المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فقه أصل الاجتماع



أهــل الحـديث
26-02-2013, 10:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




فــقــه أصـــــل الاجـــتمـــــــــــاع

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:

فإن الجماعة مطلب شرعي، ومقصد أصلي، وضرورة فطرية إلا أن لها أسبابا لتحقيقها ودوامها، وموانع لانعقادها وانتظامها أحببت أن أدلي بدلوي – مع تقصيري – في بيان تجلية أهم أصولها وأسسها ومن الله التوفيق .

مقدمة :

إن التوحيد ينبني على شهادة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله .

فشهادة أن لا إله إلا الله تعني: أن لا معبود بحق إلا الله، ومعنى كونه – سبحانه وتعالى – المعبود بحق وحده: أنه لا محبوب ذلا وتعظيما إلا هو، ومعنى محبة الله : موالاته، ومعنى موالاته: موافقته في أن نحب ما يحب، ونبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان .
وهذا هو حقيقة العبودية لله – تعالى – لذلك قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56]، أي ليفعلوا محبوبات الله، ويجتنبوا مبغوضاته، وهو معنى قول من قال: (إلا لآمرهم وأنهاهم) .

والشهادة الثانية: شهادة أن محمدا رسول الله، هي مع شهادة التوحيد تعد ركنا واحدا، وذلك أن معنى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أنه لا سبيل لنا إلى معرفة ما يحبه الله مما يبغضه على التفصيل إلا عن طريق النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لذلك كانت من لوازم التوحيد، فالنبوة والرسالة من لوازم التوحيد .

فكما أن العباد مضطرون إلى عبادة الله، فهم مضطرون إلى النبوة والرسالة، لأنه لا سبيل إلى دفع ضرورة العبادة إلا عن طريق الرسالة .

بيان المناسبة بين التوحيد والمتابعة وبين الاجتماع .

إن الله – سبحانه وتعالى- قد أجرى على عباده سننا كونية، وأمرهم بسنن شرعية، وعلى ضوء هذه السنن يحدث ما نراه في هذا الكون من أحكامه القدرية والشرعية، أي أنك ممكن أن تأخذ بيان حكم كوني أو حكم شرعي من معرفة سنن الله الكونية والشرعية في عباده .

فلما ذكرنا أن الله – سبحانه وتعالى – قد فطر العباد مجبولين على عبادته، ففيهم هذه الضرورة وهي طلب عبادة الله لكن بصورة مجملة، وتفصيلها يكون بالنبوة والرسالة – تفصيل هذه العبادة التي تصلح العبد في المعاش والمعاد موقوفة على رسالات الرسل – لذلك نجد أن الله – سبحانه وتعالى – إذا بعث الرسل بعثهم بتفصيل الأحكام الشرعية، كقوله – سبحانه - :{وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}[الأنعام:55]،
وقوله :{ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}[هود:1].

فنجد أن كتاب الله – تعالى – وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيهما تفصيل أحكام العبودية التي يطالب بها العبد لتحقيق عبودية ودفع ضرورته .

فهذه الأحكام جعل الله – سبحانه وتعالى – من سنته فيها أن من اجتمعوا على أدائها بقلوبهم وجوارحهم أن الله يؤلف بين أبدانهم وقلوبهم .

فكلما كان تمسكهم بشرع الله أعظم كان ائتلافهم وتحابهم وتوادهم أعظم، وكلما نقص عندهم من تحكيم شرع الله، أو التفريط فيه حصل من التفرق والاختلاف ما يناسب هذا التقصير .

لذلك إذا وصل التفريط والتقصير إلى أشنع الصور ألا وهو الشرك صار وصف أصحابه – الوصف الملازم لهم – هو التفرق، كما قال – تعالى - :{ ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}[الروم:31-32] .

وقوله :{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13]، أي لما استحكمت الغفلة، وعم بعدهم عن دين الله – سبحانه – بأن صار الناس مواقعين للشرك صار حالهم التفرق المقيت عند الله – تعالى - .

وإذا عظم توحيدهم عظمت ألفتهم ومحبتهم ومما يبن هذا تأليف الله بين الأوس والخزرج، - الذين طالت بينهم الحروب – كما ذكر الله ذلك في قوله:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا}[آل عمران:103] ، فاجتمعوا على التوحيد وبسببه وقد تم التأليف على يد النبي – صلى الله عليه وسلم - {فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، أي: بما حبا الله نبيه – عليه الصلاة والسلام – من اللين والحكمة التي سببها كمال التوحيد فيه جمعهم الله وألف بينهم، بل إن الآية صريحة {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، أي أن من كمل مراتب التوحيد فإن الله – تعالى – يجعل من ثمرة ذلك التأليف بين القلوب، وعدم التفرق .

وأخبر – تعالى – عن أهل الكتاب :{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء}[المائدة:14]، أي: بسبب تقصيرهم ببعض ما أمروا به كانت النتيجة أن الله جعل بينهم العداوة والبغضاء .

فإذا على قدر تكميلك للتوحيد يكون الاجتماع، وعلى قدر تقصيرك به يكون التفرق، وهذه سنة كونية وسنة شرعية .

السنة الشرعية أنه لا ينبغي لك أن تجتمع مع أحد يخالف أمر الله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – وينبغي أن تنكر عليه وأن تظهر له من العداء على قدر معصيته التي واقعها، هذا حكم شرعي أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتحب المرء على قدر إيمانه، وتبغضه على قدر معصيته، فإنه يجتمع في الشخص الواحد موجبات الحب، وموجبات البغض، ويتفاوت الناس في ذلك .

ومن السنة الكونية أن الله – تعالى – يجعل في القلوب الألفة إذا كانوا عاملين بشرعه متمسكين به، و يجعل بينهم الفرقة إذا فرطوا أو قصروا في ذلك .
إذا هي سنة شرعية وسنة كونية، وترى الكثير منا يعتني بأحكام السنن الشرعية، ولا يعتني بأحكام السنن الكونية، وإننا لنجد بين بعض أهل التوحيد شيئا من العداء والفرقة وسبب ذلك معصية وقعا فيها أو أحدهما .
ولا سبب غير ذلك لأن الله لما خلق الناس خلقهم مجبولين على عبادة الله وبها صلاحهم في المعاش والمعاد، وهم في الآخرة لا يجتمعون في الجنة إلا مع صفاء القلوب، فكذلك هم في الدنيا لا يجتمعون إلا على ذلك، لماذا؟
لأن الاجتماع دليل العصمة، والعصمة لا تكون لمن له هوى، لأنه قد يتكلم وفق هواه، أو أغراضه، أو مراداته .

.

يتبع ............