المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرر اللوامع في مقرأ الإمام نافع - ما يتعلق بها-



أهــل الحـديث
24-02-2013, 10:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الإمام ابن بري ونظمه " الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" دراسة تحليلية


تعد قراءة الإمام نافع من القراءات المتواترة التي حضيت بالقبول وكان لها الانتشار الواسع عند المغاربة والأندلسيين لما عرفت به هذه القراءة من الصحة والشهرة ولما عرف به صاحبا من الإمامة و الأتباع، حتى قال الإمام مالك :" قراءة نافع سنة " (1) ومن ثم فردها كثير من علماء المغرب بالتأليف وجردوها بالتصنيف.
وكان: " من أجل ما ألف فيها من المختصرات التي اغنت عن كثير من المطولات، أرجوزة الإمام الفاضل، العامل الكامل، القارئ المحقق، والمقرئ المدقق، ذي العلوم الرائقة، والمصنفات الرائقة، ابي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن لحسين الرباطي المشهور بابن بري وهي المسماة بالدرر اللامع اصل مقرأ الامام نافع، فقد ضمنها قراءة نافع من روايتي قالون وورش، وبيّن الخلاف بينهما في الاصول والفرش، وأورد فيها ما أمكنه من الفرش، واورد فيها ما امكنه من الحجج والتوجيهات، مع الاختصار وقلة التعقيد في العبارات، ولذلك اعتنى كثير من الناس بحفظها، واشتغلوا بقراءاتها وفهم الفاظها، وقد شرحها جماعة من العلماء الفحول، فمنهم من اطال في بيان التعاليل والإعراب وجلب الضعيف من النقول، ومنهم من اختصر وعقّد العبارة واكتفى عن التصريح بالاشارة" (2).
فلما كان هذا النظم بهذه المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، وكنت – بفضل الله – ممن اعتنى بهذا النظم حفظا ودراسة وتدريسا، اردت ان أعرف بصاحبه الامام ابن بري، وابين منزلة نظمه وقيمته عند علماء المغرب وعنايتهم به تدريسا وشرحان مبرزا مميزات هذا النظم التي انفرد بها كذكر الخلاف والاختيار والتوجيهات والتعليلات، منبها على بعض الاوهام اليسيرة التي استدركت على الناظم – رحمه الله – ضمن مبحث ثلاثة:
المبحث الاول في التعريف بالامام ابن بري، والمبحث الثاني في التعريف بنظمه الدرر اللوامع وعناية العلماء به، والمبحث الثالث في ذكر مميزات هذه المنظومة.
المبحث الاول: التعريف بالامام ابن بري
اسمه ونسبه: هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين التازي الرباطي المغربين الشهير بابن بري نسبة إلى رباط تازة وفي بعض لروايات الربضي نسبة الى احد ارباض المدينة أي احوازها (3)
مولده ونشأته: ولد ابن بري حدود الستين وستمائة(660 هـ)، واخذ تعليمه ببلده، وكان والده من اهل العلم والفضل، فيكون قد اخذ عنه كثيرا خاصة في مراحله الاولى، ثم استوطن تازة بها انهى دراسته، وكنت تازة من اهم المراكز العلمية في العهد المريني ذلك رحل اليها كثير من اهل العلم والادب واسوطنوها.
كان ابن بري احدالشهود العدول الذين يدعون عن القاضي للشهادة وغيرها، وقضى في ذلك مدة الى ان الحقه السلطان ابو سيد المريني بديوانه في حدود سنة 715 هـ، وجعله كان ولده ابي الحسن وأستاذه الخاص.
شيوخه ومنزلته العلمية: تلقى العلم ببلده عن والده، ثم تتلمذ على غيره، وشيوخه كثيرون لعل من اشهرهم : ابو الربيع سليمان بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي المتوفى بتازة سنة 709 ه، وبرز ابن بري في علوم شتى فقد كان رحمه الله عالما بالقراءات، متبحرافي علوم القرآن [ الكريم]ن والى جانب لك كان عالما نحويا، وأديبا بليغا، وفقيها فرضيا، له إلمام بالحديث وتبصر بصناعة التوثيق.
تلاميذه: تتلمذ عليه كثيرون من بينهم:
أبو الحجاج يوسف بن علي السدوسي ثم الغرناطي: كان يحضر مجالس اقراء ابن بري بجامع القريين بفاس سنة 723هـ، وهناك اخذ عنه منظومة الدرر اللوامع وقراها بدوره في المدرسة اليوسوفية بغرناطة سنة 744هـ.(4)
أبو مهدي عسى بن عبد اله الترجالي، ويعد من تلاميذه البارزين، ولي قضاء تازة ، وكان من شيوخها المرموقين، وهو الذي وعز الى السلطان بنقل ابن بري الى فاس وجعله كاتبا في ديوانه، واستاذا لولي عهده (6)، وغيرهم ...
مصنفاته: خلف رحمه الله تراثا قيما اثرى به المكتبة الاسلامية فمن اثاره (7):
- أرجوزة "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" وهو موضوع هذه الدراسة.
- اختصار شرح "الإيضاح" في النحو "للأستاذ ابن أبي الربيع الإشبيلي نزيل سبتة.
- شرح تهذيب [أبو سعيد] البراذعي "التهذيب في اختصار المدونة في الفقه المالكي " ، لكن لم يتمه.
- تأليف في الوثائق.
- شرح وثائق [أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن] الغرناطي.
- شرح عروض ابن السقاط.
وفاته: بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء توفي رحمه الله بتازة بالمغرب الاقصى، ودفن بها سنة 731 هـ وضريحه مشهور خارج المدينة.
المبحث الثاني:التعريف بنظمه الدرر اللوامع وعناية العلماء به
اسمها واهميتها: تعرف هذه المنظومة بنظم ابن بري، أو البرية، واسمها الكامل: "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" وتعد هذه المنظومة من اهم المنظومات في قراءة ناقع عند المغاربةن فلقد طارت شهرته في الافاق، وغطت على كل ما الف في هذا الباب، وكانت ولا تزال على راس المتون العلمية التي يحفها طلاب العلم في الغرب الاسلامي، وكانت محل عناية كثير من العلماء بالشرح والدريس، كماسياتي تفصيل ذلك.
مضمونها: تتألف هذه المنظومة من ثلاثة واربعين ومائتي(243) بيت، اشتملت على مقدم بين منهجه فيها، وستة عشرة بابا تتضمن اهم الاصول، والقواعد الكلية وهذه الابواب هي: باب الاستعاذة، باب البسملة، باب ميم الجمع، باب هاء الكناية، باب المد والقصر، باب أحكام الهمز المزدوج، باب أحكام الهمز المفرد، باب أحكام نقل الحركة، باب الإظهار والإدغام، باب الفتح والإمالة، باب الراءات، باب اللامات، باب كيفيات الوقف، باب ياءات الإضافة، باب ياءات الزوائد، باب فرش الحروف، ثم ذيلها بابيات في مخارج الحروف وصفاتها، لأهميتها وحادة قرء القرآن [ الكريم] إليها، وي ملحقة بالمنظومة في كثير من النسخ، وقد بلغ هذا الذيل ثلاثين (30) بيتا، فيكون مجموع المنظوة وذيلها ثلاثة وسبعين ومائتي بيت (273).منهجها: لقد وضع المصنف رحمه الله منهج خاصا به في هذا النظم أبان عنه في مطلع هذه الارجوزة، فبعد حمد الله، والصلاة على نبيه http://www.attaweel.com/vb/attachment.php?attachmentid=550&stc=1&d=1337446059 ذّكر بفضل القرآن [ الكريم] وحملته ، مضمنا بعض ما ورد في ذلك عن النبي http://www.attaweel.com/vb/attachment.php?attachmentid=550&stc=1&d=1337446059 ثم بين أن غرضه من هذا النظم هو ذكر الاصول والقاعد الكلية، وبعض الفرشيات التي لاطرادها تري مجرى الاصول في قراءة نافع المدني.
وقصده من هذا النظم ان يكون تبصرة وتعليما للمبتدئين في هذا الفن، وتذكرة للمقرئين المنتهين، وجعله على بحر الرجز ليسهل حفظه وتذكره، لان النظم اسهل في الفظ من النثر غالبا، ثم بيّن أنه يورد قراءة الامام نافع من رواية الامامين ورش وقالون، سالكا في ذلك كله طريق الامام بي عمرو الداني دن غيره من الائمة كمكي بن ابي طالب صاحب " التبصرة" او ابي عبد الله محمد بن شريح صاحب " الكافي" ، وعلل اختياره لطريق الداني بتبحره في الحفظ والإتقان والتقدم في هذا الشأن، فقال:
سلكت في ذاك طريق الداني ... إذ كان ذا حفظ وذا إتقان
سند الامام ابن بري الى الامام نافع:
جرت عادة علماء القراءات المصنفين فيها ان يذكروا اسانيدهم التي وصلت بها اليهم القراءات التي يذكرونها في مصنفاتهم، وابن بري اراد ان يقتدي بهم في ذلك بنوع من الايجاز الذي يتناسب مع هذا النظم المختصرن فقال:
حسبما قرأت بالجميع …على ابن حمدون أبي الربيع
المقرئ المحقق الفصيح ... ذي السند المقدم الصحيح
ومراده انه تلقى قراءة نافع على شيخه الحاج ابي الربيع سليمان بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي ( ت 709هـ) ووصفه بالتحقيق والفصاحة والتقدم وعلو الاسناد وصحته، وقد تلقى بن حمدون عن ابي بكر بن فحلون السكسكي عن ابي مصعب اللخمي، عن ابي منصور مظفر اللخمي، عن السرقسطي، عن ابي داود سليمان بن نجاحن عن ابي عمرو الداني (8)
ولأبي الربيع شيوخ آخين وأسانيد أخرى ذكرها الامام الخراز في شرحه، وأسانيد الامام الداني معروفة ومشهورة قد ذكرها في مقدم " التيسير في القراءات السبع"
اصطلاحات في نظمه: جرت عادة اصحاب المتون والمختصرات أن يصطلحوا على بعض الأمور، مبالغة في الايجاز وتقليل الالفاظن ومعرفة هذه المصطلحات من الأهمية بمكان، إذ بها تستفاد الأحكام من منطوق النص ومفهومه، والغفلة عن هذه الاصطلاحات توقع في الخلل والخطأ في فهم الكلام واستثمار الأحام، والناظم قد اصطلح في نظمه على بيان أحكام قراءة نافع بطريقة وجيزة وسهلة أشار إليها بقوله:
بينت ما جاء من اختلاف... بينهما عنه أو ائتلاف
وربما أطلقت في الأحكام ...ما اتفقا فيه عن الإمام
وحاصل هذه الاصطلاحات سبعة وهي (9):
- أن يسند الحكم لورش وحده فيعلم أن قالونا روى خلافه، كقوله: أبدل ورش كل فاء سكنت، ونحوه.
- أن يسند الحكم لقالون وحده، فيعلم ان ورش روى خلافه، كقوله: واقصر لقالون يؤده معا، ونحوه.
- أن يسند الحكم إليهما مختلفين كقوله:
وزاد عيسى الظاء والضاد معا...وورش الإدغام فيهما وعى.
- أن يسند الحكم إليهما متفقين كقوله:
واتفقا بعد عن الإمام ... في سين سيئ سيئت بالإشمام
- أن يسند الحكم لنافع فيستفاد منه أن ورشا وقالونا متفقين عليه، كقوله:
فنافع بقصر يرضه قضى، ونحوه.
- أن يسند الحكم لجميع القراءن فيدخل في ذلك نافع من روايته ، كقوله:
وكلهم رققها إن سكنت، ونحوه.
- أن يطلق في الحكم ولا يقيده بقيد مما سبق، فيستفاد منه اتفاق ورش وقالون عليه، وهو أقل الأنواع.
عناية العلماء بنظم ابن بري: لقد عني العلماء بهذا النظم عناية كبيرة ولعل مرد ذلك الى ما اشتهر به صاحبه من امامة وعلم، وما تميز به نظم من سهولة معنى، وعذوبة لفظ، ولايجازه واشتماله على كل الأحكام، إضافة الى ما زاده من توجيهات وتعليلات لا يستغنى عنها، وقد تنوعت هذه العناية الى التعليم والتدريس والشرح والتعليق، والتتميم والتفصل، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أ- عناية العلماء بتدريس نظم ابن بري: كانت منظومة ابن بري من اهم المتون العلمية التي تدرس في اهم المراكز العلمية في المغرب العربي، فممن كان يدرسها بتلمسان الشيخ احمد بن موسى الشريف الادريسي (10)، والشيخ حدو بن سعيد المناوي (11) والامام ابن مرزوق التلمساني،
وممن كان يدرسها بفاس ويجيز ها للطلاب بالاسناد الى مؤلفها الامام ابو عبد الله محمد بن الحسين الشهير بالصغير من المع شيوخ ابن غازي وقد ذكر ذلك في فهرسه (12).
ومن كان يدّرسها بفاس ويجيز بها الامام ابو عبد الله الخراز، وكان الامام ابن بري نفسه يقرئ هذه لمنظومة بجامع القرويين بفاس ويجيزا من كان أهلا لذالك، وممن أخذها عنه أبو الحجاج يوسف بن علي بن عبد الواحد السدوري المكناسي الغرناطي سنة 723 هـ وأقرأها هو بدوره بالمدرسة اليوسفية بغرناطة سنة 774هـ ثم خلفه في إقرائها تلميذه أبو محمد القيطاجي (13)
ب – الإجازة بها: لأهمية هذه المنظومة، كانت تعد ضمن الكتب العلمية التي يجاز بها بالاسناد الى ناظمها كما تجد ذلك في كتب الفهارس والأثبات، فمن ذلك إجازة الامام ابن مرزوق التلمساني للامام ابن غازي(14)، وفي إجازة أبي الحسن البلوي لابنه ابي جعفر احمد بن علي الوادي آشي الأندلسي (15)
د- الشرح والتوضيح: قد اعتنى جماعة من العلماء بشرح هذه المنظومة وتوضيحهان وإن هذه الشروح من الكثرة بحيث يعسؤ حصرها كلها، لذا سنكتفي بذكر أهم هذه الشروح التي طبعت، أو لها نسخ خطية في مكتبات العالم الاسلامي:
- من أقدم شرّاحها الامام ابو عبد الله محمد بن محمد بن ابراهيم الشريشي الشهير بالخراز، والامام الخراز من معاصريه، وقد سمى شرحه " المقصد الافع لبغية الناشئ والبارع في شرح الدررر اللوامع"ويعد شرحه من احسن الشروح، اعتمد فيه على امهات كتب الن كمؤلفات الامام الداني، وابي العباس المهدوي، وابي جعفر بن البادش وغيرهم، وقد ناقش الشارح الناظم في كثير من آرائه، وانتقده في بعض ما ذهب إليه، وتوجد من هذا الشرح نسخ خطية كثيرة، فهناك نسخة بالخزانة الحسنية برقم 3719، نسخة بالمكتبة الوطنية بالجزائر، ووجد منه نسخ في بعض الزوايا بالجزائر.
- محمد بن شعيب المجاصي اليصلتي، وضع شرحه عام 725 هـ، توجد نسخة منه في الخزانة الحسنية بفاس رقم 11341 به 90 ورقة.
- ابو راشد يعقوب الحلفاوي، تجد نسخة من شرحه بالخزانة الحسنية برقم 6064 به 64 ورقة.
- أبو سرحّان مسعود بن محمد بن جموع الفاسي ( ت 1119هـ) في الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع، توجد منه نسخة مخطوطة بالخزانة الحسنية برقم 119 مجموع 1 م 256 ورقة.
- سعيد بن سعيد بن الحاج الجزولي ( ت 718هـ) له معين الصبيان على الدرر اللوامع، توجد منه نسخة بالخزانة الحسنية برقم 6035 به 57 ورقة.
- يحي بن سعيد الكرامي السملالي الشنقيطي، له تحصيل المنافع على الدرر اللوامع فرغ منه سنة 893 هـ، وللكتاب نسخ مخطوطة منها نسخة بالمكتبة الوطنية بالجزائر برقم 1171، وقد طبع الكتاب بمكتبة الكوثر بالمملكة العربية السعودية سنة 1422 هـ/2001م وقام بمقابلته وتحقيقه جماعة من الشيوخ الشناقطة، ومع ذلك فهذه النشرة مملوءة بالاخطاؤ المطبعية والتصحيفات، فالكتاب يحتاج الى مزيد من التصحيح والعناية والضبط.
- أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي الجزائري ( ت 875هـ) له شرح على الدرر يسمى " المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع" له نسخة مخطوطة في المكتبة الوطنية برقم 101-51، وقد طبع بالمطبعة الثعالبية بالجزائر سنة 1324هـ، وهو أقدم شرح مطبوع للدرر.
- ابراهيم المارغني التونسي له شرح على الدرر يسمى " النجوم الطوالع على الدرر اللوامع " وهو مطبوع بتونس سنة 1322هـ، وهو شرح متوسط كثير الفائدة.
وهناك شراح آخرون لهذه المنظومة منهم : المرسي ،التيجاني، الحصار، القلصادي، الجاديري، الوارثيني، ابن أجانا، المصمودي ، السلجماسي، الشوشاوي، الرجراجي، أبو عبد الله الجناني، أبو عبد الله بن المجراد، أبو عبد الله محمد بن عبد الملك المنتوري، أبو زيد بن القاضي، المنكاسي، البلفيقي، الحضرمي، ابن مسلم القصري، أبو الحسن المطماطي، ابن عبد الكريم الأغصاوي.
هـ- محاذاة الدرر وتفصيل وترجيح ما ورد فيها: بعض العلماء لم يقوموا بشرح الدرر اللوامع لكثرة ما عليها من الشروح والتعليقات، وإنما صرفوا همتهم لمحاذاتها أو تفصيل ما ورد فيها أ ترجيح ما ذكر فيها من الخلاف، فممن قام بمحاذاتها أبو عبد الله محمد بن محمد الحيحي، نظم في ذلك رجز، ثم قام بشرحه.
وأما الذي قاموا بتفصيل الطرق المذكورة في الدرر فمن ابرزهم الامام ابن غازي في نظمه " تفصيل عقد الدرر"، فقد رأى أن ابن بري اقتصر على رواية ورش من طريق الازرق فقط، ورواية قالون من طريق ابي نشيط، فذكر الطرق والروايات الاخرى عن نافع والتي تصل الى عشر طرق، وقد بلغت منظومة ابن غازي 149بيتا، وقد شرح هذه المنظومة جماعة من العلماء منهم:
- أبو زيد عبد الرحمن بن محمد القصري المعروف بالخباز (ت 1036هـ) وسماه " بدل العلم والود في شرح تفصيل العقد" توجد نسخة منه بالخزانة الحسنية رقم 887 مجموع 6 ي 70 ورقة.
- أبو الفضل مسعود بن محمد بن جموع المغربي ( ت 1119 هـ) شرح منظومة ابن غازي بشرح واسع بسط القول فيه سماه " كفاية التحصيل بشرح التفصيل " توجد منه نسخة خطية بالخزانة الحسنية بالرباط، وبالمكتبة الوطنية بالجزائر.
ومن الذين كتبوا في ترجيح ما ورد في الدرر من اختلاف ابو القاسم احمد التازي، له في ذلك أرجوزة سماها " الدرر السنية في ترجيح خلاف البرية" بلغت ابياتها مائة بيت، لخص فيها كتاب التجريد للداني.
وصفوة القول ان منظومة ابن بري شكلت محور حركة علمية هامة فيما يتعلق بقراءة الإمام نافع رحمه الله، وهي إلى يومنا هذا مصدرا هاما للمدرسين والمقرئين لا يستغني عنه.
المبحث الثالث: الخصائص والمميزات العلمية للدرر اللوامع
تميز منظومة ابن بري بثلاثة أشياء قلما توجد مجتمعة في نظم واحد لا سيما إذا كان مختصرا مما يجعلها تحقق مراد ناظمها إذ يقول:
يكون للمبتدئين تبصرة ... وللشيوخ المقرئين تذكرة
وهذه الأمور لثلاثة هي: ذكر الخلافيات، والاخيارات والتوجيهات.
