المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إضاءة : مسألة إجبار البكر على الزواج



أهــل الحـديث
20-02-2013, 02:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسلَّمَ تسليما، أما بعد :

فهذه المسألة قد طرقت في أحايين كثيرة هنا في هذا المنتدى الطيب وفي غيره من مجالس العلم، فكأن من يتكلم فيها ينكر على المالكية قولهم بإجبار الأب ابنتَه البكر على الزواج ممن يراه كفؤا، وقد يغيب على بعضنا ما يصور المسألة جيدا ويعطيها حقها من النظر، فكانت هذه المشاركة المتواضعة إضاءة في هذا الموضوع سأتناولها كما يلي :

تمهيد :

الحكم الشرعي خلافُ الفتوى، إذ الأولى قضية فقهية متضمنة تصديقا شرعيا مستمدا من أصل معتبر، يتنوع هذا الحكم بحسب قوة الطلب إلى أربعة أحكامٍ خامسها الإذن مستوي الطرفين، أما الفتوى فهي رأيُ مجتهدٍ مقارنٌ لواقعةٍ يكيفها بحسب ما توفر لديه من رصيد فقهي، ولهذا فقد تخالف الفتوى الحكمَ الشرعي في المسألة عينها مراعاةً لملابسات الوقائع مما قد يحيل تنزيل الحكم الشرعي الأصلي كما هو، وفي مرحلة أخيرة يكون توقيع الحكم وإمضاؤه بشتى أساليب التنفيذ وهي وظيفة القاضي.

مكانة الأب :

حق الأب على الأبناء الطاعةُ بالمعروف، على العموم، وهذا واجب يتعين على كل ابن وابنة تأديته، لا يختلف في هذا اثنان، بل هو من أوكد الواجبات وأعلاها وأرقاها مقاما، بل يفتخر بها البنين والحفدة والولدان، يفتخرون بطاعة الآباء ويتباهون ويتسابقون ويسارعون ....

هذا الأب، شرعا وفطرة، هو أحرص الناس على خير أبنائه، وهذا هو الأصل، والأصل أيضا أن الأب رجلٌ بالغ عاقل حر مسلم رشيد، ولا أعرف أحرص على الخير لأهله منه ؟

قرننا، حالة شاذة في التاريخ الإسلامي :

قديما، كانت المرأة امرأةً والرجل رجلا، لا اختلاط ماجنًا ولا خلوة ولا جامعة ولا فايسبوكا ... وكانت هذه المرأة تسير خلف الرجال، وتلصق بالجدار إذا جمعتها بهم سبيل واحدة، وتنصرف قبلهم في المساجد والمصليات، وعليها من حلل الحياء والستر ما هو معهود عن الصحابيات وأمثالهن، فهذه الصورة عن المرأة التي لا تعي أحوال الرجال ولا تفاضل بينهم كما يمكن ذلك للرجل وأحرى الولي وأحرى الأب، لذا كانت شهادتها النصف من شهادته، أما الآن فقد اشتبه الحال، فلا يكاد يفرق بين النساء والرجال، وزاد الطين بلّة حقوق الإنسان والحيوان والجماد، ويوم المرأة وقانون الأسرة والأحوال الشخصية، ودعاوى الاستقلالية والمساواة وحرية الرأي .... أقصد من وراء هذا أن المجتمع الإسلامي حافظ على الصورة الأصيلة مدة اثنا عشر قرنا من الزمان على الأقل، ولم ينسلخ إلا مؤخرا في عصر النوافذ "Windows" : نافذة البيت ونافذة التلفاز ونوافذ الحاسوب !

الحكم الشرعي في المسألة :

يقول المالكية (والشافعي ورواية عن أحمد وغيرهم) : للأب إجبار ابنته البكر على الزواج ممن يراه كفؤا لها، والمعنى أن الأب يجوز له أن يجبر ابنته البكر على الزواج ممن يراه يكافئها دينا وخلقا ومكانة وشرفا وإن كانت كارهة له، وليس معناه أن الأب يلزمه أن يجبر ابنته ...، والفارق واضح وكبير بين الجواز والوجوب، بمعنى آخر أن هذا حقٌ للأب يستعمله متى يرى مصلحةً في الإجبار.

ويقول المالكية : يندب للأب أن يستشير ابنته المقبلة على الزواج من باب تطييب خاطرها.

وقد نقل ابن العربي في شرحه على الترمذي والرجراجي في شرحه على المدونة ما يفهم منه الإجماع على جواز إجبار البكر الصغيرة، وإنما وقع الخلاف في البكر الكبيرة والثيب الصغيرة.

نظرة على الواقع :

المجتهد المؤهل حين تعرض عليه المسألة يرى أولا رشاد الأب، وعدم تعسفه في استعمال ما خوله الشرع إياه، وإلا منع من حق إجبار ابنته على الزواج بأحد أسباب المنع، كأن يكون الأب سفيها، أو قصدَ الإضرار بها كتزويجها من غير كفءٍ، وقد يفتى بخلاف الأصل بسبب عقوق البنت مع توفر دواعي الفساد كتأثير المحيط وغلبة النساء على الرجال كما هو الحال في بعض المجتمعات.

فروع المسألة :

منها : إجبار الأب ابنته الثيب الصغيرة، وابنه الذكر قبل البلوغ، والبكر العانس، والبكر الراشدة، وإجبار الولي، وإجبار الوصي ... كلها مبسوطة في مصنفات الفقهاء.

والخلاف فيها مرجعه إلى اثنين :

- علل الإجبار، ويمكن حصرها في أربعة : الصغر، البكارة، الجهل بأحوال الرجال، الحياء؛
- إضافة إلى ركن المسألة الآخر وهو المجبِر، مَنْهِيَتُه ؟

سنة النبي عليه الصلاة والسلام وهدي الخلفاء الراشدين :

رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوج ابنتيه رقية وأم كلثوم من عثمان رضي الله عن الجميع، وأبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه ينكح أمّنا عائشة رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة رضي الله عنها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وعلي رضي الله عنه ينكح ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ... هذه وقائعٌ عن خير الناس صورٌ ماثلة للمسألة لا لبس فيها، وكل النصوص الواردة بخلاف هذا فمحتملة وتوجيهاتها مبسوطة في مؤلفات المالكية وغيرهم رحمهم الله.

ينظر مثلا : مقدمات ابن رشد 1/475-476، شرح الرجراجي على المدونة 3/289-310،شرح الشيخ باي على نظم ابن بادي 3/10-13، الذخيرة للقرافي 4/217-220، الجواهر لابن شاس 2/15-16،كفاية الطالب الرباني 3/83-88،مدونة الفقه المالكي 2/559-563، بداية المجتهد 2/15-17، أحكام القرآن 3/506-507 وعارضة الأحوذي 5/23-28 لابن العربي، والإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب 2/687-689 وغيرها.

ختاما : كما أشرت آنفا، فهذه المدارسة لا تعدو أن تكون إضاءة في المسألة لا تأصيل فيها ولا تقعيد، والله الذي أحاط بكل شيء علما أسأله التوفيق لي ولإخواني وأن يبصرنا بديننا ويهدينا سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.