المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مداخلتي في الرد على الريس تعليقاً وتغليقاً!



أهــل الحـديث
27-02-2013, 06:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم


مداخلتي في الرد على الريس


تعلـيــــقــــــــاً وتغلـيـــقـــــــاً

الحمد لله معز من أطاعه مذل من عصاه, والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه, وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فقد تسنت لي مداخلة في برنامج "حراك", على قناة "فور شباب 2", للمشاركة في الرد على ما يتفوه به الجهمي عبد العزيز بن ريس الريس في مسألة طاعة الحكام!
وكان قوام هذه المداخلة سبع دقائق, وهي لا تكفي –بالطبع- لطرح الحقائق!
لذلك فليس من الحكمة في شيء أن أناقش جزئية من جزئيات الموضوع, ولا أن أطرح بعض الأدلة التي تحتاج إلى بسط في دلالتها على الموضوع, ومناقشة لما يعارضها في الباب, وذلك يحتاج إلى إسهاب وإطناب!
وكما قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

وعـلـيك بالتفصيل والتبيين فالـ إجمال والإطلاق دون بيانِ


قد أفسدا هذا الوجود وخبـطا الـ أذهان والآراء كل زمـانِ

ثم إن التسرع وطرح دليل أو دليلين في وقت ضيق -كما يفعله البعض في غالب المداخلات الفضائية- هو من تسليط الخصم المتربع على عرش الوقت على هذه الأدلة المقتضبة تصحيحاً وتضعيفاً, تصويباً وتأويلاً! في الوقت الذي تمتلك فيه كافة الردود على كلامه لكن دون جدوى؛ إذ أنك لا تملك إلا مداخلة واحدة لا رجعة بعدها! ويقال: إن طرفة كان مع عمه في سفر وهو ابن سبع سنين، فنزلوا على ماء، فذهب طرفة بفخ له، فنصبه للقنابر، وبقي عامة يومه لم يصد شيئا، ثم حمل فخه وعاد إلى عمه، فحملوا ورحلوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يلتقطن ما نثر لهن من الحب، فقال ذلك:

يا لك من قنبرة بمعمر


خلا لك الجو فبيضي واصفري


ونقري ما شئت أن تنقري

[انظر: لحق ديوانه: 193]..
لذلك فيجدر بالمداخل في مثل هذه البرامج التي تستضيف أهل البدع أن يجعل وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة -كما عند مسلم وغيره- نصاب عينيه, وهي: (لا تذعرهم عليّ)!
فلما كان الأمر كذلك؛ اغتنمت صدر مداخلتي في دعوة الخصوم إلى مناظرة علمية جادة يُقسم الوقت فيها بالسوية؛ قال الإمام الباجي رحمه الله: "وهذا العلم من أرفع العلوم قدراً وأعظمها شأناً, لأنه السبيل إلى معرفة الاستدلال, وتميز الحق من المحال, ولولا صحيح الوضع في الجدل لما قامت حجة, لا اتضحت محجة, ولا علم الصحيح من السقيم, ولا المعوج من المستقيم!".اهـ [المنهاج بترتيب الحجاج ص8].
فبالمناظرة والمحاورة يتميز المحق من المبطل, ويتمحص الحق عن الباطل, وإلا فالكل يدعي أنه على الحق المبين, ويروج لما عنده للعالمين! وكما قال المتنبي:

وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ *** طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا!

[انظر: ديوان أبي الطيب المتنبي ص421].
فبدل تغنيهم بالحق ليل نهار أمام العوام, ليجلسوا إلى أقرانهم على مائدة بحث "الحلال والحرام"!
ثم عرجت في مداختلي على ذكر ضلال ضيف الحلقة, وشهادة أكبار من يعترف بهم فيه! واكتفيت بالتنصيص على اسم مفتي هيئة كبار العلماء عبد العزيز آل شيخ, حيث قال عنه "عنده إرجاء شديد", وقال: "فيه إرجاء, ما يصلح", وقال: "هذا إرجائي, ما فيه فود, ولا منه فائدة!", وقال عنه أنه: "من الضُلال, الجهلة, المغرورين", وقال عنه: "كذاب, كذاب!".
وذكرت أيضاً اسم الدكتور صالح بن فوزان الفوزان, حيث قال عنه: "اتركوه هذا من المتعالمين, اتركوه!", وقال عنه: "اتركه هذا مرجي, اتركه لا تعتبره شيئاً!", وقال عنه: "كذاب!", وقال عن كتبه: "غثاء, وجهل!", وقال عن بعض كتبه: "كتاب إرجاء!".
ولم أذكر غيرهما لقصر وقت المداخلة, كعبد الله بن خنين, وهو أحد أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء, حيث قال عنه: "كل شروح هذا الرجل اطرحها لا تقرأها, لأنه ماشي على منهج الإرجاء, والإرجاء المنفرد –بعد-!".
وكشيخهم عبيد الجابري, حيث قال عنه: "الريس كلامي فيه واضح؛ لو قلت قوله لضللت, لو قلت قوله لوجب الحذر مني! انحرف, ومن ذلك كونه مع الحلبي, وهو لم يفاصل الحلبي! مع أن الحلبي صاحب بدعة".اهـ
وليس على مثله يُعد الخطأ! فقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره, وقد منّ الله عليّ بأن خبرت عجر وبجر هذا الرجل منذ سنين, ولا زال يتحفنا بكل جديد من قوله المشين! إلا أن الحلقة لم تخصص لذلك فاكتفينا بالإشارة إلى ضلاله المبين, والعرب تقول: "إن لكل مقام مقال!"..
بعدها ارتأيت أن أدفع التهم المشاعة, كاقصائنا من الاستظلال بظلال أهل السنة والجماعة, فالاتهمام بالبدعة والجهل واللوم, حليف كل من خالف القوم! وكما قال العلامة ابن القيم في نونيته عن أمثال من نعني:

فرموهم بغيا بما الرامي به *** أولى ليدفع عنه فعل الجاني


يرمي البريء بما جناه مباهتا *** ولذاك عند الغر يشتبهانِ!

فسبقناه لدفع تلك اللائحة من الاتهامات, وأغلقنا الباب دون الأراجيف والأغلوطات! اللهم إلا بالبراهين والإثباتات, وأنىّ لمثله!
وأخيراً سابقنا الوقت في طرح رأس المسألة الذي لا يزال قائماً, ومع ثقله إلا أنه لم يبرح عائماً!
ووضعنا أيدينا على الجرح الذي يثعب, والسؤال الذي يصعب: نحن لا نخالف في وجوب طاعة أولي الأمر الشرعيين في المعروف, ولا نرد –وحاشا- النصوص الواردة في هذا الشأن!
ولكن نقطة الخلاف: من هو ولي الأمر الشرعي؟ ما هي شروط الإمامة؟ ما هي مقاصد الإمامة؟
بعدها لتنزل الآيات والأحاديث هنيئاً مريئاً على من توفرت فيه شروط الإمامة, وقام جاهداً بمقاصد الإمامة!
قال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله في شروط الإمامة: "فلأهليتها عشر شروط وهي: أن يكون الإمام ذكراً, حراً, بالغاً, عاقلاً, مسلماً, عدلاً, شجاعاً, قرشياً, عالماً, كافياً لما يتولاه من سياسة الأمة ومصالحها. فمتى عقدت البيعة لمن هذه صفته –ولم يكن ثمة إمام غيره– انعقدت بيعته وإمامته؛ ولزمت طاعته في غير معصية الله ورسوله".اهـ [تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص51, وانظر الروضة 10/42, والأحكام السلطانية للماوردي 6 , وغياث الأمم 69].
وأما مقاصد الإمام فكما قال الحسن البصري رحمه الله: "هم يلون من أمورنا خمسة: الجمعة, والجماعة, والفيء, والثغور, والحدود".اهـ [ أنظر تاريخ المذاهب الإسلامية 92 ]
وكما قال السفاريني في نظمه:

لا غنى لأمة الإسلام *** في كـل عصر كان عن إمام


يذب عنها كل ذي جحود *** ويعتني بالغزو والحدود


وفعل معروف وترك نكر *** ونصر مظلوم و قمع كفر


وأخذ مال الفيء والخراج *** ونحوه والصرف في منهاج


ونصبه بالنص والإجماع *** وقهره فحل عن الخداع

فإن قتلوا هذه المسألة بحثاً فبعد ذلك يحق لهم أن يناقشوا مسألة الطاعة, والغلو فيها من عدمه! لا أن يقفزوا مباشرة في سرد الأدلة على وجوبها وهم لم يثبتوا بعد أصلها ولبها!
كمن سُئل عن رجل توضأ بسؤر الكلب وضوء كاملاً إلا أنه لم يمسح جميع رأسه: هل تم وضوءه أم أنه ناقص لعدم مسحه سائر الرأس؟
فأجاب المفتي الخطير, والحبر النحرير: "اعلم -رحمنا الله وإياك- بأنه لا خلاف في وجوب مسح الرأس‏،‏ وقد نص الله تعالى عليه بقوله: (‏فامسحوا برءوسكم‏)‏، واختُلف في قدر الواجب: فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك، وروي عن أحمد يجزئ مسح بعضه.. قال أبو الحارث: قلت لأحمد فإن مسح برأسه وترك بعضه‏؟‏ قال‏:‏ يجزئه، ثم قال‏:‏ ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله..
وقد نُقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه‏،‏ وابن عمر مسح اليافوخ، وممن قال بمسح البعض: الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن الظاهر عن أحمد - رحمه الله- في حق الرجل‏،‏ وجوب الاستيعاب وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها..
واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ‏، فقال القاضي‏:‏ قدر الناصية لحديث المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- مسح ناصيته وحكى أبو الخطاب وبعض أصحاب الشافعي عن أحمد‏:‏ أنه لا يجزئ إلا مسح أكثره لأن الأكثر ينطلق عليه اسم الشيء الكامل، وقال أبو حنيفة يجزئ مسح ربعه وقال الشافعي يجزئ مسح ما يقع عليه الاسم‏،‏ وأقله ثلاث شعرات، وحكي عنه‏:‏ لو مسح ثلاث شعرات وحكي عنه‏:‏ لو مسح شعرة أجزأه‏، لوقوع الاسم عليها، ووجه ما قاله القاضي‏:‏ إن فعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يصلح بيانا لما أمر به فيحمل عليه‏.‏
فامسح رأسك كله – وهو الأفضل – أو بعضه، ولا تثريب عليك - بارك الله فيك - فالمسألة فيها أقوال مختلفة لعلماء السلف والخلف".اهـ (انتهت الفتوى!!).
فهذا المفتي يظهر في الوهلة الأولى –لا سيما عند السذج- أنه علامة زمانه, وفهامة أوانه!
إلا أن المحقق المدقق لا يخفى عليه أن هذا الرويبضي قد حاد عن أصل المسألة وهي أن الرجل قد توضأ من سؤر الكلب! وقفز إلى فرع من فروع المسألة وهي مسألة مسح الرأس, ولكي يُخفي عجزه قام بالتوسع في ذكر خلاف العلماء في حكم إستيعاب الرأس بالمسح!
هكذا تماماً يفعل خصومنا –دائماً-, لا سيما في موضوع طاعة أولي الأمر!
لذا تجدون عبد العزيز الريس حاص وباص حينما ذكّرته بأصل المسألة, واكتفى بقوله فاراً مما ألقينا عليه: "كلام حلو لكن دون معنى!"..
نعم هو حلو, كما وصف الوليد بن المغيرة ما جاء به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الحق, فقال: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه, وأنه ليحطم ما تحته!" [رواه البيهقي في دلائل النبوة].
فهكذا الحق دائماً حلو لكنه ثقيل! قال الله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)) [المزمل].
وأخرج ابن المبارك في الرقائق عن عبد الله بن مسعود وحُذَيْفَة بن اليَمَانِ رضي الله عنهما, قال: "الحَقُّ ثَقِيلٌ وَهُوَ مَعَ ثِقَلِهِ مَرِيءٌ، والبَاطِلُ خَفِيفٌ وَهُوَ مَعَ خِفَّتِهِ وَبِيءٌ!".اهـ
انتهت الحَلقَة, ولا زالت مداخلتي شوكة في حَلقِه!
ومع أن مداخلتي في دقائق, إلا أن وقعها على أوشاب الناس لا زال إلى هذه الدقائق؛ حيث يصلني منهم السباب والشتائم, بشكل دوري دائم! وكما قيل: "الصراخ على قدر الألم!" وكأن المتنبي بات في مسلاخي حين قال:

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها *** وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ!

