المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا خيرة في لذة من بعدها نار



أهــل الحـديث
21-02-2013, 01:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مقالة جديدة أيها الأحبة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله) ، وهي بعنوان" لا خيرة في لذة من بعدها نار"، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


لا خيرة في لذة من بعدها نار

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الله جل جلاله نهى عن الإفساد في الأرض بالذنوب وسائر المحرمات بعد إصلاحها ببعث الرسل والأنبياء وحثهم عليهم الصلاة والسلام أقوامهم على إفراد الله جل وعلا بالعبادة والعمل بالطاعات والزيادة من الخيرات،واجتناب المعاصي والمنكرات،فقال سبحانه:(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)[الأعراف:56]
قال الإمام البغوي-رحمه الله-:"أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي،والدعاء إلى غير طاعة الله،بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله".تفسير البغوي (2/166)
لكن كثيرا من الخلق والله المستعان،لم يمتثلوا لأمره سبحانه ولم يجتنبوا نهيه عز وجل ،فاقترفوا السيئات وجاهروا بالمحرمات وأفسدوا في البر والبحر والجو بالمنكرات،قال تعالى:(ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس)[الروم :41]
لكن الربَّ العظيم الحليم لم يأخذهم بجميع ذنوبهم لعلهم بما نزل بهم يعتبروا وبما أحل َّ بهم يتعظوا،فيرجعوا إلى خالقهم ورازقهم،ويتوبوا من جميع ذنوبهم، فتنصلح أحوالهم وتتحسن أمورهم،قال سبحانه:(ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)[الروم:41]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:(لعلهم يرجعون)عن أعمالهم،التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت،فتصلح أحوالهم،ويستقيم أمرهم،فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته،وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا،ما ترك على ظهرها من دابة ".
تفسير السعدي(ص643)
أيها الأحبة الكرام إن الذنوب والمعاصي نذير شؤم على العباد والبلاد،فما حلَّت في قلوب إلا أعمتها،ولا في نفس إلا أفسدتها ولا في أمة إلا أذلتها ولا في ديار إلا أهلكتها،وإنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ومن آثار الذنوب والمعاصي:أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار والمساكِن".الجواب الكافي (ص 42)
لقد أهلك الله جل وعلا بسببها أقواما،دمر بيوتهم بالقذف والخسف والغرق!،مع أن هؤلاء قد منحوا بسطة في الجسم وقوة في البدن!إلا أنهم بدَّلوا ذلك كفرا وجحدوا ما أنعم الله به عليهم!،وكذبوا بالرسل واستهزءوا برسالاتهم!واحتقروا واستنقصوا من آمن بهم واتبع هديهم!؛فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يعملون،وذكر الله جل وعلا لنا قصصهم لنعتبر بها ونتعظ بما نزل بهم،ونمتثل أوامره سبحانه ونبتعد عن نواهيه،فقال سبحانه:(وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا(8)فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا(9)أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا﴾[الطلاق:8-10]
قال الشيخ السعدي–رحمه الله-:" يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية،والقرون المكذبة للرسل،وأن كثرتهم وقوتهم لم تغن عنهم شيئا،حين جاءهم الحساب الشديد والعذاب الأليم،وأن الله أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة،ومع عذاب الدنيا،فإن الله أعد لهم في الآخرة عذابا شديدا.(فاتقوا الله يا أولي الألباب)،أي:يا ذوي العقول التي تفهم عن الله آياته وعبره،وأن الذي أهلك القرون الماضية بتكذيبهم،أن من بعدهم مثلهم،لا فرق بين الطائفتين.
ثم ذكر عباده المؤمنين بما أنزل عليهم من كتابه الذين أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،ليخرج الخلق من ظلمات الجهل والكفر والمعصية، إلى نور العلم والإيمان والطاعة". تفسير السعدي(ص 872)
فأفٍ والله للذنوب والمعاصي أيها الأفاضل!ما أقبح آثارها وما أسوء أخبارها،فظهورها وفشوها في الناس نذير شؤم لنزول عذاب من الله جلَّ وعلا على أصحابها،فعلينا أن نعتبر بما جرى للأمم التي خرجت عن طاعة الله سبحانه،ونتعظ عند سماع أخبارهم،ونكف عن التجرؤ على حدود الله تعالى،وانتهاك محارمه،قبل أن ينزل بنا ما نزل بمن كان قبلنا،ويصيبنا ما أصابهم،فنصبحَ لمن بعدنا كذلك عبرة وآية!ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يا من ابتلي بالمعاصي وأعجبته المنكرات!تذكر والله أن لذتها تنقضي وشهوتها تنتهي!و عواقبها الوخيمة تبقى وتبعاتها المؤلمة تَلحق،ولو بعد حين!إذا لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى الله جل وعلا،وتيقن أنه لا خير في الحقيقة في لذة من بعدها نار، يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله-:
تفنى اللذات ممن نال صفوتَها من الحياة ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار. الغرباء للآجري (ص 68)
ولنستحي أخي المذنب وأختي المذنبة من خالقنا ورازقنا المتفضل علينا،فلا نقابل نعمه بالمعاصي والمحرمات، ولنبادر بالطاعات،ولنعلم أنه سبحانه لحلمه العظيم لم يؤاخذنا مباشرة بذنوبنا،فأمهلنا لنرجع ونتوب عما كسبت أيدينا.
يقول الشيخ السعدي–رحمه الله- :"فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات،ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل،وأنه إذا أخذ العاصي،أخذه أخذ عزيز مقتدر،فليتب إليه،وليرجع في جميع أموره إليه،فإنه رؤوف رحيم.
فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة،وبره العميم،وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم،ألا وهي تقواه،والعمل بما يحبه ويرضاه".تفسير السعدي(ص441)
فما أحوجنا جميعا أيها الكرام أن نملئ قلوبنا بالخوف من الله جل جلاله في السر والعلانية،فالقلب ما دام مستشعرا روح الخوف منه سبحانه فإنه يظل عامرا بالإيمان واليقين،مبتعدا عن كل المعاصي والمنكرات.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يردَّنا والمسلمين إلى دينه،ويُوفقنا لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويُجنبنا البدع و المعاصي وسائر المحرمات والشرور،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه.


وصلِّ اللهم و سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي