أمل عبدالعزيز
30-01-2003, 08:21 AM
الحمد لله الذى خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسلاً , من أطاعهم دخل الجنة ومن عصاهم دخل النار أما بعد أحبتى فى الله
لقد كثرت الأحاديث فى هذه الأونة فى مواضيع لاتكادُ تخرُجُ من بوتقة واحدة وهى الفتن وملحقاتها
فنقول مستعينين بالله وحده دون سواه :
نبدأ بخير الحديث وخيرُ الهدى وهو كلام الله عز وجل فقد قال عزَّ من قائل:" ولكلِ أمةٍ جعلنا منسكاً
هم ناسكوه فلاينازعنك فى الأمرِ وادعُ إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ,وإن جادلوكَ فقل الله
أعلم بماتعملون0 الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون"
وقال سبحانه:" أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد0 ومن يهدِ
الله فماله من مضلٍ أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام"
وأشهدُ أن لا إله إلا الله , وحده لاشريك له شهادةَ من خالطت قلبه كلمة التوحيد قلبه وفؤاده, فعلم منها مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال0
وأشهدُ أن محمداً عبده, وصفيه وخليله ,هو البشير النذير, بشَّر وأنذر, وقال وعلَّم , فطوبى لمن
أخذ بسنته واقتفى أثره, واهتدى بهداه , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين00
أحبتى فى الله تعوذوا بالله عزوجل من الفتن , تعوذوا بالله من الفتن التى تحرقُ الدين, وتحرقُ العقل, وتحرقُ البدن, وتحرقُ كلَّ خير,
نعوذوا بالله منها , فإنه لاخير فى فتنةٍ أبداً , وأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله كثيراً
من الفتن , ويحذرُ منها 00
ولهذا لما ذكر البخارى رحمه الله فى صحيحه- كتاب الفتن- ابتدأ بقوله:" باب: قول الله تعالى:" واتقوا فتنةً لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصَّة"
وماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن)
وذلك إن الفتن إذا أتت , فإنها لاتصيبُ الظالم وحده , وإنما تصيبُ المجتمع , ولاتبقى- إذا أتت- لقائل مقالاً,
وإنما يجبُ علينا أن نحذرها قبل وقوعها , وأن نباعد أنفسنا حقاً بعداً شديداً عن كل مايقرِّب إلى فتنة,
أو يدنى منها, فإن من علامات آخر الزمانِ كثرةُ الفتن , كما ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال:" يتقارب الزمان , ويقلُ العمل , ويلقى الشحَّ , وتكثر- أو قال: تظهر- الفتن"
وذلك لأن الفتن إذا ظهرت , فأنه سيكون معها من الفساد مايكون مدنياً لقيام الساعة0
ومن رحمة نبى الله صلى الله عليه وسلم بنا : أن حذرنا من الفتن كلها00
والله جلَّ وعلا قد حذرنا بقوله :" واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصَّة "
قال ابن كثير رحمه الله فى تفسير هذه الأية:" هذه الأية, وإن كان المخاطب بها صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم , لكنها عامّة لكل مسلم , لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحذر من الفتن"
وقال الألوسى فى تفسيرة عند هذه الأية: فسرت الفتنة فى الآية السابقة بأشياء عدة منها: المداهنة فى
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, ومنها: التفرق والإختلاف, ومنها: ترك الإنكار على البده, ومنها : اشياء غير ذلك"
قال:" ولكل معنى بحسب مايقتضيه الحال"
يعنى: أنه إذا كان الزمان زمان تفرق واختلاف , فليحذر بعضنا بعضاً بقوله:" واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا
منكم خاصة" يعنى: إتقوا تفرُّقاً واختلافاً لايصيب مآله ولاتصيب نتيجته للذين ظلموا منكم خاصَّة , وإنما
يصيب الجميع, ولايخص ذلك الأثر- للتفرق والإختلاف مثلا- الظالم وحده00
ولهذا أحببتُ فى هذا المقام أن نذكر بهذا الأمر لما نرى عليه المسلمين من صحوة اسلامية راشدة بإذن الله
فى هذه البلاد , التى هي قائمة بشأن التوحيد , والقائمة بدعوة التوحيد فى هذا الزمان, الذى لانرى
فيه قائماً بالتوحيدِ إلا ماشاء الله , فكان لزاماً علينا أن نذكر هؤلاء وأنفسنا جميعاً , بلزوم الإعتناء بالعلم
النافع , بلزوم الإعتناء بالعقيدة الصحيحة ,عقيدة السلف الصالح , عقيدة أهل السنة والجماعة0
فإن هذه الصحوة المباركة و الصحوة التى نرجوا منها أن تنشر دين الله , وأن تحبب الشريعة والإستقامة
للناس , نرجوا منها أن تكون ثابتة على العلم النافع , لأن شبابنا اليوم يحرصون كثيراً على العلم النافع, يحرصون كثيراً على كلام أهل السنة والجماعة 0
ولهذا لزم علينا أن ننقل لهم , ونذكرهم , ونبين لهم ماتعلمناه من كلام أئمتنا , ومن كلام اهل السنة
والجماعة الذى بنوه على مقال المصطفى صلى الله عليه وسلم , بل وعلىكلام المولى عزوجل قبل ذلك0
فإن الفتن إذا لم يرعَ حالها , ولم ينظر إلى نتائجها, فإنه سيكون الحال حال سوء فى المستقبل , إن لم
يكن عند أهل العلم من البصر النافذ والرؤية الحقة مايجعلهم يتعاملون مع ما يستجد من الأحوال , أو يظهر
من الفتن , على وفق ماأراد الله جل ولعا وأراد رسوله صلى الله عليه وسلم0
فالضوابط والقواعد لابد أن تُرعى , فإن الضوابط بها يعصمُ المرء نفسه من الوقوع فى الغلط, فالضوابط
الشرعية والقواعد المرعية إذا أخذنا بها ولزمناها واقتفونا اثرها, فإنه عند ذلك سيحصل لنا من الخيرات
مالن نندم بعده ابداً بإذن الله0
فالضابط فى كل أمر لابد من معرفته , حتى يتسنى لك- ايها المسلم- أن تعصم نفسك من أن تنساق أو
تسوق نفسك , إلى مالم تعلم عاقبته الحميدة, أو مالم تعلم مايؤول إليه ذلك الأمر من مصلحة أو مفسدة0
فبهذا , نعلم أنه لابد من رعاية الضوابط ورعاية القواعد التى بينها أهل السنة والجماعة0
فما تعريف الضابط والقاعدة؟
الضابط فى المسألة: هو مابه نعرف ماتُحكم به مسائل الباب الواحد وترجع إليه مسائل الباب الواحد0
وأما القاعدة: فهى أمر كليِّ ترجع إليه المسائل في ابواب مختلفة0
ولهذا , ان لزاماً علينا أن نأخذ بتلك الضوابط والقواعد التى كان عليها أهل السنة والجماعة0
فالنبى صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّه من يعش منكم, فسيرى اختلافاً كثيراً , فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ"0 نعم0
وقد رأى الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم , رأوا الإختلاف , ومانجوا إلا بما تمسكوا به من القواعد
الواضحة, التى كان عليها صلى الله عليه وسلم, وكان عليها الخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم0
الفوائد الناجمة عن الأخذ بهذه القواعد والضوابط:
* أول تلك الفوائد- أن رعاية الضوابط ورعاية القواعد تعصم المسلم من أن يقع تصوره فيما لايقرَّه الشرع,
تعصم ذلك التصوَّر , وتضبط عقل المسلم فى تصوراته0
ومعلوم’’ أن المسلم إذا تصور مسألة ما دون ضابط ودون قاعدة يرجع إليهاا فإنه سيذهب عقله إلى أنحاء
شتى فى تصرفاته فى نفسه أو في أسرته أو في مجتمعه أو في أمته0
فعند ذلك نعلم أهمية رعاية تلك الضوابط وتلك القواعد0
* ثانيا- ثم إن لرعاية تلك الضوابط والقواعد فائدة اخرى , ألا وهى: أنها تعصم المسلم من الخطأ , لأنه
إذا سار وراء رأيه فيما يجد أو فى الفتن إذا ظهرت , وحلَّلها بعقله , ونظر فيها بنفسه, دون رعاية لضوابط
وقواعد أهل السنة والجماعة, فإنه لايأمن أن يقع فى الخطأِ , والخطأ إذا وقع فيه, فإن عاقبته ليست
بالحميدة, لأنه يتدرج ويتفرع , وربما زاد وزاد0
فللضابط والقاعدة إذا التزمنا بها فائدة ايما فائدة , وذلك أنها تعصمُ من الخطأ0
لماذا؟
لأن تلك القواعد وتلك الضوابط , من الذى قعَّدها؟ ومن الذى ضبطها؟ هم أهل السنة والجماعة,
وفق ماجاء فى الألة0
ومن سار خلف الدليل وسار خلف أهل السنة والجماعة فلن يندم ابداً بعد ذلك بإذن الله0
* ثالثاً- ومن الفوائد للقفو خلف تلك الضوابط والقواعد: أنها تسلِّم المسلم من الإثم , لأنه إذا سار وفق رأيه,
أو سرت وفق رأيك وماتظنه صواباً , دون رعاية لتلك الضوابط والقواعد , فأنك لاتأمن الإثم , لأنك لاتعلم
ماسيكون عليه مستقبل الحال فى مقالك أو فعلك إذا سرت وراء رأيك أو سرت وراء وفق مارأيته صواباً0
وأما إذا أخذت بما دل عليه الدليل من الضوابط والأصول العامة, فأنك ستنجوا بإذن الله من الإثم,
والله جل وعلا سيعذرك, لأنك سرت وفق الدليل, وقد أحسن من انتهى إلى ماقد سمع0
ولهذا أخوتى فى الله يتبين لنا من تلك الفوائد الثلاثة ضرورة الأخذ بتلك الضوابط والقواعد والتى سيأتى
بيانها على سلسلة من الدروس أعانكم الله على الحق0
وهذه الضوابط والقواعد التى سنبينها مأخذها ودليلها أحدُ شيئين:
الأول: التنصيص على تلك القاعدة أو ذلك الضابط فى الأدلة الشرعية- إما فى القرآن أو السنة - وأخذ
أهل السنة والجماعة بما دلت عليه تلك الأدلة فى القران والسنة0
الثانى: أن يكون مأخذها من السنة العملية المرعية, التى عمل بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم,
فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون من بعدهم والأئمة - أئمة أهل السنة والجماعة-
كان لهم سيرة عملية فى الفتن إذا ظهرت , وفي الأحوال إذا تغيرت , رعوها , وأخذوا فيها
بالأدلة , وطبقوها, ورعوها عملياً0
لهذا لن يزيغ بصرنا , ولن تزيغ عقولنا , إذا أخذنا بما عملوا به, وبما أخذوا به من الأدلة, وبما ساروا فيه
بالسيرة العملية0
وهذا من رحمة الله جل وعلا بنا: أنه لم يتركنا دون قدوة نقتدى بها, فالعلماء- علماء أهل السنة والجماعة-
هم الذين يُرجع إليهم , فى فهمهم وفي رأيهم وفي كلامهم , لأنهم علموا من الشرع , وعلموا من
قواعده الكلية ,ومن ضوابطه المرعية: مايعصمُ من الخطإ , ومايعصمُ من الإنفلات0
فلهذا يتبين لنا وجوب الأخذ بهذه الضوابط التى سنذكرها على مراتٍ عدة
وسيتبين لنا المصلحة فى الأخذ بها والتى يترتب عليها مصلحة الفرد والمجتمع بإذن الله تعالى0
ومن سار خلف مهتدٍ , ووفق مادلت عليه الأدلة, فطوبى له فى سيره , وطوبى له فى هداه , فلن يندم
ابداً بإذن اله0
الضوابط والقواعد الشرعية الواجب اتباعها فى الفتن
الأول من تلك القواعد والضوابط:
أنه إذا ظهرت الفتن أو تغيرت الأحوال, فعليك بالرفق والتأنى والحلم , ولاتعجل0
هذه قاعدة مهمة:عليك بالرفق , وعليك بالتأني, وعليك بالحلم0
ثلا[B]ثة أمور:
* أما الأمر الأول - وهو الرفق- فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه فى الصحيح:
" ماكان الرفق في شيء إلا زانه , ولانزع من شيءٍ إلا شانه"
قال أهل العلم: قوله:" ماكان فى شيء إلا زانه": هذه الكلمة "شيء" نكرة أتت في سياق النفى,
والأصول تقضي بأنها تعم جميع الأشياء, يعنى: أن الرفق محمود فى الأمر كله0
وهذا قد جاء فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم:" إن الله يحبُ الرفق في الأمرِ كله"0
في كل أمرٍ عليك بالرفق, وعليك بالتؤدة, ولاتكن غضوباً , ولاتكن غير مترفق, فإن الرفق لن تندم عليه
أبداً , ولم يكن الرفق في شيءٍ إلا زانه, في الأفكـــــــار00فى المواقف000فيما يجد000وفيماتريد
أن نتحكم عليه0000 وفيما تريد أن تتخذه00
عليك بالرفق , ولاتعجل , ولاتكن مع المتعجلين إذا تعجلواو ولا مع المتسرعين إذا تسرعوا,
إنما عليك بالرفق امتثالا لأمر النبى صلى الله عليه وسلم00
فخذ بالزين , وخذ بالأمر المزين, وخذ بالأمر الحسن , وإياك ثم إياك من الأمر المشين , وهو أن ينزع
من قولك أو فعلك الترفق فى الأمر كله0
* وأما الأمرُ الثاني: فعليك بالتأنى, يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" إن فيك لخصلتين يحبهما الله
ورسوله: الحلم والأناة"
والتأنى خصلة محمودة , ولهذا قال جل وعلا :" ويدعوا الإنسان بالشرِ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً"
قال أهل العلم: هذا فيه ذم للإنسان, حيث كان عجولاً ,لأن هذه الخصلة, من كانت فيه , كان مذموماً
بها , ولهذا النبى صلى الله عليه وسلم غير متعجل0
* وأما الأمر الثالث: فهو الحلم والحلم فى الفتن وعند تقلب الأحوال محموداً ايما حمد و ومثني’’ عليه أيما
ثناء, لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء على حقيقتها , ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهى عليه0
ثبت فى " صحيح مسلم" من حديث الليث بن سعد بن موسى بن عُليّ عن أبيه: أن المستورد القرشي-
وكان عنده عمرو بن العاص رضى الله عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" تقوم
الساعة والروم أكثر الناس" 0 قال عمرو بن العاص له- للمستورد القرشي- : أبصر ماتقول**** قال: ومالي أن
لا أقول ماقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إن كان كذلك , فلأن الروم فيهم خصالاً
اربعاً: الأولى: أنهم أحلم الناس عند الفتنة0
الثانية: أنهم أسرع الناس إفاقة بعد المصيبة00وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة0
قال أهل العلم: هذا الكلام من عمرو بن العاص لايريد أن يثنى به على الروم والنصارى الكفرة لا****!!
ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم والنصارى وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة لأنهم عند حدوث
الفتن هم أحلم الناس , ففيهم من الحلم مايجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها , لأجل أن لاتذهب
أنفسهم ويذهب أصحابها0
هذا محصل ماقاله السنوسي والأبي فى شرحهما على " صحيح مسلم"0
وهذا تنبيه لطيف ,أ ن النبى صلى الله عليه وسلم بين أنه لاتقوم الساعة حتى يكون أكثر الناس الروم, لماذا؟
للخصال السابق ذكرها على لسان عمرو بن العاص رضى الله عنه0
ولهذا , فإننا نعجب أن لانأخذ بهذه الخصلة والتى حمد بها عمرو بن العاص الروم, وكانت فيهم تلك خصلة حميدة,
ونحن أولى بكل خيرٍ عند من هم سوانا0
الحلم محمود فى الأمر كله00 فإنه يبصر عقل العاقل, فى الفتنة بحلمه وأناته ورفقه فيدل على تعقله وعلى بصره0
هذا هو الضابط الأول وهذه هى القاعدة الأولى التى رعاها أهل السنة والجماعة عند ظهور الفتن, وعند
تقلب الأحوال000
وسيكون أخوتى فى الله تتمة لهذه الضوابط حتى لايثقل كاهلكم بها , ولايطول الموضوع 00
فإنتظروا البقية بإذن الله على تسلسل
وأخيراً اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه 000
والصلاه والسلام على خير الخلق محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه
*!||!* يتبع القاعدة .. الحلقة الثانية *!||!* (http://www.sfsaleh.com/vb/showthread.php?s=&threadid=729)
لقد كثرت الأحاديث فى هذه الأونة فى مواضيع لاتكادُ تخرُجُ من بوتقة واحدة وهى الفتن وملحقاتها
فنقول مستعينين بالله وحده دون سواه :
نبدأ بخير الحديث وخيرُ الهدى وهو كلام الله عز وجل فقد قال عزَّ من قائل:" ولكلِ أمةٍ جعلنا منسكاً
هم ناسكوه فلاينازعنك فى الأمرِ وادعُ إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ,وإن جادلوكَ فقل الله
أعلم بماتعملون0 الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون"
وقال سبحانه:" أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد0 ومن يهدِ
الله فماله من مضلٍ أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام"
وأشهدُ أن لا إله إلا الله , وحده لاشريك له شهادةَ من خالطت قلبه كلمة التوحيد قلبه وفؤاده, فعلم منها مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال0
وأشهدُ أن محمداً عبده, وصفيه وخليله ,هو البشير النذير, بشَّر وأنذر, وقال وعلَّم , فطوبى لمن
أخذ بسنته واقتفى أثره, واهتدى بهداه , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين00
أحبتى فى الله تعوذوا بالله عزوجل من الفتن , تعوذوا بالله من الفتن التى تحرقُ الدين, وتحرقُ العقل, وتحرقُ البدن, وتحرقُ كلَّ خير,
نعوذوا بالله منها , فإنه لاخير فى فتنةٍ أبداً , وأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله كثيراً
من الفتن , ويحذرُ منها 00
ولهذا لما ذكر البخارى رحمه الله فى صحيحه- كتاب الفتن- ابتدأ بقوله:" باب: قول الله تعالى:" واتقوا فتنةً لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصَّة"
وماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن)
وذلك إن الفتن إذا أتت , فإنها لاتصيبُ الظالم وحده , وإنما تصيبُ المجتمع , ولاتبقى- إذا أتت- لقائل مقالاً,
وإنما يجبُ علينا أن نحذرها قبل وقوعها , وأن نباعد أنفسنا حقاً بعداً شديداً عن كل مايقرِّب إلى فتنة,
أو يدنى منها, فإن من علامات آخر الزمانِ كثرةُ الفتن , كما ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال:" يتقارب الزمان , ويقلُ العمل , ويلقى الشحَّ , وتكثر- أو قال: تظهر- الفتن"
وذلك لأن الفتن إذا ظهرت , فأنه سيكون معها من الفساد مايكون مدنياً لقيام الساعة0
ومن رحمة نبى الله صلى الله عليه وسلم بنا : أن حذرنا من الفتن كلها00
والله جلَّ وعلا قد حذرنا بقوله :" واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصَّة "
قال ابن كثير رحمه الله فى تفسير هذه الأية:" هذه الأية, وإن كان المخاطب بها صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم , لكنها عامّة لكل مسلم , لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحذر من الفتن"
وقال الألوسى فى تفسيرة عند هذه الأية: فسرت الفتنة فى الآية السابقة بأشياء عدة منها: المداهنة فى
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, ومنها: التفرق والإختلاف, ومنها: ترك الإنكار على البده, ومنها : اشياء غير ذلك"
قال:" ولكل معنى بحسب مايقتضيه الحال"
يعنى: أنه إذا كان الزمان زمان تفرق واختلاف , فليحذر بعضنا بعضاً بقوله:" واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا
منكم خاصة" يعنى: إتقوا تفرُّقاً واختلافاً لايصيب مآله ولاتصيب نتيجته للذين ظلموا منكم خاصَّة , وإنما
يصيب الجميع, ولايخص ذلك الأثر- للتفرق والإختلاف مثلا- الظالم وحده00
