المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب التأخر عن الزواج!



أهــل الحـديث
20-02-2013, 11:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


أسباب التأخر عن الزواج!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الزواج أيها الأفاضل من نعم الله جل جلاله التي لا تعد ولا تحصى على خلقه،قال تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتلقوم يتفكرون)[الروم:21]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"ثم من تمام رحمته-أي سبحانه-ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم،وجعل بينهم وبينهن مودة:وهي المحبة،ورحمة:وهي الرأفة،فإن الرجل يمسك المرأة،إما لمحبته لها،أو لرحمته بها،بأن يكون لها منه ولد،أو محتاجة إليه في الإنفاق،أو للألفة بينهما وغير ذلك".تفسير ابن كثير(3/430)
فالزواج هو من سنن الأنبياء والمرسلين والصالحين، ومصالحه الجليلة ومنافعه الكثيرة تعم الرجال والنساء والأمة جمعاء،فهو إعفاف للنفس عن المحرمات وتطهير للمجتمع من المنكرات،يقول الإمام ابن قدامة-رحمه الله-:"فإنه يشتمل على تحصين الدين وإحرازه،وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وإيجاد النسل وتكثير الأمة،وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم،وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة".المغني( 7/5)
ولذا تكاثرت النصوص الشرعية في الحث عليه و الأمر به،قال تعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [ النساء :3]
وقال صلى الله عليه وسلم:"يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،فإنه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ،فإنه له وِجَاءٌ".رواه البخاري(1806)ومسلم(1400) واللفظ له من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
قال ابن بطال-رحمه الله-:"ندب النبي صلى الله عليه وسلم،لأمته النكاح،ليكونوا على كمال من أمر دينهم،وصيانة لأنفسهم في غض أبصارهم وحفظ فروجهم لما يخشى على من زين الله في قلبه حب أعظم الشهوات،ثم علم صلى الله عليه وسلم،أن الناس كلهم لا يجدون طولا إلى النساء،وربما خافوا العنت بفقد النكاح فعوضهم منه ما يدافعون به سورة شهواتهم،وهو الصيام.(فإنه وجاء)،والوجاء:القطع،يعنى:أ� �ه مقطعة للانتشار وحركة العروق التي تتحرك عند شهوة الجماع".شرح صحيح البخاري لابن بطال(4/25)
لكننا أيها الكرام وللأسف فمع هذا الترغيب الشرعي في الزواج وتلك المصالح الكثيرة المترتبة عليه!إلا أننا نلاحظ اليوم في بلدان المسلمين قلة الإقبال على الزواج وبذل الجهد في تحقيقه،وذلك يرجع لعدة أسباب،منها:
-عدم استحضار المقصود الشرعي من الزواج واحتساب أنه عبادة وقربة لله جل وعلا كإعفاء الشاب وإحصان الفتاة وإنجاب ذرية توحد الله تعالى وتعبده.
-عدم قدرة الشاب على النفقة بسبب البطالة،وغلاء المعيشة،أو بسبب الراتب المتدني الذي لا يكفي الحاجات الضرورية للأسرة،مما يجعل الشاب يبحث عن فرص عمل أفضل وبأجر أعلى،وهذا يؤدي إلى تأخر زواجه وبالتالي تأخر زواج الفتاة، خاصة إذا أضيف إلى ذلك غلاء المهور الذي أصبح في عصرنا الحاضر قاصما للظهور!، حيث نجد أن بعض أولياء الأمور يشترط على من يتقدم لابنته مئات الآلاف إذا أراد أن يتزوجها ،فكأنه يعرضها للبيع!ناسيا أن بفعله هذا يخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،فعن عمر –رضي الله عنه- قال:"ألا لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ،فإنه لو كان مَكْرُمَةً في الدُّنْيَا أو تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ عز وجل كان أَوْلَاكُمْ بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم...".رواه النسائي(3349) وصححه الشيخ الألباني–رحمه الله-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هنَّ خير خلق الله في كل فضيلة،وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة،فهو جاهل أحمق وكذلك صداق أمهات المؤمنين وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة".مجموع الفتاوى(32/194)
- منع بعض الآباء بناتهم من الزواج بحجج واهية وإن تقدم لها الكفؤ!خاصة إذا كانت البنت تعمل!وللأسف نجد أن دافع هذا المنع في حقيقة هو الاستفادة من مال البنت!ويخشى الأب أو الأم من انقطاع ما تنفقه البنت بعد زواجها!،والله المستعان،ونسي هؤلاء أن هذا الفعل محرم وهو داخل في الإعضال الذي نهى عنه الباري سبحانه:(فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف)[البقرة:232]
قال الإمام البغوي–رحمه الله- :"أي لا تمنعوهن عن النكاح والعضل:المنع وأصله الضيق والشدة".تفسير البغوي (1/210)
ومما يحزن أكثر أننا نجد اليوم أن بعض أولياء أمور النساء همهم فيمن تقدم لخطبة ابنتهم المال والجاه أو النسب،بدل التمسك بالدين والصلاح،وحُسن الخلق،مخالفين قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ من تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".رواه الترمذي (1084)من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-،وحسنه الشيخ الألباني -رحمه الله-.
قال الملا علي قاري -رحمه الله-:"لأنكم إن لم تزوِّجوها إلا من ذي مال أو جاه ربما يبقى أكثر نسائكم بلا أزواج، وأكثر رجالكم بلا نساء،فيكثر الافتتان بالزنا،وربما يلحق الأولياء عار،فتهيج الفتن والفساد،ويترتب عليه قطع النسب،وقلة الصلاح والعفة".مرقاة المفاتيح(6/246)
-منع أهل الفتاة تزويجها أو رفض الفتاة نفسها للزواج رغبة في استكمال دراستها،أو لأنها تريد أن تعمل والخاطب يرفض ذلك، فتقدم العمل والوظيفة على الزواج،فتمر بها الأيام وتنقضي الشهور والأعوام وهي لم تتزوج حتى تكبر في السن!.
-ما يقوم به الإعلام الفاسد والمفسد في بث المفاهيم المغلوطة عن الزواج والحياة الزوجية ومسألة تعدد الزوجات،وإظهار التنافر بين الزوجين أو بين أهل الزوجين ،فينفرالشاب والفتاة عن الزواج لكي لا يقع بينهما الخلاف!
-كثرة الملهيات والمفسدات وانتشار الفتن والمحرمات بين المسلمين التي قد تجعل من غاص فيها يظن أنها تغنيه عن الزواج وتبعده عن المسؤولية.
فهذه أيها الأحبة الكرام أهم الأسباب التي أدت الى العزوف عن الزواج في المجتمعات الإسلامية،فعلينا جميعا بعد سؤال الباري سبحانه العون والسداد،أ نسعى جاهدين لدفعها،ونحرص على توفير كل الإمكانيات التي تعين على إحصان أبناءنا وبناتنا ليعم الخير والسعادة في بلداننا بعون الله.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ شباب وبنات المسلمين من شرور الفتن و المعاصي وأن ييسر أمر كل راغب في الزواج ويبارك لهم فيه،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي