المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم القراءات بين طلائع الصَّحْوَة، والهجوم المضادّ!



أهــل الحـديث
13-02-2013, 04:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فالحديث عن علم القراءات طويل الذَّيل، عظيم النَّيْل، حديث عن كلام الله تعالى الذي خضعت له القلوب، وسكنت له الجوارح، وانقادت له النفوس.
على الرغم من كوننا نعايش صحوة علمية في الإقبال على هذا العلم، والسؤال عن تفاصيله، والاستفسار عن منهجية تعلمه، ووجود بعض من يقرأ بالقراءات من أئمة وقراء في المساجد والإذاعات والقنوات، وإقامة بعض المحاضرات والندوات المتعلقة بهذا العلم، ووجود أقسام علمية وكليّات تدرّس هذا العلم = إلا أنه والحقّ يقال: ما زال الاهتمام بعلم القراءات دون الطموح الذي يأمله كل متخصص غيور، ويمكن التأكد من ذلك بالمقارنة بين علم القراءات وغيره من التخصصات الشرعية الأخرى.
إن الإقبال على دراسة هذا العلم برغبة وجدّية ما زال ضعيفاً..
التخصص الدقيق في هذا العلم نادر، أو قليل جدًا..
نلحظ تهوين بعض الناس من شأن هذا العلم، وتزهيدهم للطلاب في دراسته وحفظ متونه، بل ربّما عدّوا ذلك تضييعًا للوقت، وصرفًا له في غير ما ينفع، وتعظم المصيبة حينما يكون المزهِّد عالمًا في تخصص آخر، فيكون لكلامه أثر أكبر على الناشئة..
يعاني كثير من الباحثين في هذا العلم حين يريدون طباعة رسائلهم العلمية، ونشرها؛ وذلك لكون دور النشر تبحث عن المصلحة المالية غالبًا، وكتب القراءات لا يقتنيها إلا قلة من الناس، وأغلبهم متخصصون، ويندر أن يقتنيها غير متخصص، فضلاً عن العوامّ.
الكليّات والأقسام المتخصصة في هذا العلم = قليلة، وغالباً تكون دراسة القراءات فيها مزاحمة بغيرها من الموادّ، مما يؤثّر على حصيلة الطالب، وتوسّعه في دراسة هذا العلم.
يوجد ضعف شديد منتشر في دراسة العلوم المتعلقة بعلم القراءات، والمتصلة به اتصالاً وثيقًا؛ كالرسم، والضبط، وعد الآي.
لقد لاحظتُ أن أكثر ما يفتُّ في عضد الطالب المبتدي في هذا العلم هي تلك الحملات التي يشنّها البعض في التقليل من شأن هذا العلم، فحاولتُ استقراء أسباب ذلك تمهيدًا لمعالجتها، وهذي أبرز الأسباب، مرفقة ببعض التعاليق:
أولاً: الجهل بحقيقة هذا العلم، والإنسان غالبًا عدوّ ما يجهل.
ثانيًا: ضحالة التصور عن هذا العلم، وعدم التفريق بين ما هو منه، وما هو دخيل عليه.
ثالثًا:تنزيل كلام العلماء على غير محله، فيحتجون مثلاً بقصة الإمام ابن جماعة في نصيحته للحافظ العراقي بعدم الانهماك في علم القراءات، ووصيته إياه بعلم الحديث.
وهذه حالة معينة، ولها ملابساتها، وتعميمها منافٍ للعلم والعقل، وهي على كل حال ليست قرآنًا منزّلا، ولا سُنّة ماضية، والأصل المُجمَع عليه أن تعلّم هذا الفن فرض كفاية على الأمة.
رابعًا: الارتباط الذهني عند كثير من الناس بين المقرئ وبين التقصير الديني؛ كحلق اللحية، أو القراءة في الحفلات والمآتم، أو المخالفات العقدية، وغير ذلك.
خامسًا: جهل بعض المقرئين بالأحكام الشرعية التي تهمّه في يومه وليلته، فتجد بعضهم يتعمّق في بعض مسائل التحريرات الدقيقة جدًا، التي قد لا يُسأل عنها طول عمره، وهو مفرّط في فقه صلاته الذي يحتاجه كل يوم عدة مرّات.
سادسًا: صعوبة هذا العلم؛ فهو في جانب الرواية مبنيٌّ على الحفظ، ومتونه عسرة الحفظ والفهم والمراجعة، ولا بدّ فيه من التلقّي والمشافهة التي تستغرق في الغالب بضع سنوات.
سابعًا: ظنُّ بعض الناس أن فوائد علم القراءات محدودة، يمكن تحصيلها بغير التخصص فيه، ويبني على ذلك أنه لا داعي لدراسته.
ومن أكبر أسباب هذا الظن: عدم تفعيل جانب علم الدِّراية في علم القراءات، الذي يستفيد منه عموم طلبة العلم، بل بعضه مفيد للعوام.
سابعًا: قلّة أثر هذا العلم على الناس.
وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، ومن أكبر أسبابه: ندرة من يقرأ بالقراءات في الصلوات، ثم إنه لا يلزم لإثبات فائدة علمٍ ما أن يلحظ فائدته كل أحد.
ثامنًا: ضعف أثر بعض المتخصصين في القراءات على مجتمعه.
وهذا عيبٌ في الشخص نفسه، ولا يُحتجّ به على نفي فائدة هذا العلم الجليل.
تاسعًا: عدم اقتناع البعض بعلم التجويد، -الذي يُعتبَر المقدّمة المُمَهِّدة لعلم القراءات-، واعتباره تكلّفًا، ومن كان كذلك = فلا علاج له إلا الدعاء بالهداية، ومحاولة إقناعه -والحالة هذه- بفائدة علم القراءات = ضربٌ من العبث.
عاشرًا: عدم استشعار كون القراءات المتواترة من كلام الله تعالى.
وإلا فلو وَقَر في نفس كل إنسان هذا المعنى العظيم، والاعتقاد الجليل = لما تَجَرّأ على التزهيد في هذا العلم، والتقليل من شأنه، وصَرْف الناس عنه.
وبعدُ: فهذا ما يَسَّر الله رَقْمَه، وأعان عليه، ووفّق إليه، وهو طليعة لدراسة واسعة في هذا الشأن، أسأل الله الفتّاح أن يهيئ لي من أمري رشدًا، ويرزقني الإخلاص والسداد، إنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، والحمد لله رب العالمين.