المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دليل النوادر الفقهية



أهــل الحـديث
21-02-2013, 03:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


دليل النوادر الفقهية
سبر المُدوَّنات الفقهية ونخل فوائدها ، من الطرائق المتينة في استجلاب العلوم والمعارف الشاردة . وتُعدُّ النوادر الفقهية من أهمِّ الذخائر في المُدوَّنات الفقهية ، ومن المعالم التي يعتزُّ بها التراث الفقهي الاسلامي .

والمقصود بالنوادر الفقهية : الحكايات والأخبار الفقهية وما اتصل بها ، وكُّل ما خرج عن المألوف منها وبعث على الدهشة والاستنكار ، سواء في المسائل أو الدلائل .

ومن الأخطاء الشائعة في العصر الحاضر استجلاب النوادر الفقهية وقصرها على الاستغراب أو الاستظراف أو الابتذال .

والنوادر الفقهية في السنة النبوية أو في المُدوَّنات الفقهية أو في مصنفات التراجم ، مكنزٌ عظيم لم يُوفَّ حقَّه من المطالعين والعاكفين على التراث الاسلامي .

ومن أمثلة النوادر الفقهية :
أ- زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة(ت: 58هـ ) رضي الله عنها ، وهي بنت تسع سنين .

ب- قول الشافعي ( ت: 204هـ) رحمه الله تعالى :" رأيتُ بصنعاء جَدَّه بنت إحدى وعشرين سنة "

ج- موسى بن عبد الله بن الحسن القرشي(ت: 180هـ) ولدته أُمُّه ، وعمرها ستون سنة .

والعرب تقول : لا تحمل لستين سنة إلا قرشية ، ولا تحمل لخمسين سنة إلا عربية .

د - أراد عمر (ت: 23هـ ) رضي الله عنه رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له عليُّ (ت: 40هـ ) رضي الله عنه : إن الله تعالى يقول : "وحمله وفصالُه ثلاثون شهرا" ( الأحقاف: 15) وقال تعالى : "وفِصالهُ في عامين"( لقمان: 4 ) . فالحمل ستة أشهر، والفِصال في عامين. فترك عمر رجمها وقال :" لولا عليُّ لهلك عمر ".

هـ- دفنُ ميِّتٍ – في أرض الحرمين – قبل أيام في المقبرة ، ودفن سيارته بجواره ! ، لتعلُّق بعض جثمانه فيها .

هذه الأمثلة المختصرة للنوادر الفقهية، تحمل في ثناياها أحكاماً وأصولاً ، ويمكن الافادة منها للمتفقِّه والمتأمِّل للتراث الفقهي .بل إن المُتيَّم بقرآءة التراث الفقهي يستطيع أن يجعل هذه النوادر وغيرها من النوادر الفقهية ، نواةً للبحث الفقهي أو البحث الأصولي أو البحث اللُّغوي المقيد بالشرع .

ولهذا كان العلماء قديماً يسبرون الوقائع والقصص النبوي ، ويستخرجون منها النوادر والضوابط الشرعية التي تُعين الطلبة على فهم المسائل الشرعية . كالامام أحمد بن أبي أحمد الطبري (ت: 335هـ ) رحمه الله تعالى ،المعروف بابن القاصَّ الفقيه الشافعي ، حين انكبَّ على نوادر الفوائد من حديث أنس رضي الله عنه : " يا أبا عُمير ما فعل النُّغير " .أخرجه الشيخان .

لو تأمل المُتيَّم بالفقه الاسلامي كثيراً من صفحات التاريخ والسنة ،لتيقن أن كثيراً من القواعد والأصول ولدت في رحم تلك الصفحات . وعلى سبيل المثال قِطعة من قصة الافك الشهيرة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبريرة : هل علمتِ على عائشة شيئاً يُريبكِ ، أو رأيتِ شيئاً تكرهينه ؟ " . أخرجه الشيخان .

لو قيل لِمُتوسِّمٍ من المتوسِّمين في العلم ، إنَّ هذا النص الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبريرة ، استدل به العلماء على جواز تعديل المرأة للراوي ، لقال إنه احتمال راجح مع احتمال الخطأ ! ، لكن الصحيح خلاف ما قال من رأى الاحتمال ، والعلماء فرَّقوا بين حال المرأة في الروايات وحالها في الشهادات .

• وهذه بعض الوسائل الحاصرة للافادة من النوادر الفقهية :
1- قنص الفرص والمواسم لاستخراج النوادر منها ، واستنباط التكيِّيفات الفقهية من مسائلها ، وإذا كانت العامة تقول :ضياع الفرصة غُصَّة ! ، فكيف بغيرهم ؟! ، وقد كان عبد الله بن مسعود(ت: 32هـ) رضي الله عنه يبكي إذا أصابه المرض ويقول :" إنِّي لا أبكي لأجل المرض ، وإنما أبكي لأنه أصابني في حال فترةٍ ، ولم يصبني في حال اجتهاد " .


2- دراسة مسالك التوقُّع كالحدس والفراسة ومعاني القرائن الشرعية وقياس الشَّبه، ومطالعة أحكام الغالب والنادر، والنظر في قرائن الحال ومآلات الأفعال . ولهذا فرَّق الفقهاء بين عورة النظر وعورة الصلاة ، وقعدوا أنَّه لا علاقة بين عورة النظر وعورة الصلاة لا طرداً ولا عكساً . ومن القواعد الفقهية المفيدة في هذا الباب : أن حُكم القضاء لا يستلزم أن يُطابق حكم الديانة .


3- ادمان النظر في مُدوَّنات الأصول ، ففيها من تقريب النوادر ما يُرغِّب الطالبين في معرفة لطائف الأحكام والتخريجات ، وانظر إلى فِطنة العلماء في تأمُّلهم لنوم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، حين كانوا ينامون قعوداً ينتظرون الصلاة ، وهذا الفعل منهم جِبلِّي ، لكن لتعلُّق الفِعل بأمر تكليفي احتج العلماءُ بصحة الفعل ، لاقرار الرسول صلى الله عليه وسلَّم على فِعلهم ، والاقرار النبويُّ حجة شرعية كما بيَّن الأصوليون .


4- مطالعة تفاسير الرؤى المنامية لمعرفة رموز الأحداث ومعانيها من المعبِّرين الثقات ، وحشد معانيها لتقوية الأدلة المساندة ، ومن خلالها يُمكن معرفة كثيٍر من النوادر المطوية . قال الشعبي(ت: 103هـ ) رحمه الله تعالى : " رأيتُ في النوم كأن رجالاً نزلوا من السماء معهم حِراب يتتبعون قتلة الحسين (ت: 61هـ ) رضي الله عنه، فما لبثتُ أن نزل المختار الثقفي (ت: 67هـ ) فقتلهم ". أخرجه الطبراني في الكبير باسناد حسن .

5- النظر في المصنفات المعنيَّة بمعرفة الأوائل والأواخر ، ففيها من النوادر ما يُسلي الفؤاد الحزين ، ويُجلي العِلم الدفين . وكثير من المخترعات العصرية لم تظهر إلا بعد النظر في القرون الماضية والتفكُّر في أوائلها وأواخرها .فلن تظهر نوادر الأوآخر إلا بعد التأمُّل في أحوال الأوائل . وأهل العلم تواضعوا على مقولة : التكريس بعد التأسيس .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
http://lojainiat.com/main/Author/2083