المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الركبان السائرة بأخبار مَن اشتهروا بغزارة الحفظ وقوَّة الذاكرة في التراث الإسلامي



أهــل الحـديث
02-03-2013, 11:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم







من اشتهر بالحفظ وقوة الذاكرة
عبدالعال بن سعد الرشيدي


جاءَ في الموسوعة العربيَّة العالَمية تعريفُ الذاكرة لدَى الإنسان: الذاكرة هي القُدرة على تذكُّر شيءٍ سبَق تعلُّمه، أو سبَق اكتسابُ خبرة فيه؛ لذلك تعتبر الذاكرة جزءًا حيويًّا في التعليم.

فإذا لم تتذكَّرِ الماضي فإنَّك بالتالي لن تستطيعَ أن تتعلَّم أيَّ شيءٍ جديد؛ فكلُّ ما تحصُل عليه مِن خِبرة تفقده بمجرَّد الانتهاء منه، وكل شيءٍ جديد سيكون غريبًا تمامًا، وبدون الذاكرة ستكون الخِبرة متكرِّرة طبقًا لحدوثِها للمرَّة الأولى، وبناءً على ذلك يَفقِد الفردُ إحساسَه بالسعادة التي اكتسبها خلالَ حياته، وكذلك مظاهر السعادة السابقة، ومثل ذلك الحُزْن الذي عاشَه.

جهاز الذاكرة:
يُقسِّم علماءُ النفس جهازَ الذاكرة إلى ثلاثِ مراحل مختلفة، طبقًا للزمنِ الذي تستغرقه كلُّ مرحلة، وهذه المراحل هي:
1- ذاكرة الإحساس.
2- ذاكرة المدى القصير.
3- ذاكرة المدى الطويل.

ذاكرة الإحساس:
ويُمكنها أن تستوعبَ المعلوماتِ ذات اللحظات السريعة، فعند رؤيةِ صورةٍ لجبَل مثلاً، فإنَّ المعلوماتِ الخاصَّةَ بالجبل ستمرُّ مِن خلال عينيك إلى ذاكرةِ الإحساس التي تستوعب التصوُّرَ الحقيقي للصورة، ولكن هذه الصُّورة تَتلاشَى وتختفي في أقلَّ مِن ثانية، ولكي تبقى هذه المعلومات يجب عليك أن تَنقُلها سريعًا إلى ذاكرةِ المدى القصير.

ذاكرة المدى القصير:
ويُمكنها أن تستوعبَ الحقيقةَ ما دُمتَ تُفكِّر فيها، وأنت تستخدم ذاكرةَ المدى القصير عندما تبحث مثلاً عن رقْم هاتف، وتظلُّ تُردِّده في نفسك إلى أن تقومَ بالاتصال بمَن تريد، وإذا لم تقمْ بترديد المعلومات، فإنَّها ستختفي من الذاكرة في خلال 20 ثانية، ولكن هناك بعض المعلومات تَنتقِلُ مِن ذاكرة المدى القصير إلى ذاكرة المدى الطويل، حيث تبقَى هناك طويلاً.

ذاكرة المدى الطويل:
ويُمكِنها أن تستوعبَ كميةً هائلة منِ المعلومات قد يستمرُّ بعضها مدَى الحياة. اهـ.

ومن اشتهر بالحفظ وقوة الذاكرة منهم:
1- ذَكَر صاحب كتاب "المنهل الصافي" (1/209) عن أحمدَ بن إبراهيم بن جعفر القِمني، الفقيه المُفْتي الضرير.
وكان في الحفظ آيةً، يحفظ السطورَ الكثيرة والأبيات مِن سماعها مرَّةً واحدة، وكان يقعُد يوم الجمعة تحتَ الخطيب، فيحفظ الخُطبة، إلا أنَّه كان لا يثبُت حفظُه الذي مِن مرَّة واحدة، وكان فيه صلاحٌ وديانة، وله أدبٌ ونظْم. اهـ.

2- وقال صاحب "سير أعلام النبلاء" (15/539)، وياقوت في "معجم الأدباء" (1/129): إنَّ أبا القاسم إبراهيم بن عثمان بن الوزان، وكان يحفَظ كتابَ "العين" للخليل بن أحمد، وغريب المصنَّف لأبي عُبيد، وإصلاح المنطق لابن السِّكِّيت، وغيرها مِن كتب اللُّغة، وحَفِظ قبلَ ذلك كتاب سيبويه، ثم كُتب الفرَّاء. اهـ.

3- وذَكَر الذهبي في "تاريخ الإسلام"، والصفدي في "الوافي بالوفيات": قال الصولي: حدَّثَني الحسينُ بن علي الباقطائي قال: قال لنا أحمد بن إسرائيل: كنتُ في الديوان "أيَّام محمَّد الأمين"، فما كان أحدٌ مِن أهل الديوان أصغرَ مني، ولقد كنتُ أنسخ الكُتب، فلا أفرغه حتى أحفظَ ما فيه حرفًا حرفًا، وكنت ربما امتُحنتُ إذا فرغتُ من الكتاب بأن يُؤخَذ مِن يدي فيُقال: هاتِ ما فيه، وأسرده مِن أوَّله إلى آخرِه، فلا أسقط ممَّا فيه حرفًا واحدًا، فعلتُ هذا مرَّات كثيرة لا أُحصيها.

