المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعطوا الأجير حقه!



أهــل الحـديث
22-02-2013, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


أعطوا الأجير حقه!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الشريعة المطهرة أمرت بالوفاء بالعهود وأداء الحقوق،سواء من العامل لصاحب العمل وذلك بأداء الأمانة والإتقان في العمل والمحافظة عليه،قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".رواه أبو يعلى في مسنده (4386)من حديث عائشة-رضي الله عنها-،وحسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-في صحيح الجامع(1880)
أو من صاحب العمل تجاه العامل وذلك بالإحسان إليه ودفع أجرته،فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قبل أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ".رواه ابن ماجة(2443)وصححه الشيخ الألباني–رحمه الله-.
لكن مما يؤسفنا أيها الأحبة الكرام ما نراه ونسمعه في زمننا هذا،من ظلم بعض الناس للأجراء والعمال وعدم إعطائهم حقوقهم بعد انتهائهم مما وكل إليهم،وقد تنوعت طرق ظلم هؤلاء المساكين،فتارة بتكليفهم أكثر من طاقتهم،وإما بتأخير أجرتهم أو الخصم منها دون وجه حق،وحتى منعهم منها أحيانا والعياذ بالله.
فنرى العامل بعد أن ينتهي من إنجاز ما طلب منه،وحين انتظار أجرته الشهرية،نجد أن المستأجر أو صاحب العمل يماطل ويطمع ويؤخر حق هذا المسكين!أو يبحث عن أسباب تجعله يخصم من راتبه دون وجه حق!بل طمعا وجشعا،وهذا دليل على قسوة قلب وعدم الخوف من الله جل جلاله.
أترضى يا صحاب العمل أن يتأخر راتبك الشهري يوما واحدا؟!أو شهرا ؟!أترضى أيها المستأجر أن يخصم من حقك؟!إذا لا يرضيك هذا!،فكيف ترضى تأخير راتب هذا المسكين! وعدم إعطاءه حقه!.
ألم تعلم أن من أخرت راتبه!ومنعت حقه!قد يكون وراءه أهل أو تحته أسرة ينفق عليها وتنتظر أن يلبي لها حاجياتها،بل بعضهم تغرب عن دياره وأهله وخرج بحثا عن رزقه!.
أيها المانع لحق هؤلاء المظلومين حتى وإن كانوا كفارا!لا تغتر بنفسك ولا تتكبر على هؤلاء الفقراء،وتذكر قدرة الله عليك إذا أعجبك تسلطك وجبروتك على هؤلاء الضعفة!،فعن أبي مسعود البدري –رضي الله عنه- قال:(كنت أَضْرِبُ غُلَامًا لي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا من خَلْفِي:" اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ"،فلم أَفْهَمْ الصَّوْتَ من الْغَضَبِ،فلما دَنَا مِنِّي إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول:"اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ"،فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ من يَدِي،فقال:"اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ على هذا الْغُلَامِ"،فقلت:لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا).رواه مسلم(1659)
قال المناوي –رحمه الله-:"(أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ على هذا الْغُلَامِ):أي أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه، لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تحلم إذا أغضبت".التيسير بشرح الجامع الصغير(1/175)
قال الإمام النووي-رحمه الله-:"فيه الحث على الرفق بالمملوك،والوعظ والتنبيه على استعمال العفو وكظم الغيظ".الشرح على صحيح مسلم(11/130)
أيها الأفاضل الكرام مَن للعمال المظلومين اليوم في كثير من بلدان المسلمين!،وقد سُرقت أموالهم؟! وأخذت حقوقهم؟! وأهينت كرامتهم بالضرب والسب و الشتم؟!.
لكن لهم رب العزة جل جلاله سينصرهم ويُذل ويَكسر شوكة من ظلمهم،وإن لم يجدوا من يطالب بحقوقهم ويقف معهم من المخلوقين!،وكفى به سبحانه وتعالى ناصرا ومعينا ،قال صلى الله عليه وسلم:"وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لها أَبْوَابَ السَّمَاء،ِوَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".رواه الترمذي(2526)وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-
أيها المماطل والجاحد لحقوق الآخرين،اعلم أنك إذا لم تبادر بالتوبة الصادقة لله جل جلاله،وتعطي الحقوق لأهلها فإنك متوعَد بعقاب شديد وعذاب أليم يوم القيامة،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قال الله ثَلَاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوم الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى منه ولم يُعْطِ أَجْرَهُ".رواه البخاري(2114)
قال المناوي –رحمه الله- :"ذكر الثلاثة ليس للتقييد فإنه خصم كل ظالم لكنه أراد التغليظ عليهم لغرابة قبح فعلهم".
فيض القدير( 3 /315)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"والثالث هذا الرجل الذي استأجر أجيرا فاستوفى منه وقام الأجير بالعمل كاملا ثم لم يعطه أجرته ومن ذلك ما يفعله بعض الناس اليوم في العمال الذي يأتون بهم من الخارج، تجده يستأجره بأجرة معينة مثلا ستمائة ريال في الشهر،ثم إذا جاء به إلى هنا ماطل به وآذاه ولم يؤت له حقه،وربما يقول له تريد أن تبقى هنا بأربعمائة ريال وإلا سافرت، هذا والعياذ بالله يكون الله خصمه يوم القيامة،ويأخذ من حسناته ويعطيها هذا لعامل، لأن قوله إما أن تعمل بأربعمائة وإلا سفرتك،هذا استأجره بستمائة ولم يعطه أجره،فيدخل في هذا الوعيد الشديد، وهؤلاء الذي يأتون بالعمال ولا يعطونهم أجورهم أو يأتون بهم وليس عندهم شغل، ولكن يتركونهم في الأسواق، ويقول اذهب وما حصلته فلي نصفه، أو مثلا يقول اذهب وعليك في الشهر ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، كل هذا حرام والعياذ بالله، ولا يحل لهم، وما أكلوه فإنه سحت، وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به، وهؤلاء الذين يأكلون أموال هؤلاء العمال المساكين، هؤلاء لا تقبل لهم دعوة والعياذ بالله، يدعون الله فلا يستجيب لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب.
ومطعمه حرام وملبسه حرام،وغذي من حرام،فأنى يستجاب له وما يأكل هؤلاء من أجور هؤلاء العمال أو يظلمونهم به، فإنهم يأكلونه سحتا نسأل الله العافية".شرح رياض الصالحين (6/274)
فعلينا أيها الأحبة أن نرأف ونرحم من كان تحتنا من عمال ومستأجرين،وأن نعطي الحقوق لمستحقيها ونذكر من غفل عن ذلك بما يجب عليه،ولنعلم أن العامل ليس كاملا فقد تقع منه بعض الأخطاء وتصدر منه بعض الهفوات،فعلينا نصحه وإرشاده بالرفق واللين حتى وإن كان كافرا،فلعلنا بحسن تعاملنا معه و صبرنا عليه نكون سببا بعون الله في هدايته للإسلام.
فالله أسأل أن يوفقنا وإياكم لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين والإيفاء بالعهود وإعطاء الحقوق لأهلها،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي