المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : @@@@@... أحضان الخوف...@@@@@



المرأة الحديدية
26-06-2006, 03:20 PM
أحضان الخوف

رياحٌ عاتيةٌ توشك أن تمزق ملاءة الليل ..الرعد يطرق أبواب السماء ، ترتعد الأرض وينهمر المطر على الشوارع وأسطح المنازل ، حباتُ البَرَد تسقط على الصفائح ، يستيقظ السحر من سكونه ، يرتجف كل شيء ، الناس الشجر حتى قطرات المطر هي الأخرى ترتجف .
ساعة الحائط تدق الثالثة ، تتنقل من شرفة إلى شرفة أخرى ، يسكنها القلق ، يلفحها البرد ، تتدثر تحتضن يداها ، بين اليأس والأمل تتخيل كل ما هو آتيٍ من البعيد ..ابنها أحمد، لكنه بعدُ لم يأتي .
- اللهم أجعله خيراً .. !
تفترسها الذكريات ، تطوف في ذهنها كشريط سينمائي ، تتزاحم فيه الصور ، تتداخل فيه الرؤى ، الألوان توشك أن تكون قوس قزحية .
بيضاء تلك الأعوام القليلة التي قضيتها في بلاد الغربة قبل أن يسقط أبوك في براثن الإدمان بني ، قبل أن يتناول تلك الجرعة القاتلة ليتركني وأنتم صغارٌ للريح ، للّيل للضياع ، وهاهي الأيام تمر بعد ذلك سوداء بيضاء ورمادية ، و تصبح رجلاً واخوتك يكبرون ويكبرون ، مصعب أخيك الأصغر يستعد اليوم فرِحاً لدخول المدرسة ، ومعن ينافسك في كل شيء وهو على وشك التخرج من المدرسة الإعدادية ، أما أنت بني .. فَهَمِيَ الأكبر الذي أعيشه .
فلا تزال ذاكرته تختزن الكثير من حياة أبيه ، وهو لا يكف السؤال عنه ، وعن ذاك الكأس الذي يلازمه ، ولا يفارق قبضته ليل نهار ، وذلك الدخان الغريب ، يخرج من سيجارته وقد اصطبغ بالون الأزرق ، يسأل عن أشياء وأشياء يصعب عليها الاعتراف بها والإفصاح عنها ، وتبقى الحقيقة مرةٌ ، لها طعم العلقم ، ومحاسن الموتى تظل الحديث المباح .
رنين الهاتف ، يوقف لديها شريط الذكريات ، تتنبه مذعورة ، تعود إلى أحضان الخوف ، تتسارع ضربات قلبها ، مطردة الأنفاس ، ترفع السماعة يبادرها المتصل :
ألو .. أم أحمد ..؟
تجيب بنبرة ملهوفة ، نعم من المتحدث
ـ سيدتي .. ابنك .. ..
لم تسمع الكثير ، فما زال جرح الماضي يَدمي ، تسقط سماعة الهاتف من يدها ، تتأوه ، سيل من الدموع يجري على وجنتيها، تهرول إلى غرفة الأولاد ، توقظ معن ، تمسك بيده وهو لا يزال في غمرة النعاس ، لحظات لتجد نفسها وابنها يهرولان في الشوارع المبتلة ، بل السابحة في سيلِ ماء الدابل ، ولا تزال مزارب البيوت تروي عطش الطرقات والممرات ، والرياح الباردة تلفح عباءتها السوداء ، تلملمها تمسك بمعصم ابنها
الناعس ، محاولة إيجاد تاكسي في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، وكم يطول انتظار المضطر والمتألم ، يقف إليها أحد سائقي العربات الخاصة ، شيخ كبير يقبع خلف المقود ، وإلى جواره سيدة مُسِنَة في نفس عمره ، يبدو وكأنها تعود لتوها من قسم الطوارئ في أحد المستشفيات المجاورة ، تدعوها للصعود ، تفتح الباب ولم تتردد لحظة ، تطلب من السائق بل تتوسل إليه أن يوصلها إلى حيّ يدعى (الليل) .
يستجيب إليها العجوز بسعة صدر ، مهدئاً روعها بكلمات مؤمن مُبتَل ، تصل السيارة ، تلج ذاك الحيّ الضيق ، والتي لم يسبق لها أن زارته ، البيوت تبدو متلاصقة ومتراصة تتقاسمها أزقة متعرجة ودروب ضيقة ،
أضواءها توشك على الذبول ، بقايا من زخات المطر المتساقط تقرع النوافذ والأبواب ، وكأنها عزف للحن جنائزيّ ، تقف العربة أمام أحد المنازل القديمة والشبه متهدمة ، تلمح تلك العلامة التي وُصفت لها عبر الهاتف ، تترجى السائق أن ينتظرها برفقة ابنها الذي لم يلبث أن غاص في نوم عميق عندما أحس بالدفء داخل السيارة .
تدخل ، تتسلق درجات مظلمة ، يصل إلى سمعها ضحكات تزداد ضجيجاً وصخباً كلما عرجت سلّماً ، تقترب من مصدر الصوت ، يتصدر المكان بابان من الخشب ، تتخلله الكثير من الشقوق ، تضع عينها في أحد الثقوب ، لتصدم برؤية أليمة ، تعكس إلى صدرها سهماً ساماً متأججاً بالنار ، الهَمَ أثقل كاهلها ، ترتكز على الجدار ، تلتقط أنفاسها بصعوبة محاولة ربط جأشها ، تُردد هامسة : لا.. لا يمكن أن يكون هو .. ؟!
كان يجلس متوسط الشلة ، كؤوس تُدار ، دخان أزرق ، عيون حمراء تقاوم الإغلاق بصعوبة ، ضحكات هستيرية ، أجساد تقاوم السقوط ، وسقوط لا يقوون علـى القيام .
تعود أدراجها وقد تكسرت مجاديف مركبها ، تتقاذفها الحيرة ، ألمٌ يعتصرها وأوجاع تزيد من نزيف الماضي الوبيل ، تشب في رأسها التساؤلات وليس من إجابة شافية ، يشل تفكيرها على الماضي ، ألم ووجع ومرارة ، ذهنها ينتابه الوهن .
ـ يا إلهي لم يعد بمقدوري التفكير ، لم يكن ابني وحده ، بل إن كل من كان برفقته هم أولادي ، جميعهم في مثل عمره ، رباه أعني وأَلهمني الصبر والصواب .
تقاوم في داخلها عاطفة الأم السلبية ، الجياشة بكل أنواع الحب الكبير لابنها البِكر ، تدفعها رغبة عاقلة جامحة للإدلاء بكل ما تعرفه عمّن كان السبب في انحراف ابنها ، والذي لطالما أقلق مضجعها بتلميحاته في الزواج منها بعد وفاة زوجها وأعز صديق له كما كان يزعم ، تعرج إلى منزلها ، يطغي عليها السكون ، تقترب من الهاتف بكل قوة وإصرار ، عيناه تنفح شرراً ونظراتها حادة تتطلع إلى الأفق ، تدير قرص الهاتف
، صوت واثق أجش :
مستشفى الأمل .. أيُّ خدمة سيدتي .
تهتز وهلة تتراجع ، لكن قوة في الأعماق تجعلها تتماسك .
نعم .. إنني أم تبحث عن أملٍ لصغيرها ..؟!

بضع أسابيع قضتها بين اليأس والرجاء ، وذات يوم عاد الابن الضال كما كان قبل أن يسقط في براثن الإدمان ، كان نادماً مُصراً على العودة إلى أمه التي ترجو الخير فيه .
مَرَ حينٌ وعاد كل شيء إلى سابق عهده ، وها هو اليوم ينتهي من دراسته الثانوية ، يطرق أبواب الجامعة بجدارة وتلاحقه أمه بالدعاء على أمل أن تراه طبيباً معالجاً لهؤلاء المرضى ، يبتسم إليها من نفس طيبة صادقة ، فتقرأ على شفتيه أحلام وآمال أسرتهم الصغيرة .


نشرت في سيدتي
وقد تم إذاعتها كمسلسل سباعي لعامين متتاليين

أ/ سلوى عبد العزيز دمنهوري

المرأة الحديدية

المرأة الحديدية
09-09-2006, 03:28 PM
أحضان الخوق ..

قصة معاناة حقيقية تتكرر كل حين

وما إعادتي إليها إلا لسماعي بقصة مثلها لكن باختلاف شجاعة الأم..

مما شجع ذاك الابن في المضي في طريق الانحراف والضلالة ..

وها هي وهو وكل من هم حولها يعانون من ابنهم المدمن

سرقة ونظرة دونية من البعض .. ونظرة شفقة من البعض الآخر..

وآخرون يخشون التقرب إليهم والتعامل معهم كمجتمع وكقرابة ..

كما كانوا من قبل...

ارجو الله السلامة .. وحفظ أبنائنا من هذا الداء اللعين.. الادمان

همس البدر
19-09-2006, 10:58 PM
سيدة الكلمة

ماجمل واروع هذه القصة

رواية فعلاً تدمع لها العين

نسأل الله عز وجل أن يكفينا شر هذا الداء

الـوافـي
20-09-2006, 11:06 AM
أخيتي الكريمه
المرأة الحديدية
ما أجمل أبداعك وكلماتك
تسلم يمناك لاعدمناك
لك فاااااااااااااااااااااائق أحترامي
أخوكم
أبو مهاوي

المرأة الحديدية
21-09-2006, 07:28 AM
سيدة الكلمة

ماجمل واروع هذه القصة

رواية فعلاً تدمع لها العين

نسأل الله عز وجل أن يكفينا شر هذا الداء

اللهم آآآآآآآآآآآآآآمين
اخي البدر همس
جُوزيِتَ خيراً على مرورك الطيب
لك ودي

المرأة الحديدية
21-09-2006, 07:31 AM
أخيتي الكريمه
المرأة الحديدية
ما أجمل أبداعك وكلماتك
تسلم يمناك لاعدمناك
لك فاااااااااااااااااااااائق أحترامي
أخوكم
أبو مهاوي
الوافي أخي الكريم
سعدت بمرورك بعد طول غياب
أشكرك
لك ودي