ولهذا أحببتُ فى هذا المقام أن نذكر بهذا الأمر لما نرى عليه المسلمين من صحوة اسلامية راشدة بإذن الله
فى هذه البلاد , التى هي قائمة بشأن التوحيد , والقائمة بدعوة التوحيد فى هذا الزمان, الذى لانرى
فيه قائماً بالتوحيدِ إلا ماشاء الله , فكان لزاماً علينا أن نذكر هؤلاء وأنفسنا جميعاً , بلزوم الإعتناء بالعلم
النافع , بلزوم الإعتناء بالعقيدة الصحيحة ,عقيدة السلف الصالح , عقيدة أهل السنة والجماعة0
فإن هذه الصحوة المباركة و الصحوة التى نرجوا منها أن تنشر دين الله , وأن تحبب الشريعة والإستقامة
للناس , نرجوا منها أن تكون ثابتة على العلم النافع , لأن شبابنا اليوم يحرصون كثيراً على العلم النافع, يحرصون كثيراً على كلام أهل السنة والجماعة 0
ولهذا لزم علينا أن ننقل لهم , ونذكرهم , ونبين لهم ماتعلمناه من كلام أئمتنا , ومن كلام اهل السنة
والجماعة الذى بنوه على مقال المصطفى صلى الله عليه وسلم , بل وعلىكلام المولى عزوجل قبل ذلك0
فإن الفتن إذا لم يرعَ حالها , ولم ينظر إلى نتائجها, فإنه سيكون الحال حال سوء فى المستقبل , إن لم
يكن عند أهل العلم من البصر النافذ والرؤية الحقة مايجعلهم يتعاملون مع ما يستجد من الأحوال , أو يظهر
من الفتن , على وفق ماأراد الله جل ولعا وأراد رسوله صلى الله عليه وسلم0
فالضوابط والقواعد لابد أن تُرعى , فإن الضوابط بها يعصمُ المرء نفسه من الوقوع فى الغلط, فالضوابط
الشرعية والقواعد المرعية إذا أخذنا بها ولزمناها واقتفونا اثرها, فإنه عند ذلك سيحصل لنا من الخيرات
مالن نندم بعده ابداً بإذن الله0
فالضابط فى كل أمر لابد من معرفته , حتى يتسنى لك- ايها المسلم- أن تعصم نفسك من أن تنساق أو
تسوق نفسك , إلى مالم تعلم عاقبته الحميدة, أو مالم تعلم مايؤول إليه ذلك الأمر من مصلحة أو مفسدة0
فبهذا , نعلم أنه لابد من رعاية الضوابط ورعاية القواعد التى بينها أهل السنة والجماعة0
فما تعريف الضابط والقاعدة؟
الضابط فى المسألة: هو مابه نعرف ماتُحكم به مسائل الباب الواحد وترجع إليه مسائل الباب الواحد0
وأما القاعدة: فهى أمر كليِّ ترجع إليه المسائل في ابواب مختلفة0
ولهذا , ان لزاماً علينا أن نأخذ بتلك الضوابط والقواعد التى كان عليها أهل السنة والجماعة0
فالنبى صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّه من يعش منكم, فسيرى اختلافاً كثيراً , فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ"0 نعم0
وقد رأى الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم , رأوا الإختلاف , ومانجوا إلا بما تمسكوا به من القواعد
الواضحة, التى كان عليها صلى الله عليه وسلم, وكان عليها الخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم0
الفوائد الناجمة عن الأخذ بهذه القواعد والضوابط:
* أول تلك الفوائد- أن رعاية الضوابط ورعاية القواعد تعصم المسلم من أن يقع تصوره فيما لايقرَّه الشرع,
تعصم ذلك التصوَّر , وتضبط عقل المسلم فى تصوراته0
ومعلوم’’ أن المسلم إذا تصور مسألة ما دون ضابط ودون قاعدة يرجع إليهاا فإنه سيذهب عقله إلى أنحاء
شتى فى تصرفاته فى نفسه أو في أسرته أو في مجتمعه أو في أمته0
فعند ذلك نعلم أهمية رعاية تلك الضوابط وتلك القواعد0
* ثانيا- ثم إن لرعاية تلك الضوابط والقواعد فائدة اخرى , ألا وهى: أنها تعصم المسلم من الخطأ , لأنه
إذا سار وراء رأيه فيما يجد أو فى الفتن إذا ظهرت , وحلَّلها بعقله , ونظر فيها بنفسه, دون رعاية لضوابط
وقواعد أهل السنة والجماعة, فإنه لايأمن أن يقع فى الخطأِ , والخطأ إذا وقع فيه, فإن عاقبته ليست
بالحميدة, لأنه يتدرج ويتفرع , وربما زاد وزاد0
فللضابط والقاعدة إذا التزمنا بها فائدة ايما فائدة , وذلك أنها تعصمُ من الخطأ0
لماذا؟
لأن تلك القواعد وتلك الضوابط , من الذى قعَّدها؟ ومن الذى ضبطها؟ هم أهل السنة والجماعة,
وفق ماجاء فى الألة0
ومن سار خلف الدليل وسار خلف أهل السنة والجماعة فلن يندم ابداً بعد ذلك بإذن الله0
* ثالثاً- ومن الفوائد للقفو خلف تلك الضوابط والقواعد: أنها تسلِّم المسلم من الإثم , لأنه إذا سار وفق رأيه,
أو سرت وفق رأيك وماتظنه صواباً , دون رعاية لتلك الضوابط والقواعد , فأنك لاتأمن الإثم , لأنك لاتعلم
ماسيكون عليه مستقبل الحال فى مقالك أو فعلك إذا سرت وراء رأيك أو سرت وراء وفق مارأيته صواباً0
وأما إذا أخذت بما دل عليه الدليل من الضوابط والأصول العامة, فأنك ستنجوا بإذن الله من الإثم,
والله جل وعلا سيعذرك, لأنك سرت وفق الدليل, وقد أحسن من انتهى إلى ماقد سمع0
ولهذا أخوتى فى الله يتبين لنا من تلك الفوائد الثلاثة ضرورة الأخذ بتلك الضوابط والقواعد والتى سيأتى
بيانها على سلسلة من الدروس أعانكم الله على الحق0
وهذه الضوابط والقواعد التى سنبينها مأخذها ودليلها أحدُ شيئين:
الأول: التنصيص على تلك القاعدة أو ذلك الضابط فى الأدلة الشرعية- إما فى القرآن أو السنة - وأخذ
أهل السنة والجماعة بما دلت عليه تلك الأدلة فى القران والسنة0
الثانى: أن يكون مأخذها من السنة العملية المرعية, التى عمل بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم,
فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون من بعدهم والأئمة - أئمة أهل السنة والجماعة-
كان لهم سيرة عملية فى الفتن إذا ظهرت , وفي الأحوال إذا تغيرت , رعوها , وأخذوا فيها
بالأدلة , وطبقوها, ورعوها عملياً0
لهذا لن يزيغ بصرنا , ولن تزيغ عقولنا , إذا أخذنا بما عملوا به, وبما أخذوا به من الأدلة, وبما ساروا فيه
بالسيرة العملية0
وهذا من رحمة الله جل وعلا بنا: أنه لم يتركنا دون قدوة نقتدى بها, فالعلماء- علماء أهل السنة والجماعة-
هم الذين يُرجع إليهم , فى فهمهم وفي رأيهم وفي كلامهم , لأنهم علموا من الشرع , وعلموا من
قواعده الكلية ,ومن ضوابطه المرعية: مايعصمُ من الخطإ , ومايعصمُ من الإنفلات0
فلهذا يتبين لنا وجوب الأخذ بهذه الضوابط التى سنذكرها على مراتٍ عدة
وسيتبين لنا المصلحة فى الأخذ بها والتى يترتب عليها مصلحة الفرد والمجتمع بإذن الله تعالى0
ومن سار خلف مهتدٍ , ووفق مادلت عليه الأدلة, فطوبى له فى سيره , وطوبى له فى هداه , فلن يندم
ابداً بإذن اله0
الضوابط والقواعد الشرعية الواجب اتباعها فى الفتن
الأول من تلك القواعد والضوابط:
أنه إذا ظهرت الفتن أو تغيرت الأحوال, فعليك بالرفق والتأنى والحلم , ولاتعجل0
هذه قاعدة مهمة:عليك بالرفق , وعليك بالتأني, وعليك بالحلم0
ثلا[B]ثة أمور:
* أما الأمر الأول - وهو الرفق- فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه فى الصحيح:
" ماكان الرفق في شيء إلا زانه , ولانزع من شيءٍ إلا شانه"
قال أهل العلم: قوله:" ماكان فى شيء إلا زانه": هذه الكلمة "شيء" نكرة أتت في سياق النفى,
والأصول تقضي بأنها تعم جميع الأشياء, يعنى: أن الرفق محمود فى الأمر كله0
وهذا قد جاء فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم:" إن الله يحبُ الرفق في الأمرِ كله"0
في كل أمرٍ عليك بالرفق, وعليك بالتؤدة, ولاتكن غضوباً , ولاتكن غير مترفق, فإن الرفق لن تندم عليه