4- ونقل ابنُ الجَوْزي في "المنتظم" (14/163) قال: حدَّثَني أبو الحسن محمَّد بن يحيى العلوي، قال: كان المتنَبِّي وهو صبيٌّ ينزل في جوار بالكوفة، وكان أبوه يُعرَف بعبدان السقَّاء، يَسْتَقي لنا ولأهل المحلَّة، ونشأ هو محبًّا للعلم والأدب، وصَحِب الأعراب، فجاءَنا بعدَ سنين بدويًّا قُحًّا، وكان تعلَّمَ الكتابة والقراءة، وأكثر مِن ملازمة الورَّاقين.

فأخْبَرني ورَّاقٌ كان يجلس إليه، قال لي: ما رأيتُ أحفظَ مِن هذا الفتى ابن عبدان، قلت له: كيف؟ قال: كان اليوم عندي وقدْ أحضر رجلٌ كتابًا مِن كتب الأصمعي نحو ثلاثين ورَقَة ليبيعَه، فأخَذَ ينظر فيه طويلاً، فقال له الرجل: يا هذا أريد بيعَه وقد قطعتَني عن ذلك، وإنْ كنت تريد حفظَه فهذا - إنْ شاء الله - سيكون بعدَ شهر، فقال له: فإنْ كنتُ قد حفظتُه في هذه المدة فمالي عليك، قال: أَهَبُ لك الكتاب، قال: فأخذتُ الدفتر مِن يدِه، فأقبل يتلو عليَّ إلى آخرِه، ثم استلَمَه فجعَله في كمِّه، فقام صاحبُه وتعلَّق به وطالبَه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيلٌ قد وهبتَه لي فمنعْناه منه، وقلنا له: أنتَ شرطتَ على نفسِك هذا للغلام فترَكَه عليه.

5- نقل الصفدي في "الوافي بالوفيات" قال: قال ياقوت عن بديع الزمان الهمذاني: لم يستقصِ أحدٌ خبرَه أحسن مما اقتصَّه الثعالبيُّ، وكان قد لَقِيَه وكتب عنه قال: بديع الزمان مُعجزةُ همذان، ونادرة الفلك ولم نرَ نظيرَه في الذكاء وسُرعة الخاطر، وكان صاحبَ عجائب وبدائع، فمنها أنَّه كان يُنشَد الشعر لم يسمعْه قطُّ وهو أكثر مِن خمسين بيتًا مرَّةً واحدة، فيَحفظها كلَّها ويُؤدِّيها من أوَّلها إلى آخرِها لا يخرم حرفًا، وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق مِن كتاب لم يعرفْه ولا رآه نظرةً واحدةً خفيفة ثم يَهذُّها عن ظهْر قلبه هذًّا، ويُردُّها سردًا، وهذه حاله في الكُتب الواردة وغيرها. اهـ.

6- قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (11/ 187).
قال ابنُ أبي حاتم: قال سعيد بن عمرو: يا أبا زُرعة، أأنت أحفظ، أم أحمد بن حنبل؟ قال: بل أحمد.
قلت: كيف علمتَ؟ قال: وجدتُ كتبَه ليس في أوائلِ الأجزاء أسماء الذين حدَّثوه، فكان يحفَظ كلَّ جزء ممَّن سَمِعَه، وأنا لا أقْدِر على هذا. اهـ.

وحدَّثَنا عبدُالله بن أحمد، قال لي أبي: خُذْ أيَّ كتاب شِئت من كتب وكيع مِن المصنَّف، فإنْ شئتَ أن تسألني عن الكلامِ حتى أُخبرَك بالإسناد، وإنْ شئتَ بالإسناد حتى أخبرَك أنا بالكلام. اهـ.

7- وعن ابن المقَّري في "نفح الطِّيب" 2(/602): عن أبي عمر ابن عات، وهو أحمد بن هارون بن عات النَّفْزي، حُكِي أنَّه حضَر في جماعةٍ مِن طلبة العِلم لسماع السِّير على بعضِ شيوخهم، فغاب الكتابُ أو القارئ بكِتابه، فقال أبو عمر: أنا أقرأُ لكم، فقرأ لهم مِن حِفْظه، وقال أبو عمر عامر بن نذير: لازمتُه مُدَّة سِتَّة أشهر، فلم أرَ أحفظَ منه، وحضرت إسماع الموطأ وصحيح البخاري منه، فكان يقرأ من كلِّ واحد مِن الكتابَيْن نحوَ عشر أوراق عرضًا بلَفْظه كلَّ يوم عقِب صلاة الصُّبح، لا يتوقَّف في شيءٍ مِن ذلك. اهـ.

