المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكلام النديّ.. في حكم الاحتفال بميلاد النبي



أهــل الحـديث
16-02-2013, 07:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الإخوة الكرام، هذا بحث صغير كتبته في حكم الاحتفال بمولد النبي صصص، عرضت فيه أدلة المانعين، وأدلة المجيزين، مع نقد أدلة المجيزين، فأرجو منكم بيان رأيكم فيما تقرأون، إن كان فيه نقص و ملاحظة أوخطأ فأحيطوني به علما بارك الله فيكم.
..........................
[طبعا بدأت هنا بمقدمة خاصة ذكرت فيها سبب الكتابة، وهي صدور دعوة لحضور أحد الموالد عندنا في غزة]
ثمَّ قُلْتُ: وقد تردد هذا الصنيع بين الإنكار والإقرار.
لكن ههنا أمر مهم: وهو أن منهاجنا هو حسن الحوار.. والتأدب في الإنكار.. والاقتصاد في الإقرار.
فحسن الحوار... بغية الوصول إلى الحق.
فنتأدب في الإنكار...منعا للهجر والمخاصمة والقطيعة والاحتقار.
ونقتصد في الإقرار...منعا للاعتداد بالنفس و الاغترار.
وأحب أن أذكر قاعدة الإنصاف لابن تيمية في هذا الشأن حيث قال:" وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصاً على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه"[اقتضاء الصراط المستقيم.]
ومنعا للتطويل، نستعرض كلا من أدلة الفريقين من المجيزين والمانعين.
أولا: أدلة المجيزين:
وعلى رأس هؤلاء من العلماء المتقدمين: السيوطي، وابن الجوزي، وابن حجر العسقلاني، وأبو شامة، والسخاوي، والحافظ زين الدين العراقي، وشمس الدين ابن الجزري، والشهاب القسطلاني، رحمهم الله تعالى.
ومن المتأخرين: الطاهر ابن عاشور، حسنين محمد مخلوف، الشعرواي، الشيخ العلامة يوسف القرضاوي وغيرهم، رحم الله من توفي منهم، وحفظ من كان منهم حيا بيننا.
ومن كلام هؤلاء الأعلام يتبين لنا أنهم استدلوا على جواز عقد الموالد بنوعين من الأدلة: عامة، وخاصة.
أما الأدلة العامة، أو الأصول العامة التي استندوا إليها:
فالدليل الأول: أن يوم مولد النبي صصص من أيام الله، والتذكير بها أمر حسن مستحب، وقد جاء الأمر به من قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[سورة إبراهيم:5].
الدليل الثاني: أن النفس يقع فيها من محبة النبي صصص وتعظيمه، وذلك يقتضي الفرح بيوم مولده صصص، وإظهار العبادات من صلاة وشكر وذكر ونحوه.
الدليل الثالث: وهو ما يرد على العقل أحيانا، مثل :
1- أن هذا من قبيل الأفعال المباحة فلا حرج في فعلها.
2- أن الأئمة رضوان الله عليهم قد اختلفوا في هذا الأمر، فجعل المجيزون خلاف الأئمة حجة على الجواز.
وأما الأدلة الخاصة التي استندوا إليها، على النحو التالي:
الدليل الأول: وهو ما قاس عليه ابن حجر رحمه الله فيما نقله عنه السيوطي :"وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون, ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة" [من كتاب: حسن المقصد في حكم الاحتفال بالمولد، للسيوطي]
الدليل الثاني: استدلالهم بقصة تخفيف العذاب عن أبي لهب في البخاري، وجاء فيه: "وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ (بِشَرِّ خَيْبَةٍ) [أي بسوء حال]، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْرًا غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ" [رواه البخاري: ح/5101].
وهذا غاية ما في كلامهم من الأدلة، والله أعلم.
________________________________________
ثانيا: أدلة المانعين.
وعلى رأسهم من العلماء المتقدمين: شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشاطبي، وتاج الدين الفاكهاني، رحمهم الله تعالى، ومن المتأخرين: ابن عثيمين وابن باز والألباني وجمع غفير من الأئمة من السلف وأصحاب الحديث، وقد استدلوا أيضا بنوعين من الأدلة: عامة، وخاصة.
أما الأدلة العامة، أو الأصول العامة التي استندوا إليها:
الدليل الأول: أن ذلك يدخل في تعظيم يوم لم تعظمه الشريعة.