[ديوان أبي الطيب المتنبي ص510].
لكني لم أر منهم رداً علمياً, ولا نقداً تأصيلياً, لم أر إلا مشاغبات وغوغاء, وهذا ديدن أذناب ريسهم الجهلاء!
ومع أن سقوط ما قالوه يغني عن اسقاطه, إلا أننا نحفظ عن بعضهم قوله:

لكل ساقطــة في الحـي لاقطــة *** وكـل كــاسدة يومــاً لها ســوق!

ونحفظ لغيره:

لكل ساقطة في الحي لاقطة *** حتى القمامة يأتي من يواريها!

لذا بدا ليّ أن أسطر هذه الكلمات القلائل, في الرد على أبرز ما طرحوه من مسائل.. فأقول:
أولاً: قالوا: لماذا الاستشهاد بالشعر؟
ونجيبهم بـ: أن الكلام ينقسم إلى نثر وشعر, فلي أن أتكلم بالأول ولي أن أتكلم بالثاني, والثاني للنفس أهنأ, وللحق أمرأ, وللعي أبرأ! ولما سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشعر, أجاب: (الشعْرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلاَمِ فَحُسْنُهُ كَحُسْنِ الْكَلاَمِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلاَمِ) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد, وللطبراني في الأوسط عن ابن عمروٍ, وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن عائشة].
وقال الأصمَعي: "وما أبرم عمَر أمرًا إلاَّ تَمَثَّل ببَيتِ شِعر".اهـ، وقال ابن الجعدية: "ما أبرم عمر بن الخطاب أمرًا قط إلاَّ تَمَثَّل فيه ببيت".اهـ
حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما:"ما رَأَيت أروَى من عمر"، وقال الشعبي: "كان عمر شاعرًا!".
وأسند الزبير بن بكار, عن أبي الزناد, قال: "ما رأيت أحداً أروى لشعرٍ من عروة, فقيل له: ما أرواك! فقال: ما روايتي في رواية عائشة! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعراً".اهـ [انظر الاستيعاب 4/1883, والإصابة 4/2574].
وعن هشام عن أبيه, قال: "رُبَّما روتْ عائشةُ القصيدةَ ستِّين بيتاً وأكثر".اهـ [أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/72-73, وانظر سير أعلام النبلاء 2/189].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر, فإن الشعر ديوان العرب".اهـ وعنه قال: "الشعر ديوان العرب وأول علومهم".اهـ [أخرجه ابن الأنباري في الوقف والابتداء برقم (93، 120), والبيهقي في السنن الكبرى 10 / 241 وقال: "هذا هو الصحيح موقوف".اهـ].
وعن مسلم بن يسار, قال: سمعت سعيد بن المسيب, يقول وقد أنشد شعراً فقلت: وإنكم لتنشدون الشعر؟ فقال: أو ما تنشدونه عندكم؟ قلت: لا. قال: "لقد نسكتم نسكا أعجمياً!".اهـ [رواه الدينوري في المجالسة].
ثانياً: قالوا: لماذا الاعتداد بالنفس؟
ونجيبهم بـ: أن التواضع أمر محمود إذا كان في محله! كما قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 88], وقال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)) [الشعراء]..
فالتواضع للأتباع وأهل الإتباع, أما الكفار والعصاة وأهل الإبتداع, فيُشرع التعزز عليهم, حتى قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "تعززوا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم".اهـ [انظر: ما رواه الأساطين ص6].
وفي ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد: (إنها لمشية يبغضها الله عز وجل إلا في مثل هذا الموضع!), وفي رواية: (إلا في هذا الموطن) [رواه البخاري في التاريخ الكبير (3/154), والطّبراني في الكبير (6508), وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (3657), والبيهقي في الدلائل (3/233), والخطيب في المتفق والمفترق (707)].
لذا فلا زال السلف والخلف يعتدون بأنفسهم ويرتجزون في ذلك عند المبارزة أو المناظرة!
فهذا الإمام السيوطي رحمه الله يقول عن نفسه: "والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه في هذه العلوم السبعة لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي, فضلاً عمن دونهم, ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفاً بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها؛ لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولي ولا بقوتي".اهـ [حسن المحاضرة 1/141].
وقال أيضاً: ".. فانظر إلى هذه الدقيقة التي فتح الله بها, ولا يغوص عليها إلا غوَّاص!".اهـ [تناسب الدرر ص150].
بل رجى أن يكون هو مجدد المائة التاسعة, فقال في أرجوزته في التجديد:

وهذه تاسعة المئين قد *** أتت ولا يخلف الهادي وَعَد


وقد رجوتُ أني المجددُ *** فيها ففضل الله ليس يجحدُ

وهذا الإمام القحطاني رحمه الله تكلم في الاعتداد بنفسه في فصل عُقد في نونيته تحت عنوان: "اعتزاز وافتخار الشاعر بعلمه وعشيرته", ومن ذلك قوله:

أَنا تَمرَةُ الأَحبابِ حَنظَلَةُ العِدا *** أَنا غُصَّةٌ في حَلقِ مَن عاداني


وَأَنا المُحِبُّ لِأَهلِ سُنَّةِ أَحمَد *** وَأَنا الأَديبُ الشاعِرُ القَحطاني

وهذا المدح للنفس يُصار إليه عند الحاجة, كما قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)) [يوسف].
وهو من باب التحديث بالنعمة, كما قال الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)) [الضحى].
وللإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله كتاب بعنوان: "التحدث بنعمة الله".
ثالثاً: قالوا: من أين لك أنه إذا سقط الناقل سقط المنقول؟
ونجيبهم بـ: أن العلماء اشترطوا لصحة المتن شروطاً؛ منها عدالة الراوي –الناقل-.. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في النزهة (ص:83): "والمراد بالعدل، من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة".اهـ [وانظر الكفاية (ص:136) باب: الكلام في العدالة وأحكامَها]..
ومع ذلك فإن لكل قاعدة شواذ! إذ أنه قد يصح المتن مع ضعف السند, كأن يأتي من طريق آخر ونحو ذلك –على تفصيل في ذلك ليس هاهنا محله-..
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه –كما عند البخاري- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟). قال: لا، قال: (ذاك شيطان).
ولكن تبقى المسائل على أصولها لا مستثنياتها! لذلك عمد الشيعة الإمامة –الروافض- إلى الطعن في الصحابة وهم من نقل لنا الكتاب والسنة ليسقطوا المنقول!
قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق, وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق, والقرآن حق, وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة, والجرح بهم أولى وهم زنادقة".اهـ [رواه الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص49].
وقال الإمام الهروي رحمه الله: "وأما الذين قالوا في السلف الصالح بالقول السيء فأرادوا القدح في الناقل؛ لأن القدح في الناقل إبطالٌ للمنقول, فأرادوا إبطال الشرع الذي نقلوه".اهـ [ذم الكلام للهروي –مخطوط ق 140/ب].
ومع وضوح هذه المسألة بجلاء, إلا أن بعض السذج والسفهاء, ينكرها عليّ لما لم يجد ما ينكره!

فَعَيْنُ الرِّضا عن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ *** ولكنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَساوِيا!

نعم؛ "تبدي المساويا", وليتها كانت كذلك لهان الأمر ولكنها: محامد! غير أنها صُحفت في عين كل حاقد حاسد! أعاذنا الله من تلك الأعين.. اللهم آمين
وختاماً: فهذه بعض الإشارات المختصرة والنقاط, جاءت في التعقيب على بعض ما وقفت عليه من أغلاط.. على أني أعلم علم اليقين, إن لم يكن عين اليقين, أن خصومي لن يرضوا عني مهما فعلت! فهم قوم بهت!

ضحكت فقالـوا ألا تحتشم *** بكيت فــقالــوا ألا تبتــسـم


بسمت فــقالوا يـرائي بها *** عبست فقالوا بدى ما كــتــم


صمت فقالوا كليل اللسان *** نطقــت فقــالوا كــثير الكلم


حلمت فقالوا صنيع الجبان *** ولـو كــان مـــقتدرا لانــتقـم


بســلت فــقالوا لطـيش به *** ومــا كـــان مجــترءا لو حكم


يقـــولــون شذ إذا قــلت لا *** وإمـعــه حــيـن وافــقتهــم


فايقنت أنـي مهــمــا أردت *** رضــا الــنــاس لابـــد أن أذم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين..

وكتب: أ. تركي بن مبارك بن عبد الله البنعلي


1434هـ - 2013م


وهـم نقلـوا عنـا الذي لم نقـل به *** (وما آفــة الأخبـــار إلا رواتـها!)