أ- عناية ابن بري بذكر الخلاف في نظمه: لم يقتصر ابن بري على ذكر المسائل المشهورة والأحكام المتفق عليها في رايتي ورش وقالون مما يحتاج اليه المبتدئ بل ضمنها كثيرا من المسائل الخلافية التي يحتاج اليها المنتهى في هذا الفن، والخلاف الذي يذكره على أنواع أربعة: فأحيانا يذكر الخلاف بين القراء عموما، وأحيانا يذكر الخلاف بين القراء والنحاة، وأحيانا يذكر الخلاف بين الرواة عن الأزرق، وأحيانا يذكر الخلاف بين الرواة عن قالون، فمن النوع الأول ( الخلاف بين القراء عموما) قوله:
- وفي المزيدي الخلاف وقعا.
- والخلف في فِرق لفَرق سهل.
- والخلف في هاء الضمير بعد ما ... ضمة أو كسرة أو أميهما.
ومن النوع الثاني ( الخلاف بين القراء والنحاة) قوله: وهو الموضع الوحيد
وان أتت بالكسر بعد الضم…فالخلف فيها بين أهل العلم
فمذهب الأخفش والفراء…ابدالها واوا لدى الأداء
ومذهب الخليل ثم سيبويه…تسهيلها كالياء والبعض عليه.
وأما النوع الثالث ( الخلاف عن الأزرق) فقد ذكر ذلك في احد عشرة موضعا وهي:
- وفي يؤاخذ الخلاف وقعا ... وعادا الأولى والآن معا
- وفي "سوءات" ... خلف لما في العين من فعلات.
- وفي كتابيه ... خلف ويجري في ادِّغام ماليه.
- وخلف ورشهم بنونا.
- والخلف عنه في "أراكهم" وما ... لا راء فيه كاليتامى ورمى
- والكافرين مع كافرين... بالياء والخلف بجبارين
- ورا وها ويا ثم ها طه وحا...وبضعهم حا مع ها يا فتحا
- والسير والطير وفي حيران...خلف له حملا على عمران
- والخلف في طال وفي فصالا...وفي ذوات الياء إن أمالا
- ورأيت وها انتم سلا عنه... وبعضهم لورش أبدلا
وأما النوع الرابع ( الخلاف عن قالون) فقد ذكر ذلك في عشرة مواضع وهي:
- وصل بطه الهاء له من ياته...على خلاف فيه عن رواته
- والخلف عن قالون في المنفصل.
- ومد قالون لما تسهلا ... بالخلف في أأشهدوا ليفصلا.
- في حرفي الاحزاب بالتحقيق ... والخلف في بالسوء في الصديق
- واركب ويلهث والخلاف فيهما...عن ابن مينا والكثير ادغما
- وقد حكى قوم من الرواة ... تقليل ها يا عنه والتوراة.
- وياء اوزعني معا وفي إلى...ربي بفصلت خلاف فصلا
- والواد في الفجر وفي التناد ...مع التلاق خلف عيسى بادي
- لكنه وقف في ءاتان ...قالون بالإثبات والإسكان
- وأنا إلا مده بخلف ... وكلهم يمده في الوقف.
ب- عناية ابن بري بذكر الاختيارات والترجيحات في نظمه: من اللافت للنظر في هذه المنظومة ما يشير اليه الإمام ابن بري من فينة الى اخرى من اختيارات وترجيحات في مسائل اختلف فيها الرواة عن ورش أو قالون، تنم عن اطلع واسعن وتحقيق دقيق، وعلم عميق، فمن ذلك اختياره لفظ الاستعاذة الوارد في سورة النحل بقوله:
وقد أتت في لفظة أخبار... وغير ما في النحل لا يختار
واختياره السكت بين ين السورتين عن ورش في قوله:
واسكت يسيرا تحظ بالصواب.
واختياره السكت أيضا بين الأربع الزهر وذلك في قوله:
والسكت اولى عند كل ذي نظر...لأن وصفه الرحيم معتبر
واختياره الوقف على ميم الجمع بالسكون دون إشارة بروم وإشمام، وذلك في قوله:
واتركها اظهر في القياس ...وهو الذي ارتضاه جل الناس
واختياره المد فيما تغير سببه، أو من أجل السكون العارض، وذلك في قوله:
والخلف في المد لما تغيرا...فاقصر وعن ورش توسط ثبت
واختياره القصر في ياء إسرائيل، واستثناؤه من مد البدل وذلك في قوله:
وياء إسرائيل ذات قصر هذا ... الصحيح عند أهل المصر
واختياره المد في العين من فاتحة مريم والشورى وذلك في قوله:
ومد للسالكين في الفواتح ... ومد عين عند كل راجح
واختياره الترقيق في ذكرى الدار عند وصلها، وذلك في قوله:
والخلف في وصلك ذكرى الدار...ورققت في المذهب المختار
واختياره الغليظ في لام طال وفصالا، وذوات الياء الممالة واللام الساكنة عند الوقف إذا كات مغلظة عند الوصل، وذلك في قوله – بعد ان حكى الخلاف فيها-
والخلف في طال وفي فصالا ... وفي ذوات الياء إن أمالا
وفي الذي يسكن عند الوقف ... فغلظن وارك سبيل الخلف
واختياره الترقيق في اللامات في رؤوس الآي وذلك في قوله:
وفي رؤوس الآي خذ بالترقيق... تتب وتتبع سبيل التحقيق
ج – عناية ابن بري بذكر التوجيهات في نظمه: من الامور التي عني بها ابن بري ذكر التوجيهات والتعليلات في نظمه، وقد أشار الى هذا في مقدمة نظمه فقال:
أوردت ما امكنني من الحجج ... مما يقام في طلابه حجج
وقد احصيت اثنين وعشرين موضعا ذكر فيه عليلات نحوية وصرفية ولغوية لبعض الأحكام عند ورش وقالون معتمدا في ذلك على مصنفات هذا الفن المعتبرة، مقتصرا على أصح التعليلات وأقواها، وفي هذا المسلك من الامام ابن بري ربط بين علم القراءات وعلم توجيه القراءات، وهو أشبه ما يكون بربط الفقه بأدلته وحججه، ولا يخفى أثر ذلك في استيعاب المسائل، وتعميق الفهم، واستحكام الملة، فمن ذلك تعليله للصلة في هاء الضمير بقوله:
واعلم بان صلة الضمير بالواو أو بالياء للتكثير.
وهذا الذي ذكره موافق لما ليه أئمة الفن كمكي بن أبي طالب (16) وأبي العباس المهدوي (17) وغيرهما، وتعليله ترك الصلة عند نافع في " يرضه" والصلة في " ويره" بقوله:
ونافع بقصر يرضه قضى ... لثقل الضم وللذي مضى
ولم يَكنْ يراه في هاءِ يَره ... مع ضمّها وجزمِه إذ غيّرَه
لفَقْدِ عينِه ولامِه فَقَدْ ... نابَ له الوصلُ مَنابَ ما فَقَدْ
وهذا لتعليل مأخوذ مما ذكره أئمة هذا الشأن (18)، وتعليله القصر في سوءات وموئلا والموءودة بقوله:
والواو والياء متى سكنتا... ما بين فتحة وهمز مدتا
له توسطا وفي "سوءات" ...خلف لما في العين من فعلات
وقصر موئلا مع الموءودة ... لكونهما في حالة مفقودة.
وهو موافق لما ذكره أئمة أهل الفن، وغيرها من التوجيهات الدقيقة والتعليلات القوية.
الاستدراكات على ابن بري: كشأن أي عمل بشري لا يسلم صاحبه من بعض النقائص والملحوظات التي تتجه إليه من أجل إكمال النقص، وتسديد الخطأ، ولم يكن نظم العلامة ابن بري بمنأى عن ذلك، فقد سجل كثير من الشراح بعض الملحوظات على منظومته، أردنا الاشارة اليها تتميما للفائدة ، وتنبيها لطلاب العلم، فمن ذلك:
ذكره إخفاء التعوذ عن نافع من رواية المسيبي، في قوله:
والجهر ذاع عندنا في المذهب ...به والإخفاء روى المسيبي
وانتقد في قوله [في "البسملة"] :
واختارها بعض أولي الأداء ... لفضلها في أول الأجزاء
فالذي نص عليه ابو عمرو الداني وغيره إنما هو التخيير فيها لا اختيارها، والتخيير خلاف الاختيار، وكان حق المصنف أن يقول:
وبعضهم خير في الأداء ...فيها لدى أول الأجزاء
ونتقد أيضا في قوله:
وكلها سكنها قالون...ما لم يكن من بعدها سكون
إذ اقتصر لقالون على الإسكان في ميم الجمع فقط، وان كان هو الأشهر فهو أحد الطرق له، والطريق الثاني الضم مطلقا، والثالث التخيير في الوجهين للخلاف فيهما.
وانتقد ايضا في قوله:
واختلس العين لدى نعما... وفي النساء لا تعدوا مما
وها يهدي ثم خا يخصون ... إذ أصل ما اختلس في الكل السكون
فقد اقتصر الناظم على الاختلاس في الالفاظ الأربعة تبعا لجماعة منهم الشاطبي، وكان حقه ان يذكر لقالون الإسكان فيها أيضا لأنه ذكره الداني في التيسير وجعله هو النص عن قالون (20)

وفي ختام هذه الجولة العلمية مع هذه المنظومة الماتعة النافعة نؤكد على ما يلي:
- ضرورة الاعتناء بالتراث المغربي في علم القراءات والقيام على نشره وتحقيقه والتعريف به ودراسته في بحوث علمية أكاديمية وفرق بحث متخصصة.
- الاهتمام بشروح ابن بري والكتب التي عنيت بها بتحقيق المخطوط منها، واعادة نشر ما طبع وخدمته لخدمة العلمية اللائقة به.
- إدراج هذه المنظومة ضمن المقررات الدراسية في المدارس القرآنية، والجامعات والكليات الشرعية.

الهوامش:
(1)- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/7.
(2)- القراء والقراءات بالمغرب: ص 25.
(3) – انظر معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 7/220، والاعلام للزركلي 5/5، والقراء والقراءات بالمغرب لسعيد اعراب ط1 دار الغرب الاسلامي ص 22.
(4) - انظر القراء والقراءات بالمغرب: ص 28.
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن سعيد : وهو الذي خلف ابن بري على كرسي الاقراء بالقرويين
(5) - المصدر نفسه ص 29.
(6) - المصدر نفسه ص 27.
(7) - انظر النجوم الطوالع ص 175.
(8) – القراء والقراءات بالمغرب: ص 25.

(9) – أنظر النجوم الطوالع ص 15، والمختار من الجوامع ص 7ن وتحصيل المنافع على كتاب الدرر اللوامع للشيخ السملالي الكرامي الشنقيطي، مكتبة الكوثر ص 60 -61.
(10)– انظر ترجمته في " البستان في ذكر الالياء والعلماء بتلمسان " لابن مريم ، ط ديوان المطبوعات الجامعية ص 26.
(11)- المصدر السابق ص 95.
(12)– انظر فهرس ابن غازي ص 36.
(13)– انظر القراء والقراءات بالمغرب: ص 28.
(14) – فهرس ابن غازي، تحقيق محمد الزاهي، دار بوسلامة للطباعة والنشر، ص 184.
(15) – انظر ثبت أبي جعفر الوادي آشي دراسة وتحقيق د. عبد الله العمراني – ط دار الغرب الاسلامي ص 183.
(16) – انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، تحقيق د. محي الدين رمضان ط5 مؤسسة الرسالة بيروت 1/42.
(17)- أنظر شرح الهداية، تحقيق د. حازم سعيد حيدر ط1 مكتبة الرشد الرياض 1/26.
(18) - أنظر شرح الهداية 1/225، والكشف 1/349-350.
لأن النظم موضوع في رواية ورش وقالون وليس الإخفاء مذهبا لهما (19).
(19) - أنظر المختار من الجوامع ص 8
(20) – النجوم الطوالع ص 186.

مجلة جامعة الأمير عبد القادر الاسلامية
العدد 17 ، رمضان 1425هـ/ نوفمبر 2004
الصفحات من 15 – 30.
منقول