الدليل الثاني: أن هذا من البدع المنكرة التي لا أصل لها في الدين، ولم تنقل عن أحد الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، وقد جرى إجماعهم بترك العمل بها. وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[سورة الحشر:7]، وقال عز وجل : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة النور:63] ، وقال سبحانه : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[سورة الأحزاب:21] ، وقال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[سورة المائدة:3].
الدليل الثالث: أن ذلك داخل في تقليد الكفار الذي نُهينها عنه، حيث اتخذ النصارى مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام عيدا لهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها(...)فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه ولو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص"[اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم]
الدليل الرابع: القول بالحرمة أولى من القول بالجواز سدا للذريعة المفضية إلى الشرك المفضي إلى الخلود في النار والعياذ بالله.
الدليل الخامس: تقسيم البِدَعِ إلى حسنة وسيئة ومكروهة، تقسيم مبتدع لا يقبل، وهو تقسيم الإمام القرافي في كتابه (الفروق) ووافقه عليه تلميذه العز بن عبد السلام، وقد رده الإمام الشاطبي في كتاب (الاعتصام)، وبسط فيه المسألة فيما يزيد على أربعين صفحة، فليراجع هناك، كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم.
وأما الأدلة الخاصة التي استندوا إليها، على النحو التالي:
الدليل الأول: أن مولد النبي صصص غير متفق عليه أصلا، وغير معلوم على الوجه القطعي، قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:" ليلة مولد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ليست معلومة على الوجه القطعي ، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية".
الدليل الثاني: المولد النبوي يقع فيه من المحاذير والمنكرات الكثير، ومنها الإغراق في مديح النبي صصص والإسراف في ذلك، وقد نهى النبي صصص عن ذلك، ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ" [رواه البخاري: ح/3445].
وهذا قد قاد بعض الصوفية إلى الشرك، فقد قالوا بالحقيقة المحمدية، وهي: أنه أول المخلوقات، ومبدأ خلق العالم، وهي النور الذي خلقه الله قبل كل شيء وخلق منه كل شيء، أو هي العقل الإلهي الذي تجلى الحق فيه لنفسه فكان هذا التجلي بمنزلة أول مرجلة من مراحل التنزل الإلهي في صور الوجود.
وأيضا كما هو الحال عند البوصيري في قصيدة البردة (الشركية)، وفيها من الشرك والطوام مالله به عليم.
التدرج في ضلالهم: فقد بدأوا بحب آل البيت والإغراق في هذا الحب، وساقهم هذا تدريجيا إلى أنه صصص وقف الأنبياء بساحله، وأنه قبة الكون، وهو الله المستولي على العرش، وأن كل الكائنات خلقت من نوره، وهي عقيدة ابن عربي الطائي.
ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته، لكنهم مع ذلك يستشفعون بالنبي  ويتوسلون به إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة.[من كتاب: دراسات في الفلسفة والتصوف، للدكتور صالح الرقب، والدكتور: محمود الشوبكي.]
هذا عرض مختصر لأدلة المانعين، فقوام أدلتهم من القرآن والسنة وإجماع الصحابة بتركهم لهذا العمل، وكل من هذه الثلاثة أصول الأدلة الشرعية، كما يعلم من له أدنى معرفة بالأصول.
......
أما المجيزين للاحتفال فاستدلاهم بأدلتهم لا يخلو من مقال واعتراض، وهاك بيان ذلك:
1- فأن نقول أن هذا اليوم من أيام الله، أمر الله بالتذكير بها، فهذا ليس على إطلاقه، أي ذكرهم بما أنعم الله على بني إسرائيل (والخطاب هنا لموسى عليه السلام) من إنجائهم من فرعون، وإغراقه ونحو ذلك، والمتأمل هنا يرى أن أيام الله هو ما كان فيه نصر وإظهار للحق، وعلو فئة مؤمنة على فئة كافرة، وليس للميلاد هذا الوصف، فهناك أيام كثيرة من حياة النبي صصص أحرى وأولى بالاحتفال، وهي أيام ظهر فيها المسلمون على الكفار، كغزوة بدر وصلح الحديبية وفتح مكة وغزوة الأحزاب، وتبوك وحنين ونحو ذلك، ومع هذا فلم نُؤمر بالاحتفال وباتخاذ هذه الأيام أعيادا.