أبداً , ولم يكن الرفق في شيءٍ إلا زانه, في الأفكـــــــار00فى المواقف000فيما يجد000وفيماتريد
أن نتحكم عليه0000 وفيما تريد أن تتخذه00
عليك بالرفق , ولاتعجل , ولاتكن مع المتعجلين إذا تعجلواو ولا مع المتسرعين إذا تسرعوا,
إنما عليك بالرفق امتثالا لأمر النبى صلى الله عليه وسلم00
فخذ بالزين , وخذ بالأمر المزين, وخذ بالأمر الحسن , وإياك ثم إياك من الأمر المشين , وهو أن ينزع
من قولك أو فعلك الترفق فى الأمر كله0
* وأما الأمرُ الثاني: فعليك بالتأنى, يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" إن فيك لخصلتين يحبهما الله
ورسوله: الحلم والأناة"
والتأنى خصلة محمودة , ولهذا قال جل وعلا :" ويدعوا الإنسان بالشرِ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً"
قال أهل العلم: هذا فيه ذم للإنسان, حيث كان عجولاً ,لأن هذه الخصلة, من كانت فيه , كان مذموماً
بها , ولهذا النبى صلى الله عليه وسلم غير متعجل0
* وأما الأمر الثالث: فهو الحلم والحلم فى الفتن وعند تقلب الأحوال محموداً ايما حمد و ومثني’’ عليه أيما
ثناء, لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء على حقيقتها , ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهى عليه0
ثبت فى " صحيح مسلم" من حديث الليث بن سعد بن موسى بن عُليّ عن أبيه: أن المستورد القرشي-
وكان عنده عمرو بن العاص رضى الله عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" تقوم
الساعة والروم أكثر الناس" 0 قال عمرو بن العاص له- للمستورد القرشي- : أبصر ماتقول**** قال: ومالي أن
لا أقول ماقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إن كان كذلك , فلأن الروم فيهم خصالاً
اربعاً: الأولى: أنهم أحلم الناس عند الفتنة0
الثانية: أنهم أسرع الناس إفاقة بعد المصيبة00وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة0
قال أهل العلم: هذا الكلام من عمرو بن العاص لايريد أن يثنى به على الروم والنصارى الكفرة لا****!!
ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم والنصارى وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة لأنهم عند حدوث
الفتن هم أحلم الناس , ففيهم من الحلم مايجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها , لأجل أن لاتذهب
أنفسهم ويذهب أصحابها0
هذا محصل ماقاله السنوسي والأبي فى شرحهما على " صحيح مسلم"0
وهذا تنبيه لطيف ,أ ن النبى صلى الله عليه وسلم بين أنه لاتقوم الساعة حتى يكون أكثر الناس الروم, لماذا؟
للخصال السابق ذكرها على لسان عمرو بن العاص رضى الله عنه0
ولهذا , فإننا نعجب أن لانأخذ بهذه الخصلة والتى حمد بها عمرو بن العاص الروم, وكانت فيهم تلك خصلة حميدة,
ونحن أولى بكل خيرٍ عند من هم سوانا0
الحلم محمود فى الأمر كله00 فإنه يبصر عقل العاقل, فى الفتنة بحلمه وأناته ورفقه فيدل على تعقله وعلى بصره0
هذا هو الضابط الأول وهذه هى القاعدة الأولى التى رعاها أهل السنة والجماعة عند ظهور الفتن, وعند
تقلب الأحوال000
وسيكون أخوتى فى الله تتمة لهذه الضوابط حتى لايثقل كاهلكم بها , ولايطول الموضوع 00
فإنتظروا البقية بإذن الله على تسلسل
وأخيراً اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه 000
والصلاه والسلام على خير الخلق محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه
*!||!* يتبع القاعدة .. الحلقة الثانية *!||!* (http://www.sfsaleh.com/vb/showthread.php?s=&threadid=729)