصرتي الفرس بخاصرتي الظبي؛لأنه ضامِرٌوشبَّهَ ساقيْه بساقَيْ النَّعامةِ؛لأنها قصيرة الساقين صلبتهما طويلة الفخذين،ويُستَحبُّ ذلك من الفرسِوشبَّهَ إرخَاءه-وهو سيرليس بالشديد-بإرخاء الثَّعْلَبِ،وليسَ دابَّة بأحسَنَ إرخاءً منه؛وشَبَّهَ تقريبهُ في الجريِ بتقريب الثَّعْلَبِ،وهو حسن التقريب.والتَّتْفُلُ:ولد الثَّعْلبِ؛وإنما أراد الثَّعْلَبَ بعَينِه.
57-قوله:"مَداكَ عروسٍ"أي هو يبرق كما يبرق الحجَرُ الذي يُسحَقُ عليْهِ الطيبُ؛وخضَّ العروسَ لأنها قريبة العهدِ بسحق الطيب؛فمداكها براق.والصَّرايةُ الحنْظَلةُ الصَّفراءُ البَرَّاقةُ؛وإذا لم تَصْفَؤَّ فهيَ مُغبَرَّةٌ.شَبَّهَ حاركَ الفرسِِ إذا اعترضَ ونظرت إليه بصَخرَةِ الطيبِ،أو صِرايَةَ الحنْظَلِ في ملاسَتِها وبريقِها.
58-يعني أنه كان مرتَقِبًا للصَّباحِ ليَصيدَ فلمْ يحُطَّ عنهُ سرجَهُ ولِجَامَه.وقوله:"وبات بعني قائمًا"أي حيث أراه لكرامته عليَّ.وقوله:"غير مرسل"أي لم أهمله لأني مستعدٌّ لركوبه.
فعَنَّ لنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ
عذَارَى دَوارٍ في المُلاءِ المُذَيَّلِ

فأدبَرْنَ كالجَزْعِ المُفَصَّلِ بيْنَهُ
بجِيدِ مُعَمٍّ في العَشيرَةِ مُخْوِلِ

فألحَقَنَا بالهادِيَات ودُونهُ
جواحِرُهَا في صَرَّةٍ لمْ تَزَيَّلِ

فعادَى عِداءً بينَ ثورٍ ونَعْجَةٍ
دِراكًا ولم يُنْضَحْ بمَاءٍ فيُغْسَلِ

وظَلَّ طُهاةُ اللحمِ مِنْ بيْنِ منضِجٍ
صَفِيفَ شواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ



59-قوله:"فعَنَّ لنا سِربٌ" أي عرَضَ لنا قطيعُ بقر؛وشبَّهَ إناثَهُ بجوَار أبكارٍ يطُفنَ بدَوارٍ،وهو صنَمٌ لأهل الجاهليةِ يدورون حوله.والمُلاء:الملاحف.والم� �ذَيَّلُ الطويل المهدب،شبَّه البقَرَ في مشيَتهن وطول أذنابهن وبياضهن بالعذارى في الملاء المُذيَّل.
60-شبَّه بقرَ الوحشِ في بريقهن وما فيهن من البياض والسَّواد بالجَزْعِ؛وهو الخَرز.والمفصَّل:الذي فصل بينه باللؤلؤ؛وهو أصلح الخرز.وقوله:"بجيد مثعَمٍّ في العشيرة مُخْوِل":أي بعنق صبي كريم العم والخال؛وخصَّ الخرز بأن يكون في جيد هذا المعَمِّ المُخوِل لأنه لا يكون إلا نفيسًأ منْتَخَبًا.
61-قوله:"فألحَقنَا بالهادياتِ" أي ألحقنَا الفرس بالمتقدِّمات من البَقَرِوالجواحِرُ ما تخَلَّفَ منها.والصَّرَّةُ:الجماعة. ومعنى :"لم تزَيَّلِ":لم تفرَّق،أي جمع الفرس ما بين أولخرها وأوائلها فلم يفت منها شيئ.
62-العِداء الموالاةُ في الجري.وقوله:"لم يُنْضَح بماء" أي لم يعرَق؛وأراد بالماء ههنا العرق؛والمعنى أنه صاد قبل أن يجْهد ويعرق فيكون كأنه قد غسل.
63-الطهاة:الطبَّاخون.والصَّفي ف: المُرَقَّق.والقديرالمُعَج� �ّلُ:المطبوخ في القِدر،وجعله مُعجَّلا،لأنهم كانو يستحسنون تعجيلَ ما كان من الصَّيدِ ويستطرفونه ويصفونه في أشعارهم.وحمل قوله:"أو قدير معجَّلِ"على معنى من صفيف شواء أو طابخ قدير.

ورُحْنَا وراحَ الطِّرفُ يَنفُضُ رأسَه
متى ما ترقَّ العَيْنُ فيه تسَهَّلِ

كأنَّ دماءَ الهادِيَات بنَحْرِه
عُصارةُ حنَّاء بشيْبٍ مُرَجَّلِ

وأنْتَ إذا استدبرْتهُ سَدَّ فرْجَهُ
بضافٍ فُوَيْقَ الأرضِ ليْسَ بأعزَلِ

64-الطِّرفُ:الفرس السريعُ،وقيل:هو الكريم الطرفين.وقوله:"متى ما ترقَّ العينُ"،يقول:هو حسن الأعلى والأسفل،فالناظر إليه يصعِّدُ فيه النظر ويُصوبه عجبا به.
ويُحتمل أن يريد:أنه لعتقه وتمام خلقه إذا ارتفعت عينُ الناظر إليه بالنظر راعه منظره؛فخشي إصابته بعينه،فصوب رأسه وكفَّ عنه نظرَه.
65-قوله:" كأن دماء الهاديات بنحره"،شبَّهَ دمَ الوحش في صدر هذا الفرس بعُصارة الحِنَّاء على الشَّيْبِ،وإنما أراد بشيب قد غسل عنه الحناء؛مرجل،وعصارته:ما عصر منه؛وإنما أراد أن حمرة الدم بصدره كحمرة الخضاب في الشيب،ولا يريد أنه أشهب؛لأنه قد وصفه بالكُمتةِ،ومن زعم أن العرق قد يبس بنحره فابيضَّ فقد خلََّط أيضًا ؛ لأنه نفى عنه العرق بقوله:"لم ينضح بماء فيُغسل"
66-الفرجُ:ما بين رجليه.والضافي:الذنب الطويل.وقوله:"فويق الأرض" أي ليس بالطويل فيطأ عليه،ولا بالقصير فيبعد عن الأرض.والأعزل الذي يكون ذنبه في ناحية،وهو مكروه.
أحارِ ترى برقًا أريكَ وميضَه
كلمعِ اليَديْنِ في حبيٍّ مُكَلَّلِ

يُضيء سناهُ أو مصابيحَ راهبٍ
أهانَ السَّليطَ في الذُّبَال المُفَتَّلِ

قعَدْتُ لهُ وصُحْبَتِي بينَ حامِرٍ
وبينَ إكامٍ بُعْدَ ما مُتأمَّلِ

وأضْحى يسُحُّ الماءَ عن كلِّ فِيقَةٍ
يَكُبُّ على الأذقان دوحَ الكَنَهْبَلِ


67-الوَميضُ:لمع البرقِ.وقوله:"كلمع اليدين"،شبه انتشار البرق وتشعبه بحكة اليدين وتقبيبهما،والحَبِيُّ:ما حبا من السَّحابِ ،أي ما عرضَ لك و ارتفع؛ويقال:هو المتداني.والمُكَلَّل الذي في جوانب السماء كالإكليل؛ويقال هو الي بعضُه على بعضٍ.
68- السنَا:الضوء.والسَّليطُ :الزَّيتُ،ويُقالُ هو دهن السِّمسِم؛وهو الجلجُلان.والذبال: الفتائل. وقوله:"يضيء سنَاه" ردَّه على البرق.وقوله:"مصابيح راهب"مردود على قوله:"كلمع اليدين".ومعنى: "أهان السليط" أي كثَّرَ منهُ؛لأنه كانَ كثيرًا هيِّنًا.
69-قوله :"قعدت له" يعني البرق،أمظُر إليه من أين يجيء. وحامر:موضع.وقوله:"بعدما متأمل" يريد بعدما تأملته،أي تأملته من بعيد المكان.
70-الفِيقضةُ:ما بين الحَلبتين؛يريدُ أن السحَاب يَسُحُّ المَطَرَ،ثم يسكن شيئا ثم يسح؛وذلك أغزر له،فجعل ما بين السحتين بمنزلة الفِيقة وه أن تحلبَ النَّاقة ثمَّ تترَك شيئًا،ثم يُعادُ حَلْبُهَا ؛فما بين الحلبتين فِيقَةٌ وفُواقٌ.والكنهبل:ما عظم من شجَر العضاهِ.والدوحة:الكثيرة الورق والأغصان؛ فيقول: قلع السيل الكنهبل من أصله فألقاه على وجهه؛وضربَ الأذقان مثلا.و"عن" ههنا بمعنى"بعد".
وتيماء لم يترك بها جِذع نخلة
ولا أطُمًا إلا مشيدًا بجَندَل

كأَنَّ طَمِيَّةَ المُجَيْمِرِ غُدوَةً
من السَّيلِ والغُثَّاءِ فلكَةُ مِغْزَلِ

كأن أبانا في أفانينِ ودقهِ
كبيرُ أناسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ

وألقى بصحراء الغبِيطِ بَعَاعه
نزولَ اليَمانِي ذي العِيابِ المخَوَّلِ


71-تيماء :اسم موضع،والأُطُم والأُجُمُ واحدٌ؛وهو البيتُ المسطَّح؛يقول لم يدع هذا السيل بيتا مبنيا بجصٍّ وحجارة إلا هدمه،إلا هذا المشيد بجندلٍ؛فإنه سليم لقوته؛وهذا أحسن ما قيل فيه.
72-طمِيَّة:اسم جبل.والمجيمير:أرض لبني فزارة،فشبه الجبل به حين أحاط به السَّيْلُ والغُثَّاءُ فاستدار ما بقي منه بفلكة المغزل.
73-قوله:"كأن أبانا في أفانين ودقه"،شبه هذا الجبل حين غشيه المطر وعمه الخِصب بشيخ ضعيف في بجاد.والبجاد:كساء مخطَّط؛وخصَّ الشيخ لأنه متدثر أبدا متزمل في ثيابه.وخفض "مزَمَّل" على الجوار،وحقه أن يكون نعتا لـ:"كبير".والودق:المطر.والأفانين الضروب والأنواع.
74-الغَبيطُ ههنا: موضع.والبعاع:الثقل؛واستعار ه لكثرة المطر؛فيقول نزل هذا المطربصحراء الغبيط كما ينزل الرجل اليماني ذو العياب المخوَّل –أي الكثير المتاع والخَوَل- بموضع،فلا يكاد يبرح منه،وخصَّ اليماني لأن أهل اليمن معروفون بالتجارة.ويحتمل أن يريد أن هذا المطرعمَّ هذه الصحراء بالخشصب وأنواع النبات والنَّور؛فكأنما نزل بها تاجر يمانٍ،فنشضر فيها ما في عِيابه من البرود وأنواع المتاعِ والطيب.
كأن سِباعًا فيه غرْقَى غُدَيَّةً
بأرجائه القُصوَى أنابيشُ عُنْصُلِ

على قَطَنٍ بالشيْمِ أيْمَنُ صوبهِ
وأيْسَرُه على الستارِ فيَذبُلِ

وألقى ببُسْيَانٍ معَ الليْلِ بَرْكَهُ
فأنزَلَ منه العُصْمَ من كلِّ منزِلِ


75-قوله:"كأن سباعًا فيه"،يعني في المطر،أي في سيله.وأرجاؤه:نواحيه.والأنا� �يشِ جمع نَبْشٍ وأنباشٍ،وإنما يريد أصول ما نُبِشَ منه؛فشبَّه الغرقى من السباع بما نبش من العُنصُلِ لأن الصبيان يجمعون للَّعبش ثم يرمونه.
76-قطنٌ :اسم جبل في بلاد بني أسد.والشيم النظر إلى البرق والمطر ليُعلمَ أين هما.والسِّتار ويذبل:جبلان مما يلي البحرين،أي إذا نظرنا إليه فأيمنه على قطن،وأيسره على هذين الجبلين.
77-بُسيان:جبل.والبرك: الصدرنضربه مثلا لحلوله بهذا الموضع ولزومه إياه.والعُصمُ:الأوعال،والع ُصْمَةُ :بياض في أوظشفَة أيديها؛والمعنى أن المطر عمَّ هذا الجبَل حتى أنزل منه العُصْمَ المُسْتَقِرَّةَ به.


شرح معلقة زهير للأعلم الشنتمري

قال زهير ابن أبي سُلمى واسم أبي سُلمى ربيعة بن رياح المزني يمدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريين ويذكرسعيهما بالصُّلح بين عبس وذبيان وتحملهما الحمالة وكان ورد بن حابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المري في حرب عبس وذبيان قبل الصلح وهي حرب داحس ثم اصطلح الناس ولم يدخل حصين بن ضمضم أخو هرم ابن ضمضم في الصلح وحلف لا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب ولم يطلع على أحدًا،وقد حمل الحمالةَ الحارث بن عوف بن أبي حارثةَ،وهرم بن سنان بن أبي حارثة،فأقبل رجلٌ من بني عبسٍ ثم من بني غالب حتى نزل بحصين بن ضمضم فقال من أنت أيها الرجل؟قال عبسي،فقال من أي عبسٍ فلم يزل ينتسِبُ حتَّى انتسب إلى غالبٍ فقتله حصين فبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتد عليهما وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس وما قد اشتدَّ بينهم من قتل صاحبهم و-إنما أرادت بنوعبس أن يقتلوا الحارث-بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه وقال للرسول قل لهم آللبن أحب إليكم أم أنفسكم فأقبل الرسول حتى قال لهم ماقال،فقال لهم ربيع بن زياد إن أخاكم قد أرسل إليكم:آلإبلَ أحبُّ إليكم أم ابنه تقتلونه فقالوا بل نأخذ الإبل ونصالحُ قومنا ويتم الصلح فذلك حيث يقول زهير:
1-أمنْ آل أوفى دمنةٌ لم تكَلَّمِ
بحومانةِ الدّرَّاجِ فالمُتَثَلِّمِ

2-ودارٌ لها بالرقمتين كأنها
مراجِعُ وشمٍ في نواشرِ معصَمِ

1-قولهُ أمن أم أوفى يريد أمن منازل أم أوفى،أمن ديار أم أوفى دمنةٌ،وهذا الاستفهام توجُّع منه ولم يكن جاهلا بها كما قال:
أمنْكَ برقٌ أبيتُ الليْلَ أرقُبُهُ
كأنهُ في عِراصِ الشَّامِ مصباحُ

يريدُ أمن شقِّكَ أم من ناحِيَّتِكَ هذا البرقُ،والدمنةُ آثارُ الدارِ،وما سود الحي بالرماد والبعر وغير ذلك.وقوله لم تكلم يريد أنه سألها عن أهلها توجُّعا منه وتذكُّرا فلم تُجبه.والحومانة ما غلظَ من الأرضِ وانقادَ.والدَّرَّاج والمتثَلِّم موضِعان بالعاليَة.وإنما جعل الدمنة بالحومانة لأنهم كانوا يتحرون النزول فيما غلظ من الأرض وصلب ليكونوا بمعزل من السيل وليمكنهم من حفر النُّؤي وضرب أوتاد الخباء ونحو ذلك.
2-وقوله:"ودار لها بالرقمتين "أراد ولها دار بالرقمتين.والرقمتان إحداهما قرب المدينة والأخرى قرب البصرة
وإنما صارت فيهما حيث انتجعت.وقوله :"بالرَّقمتين"أراد بينهما.والوشمُ نقشٌ بالإبرة يُحشى نؤورا كان نساء أهل الجاهلية يستعملنه يتزين به فشبه آثار الدياربوشم ترجِّعُه الفتاةُ وترَدِّدُه حتى يثبُت في معْصَمِها،والنواشرعصب الذراع.والمعصم موضِع السِّوار من الذراع.
3-بها العينُ والآرامُ يمشينَ خِلفَةً
وأطلاؤها ينهَضْنَ من كلِّ مجْثَمِ

4-وقفتُ بها من بعدِ عشرينَ حِجَّةً
فلأْيًا عرفتُ الدارَبعدَ التَّوهُّمِ


3-قوله:العينُ جمعُ أعينَ وعيناءَ وهي بقرُ الوحش سميت بذلك لسعة أعيُنها.
والأرآمُ الظباءُ الخالصةُ البياضِ.قوله خلفة:أي ذاهب منها قطيع خلف مكانه قطيعٌ آخر.وإنما يصفُ خلو الدارِ من الأنيسِ وأنها أقفرت حتى صارفيها ضروب من الوحشِ،والأطلاء جمع طلاً؛وهو ولد البقرة وولد الظبية الصغير.والمجثم:المربض.وقول� �: ينهضن يعني أنهن ينمن أولادهن إذا أرضعنهن ثم يرعين فإذا ظننَّ أن أولادهن قد أنفدن ما في أجوافهنَّ من اللبن صوتن بأولادهن فينهضن من مجاثمهن للأصواتِ ليرضِعن.
4-وقوله:فلأيًا عرفت الدارَيقول:عرفتها بعد جهدٍ وبطءٍ لما كان عهدي بها مذ عشرين حجةً ومع تغيرها عما عهدتها،ويقال:ألأتْ عليهِ الحاجَةُ إذا أبطأت.والحِجَّةُ السَّنَةُ.
5-أثافِيَ سُفْعًا في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
ونُؤيًا كجِذْمِ الحَوْضِ لمْ يَتَثَلَّمِ

6-فلمَّا عرفتُ الدَّارَ قُلْتُ لأَهْلِهَا
ألاَ عِمْ صَبَاحًا أيُّهَا الرَّبْعُ واسْلَمِ


5-السُّفعُ :السُّودُ يخالطُها حمْرَةٌ وكذلكَ لونُ الأثافي.ومُعَرَّسُ المِرْجَلِ حيثُ أقامَ وهو موضِعُ الأثافي وأصلُ المُعَرَّسِ موضِعُ نزول المُسافِرِ في اللَّيْلِ فاستعارَهُ هنا.والنُّؤيُ:حاجزٌيُرْفَع ُ حولَ البَيْتِ من تُرابٍ لئلا يدخُلَ البيتَ الماءُ.وجِذْمُ الحَوضِ: أصْلُهُ؛شبَّهَ ما داخِلَ الحَاجِزِ بالحَوضِ لاستِدارتهِ.وقوله:لم يتثَلَّم:يعني النُّؤيَ قد ذهبَ أعلاه ولم يتثلم ما بقي منه.ونصبَ أثافِيَ سُفْعًا بالتَّوَهُّمِ منا قال النابغة:
توهمتُ آياتٍ لها فعرفتها
لسِتَّةِ أعوامٍ وذا العامُ سابِعُ

6-وقوله:"ألا عِم صباحًا "دعاء للربعِ وحيَّاه تَذَكُّرًا لمن كان فيه.وقوله:واسلم أي سلمَكَ الله من الدُّروسِ والتَّغَيُّر.والرَّبعُ :موضِعُ الدارِ حيثُ آبوا في الربيع.
7-تبصَّرْ خليلي هل ترى من ظعائنٍ
تَحَمَّلْنَ بالعَليَاءِ من فوقِ جُرْثُم

8-علَوْنَ بأنماطٍ عِتَاقٍ وكِلَّةٍ
وِرادٍ حواشيهَا مشاكِهَةُ الدَّمِ

7-الخليل:الصَّاحبُ.والظعائن:� �لنِّساءُ على الإبلِ.والعلياءُ بلدٌ.وجرثُمُ :ماء لبني أسدٍ.وأرادَ هل ترى ظعائنَ بالعَلياءِ؟.ومعنى تحملن رحلن.
8-وقوله:"علون بأنماطٍ أي طرحوا على أعلى المتاعِ أنماطًا وهي التي تُفرشُ ثمَّ علت الظعائنُ عليها لمَّا تحمَّلن،والكِلَّةُ السترُ:وقوله مشاكهة الدم
أي يشبه لونها لون الدم ،والمشاكهة:المشابهة والمُشاكلة،والوِرادُ جمع وَرْدٍ
وهوالأحمر؛وقوله:وِرَادُ حواشيها:أرادَ أنها أخلصَتْ بلونٍ واحِدٍ لم تُعمل بغير الحُمْرَةِ.
9-وفيهن مَلْهًى للصَّديقِ ومنْظرٌ
أنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المتوَسِّمِ

10-بَكَرْنَ بُكورًا واسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ
فهُنَّ لوادِي الرَّسِّ كاليَدِ للْفَمِ

9-المَلْهَى واللهوُ واحِدٌ مثلُ المَقْتَلِ والقَتْلِ،والأنيقٌ:المُعج� �بُ ؛والمتوَسِّمُ:النَّاظرُ المتَفَرِّسُ في نظَرِهِ؛يقال:توسَّمْتُ فيهِ الخَيْرَ إذا تفرَّسْتُه فيه؛وأرادَ بالصَّديقِ: العاشِق.
10-وقوله:كاليَد للفم أي يقصِدْن لهذا الوادي فلا يجُرْنَ كما لا تجور اليدُ إذا قصدت الفم ولا تخطِؤه،والسّحرة:السحَرُ الأعلى،ومعنى استحرن خرجن في السَّحَر،والرَّسُّ:البئرُ وهو ههنا موضِعٌ بعيْنِهِ كأنه سُمِّيَ باسمِ بئرٍ فيه.
11-جَعَلْنَ القَنَانَ عن يمينٍ وحَزْنَهُ
ومَنْ بالقَنانِ من مُحِلٍّ ومُحْرِمِ

12-ظَهَرْنَ منَ السُّبانِ ثمَّ جَزَعْْنَهُ
علَى كُلِّ قيْنِيٍّ قَشيبٍ مفَأَّمِ

11-القَنان:جبلٌ لبَني أسَدٍ؛والحَزْنُ ما غلُظَ من الأرْضِ،والمحَلُّ الذي لا عهدَ ولا ذمَّةََ له ولا جوارَ،والمُحْرِمُ:الذي لهُ حرمةٌ وذمَّةٌ من أن يُغارَ عليْهِ,والمعنى أن هؤلاء الظُّعنَ لمَّا تحمَّلْنَ جَعَلْنَ عن أيمانِهِنَّ حزْنَ القّنَانِ ومن أقام به من عدوٍّ مُحِلٍّ من نفسِه؛وصديقٍ محرِمٍ.
12-وقوله:ظهرن من السُّوبان:أي حرجن منه ثم عرض لهن مرةً أخرَى لأنه يتثنَّى ثمَّ فجزَعْنَهُ أي قطنَه،والسوبان:اسم وادٍ بعينه،وقوله:"قيني"أراد قينًا منسوبًا إلى بلقينِ وهم حيٌّ من اليمَنِ تُنْسَبُ إليْهِم الرِّحال.والقشيبُ:الجَديدُ زوالمفأَّمُ:الَّذي قد وسِّعَ وزِيدَ فيه بنيقتان من جانبيه ليتَّسِعَ يُقالُ:فئِّمْ دَلوَكَ أي زدْ فيها بنيقَةً ووسِّعْها.
13-كأنَّ فُتاتَ العِهْنِ في كُلِّ منْزِلٍ
نزَلْنَ بهِ حَبُّ الفنَا لمْ يُحَطَّمِ

14-فلمَّا وردْنَ المَاءَ زُرْقًا جِمامُه
وضَعنَ عصِيَ الحاضِرِ المُتَخَيِّّّم


13-الفُتات:ما تفتَّتَ من الشَّيء.والعهن:الصوف المصبوغ وغير المصبوغ وهو ههنا المصبوغ لأنه شبهه بحب الفنا ،والفنا شجرٌ له حبٌّ أحمَرُ،فشبَّهَ ما تفتَّتَ من العِهنِ الذي علق من الهودج وزين به إذا نزل في منزلٍ بحب الفنا:وقوله :لم يحطَّم أراد أنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة وإنما تشتدُّ حمرتهما دام صحيحا.وقوله:فلما وردن الماء أي أتينَه وجَّللْن عليهِ ،وإنما أرادَ مياه المحاضرالتي كانوا يقيمون عليها في غير زمن المرتبع.
14-وقوله:زرْقًا جمامُه يعني أنه صافٍ وإذا صفا الماءُ رأيتَه أزرق إلى الخُضْرَةِ والجِمامُ جمع جمة وجم وهو ما اجتمع من الماء وكَثُرَ،وقوله:وضعن عصِيَّ الحاضِر:أي أقمن على هذا الماء،وضرب هذا مثلا،يقال لكل من أقام ولم يُسافرألقى عصا السيرنوالحاضرُالذين حضرو الماء وأقاموا عليه.وأرادَ بقوله زرقا جمامه أنه لم يورد قبلهن فيحرك فهو صاف،والمتخيِّمُ:الذي اتَّخَذَ خيمةً ومثلُ هذا قولُ الآخر:
فألْقَتْ عصَا التَّسْيَار عنها وخَيَّمَتْ
بأرجاءِ عذبِ الماءِ بيضٍ محَافرُهْ


15-سعى ساعِيا غيظِ بن مرةَ بعدَما
تَبَزَّلَ ما بينَ العَشِيرَةِ بالدَّمِ

16-فأقسمْتُ بالبَيْتِ الذي طافَ حوله
رجَالٌ بنَوهُ من قريْشٍ وجُرْهُمِ

15-الساعيان الحارث بن عوف وهرم بن سنان وقيل خارجة بن سنانوغيظ بن مرةَ حيٌّ من غطَفانَ ثمَّ من ذبيانَ.ومعنى سعْيًا أي عملا حَسَنًا حين مشَيَا بالصُّلْحِ وتحمَّلا الدِّياتِ،ومعنى تبزَّلَ بالدَّمِ أي تشَقَّقَ،أي كان بينهم صُلْحٌ فَتَشَقَّقَ بالدَّمِ الذي كانَ بيْنَهُم فسَعيا بعدَما تشَقَّقَ فأصلحاه.
16-وقوله :"فأقسمت بالبيْتِ"يعني الكعبةَ،وجرهم أمة قديمةٌ كانوا أرباب البيتِ قبْلَ قريشٍ.
17-يَمِينًا لنِعْمَ السَّيِّدانِ وُجِدتُما
على كلِّ حالٍ منْ سحيلٍ ومُبْرَمِ

18-تداركتما عبسًا وذبيانَ بعدَما
تفَانَوا ودقُّوا بينَهمْ عطْرَ منْشِمِ


17-قوله:"من سحيلٍ ومُبْرَمِ" يقولُ على كلِّ حالٍ من شِدَّةِ الأمْرِ وسُهولَتِهِ.والسَّحيلُ:الخ يْطُ المُفردُ.والمُبرَمُ:المفتو لُ.وقوله:"تداركتما عبسًا وذُبيانَ"أي تداركتماهما بالصُّلْحِ بعدَما تفانوا بالحرْبِ.
18-ومنْشِمُ زعموا أنها امرأةٌ عطَّارَةٌ من خُزاعَةَ فتحَالفَ قومٌ فأدخَلوا أيْدِيَهُمْ في عِطرِها على أن يقاتِلوا حتَّى يموتوا؛فضَربَ زهير به المثَلَ،أي صار هؤلاء في شِدَّةِ الأمْرِ بمنْزِلَةِ أولئكِ.وقيلَ هي امرأةٌ من خُزاعَةَ كانتْ تبيعُ عِطرًافإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم فتشاءموا بها وكانت تسكن مكة.وزعم بعضُهم أن منشِمُ امرأةٌ من بني غُدانَةَ وهيض صاحِبَةُ يسار الكواعبِ وكانت امرأة مولاه وكان يسار من أقبح النَّاسِ وكانَ النِّّساءُ يَضْحَكْنَ من قُبْحِِهِ فضَحِكَتْ به منشِمُ يوْمًا فظَنَّ أنَّها خَضضعضتْ له فقالَ لصاحبٍ له قد –والله-عشقتني امرأةٌ مولاي والله لأزورنها الليلة فنهاه صاحبه عن ذلك فلم ينته فمضى حتى دخلَ على امرأة مولاه فراودها عن نفسها فقالت له مكانك فإن للحرائر طيبَا أشمُّك إياه فقال هاتيه فأتت بموسى فأشَمَّتْهُ ثم أنحتْ على أنفِه فاستوعبته قطعًا فخرجَ هاربًا والدِّماء تسيلُ حتَّى أتى صاحبَه فضُرب المثلُ في الشَّرِّ بعطْرِ منشِم.
19-وقدْ قُلْتُمَا إن نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعًا
بِمالٍ ومعروفٍ من الأمْرِ نَسْلَمِ

20-فأصبَحْتُمَا منْهَا على خيرِ موْطِنٍ
بعِدَيْنِ فيهَا منْ عُقُوقٍ ومأثَمِ


19-السَّلْمُ والسِّلْمُ :الصُّلْحُ،وقوله:"واسعًا"أي كاملاً مكينًا ومعنى قوله:"نسلَم"أي نسْلَمُ من أمرِ الحرْبِ.وقال الأصمعِيُّ:نسلم أي لا نركب من الأمر ما لا يحلُّ.
20-وقوله:خير موطن أي أصبحتما من الحرب على خير منزلة وأعلى رُتبَةٍ.والعُقوقُ قطيعَةُ الرَّحِمِ أي سعيتما في الصُّلْحِ بينَ عبْسٍ وذُبْيانَ ؛ووصلتما الرحِمَ ولم تعُقَّا ولا أثِمتُما.
21-عظيمينِ في عُلْيَا مَعَدٍّ وغيْرِهَا
ومنْ يَسْتَبِحْ كنْزًا من المَجْدِ يَعْظُمِ

22-فأصبَحَ يَجري فيهمُ من تلادِهمْ
مغانِمُ شَتَّى من إفالِ المُزَنَّمِ


21-عُلْيَا مَعَدٍّ أشرافُها،ومعنى يستَبِحْ :يجِدْهُ مبَاحًا،والكنْزُ كنايَةٌ عن الكثْرَةِ،يقول من فعلَ فِعلَيْكُمَا وسعى سَعْيَكُما فقدْ أُبيحَ له المَجْدُ واستَحَلَّ أن يَعْظُمَ عندَ النَّاسِ،ويروى يُعظِمأي يجيء بأمرٍ عظيم.
22-وقوله:"من إفال المُزَنَّمِ"الإفالُ الفصْلانُ واحِدها أفيلٌ وأفيلةٌ للأنثى،والمُزَنَّمُ فحْلٌ معروفٌ نُسِبَ إليه،والتَّزنِيمُ سِمَةٌ يُسَمُ بها البَعيرُ وهوَ أن يُشَقَّ طرَفُ أذُنِه ويُفْتَلَ فيَتَعَلَّقَ منهُ كالزَّنَمَةِ.والتِّلادُ:ال مال القديم الموروث؛وإنما خصَّ الإفالَ لأنهم كانوا يغرمون في الديَة صغار الإبل.
23-تُعَفَّي الكُلومُ بالمئينَ فأصْبَحَتْ
يُنَجِّمُها من ليسَ فيهَا بِمُجْرِمِ

24-يُنَجِّمُهَا قومًا لقَومٍ غرامَةً

ولمْ يُهَريقُوا بينَهُمْ ملءَ مِحْجَمِ

23-قوله:"تُعَفَّى الكُلومُ"أي تمحى الجراحاتُ بالمئين من الإبلِ، وإنما يهني أن الدماء تسقُطُ بالدِّيات،وقوله:"ينجمها"أي يجعل نجوما على غارمها ولم يجْرِم فيها أي لم يأت بجُرمٍ من قَتْلٍ تجبُ عليهِ الدِّيَةُ فيه،ولكنه تحملها كرما وصلة للرِّحِم.
24-وقوله:"ينجمها قوم لقوم"يعني أن هذين الساعيين حملا دماء من قتل وغرم فيها قوم من رهطهما على أنهم لم يصيبوا ملء محجمٍ من دمٍ أي أثعطوا فيها ولم يَقتُلوا.
25-فمَنْ مُبْلغُ الأحلافَ عنِّ رسالَةً
وذُبيَانَ هلْ أقسَمتُمُ كلَّ مَقْسَمِ

26-فلا تكتُمُنَّ اللهَ ما في نفوسِكُمْ
ليَخفَى ومهما يُكْتَم اللَّهُ يَعْلَمِ


25-الأحلافُ:أسَدٌ وغطفَانُ وطَيِّئٌ،ومعنى قوله:"هل أقسَمتُمث كلَّ مقسَم"أي هل حلفتُم كلَّ الحَلِفِ لتَفْعَلُنَّ ما لا ينْبَغي.
26-وقوله:"فلا تكتُمُنَّ اللَّهَ"أي لا تُضمِروا خِلافَ ما تُظْهرُونَ فإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ فلا تكتموه أي في أنفُسِكُم الصُّلح وتقولوا لا حاجَةَ لنَا إليْه.
27-يُؤخَّرْ فيوُضَعْ في كِتَابٍ فَيُدَّخَر
ليَوْمِ الحِسابِ أو يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ

28-وما الحربُ إلا ما علِمْتُمْ وذُقتُمُ
وما هو عنها بالحديثِ المُرَجَّمِ

27-يقول:إن لم تكشِفوا ما في نفوسكم وباطَنتمْ به عجَّلَ اللهُ لكم العقوبَةَ فانتَقَمَ منْكُمْ،أوأخركمْ إلى يومٍ تُحاسَبون بهِ فَتُعاقَبونَ.
28-وقوله:"وما الحربُ إلا ما علمتم"أي ما علمتهم من هذه الحرب وما ذقتُم منها أي جَرَّبْتُم.وقوله:"وما هو عنها"هو كناية عن العلم يريد:وما علمكم بالحرب.وعن بدل من الباء،بالحديث الذي يرمى فيه بالظنون ويُشَكُّ فيه،أي علمكم بها حقٌّ لأنكم قد جربتموها وذقتُموهَا.والمُرَجَّمُ:ال مظنونُ،والمعنى أنه يحُضُّهُم على قَبولِ الصُّلْحِ ويُخَوِّفُهُم من الحرب.
29-متى تبعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذمِيمَةً
وتَضْرَ إذا ضَرَّيتُموهَا فَتُضْرَمِ

30-فتَعْرُكَكُمْ عرْكَ الرَّحا بثفالها
وتَلقَحْ كِشَافًا ثمَّ تحْمِلْ فَتُتْئمِ

29-يقول:تبعثوها ذميمةً يقولُ إن لم تقبلوا الصُّلحَ وهجتم الحربَ لم تحمَدوا أمرها.وقوله:"وتضْرَإذا ضَرَّيتُموها"أي تتعوَّد إذا عودتُموها،يقول:إن بعثتم الحرب ولم تقبلوا الصُّلحض كانَ ذلك سبَبًا لتكرُّرِها عليكمْ واستِئصالِها لكم.
30-وقوله:"فتَرُكَكُم"يعني الحرب أي تطحنُكم وتُهلِكَكُم،وأصل العركِ دلك الشيءِ،ومعنى قوله بثفالها أي ولها ثِفالٌ أو ومعها ثفالٌ ومعنى عرْكَ الرَّحى طاحِنَةً،والثِّغالُ جِلْدَةٌ تكونُ تحْتَ الرحى إذا أديرت يقَعُ الدَّقيقُ عليها.وقوله :"وتلقَح كِشَافًا"أي تدارككم الحرب ولا تُغِبُّكم،ويقال لقحت النَّاقَةُ كِشافًا إذا حمل عليها في غثر نتَاجها وهي في دمها.وبعضُ العربِ يجعلها من الإبل التي تمكث سنتين لا تحمل،وقوله:فتُتْئم أي تكون بمزلة المرأة التي تأتي بتوأمين في بطن، وإنما يفظِّعُ بهذا أمر الحرب ليقبَلوا الصُّلحَ ويرجِعوا عمَّا هم عليهِ.
31-فتُنتَجْ لكمْ غِلمان أشأمَ كلُّهم
كأحْمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِعْ فتَفْطِمِ

32-فتُغْلِلْ لكُمْ ما لا تُغِلُّ لأهلِها
قُرًى بالعراقِ من قفيزٍ ودِرْهَمِ

31-قوله:"فتنتَج"يعني الحرب،ومعنى قوله غِلمان أشأم أي غلمان شؤم وشرٍّ،وأشأم ههنا صفَةٌ للمَصْدَرعلى معنى المبالغة،والمعنى غلمان شؤم أشأمَ كما يُقال شغلٌ شاغِلٌ.وقوله:"كأحمر عاد" أي كلهم في الشؤمِ كأحمرِ عادٍ وأرادَ أحمر ثمودَ فغلِطَ وقال بعضهم لم يغلِط ولكنه جعل عادًا مكان ثمودَ اتِّساعًا ومجَازًا إذ قد عرفَ المعنى مع تقارب ما بين عاد وثمود في الزمن والأخلاقِ،وأراد بأحمر ثمود عاقر الناقة.وقوله:"فتُفْطَمِ" أي يتِمُّ أمر الحرب لأنَّ المرأة إذا ارضَعتْ ثم فطمت فقد تمَّمَتْ.
32-وقوله:"فتُغلِلْ لكم يعني هذه الحرب تغل من الديات بدماء قتلاكم ما لا تغل قرى بالعراق وهي تغل القفيز والدرهم،وإنما يتهكم بهم ويستهزئ منهم في هذا كله.
33-لعَمْري لنِعْمَ الحَيُّ جَرَّ عليهُمُ
بمَا لا يوَاتيهِمْ حُصيْنُ بن ضَمْضََمِ

34-وكانَ طوى كشْحًا على مسْتَكِنَّةٍ
فلا هو أبداها ولم يتجَمْجَمِ


33-قوله:"جرَّ عليهم أي جنى عليهم ،وحصين بن ضمضم من بني مرة وكانَ أبى أن يَدْخُلَ معَهم في الصُّلْحِ ،فلمَّا أرادوا أن يَصْطَلِحوا عدا على رجُلٍ منهم فَقَتَلَه.
34-وقوله:"طوى كشْحًا"أي اطوى على أمرٍ لم يظهره،والكشح الجنبُ وقيل الخَصْرُ.والمُسْتَكِنَّةُ: خطَّةٌ أكنها في نفسِه،ويقال طوى فلانٌ كشحَه على كذا وانطوى على كذا إذا لم يُظهره.وقوله :"ولم يتَجَمْجَم"أي لم يدع التّضقَدُّم فيما أضمره ولم يتردَّد في إنفاذه.
35-وقال سأقضي حاجتي ثمَّ أتقي
عدُوِّي بألفٍ من وارئيَ مُلجَمِ

36-فشَدَّ ولمْ تَفْزَعْ بيوتٌ كثيرةٌ
لدى حيثُ ألقتْ رحْلَهَا أمُّ قَشْعَمِ

35-قوله:"سأقضي حاجتي"أي سأدرِكُ ثأري؛ثمَّ أتَّقي عدُوِّي بألفٍ أي أجعلهم بيني وبين عدوِّي يقالُ اتقاه بحقه أي جعله بينه وبينه.وقوله:"بألف"أراد بألأف فرسٍ وإنما يعني في الحقيقة أصحاب الخيل فكنى عنهم بالخيل.
وحملَ ملجمًا على لفظِ ألفٍ فذكَّرَه ولو كانَ في غير الشِّعر لجاز تأنيثه على المعنى.
36-قوله:"فشَدَّ"أي حملَ على ذلك الرجلِ من عبسٍ فقَتَلَه،ولم تفوع بيوتٌ كثيرَةٌ أي لم يعلم أكثر قومه بفعله وأراد بالبيوت أحياء وقبائل.يقول لو علموا بفعله لفزعوا أي لأغاثوا الرجُل ولم يوافقوا حُصينًا على قتله.
وإنما أراد بقوله هذا أن لا يفسدوا صُلحَهم بفعله.
وقوله:"حيث ألقت رحلها "أي حيث كان شدة الأمريعني موضِع الحرب وأم قشعم هي الحرب ويقال هي المنيَّةُ.
والمعنى:أن حصينا شَدَّ على الرَّجُل العبسي فقتله بعد الصُّلح وحيث حطت رحلها الحرب ووضعت أوزارها وسكنت.ويقال هو دعاء على حصين أي عدا على الرجل بعد الصلح وخالف الجماعة فصيره الله إلى هذه الشِّدَّةِ،ويكون معنى ألقت رحلها على هذا ثبتت وتمكنت.
37-لدى أسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ
لهُ لِبَدٌ أظفارُهُ لم تُقَلَّمِ

38-جَريءٍ متى يُظلَمْ يُعاقِبْ بِظُلمِه
سريعًا وإلا يبدَ بالظُّلْمِ يُظلَمِ

37-قوله:شاكي السلاح أي سلاحه شائكة حديده[فهو]ذو شوكة .وأراد شائك فقلب الياء من عين الفعل إلى لامه ويجوز حذف الياء فيقال شاكٍ كما قال:
*كلونِ النُّؤور وهي أدماءَ سارُها*
يريد سائرها ويكون شاك على وزن فَعلٍ كما قالوا رجل خافٌ ورجُلٌ مالٌ
يريدون خوفٌ ومولٌ فيقالُ:شاك.
وأراد بقوله"لدى اسَدٍ"الجَيْشَ وحَمَلَ لَفْظَ البيْتِ على الأسَدِ،والمقذِفُ الكثيرُ اللَّحْمِ.واللِّبَدُ جمعُ لِبْدَةٍ وعي زبرة الأسَدِ والزبرة شعرٌ متراكبٌ بين كتِفَي الأسَدِ إذا اسَنَّ.وأرادَ بالأظفار السلاحَ يقول سلاحُه تامٌّ حديدٌ.وأول من كنى بالأظفار عن السِّلاحِ أوس بن حجْرٍ في قوله:
لعمرك بانا والأحاليفُ هؤلا
لفي حقبَة أظفارها لم تُقلَّمِ

ثم تبعه زهير والناَّبغة في قوله:
*أتوك غير مقلمي الأظفار*
38-وقوله :"جريء يعني الأسد،والجريء ذو الجُرأة وهي الشَّجاعَةُ.
وقوله:"وإلا يُبْدَ بالظلم"يقول إن لم يظلم بدا هو بالظلم لعزة نفسه وشدّة جرأته.
39-رعوا ما رعوا من ظِمئهِم ثمَّ أوردوا
غِمَارًا تسيلُ بالِّماحِ وبالدَّمِ

40-ولا شاركوا في القوم في دم نوفَلٍ
ولا وهَبٌ منهُم ولا ابن المُحَزَّمِ

39-يقول هؤلاء الذين يدون القتْلى لم تجر عليهم رماحهم دماءهم،وهذا كقوله ينجمها قوم لقوم ...البيت.
40-وابن نهيك ونوفل ووهب وابن المحزَّم كلهم من عبس،والن المحزَّم بالحاء غير معجَمةٍ.
41-فكُلاًّ أراهم أصبَحو يَعقِلونَهم
عُلالةََ ألفٍ بعْدَ ألفٍ مُصَتَّمِ

42-تُساقُ إلى قومٍ لقومٍ غرَامَةً
صحِيحَاتِ مالٍ طالعاتٍ بِمَخْرَمِ


41-قوله::يعقلونهم"أي يغرمون دياتهم،والعُلالة الشيءُ بعدَالشيء،والمُصَتَّمُ التَّامُّ،يقال رجُلٌ صتْمٌ وألفُ صتمٍ إذا كان تامًّا.
42-وقوله:"تساقُ إلى قومٍ لقومٍ أي يدفعها قومٌ إلى قومٍ ليبلغوها هؤلاء.وقوله:"صحيحات مال"أي ليست بعِدَةٍ ولا مَطْلٍ يقالُ مالٌ صحيحٌ إذا لم تدخُله عِلَّةٌ من عِدَةٍ ومَطْلٍ.وقوله:"طالعات بمخرم" أي طلعت الإبلُ عليهم من المخْرم وهو الثَّنِيةُ في الجَبَلِ والطريقِ،والمعنى أنهم لم يَشعُروا بالإبل حتى طلعت عليهم فجأةً يثشير على وفاة الذين أدوها إليهم وتحملوها عن قومهم.
43-لحيٍّ حلاَلٍ يَعْصِمُ النَّاسَ أمرُهُمْ

إذا طَلَعَتْ إحْدى اللَّيالِي بمُعْظَمِ

44-كرامٍ فلا ذو الوِتْرِ يُدْرِكُ وِتْرَهُ
لديْهم ولا الجَاني عليْهِم بِمُسْلَمِ


43-قولُه لحَيٍّ حلالٍ أي كثيرٍ والحلالُ جمع حلة وهيَ مائةٌ بيتٍ. يقول ليسوا بحلّة واحدةٍ ولكنهم حلالٌ كثيرةٌ.وقوله :"يعصِمُ النَّاسَ أمرَهُم" أي يلجؤونَ إليه ويتَمسَّكون به فيَعصِمُهم ممَّا نالهم،وأصلُ الحلة الموضِع الذي يُنزَلُ بهِ
فاستُعير لجماعةِ النَّاسِ.وقوله:"إحدى الليالي"أرادَ ليلة من الليالي وفي الكلام معنى التَّفخيم والتَّعظيم،كما يُقالُ أصابتهُ إحدى الدواهي أي داهية شديدةٌ،والمُعظَمُ:الأمرُ العَظيمُ،وأراد بالحَيِّ الحلال حيَّ السَّاعيين بالصُّلح بين عبسٍ وذبيان.
44-وقوله:"فلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِتْرَه"؛ يقول:هم أعزَّة لا ينتصِرمنهُم صاحب دم ولا يدركُ وِترَه فيهم.وقوله:"بمسْلَم"أي إذا جنى عليهم جانٍ منهم شرًّا إلى غيرهم لم يسلِموه له لعِزِّهم ومنَعَتِهم.
45-سَئِمْتُ تكاليفَ الحَياةِ ومنْ يعِشْ
ثمانينَ حولاً لاأبالكَ يسأمِ

46-رأيْتُ المَنايَا خَبْطَ عشواءَ من تُصِبْ تُمِتْهُ ومنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

45-تكاليفُ الحَياةُ مشقّاتُها وما يتكَلَّفهُ الإنْسانُ من الأمورالصَّعبَةِ.
يقول :سئمت ما تجيء به الحياة من المشَقَّةَ والعَناء.وقوله:"لا أبالك كأنه يلوم نفْسَهُ وهي كلمة تستعملها العرب في تضاعيف كلامها عند الجفاء والغِلظةِ وتشديد الأمر.
46-وقوله:"خبطَ عشواءَ"أي لا تقصد ولا تجيء على بصر وهداية وعشى يعشى إذا أصابه العشاء يريد أن المنايا تخبِطُ في كلِّ ناحِيَةٍ كأنها عشواءَ لا تُبْصِرُ فمن أصابته في خَبْطِها ذاك هلَكَ ومن أخطأتْهُ عاشَ وهرم.وإنما يريد أنها لا تترك الشاب لشبابه ولا تقصد الكبير لكبره وإنما تأتي لأجَلٍ معلوم.
47-وأعلمُ علْمَ اليَومِ والأمْسِ قبْلَهُ
ولكنَّنِي عن عِلمِ ما في غَدٍ عَمِ

48-ومنْ يَجْعَلِ المَعروفَ منْ دونِ أهْلِهِ يَفِرْهُ ومنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ

يقول:من كان له فَضْلُ مالٍ فبخل به على قومه استغنوا عنه واعتمدوا على غيره ورأوه أهلاً للذَّم ومستَوجِبًا له.وقوله:يَفِرْهُ أي من جَعْلِ المَعروفِ بينَ عرْضِه وبين النَّاس سلم عرضُه من الذَّمِّ وأصابه وافرًا لم ينل منه شيء،ومن منع من المعروف ولم يتَّقِ الشَّتْمَ شُتِمَ وإنما يُريدُ بالشَّتْمِ الهجْوَ والذَّمَّ.
49-ومن لايذُدْ عن حوضِه بسِلاحِهِ
يُهَدَّمْ ومنْ لا يظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ

50-ومنْ هابَ أسْبَابَ المنِيَّةِ يلقََها
ولو رامَ أسبَابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ

49-يقولُ:من ملأ حوضَه ولم يذُد عنهُ غُشِيَ واستُضْعِفَ وهذا مثل.وإنما يريدُ من لم يدفع عن قومه انتُهكتْ حُرمتُه وأذلَّ.وقوله:"ومن لا يظلم النَّاسَ"أي من أنقبضَ عنهُم وكفَّ يدَهُ عن الامتِدادِ إليهِم رأوه مهينًا ضعيفًا فاستطالوا عليهِ وظلموهُ.
50-وقوله:"ومن هاب أسبابَ المنِيَّةِ" أي من اتقى الموتَ لقيَه ولو رامَ الصُّعودَ إلى السَّماء ليَتَحَصَّنَ منهُ.وأسباب السَّماءِ أبوابُها وكلُّ ما وصَّل إلى شيءٍ فهوَ سبَبٌ له.وأسبابَ المنايا عُلَقُها وما يتَشَبَّثُ به الإنسانُ منها.
51-ومنْ يَعْصِ أطرافَ الزِّجاجِ فإنَّه
52-ومنْ يُوفِ لا يُذمَمْ ومنْ يُفْضِ قلْبُهُ
يُطيعُ العَوالي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ
إلى مطْمَئنِّ البِرِّ لا يتَجَمْجَمِ


51-يقولُ:من عصى الأمرَ الصغيرَصارَ إلى الأمرِ الكَبيرِ.وضَربَ الزِّجاجِ والعوالي مثلاً.والعوالي صدورُ الرِّماحِ وأعاليها ممَّا يلي السِّنَانَ.والزِّجاجُ في أسافِل الرِّماحِ.واللهذمُ:السِّنا نُ الماضي النَّافِذُ.وقيل المعنى أنهم كانوا يستقبِلون العدُوَّ إذا أرادَ الصُّلحَ بأزجَّة الرماححفإن أجابوهم إلى الصُّلحِ وإلاَّ قلبوا إليهم الأسِنَّةَ وقاتلوهم ونحو هذا قول كثير:
رميْتُ بأطرافِ الزِّجاجِ فلم يُفِقْ
عن الجَهْلِ حتَّى حَلَّمَتْهُ نِصالُهَا


ومثلٌ للعرب:(الطَّعنُ يظأرُ) أي يعطِفُ على الصُلح.
52-وقوله:"ومن يوفِ لا يذممْ"أي من وفى بذمتِهِ وما يجِبُ عليهِ لم يوجَدْ سبيلٌ إلى ذمِّهِ.وقوله:"ومن يُفضِ قلبُه إلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ"أي من كان في صَدْرِه برٌّ قد اطمأنَّ وسَكَنَ ولم يرجُف ،لم يتجمجم وأمضى كلَّ أمرٍ على وجههِ،وليس كمن يريدُ غدْرًا فهو يترَدَّدُ في أمرِه ولا يُمْضيهِ.والبِرُّ الخيْرُ والصَّلاحُ.ومعنى يفضي :يتصِل نيقالُأفضى الشيء إلى الشيء إذا اتصَل به.
وقوله:"إلى مطمَئِنِّ البِرِّ"أي إلى البِرِّ المُطْمَئِنِّ في القَلبِ الثَّابِتِ فيهِ.والتَّجَمجُمُ:تركُ التَّقَدُّم في الأمر والتَّرَدُّد فيه.
53-ومنْ يَغتَرِبْ يَحسِبْ عَدُوًّا صدِيقََهُ ومن لا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لا يُكَرّمِ


54-ومهما تكُنْ عِنْدَ امرِئٍ من خَلِيقَةٍ
ولوْ خالَهَا تخْفى على النَّاسِ تُعْلَمِ



55-ومنْ لا يزَلْ يَسْتَحْمِلُ النّاسَ نَفْسَه
ولا يُغنِها يومًا منَ الدَّهرِ يُسأمِ







53-يقول:من يَصِرْ غَريبًا بدارِ العَدُوِّ حتَّى كأنَّه عندَهُ صديقٌ.وقيلَ معناه من اعتربَ عن قومهِ وصارَ فيمن لا يعرفُ أشكَلَ عليْهِ العَدُوُّ والصَّديقُ ولمْ يَسْتَبِنْ هذا من هذا.وقوله:"ومن لا يكرم نفسه"أي من لم يقصر نفسَهُ على الأمورِ التي تؤدِّي إلى الكرامَةِ استُخِفَّ به وأهينَ.
54-وقوله:"ومهما تكن عند امرئٍ"يقول من كتَمَ خليقَتَهُ عن النَّاسِ وظَنَّ أنها تخفى عليهمْ فلا بدَّ أن تظْهَرَ عندَهُم بمَا يُجَرِّبونَ منهُ.والخَليقَةُ:الطَّبيعَ ةُ.
55-وقوله:"ومن لا يزَلْ يسْتَحْمِلُ النَّاسَ" أي من لا يزلْ يُثْقِلُ على النَّاسِ ويستَحْمِلُهُم أمورَهُ استثْقَلوهُ وسئموه.ويستَحْمِلُ رفعَ لأنهُ في موضعِ خبَريَزَل
وليسَ بشَرْطٍ ولا جزاءٍ.
ملاحظة :غير مصحح وإنما اوردته تنبيها على طريقة الأعلم في الشرح لعل ذلك يشحث همة أحد الباحثين لتحقيق ديوان الشعراء الستة كاملا