8- قال القاضي عِياض في "ترتيب المدارك" (1/459) قال أحمد بن سعيد الهمداني: قرأ علينا إسحاقُ بنُ الفُرات موطأ مالك من حِفْظه، فما أسقطَ حرفًا - فيما أعلم.

9- قال الإمامُ الذهبيُّ في "سير أعلام النبلاء" (7/247): عن ابن حميد قال: سمعتُ مِهرانَ الرازيَّ يقول: كتبتُ عن سفيانَ الثوريِّ أصنافَه، فضاع مني كتاب الديات، فذكرتُ ذلك له، فقال: إذا وجدتُني خاليًا فاذكُرْ لي حتى أُمليَه عليك، فحَجَّ، فلمَّا دخَل مكَّة، طاف بالبيت، وسعَى، ثم اضطجع فذكَّرتُه، فجَعَل يُملي عليَّ الكتاب، بابًا في إثر باب، حتى أملاه جميعَه من حِفظه، وقال عبدالرزَّاق وغيره، عن سفيان، قال: ما استودعتُ قلْبي شيئًا قط فخانني.

10- قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/144) عن ابن سِيدَه إمام اللُّغة، أبي الحسن، علي بن إسماعيل المرسي، الضرير، صاحِب كتاب "المُحْكَم والمحيط الأعظم" في لسان العرَب، وأحد مَن يُضرَب بذكائِه المَثل.
قال أبو عمر الطَّلَمَنْكي: دخلتُ مرسية، فتشبَّث بي أهلُها ليسمعوا عليَّ "غريب المصنَّف"، فقلت: انظروا مَن يقرأ لكم، وأُمسِك أنا كتابي، فأتوني بإنسان أعْمَى يُعرَف بابن سيده، فقرأه عليَّ مِن أوَّله إلى آخره، فتعجبتُ مِن حفظه.

11- نقَل الصفديُّ في "الوافي بالوفيات": أنَّ عليَّ بن عباد أبا الحسن الأصبهاني، كان أديبًا فاضلاً شاعرًا، قال القاضي يحيى بن القاسم التِّكْرِيتي: كان يَحْفظ كثيرًا مِن الأراجيز والأشعار، حكَى لنا أنَّه يحفظ جميعَ أراجيز العجاج وولده رُؤبة، وجميع أراجيز أبي النَّجْم العِجلي، وكنَّا نمتحنه ونطلب منه أن يُنشِدنا أراجيزَ على حروف المعجَم، وكان ينشدنا على أيِّ حرْف طلبْنا منه، وكان يَدخُل على الوزير أبي المظفَّر ابن هُبَيرة فيحترمه ويرفع مجلسَه، ويقول له إذا دخَل: جاء رؤبة والعجاج، وكان يقول: أنا قادرٌ على أن أُصنِّف غريبَ القرآن وأستشهد على كلِّ كلمة فيه مِن الأراجيز.

12- ونقَل الذهبي في "تذكرة الحفَّاظ" (2/745) عن قرطمة الحافظ الباهِر أبي عبدالله محمَّد بن علي البغدادي، وكان آية في الحِفظ والرِّواية قال ابن عقدة: سمعت داودَ بن يحيى يقول: الناس يقولون: أبو زرعة أبو حاتم في الحِفْظ، واللهِ ما رأيتُ أحفظَ مِن قرطمة؛ دخلتُ عليه فقال لي: ترى هذه الكتب خُذْ أيها شئتَ حتى أقرأ، قلت: كتاب الأشربة، فجَعَل يسرُد مِن آخرِ الباب إلى أوَّله حتى قرأَه كلَّه.

13- ذَكَر الخطيبُ البغداديُّ في "تاريخ بغداد" (13/475) عن يحيى بن مَعين قال: سمعتُ وكيعَ بن الجرَّاح يقول: ما كتبتُ عن سفيانَ الثوريِّ حديثًا قطُّ كنتُ أحفظه، فإذا رجعتُ إلى المنزل كتبتُه.

14- وهذا يحيى بن سعيد القَطَّان الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد الحافظ.
قال الذهبي في "السير" (9/177): قال العباس بن عبدالعظيم: سمعتُ ابن مهديٍّ يقول: لمَّا قَدِم الثوريُّ البصرة، قال: يا عبدالرحمن، جِئني بإنسان أُذاكره، فأتيته بيحيى بنِ سعيد القطان، فذاكَرَه، فلمَّا خرَج، قال: قلتُ لك: جِئني بإنسان، جِئتَني بشيطان - يعني: اندهَش سفيانُ مِن حِفْظه.

15- قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/144): عن مَعْمَر بن راشد الإمام الحافِظ، شيخ الإسلام.
وقال محمَّد بن كثير، عن معمر، قال: سمعتُ مِن قتادة وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ سَنَة، فما شيء سمعتُ في تلك السنين إلا وكأنَّه مكتوب في صَدْري.

انظر المزيد: كتاب "الركبان السائرة بأخبار مَن اشتهروا بغزارة الحفظ وقوَّة الذاكرة في التراث الإسلامي"؛ إعداد: سلطان العتيبي.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/28341/#ixzz2MPeZuODC