وأيضا: كيف فهمنا أن الله أراد بالتذكير هنا هو الاحتفال والطبل والغناء والمديح والأشعار، فلماذا فهمناه على هذا الوجه، ولم نفهمه على أوجه أخرى محتملة، مثل أن يكون المراد بالتذكير هنا: الوعظ حالة الغفلة، وهذا هو مفهوم الآية أصلا، فقد أُمر موسى عليه السلام بتذكيرهم لما أراد بنو إسرائيل التفريط في كتابهم ودينهم، وقد جاء ذلك في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا عين التذكير فقال تعالى:{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ }، فذكرهم بنعمة الله عليهم، والأولى أن نوقع النص كما ينبغي، فحمل التفسير على هذا الوجه غلط كبير، فلم يقصد من استدل بهذه الآية من العلماء أن يقع التذكير بإقامة الموالد والاحتفالات السنوية والإجازات وغيرها، بل وكلهم اتفق على اجتناب المنكر لمن أراد الاحتفال.
2- وقولهم أن هذا من مقتضيات محبة النبي صصص وعلينا أن نظهر المحبة بالفرح في يوم مولده، فهذا أمر حسن، ولا بأس في ذلك، ولكن أن نخص هذا اليوم بهذا الصنيع من شكر وذكر وعبادة وحلقات أشعار ومديح، فهذا لا يصح أن نلزم به المسلمين عامة، بل الأصل أن يكون هذا حالنا طيلة أيام العام.
ثم إن محبة النبي صصص، لا تكون بهذه الصورة، بل إن محبته صصص إنما تكون في طاعته بما جاء به عن الله جل وعلا، ولك أن تستحضر إن كان لك ولدين، أحدهما يثني عليك ثناء عطرا ويحبك حبا شديدا ويفني وقته في مدحك، وليس له في طاعتك من نصيب، والولد الآخر يمدحك ويحبك ويطيعك في كل فعل وأمر ونهي يصدر عنك، فأيهما تحب، وأيهما تقرب؟ لا شك أن الذي يطيعك في أمرك ونهيك هو من ستحبه، وعليه فالمحبوب عند النبي صصص هو العامل بما تقتضيه هذه المحبة...{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.} [آل عمران:31].
3- إن قلنا بأن هذا من المباحات فلا حرج في فعله فهذا يستلزم القول أن الاحتفال بالمولد من أمور العادات، وهذا أمر لا يرضاه الصوفية، لأنهم حين يفعلون ذلك يرون أنهم يؤجرون، ومن المعلوم أن المرء لا يؤجر إلا على عبادة، وحتى نفهم هذا جيدا، علينا استعراض قاعدتين من قواعد الشرع:
الأولى: أن الأصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد عليها نص بتحريم أو كراهة، وهذه القاعدة تجري في أمور العادات.
الثانية: الأصل في العبادات الحرمة، حتى يرد دليل على الوجوب أو الاستحباب(المراد بالدليل الصراحة لا الاحتمال) أو الإباحة، وهذا فقط في العبادات.
والمراد بالدليل هنا: أن يكون الدليل صحيحا وصريحا، بمعنى أن يكون النص صحيح يصلح للعمل والاحتجاج به، أن يكون صريحا: أي واضحا في دلالته ولا يحتمل أمورا عدة، والمقرر عند أهل الأصول: أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال، بطُل به الاستدلال.
وههنا يرد تساؤلان:
الأول: ماذا تعدون الاحتفال بمولد النبي صصص؟ عادة أم عبادة؟
- فإن قلتم: عادة؛ فإنه لا يترتب على فعلكم أجر، فلم تقومون به؟
- وإن قلتم عبادة؛ فإن عملكم يحتاج إلى دليل صحيح صريح يجيز لكم أن تحتفلوا بالمولد، وهذا غير موجود أبدا في كلام من أجاز هذا الصنيع من العلماء، فكل الأدلة التي استدلوا بها إما صريحة، ولكنها غير صحيحة، وإما صحيحة، ولكنها غير صريحة، فسقط الاستدلال.
والقاعدة المثلى عندنا في الشرع: أن العبادة يتوقف قبولها على شرطين:
الشرط الأول: إخلاص النية لله تعالى.[النية]
الشرط الثاني: موافقة العبادة للشرع.[السنية]
وكم أحببت تعبير الأخ /(.....) عن شَرْطَي قَبول العبادة بقوله: النية، والسنية، فهي عبارة يسهل حفظها.
4- يتبين أن أهل العلم اختلفوا في المسألة، وقد يقول بعضهم: طالما قد اختلفوا فلا بأس أن نأخذ بأي قول.
وهذا قول باطل؛ لأن القاعدة المقررة عند الفقهاء أن الخلاف ليس حجة على الجواز، وبهذا يتبين لنا بطلان هذا القول.
5- وأما قياس ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الفعل –أي: الاحتفال بالمولد- على إنجاء الله تعالى لموسى عليه السلام، فهذا لا يقاس على هذا، إذ من شروط صحة القياس، ثبوت العلة، والعلة هنا ليست ثابتة، وليست معلومة، فعلة صيام النبي صصص لعاشوراء هي: الفرح بنصر موسى عليه السلام على المقبوح فرعون، وهذه العلة ليست موجودة، ثم إنها علة استحباب الصيام، وليست علة لجواز الإطعام والصدقة وإنشاد المدائح والقصائد، فالفرع المقيس ههنا لا يشابه الأصل المقيس عليه في قصة موسى عليه السلام، والعلة ليست مشتركة بينهما، فلا الأصل متفق مع الفرع، ولا العلة واضحة بينهما، فلا يصح القياس ههنا.
6- وأما الاستدلال بقصة تخفيف العذاب عن أبي لهب، فاستدلال غير صحيح، لأن من استدل بالقصة، قال بأن سبب تخفيف العذاب هو الفرح بمولد النبي صصص، وهذا مخالف لما هو واضح جلي في الحديث من كلام أبي لهب، حيث قال أبو لهب ما نصه: " لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْرًا غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ "، فأخبر أبو لهب أن سبب التخفيف هو عتاقته لثويبة، ولم يرد في الحديث أنه قد أعتقها لفرحه بمولد النبي صصص، بل إنه قد أعتقها، ثم بعد ذلك أرضعته، فالدليل غير صريح على أن أبا لهب إنما أعتقها فرحا بميلاد النبي صصص.
وعلى فرض صحة هذا الاحتمال؛ فماذا أغنى ذلك عن أبي لهب، ثم إنه إنما فرح لميلاد ابن أخيه، لا لأنه نبي، بل إن النبي صصص لما صدع بدعوته، تسخط عليه أبو لهب وسبه وحاربه.
فكيف تستدلون بمحبة نَسَبِيَّةٍ على محبة شَرْعِيَّةٍ، فسبب محبة أبي جهل هو مولد ابن أخيه، وليس مولده على أنه نبي، لأنه أبغضه لما علم ما علم من أمر تنبؤه صصص، وأنتم تحبونه لأنه نبي وليس لأنه قد وُلِدَ لعبد الله بن عبد المطلب وَلَدٌ من آمنة، فالفرق بينهما واضح جلي، ولا يقاس هذا على ذاك، ولا يستدل بهذا الدليل على صحة إقامة الموالد.
7- بالنظر في أحوال المجيزين، نجد أكثرهم إما صوفي، أو أشعري، ومن كان هذا حاله فإنما ينتصر لمذهبه بما عنده من الأدلة، والمتصوفة والأشاعرة يقولون بجواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإنهم سينتصرون لأقوالهم بالدلة، وسيتمسكون على صحة مذاهبهم بأي دليل محتمل.
8- وبالنظر في أقوالهم: نجد أنهم قد اتفقوا على أنه يحرم إقامة الموالد بالمنكرات، وبما لا يحبه الله ولا يرضاه، أما الذين يحتفلون اليوم فقد تمسكوا بهذه الأدلة على جواز إقامة الموالد بغض النظر عن محتواها، فقد أخذوا ما يتوافق معهم من أقوال المجيزين، وتركوا ما حذروا منه.

الخلاصة:
وبمقارنة أقوال المانعين مع أقوال المجيزين، نجدهم قد اتفقوا على حرمة وجود المنكرات في الاحتفالات، ونجد المجيزين قد تمسكوا بأدنى دليل، ونجد أدلة المانعين أقوى من أدلة المجيزين، وأقرب إلى الصواب، وأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة التي سدت كل الطرق المؤدية إلى الشرك، ونجد المجيزين قد استدلوا بأصول صحيحة ولكنها في غير موضعها.
وعليه: فإننا نجد كلام المانعين أقوى، فوجب العمل بما عليه أئمة الدين من السلف ومن أصحاب الحديث في ذلك.

والله الموفق...والحمد لله رب العالمين