المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضرر الربا



أهــل الحـديث
19-02-2013, 07:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله) وهي بعنوان"ضرر الربا"، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


ضرر الربا

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد منَّ الله جلَّ وعلا علينا أيها الأحبة بنعمة الإسلام وأكرمنا بأفضل الشرائع والأحكام,وأبان لنا الحلال والحرام وأمرنا بالطاعات والمسارعة في الخيرات وحذرنا من المعاصي والمحرمات ومن ذلك أكل الربا،قال تعالى:(وأحل الله البيع وحرم الربا)[البقرة:275]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"(وحرم الربا)لما فيه من الظلم وسوء العاقبة، والربا نوعان:ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة،ومنه جعل ما في الذمة رأس مال سلم،وربا فضل:وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا،وكلاهما محرم بالكتاب والسنة،والإجماع على ربا النسيئة،وشذ من أباح ربا الفضل وخالف النصوص المستفيضة،بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها".تفسير السعدي(ص117)
إن ظاهر صنيع المتعامل بالربا أنه لم يرض بما أنعم الله عز وجل عليه ورزقه، فأراد طمعا و جشعا منه الزيادة من المال ولو كانت الوسيلة إلى ذلك محرمة،والعياذ بالله.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- :"المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال،ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل،بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل".تفسير ابن كثير (1/331)
ألم يعي المرابي الضعيف!أنه قد أعلن الحرب على من خلقه وتكفل برزقه،وهو رب العزة جلَّ وعلا،قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) [البقرة:278-279]
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- :"ففي ضمن هذا الوعيد أن المرابي محارب لله ورسوله قد آذنه الله بحربه،ولم يجئ هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا،وقطع الطريق والسعي في الأرض بالفساد،لأن كل واحد منهما مفسد في الأرض قاطع الطريق على الناس،هذا بقهره لهم وتسلطه عليهم،وهذا بامتناعه من تفريج كرباتهم إلا بتحميلهم كربات أشد منها،فأخبر عن قطاع الطريق بأنهم يحاربون الله ورسوله،وآذن هؤلاء إن لم يتركوا الربا بحربه وحرب رسوله".طريق الهجرتين(ص 559)
إن للربا أيها الأحبة الأفاضل أخطار جسيمة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع،فكم بسببه تقطعت أواصل المحبة والإخاء وزادت بين المتعاملين به العداوة والبغضاء!وكم أثقل كاهل الفقراء بالديون!وكم حصل بسببه من محق البركات وقطع للخيرات،قال تعالى:(يمحق الله الربا ويربي الصدقات و الله لا يحب كل كفار أثيم) [ البقرة:276]
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}يتلفه لكن التلف نوعان:تلف حسي كأن يسلط على ماله آفة تفنيه، إما أن يمرض ويحتاج إلى دواء ومعالجات،أو يمرض أهله أو يسرق أو يحترق هذه عقوبة الدنيا{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}عقوبة حسية أو محق معنوي المال عنده يكيس أكياسا لكنه كالفقير،لا ينتفع به هل يقال:إن هذا عنده مال أبدا هذا أسوأ حالا من الفقير،لأن ماله عنده بالأكياس يدخره لورثته أما هو فلم ينتفع به وهذا نسميه محقا حسيا أم معنويا محقا معنويا{يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}،نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الموعظة التي تحيي قلوبنا وتصلح أحوالنا".شرح رياض الصالحين(6/326)
فالربا مهما كثر في نظر صاحبه فإن عاقبته إلى قلة،قال صلى الله عليه وسلم:"الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فإن عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إلى قُلٍّ".رواه الإمام أحمد في المسند(1/395)من حديث عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-،وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-في صحيح الجامع(3542)
قال المناوي-رحمه الله-:" أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا يؤول إلى نقص ومحق آجلا،بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك فهو مما يكون هباء منثورا".فيض القدير(4/50)
إن جرم الربا أيها الكرام فاق في قبحه وشناعته الزنا، بل حتى زنا المحارم والعياذ بالله، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الربا سبعون بابا أدناها كالذي يقع على أمه".رواه البيهقي في شعب الإيمان (5520) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في صحيح الترغيب(1853)
وعن عبد الله بن حَنْظَلَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وهو يَعْلَمُ أَشَدُّ من سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً".رواه الإمام أحمد في المسند(5/225)،وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-في صحيح الترغيب (1855)
هذا في درهم واحد فكيف بمن يأكلون آلاف الدراهم ؟! بل الملايين؟! نسأل الله العافية.
قال الإمام الشوكاني –رحمه الله- :"معصية الرِّبَا من أَشَدِّ المعاصي لأن المعصية التي تعدِل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشَّنَاعة".نيل الأوطار(5/297)
أيها الأحبة الكرام لا تغتروا براتب الوظيفة الربوية ومميزاتها!وتيقنوا أن هذا النعيم مزيف وأن العاقبة للتقوى،وأن مرتبا منشأه من حلال غير وأبرك من مرتب منشأه من حرام مهما كان مقداره،واحذروا أشد الحذر فإن الوعيد ليس خاصا بآكل الربا وإنما يدخل فيه الموكل والكاتب والشاهد،نسأل الله العافية.
فعن جابر-رضي الله عنه-قال:"لَعَنَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وموكله وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وقال:هُمْ سَوَاءٌ".رواه مسلم(1598)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين، والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل،والله أعلم".الشرح على صحيح مسلم ( 11/ 26)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُغني المسلمين بحلاله عن حرامه،وبطاعته عن معصيته،ويُجنبهم الربا بكل أنواعه فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي