المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الواعظة الصامتة



زاد الركب
17-06-2006, 09:56 PM
الواعظة الصامتة!!
رقية سليمان الهويريني



لم تكن (سعاد) تتوقع ما سيحصل لها من أحداث في حياتها حين كانت تلعب مع قريناتها في تلك الأزقة الضيقة في ذلك الحي الشعبي المغرق بالفقر! فكانت السنوات تنفرط كمسبحة تحررت من خيطها، حيث تخرجت من الثانوية العامة، كما يتخرج أرتال من الشباب فلا يجدون جامعة تقبلهم!! فهي وإن كانت قد اجتازت الدروس من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي بنجاح ولم تُكمل سنة واحدة، إلا أنه نجاح كالإكمال، فلا تكاد تعي من العلوم إلا المهارات الدنيا، يخدمها في ذلك منهج (تعلم لتنجح) وليس (تعلم لتدرك وتفهم فتنجح!) لذا لم يسعفها المعدل الدراسي للقبول في الجامعة!!
تلفتت يميناً وشمالاً ونظرت لأسرتها التي تضم أحد عشر فرداً ما بين أبوين وأولاد وبنات يعيشون فوضى داخل منزل صغير فهم يكتظون داخل جدرانه كأعواد كبريت في علبة!! ووالدها موظف راتبه لا يكاد يكفي متطلبات أسرته الكبيرة!
تقدمت بطلب عمل في إحدى الدوائر التي تختص بالأبحاث العلمية!! وقبلت في وظيفة (مستخدمة) حيث لا تحتاج إلى مؤهلات فأصبحت تعدّ القهوة والشاي وتوصل الأوراق إلى المكاتب وتسلمها إلى مكاتب أخرى في حركة دؤوب!!.
اكتشفت (سعاد) جهلها الشديد! فالأوراق التي تنقلها مكتوبة بالإنجليزية، وأغلب من تدخل مكاتبهم يتكلمون هذه اللغة بطلاقة بحكم الوظيفة!! توقفت تحدث نفسها: (درستُ الإنجليزية ست سنوات ولا أكاد أفهم عبارة واحدة) بل إنني لا أكاد أفهم بعض مفردات اللغة العربية والحساب بصورة جيدة فما بالك بالعلوم الحيوية. وهنا فقط أدركت حاجتها إلى إعادة النظر في تعليمها السابق فقامت بشراء كتب (تعليم الإنجليزية) بعد أن ادخرت جزءاً من مرتبها، وصارت تراجعها في المنزل وفي أوقات الراحة في عملها، وفي خلال سنتين أتقنت الإنجليزية إتقاناً تاماً حيث استعانت ببعض الموظفات لمساعدتها. وأصبح التفاهم مع المحيطين بها يتم بطريقة راقية، على الرغم من وظيفتها المتواضعة.
قرأت (سعاد) إعلاناً عن دبلوم السكرتارية والأعمال المكتبية في أحد المعاهد المتخصصة فتقدمت للدراسة به! ولكنها واجهت مشكلة التنسيق في الوقت بين العمل والدراسة، وهي تعلم صرامة مديرتها وحزمها، إلا أنها في النهاية حلت الأمر ودياً معها حيث أصبح دوامها يبدأ من الثانية عشرة ظهراً وحتى السادسة مساء إضافة إلى العمل أيام الإجازات!
وبعد سنتين حصلت على الشهادة بامتياز. وفي لفتة ربانية تحولت من (مستخدمة) إلى (سكرتيرة) للمديرة ذاتها. وأتقنت عملها بصمت وإخلاص مما جعلها ترتقي في وظيفتها، فهي قليلة الكلام كثيرة الإنتاج، فنالت إعجاب الجميع واحترامهم، بل أصبح زميلاتها يعرضن عليها مشاكلهن ويطلبن مساعدتها وشفاعتها لدى المديرة! وكلما سَمت مكانتها في عملها ازداد تواضعها وتضاعف الإشراق في وجهها والتّوهج في شخصيتها!!
جاءت إليها زميلتها الموظفة (نجوى) تشكو هماً، وتذكر لجوءها لأشخاص متنفذين لقضاء أمر لها، حيث وسطتهم لدى المديرة ولكنها ردتهم ورفضت تدخلهم رفضاً قاطعاً! لذا طلبت من سعاد أن تتدخل لمعرفتها بأحوال المديرة وساعات الصفاء لديها، وأصبحت تكيل لها المديح وتذكر مكانتها المعروفة في الدائرة وأن شفاعتها كالسحر في القلوب! عند ذلك أسندت السكرتيرة (سعاد) ظهرها على الكرسي الوثير الذي تجلس عليه، وحمدت الله كثيراً أن رفعها من مستخدمة تنقل الأوراق وتعدّ القهوة والشاي وتخضع بالطاعة للموظفات إلى أن وصلت لهذه المكانة!!
وأثناء استرجاعها لشريط حياتها انتفضت وقالت لزميلتها (نجوى): لقد أخطأتِ يا عزيزتي بحضورك لي وطلبك شفاعتي!! فما أنا إلا شخص ضعيف قد تغضب عليّ المديرة وتنقلني إلى وظيفة أخرى تطمر فيها شخصيتي وذاتي! وأنا على رغم حاجتي لم أستعن بشخص واحد! ولكني طرقت باباً كبيراً لا يوصد في وجه أحد، يملكه عظيم مدبرُ هذا الكون الله عزّ وجل، حيث توسلت به وطلبت منه اللطف بفتاة تتقاذفها أمواج الحاجة والعوز في أسرة بائسة! وكنت سادرة في حياتي أؤدي عباداتي كأعباء ثقيلة، فأصلي الفروض عادة، وأصوم تعوداً! إلى أن أنار الله تعالى بصيرتي فهداني، فكنت أهرع للصلاة النافلة كونها لقاء حميماً بالله، وأجد اللذة في قراءة القرآن، وأصوم التطوع وأتصدق طمعاً برضا الله! ثم أين أنت يا عزيزتي من صلاة الضحى فاتحة الرزق وبوابة السعادة؟! عودي إلى ربك فاطلبيه، فإنه يغضب حين تطلبين من عباده. عودي إلى الفطرة، والجئي إلى رب لا ينزعج من طالبيه، ولا يبخل بالإجابة، ولا يغلق بابه! وإن أخر إجابة طلبك فلرغبته بقربك واستمرار توسلك واختبار صبرك، ومن ثم يجزيك الجزاء الأكبر!!
فما كان من (نجوى) بعد أن أنهت سعاد حديثها إلا أن تسللت بهدوء يشوبه الخجل، وانقطعت عنها أياماً.. إلى أن طلبت المديرة لقاءها لأمر هام! وبعد اللقاء وقفت (نجوى) أمام زميلتها (سعاد) باندهاش لتقول: حين يئستُ من قبول طلبي لدرجة النسيان، هأنذا أتفاجأ بالمديرة ذاتها توافق عليه نظراً لانضباطي وجديتي في العمل!
إنه... الرضا!! حين رضي الله عني... أرضى عليّ خلقه!!
كم أنتِ رائعة... أيتها الواعظة الصامتة!!

المؤمن بالله
17-06-2006, 10:20 PM
ما أحوج الإسلام الى مثل هذه العيّنة التي تعمل بصمت تتعبد بصمت

جزاك الله خيرا اخي

زاد الركب
19-06-2006, 01:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك أخي المؤمن بالله وبارك الله فيك

هتاف الريح
19-06-2006, 01:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عطيك الفففففف عافية على هذه الواعظة ولابد أن نتعظ منها ونتعلم العزيمة وللوصول للذي نريده
و شكراً لك اخي الكريم

زاد الركب
21-06-2006, 01:31 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أهلا بك أخي هتاف الريح والله يعافيك لك أسمى التحايا

@دلوووعه@
10-07-2006, 08:13 PM
جزاك الله خير اخوي

.تحياتي.

اخر الفرسان
28-07-2006, 02:59 AM
شكرا لك اخوي
و
تقبل تحياتي ،،،
سـاكن خـيـال