المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقارنة بين كتب التفاسير



أهــل الحـديث
11-02-2013, 12:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال الطبري 310 هـ :
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها) ، وما تدبّ دابّة في الأرض.
* * *
و"الدابّة" "الفاعلة"، من دبّ فهو يدبّ، وهو دابٌّ، وهي دابّة.

* * *
(إلا على الله رزقها) ، يقول: إلا و من الله رزقها الذي يصل إليها، هو به متكفل، وذلك قوتها وغذاؤها وما به عَيْشُها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
17959- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد، في قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) ، قال: ما جاءها من رزقٍ فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعًا، ولكن ما كان من رزقٍ فمن الله.
17960- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) ، قال: كل دابة
17961- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) ، يعني: كلّ دابة، والناسُ منهم.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن كل مالٍ فهو "دابة" = وأن معنى الكلام: وما دابة في الأرض = وأن "من" زائدة.
قال ابن أبي حاتم 327 هـ :
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ
10675 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا أَبِي، ثنا عَمِّي، ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا يَعْنِي:
كُلَّ دَابَّةٍ وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
10676 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ فَمِنَ اللَّهِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا، وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ رِزْقٍ لَهَا فَمِنَ اللَّهِ.
قال الماتريدي 333هـ:
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا): قَالَ بَعْضُهُمْ: عنى بالدابة الممتحن به وهو البشر، وأما غيره من الدواب فقد سخرها للمتحن به.
وقال قائلون: أراد كل دابة تدب على وجه الأرض من الممتحن به وغيره وتمامه: ما من دابة في الأرض، جعل قوامها وحياتها بالرزق إلا على اللَّه إنشاء ذلك الرزق لها، ثم من الرزق ما جعله بسبب، ومنه ما جعله بغير سبب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا): اختلف فيه أيضًا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (عَلَى اللَّهِ رِزقُهَا)، أي: على اللَّه إنشاء رزقها وخلقه لها الذي به قوامها وحياتها؛ وهو كقوله: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) أي: ينشئ ويخلق رزقنا بسبب من السماء من المطر وغيره؛ فعلى ذلك قوله: (عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) أي: على الله إنشاء رزقها وخلقه لها.
وقيل: (عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) أي: على اللَّه أن يبلغ إليها رزقها وما قدر لها وما به معاشها كقوله: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا. . .) الآية. عليه تبليغ رزقها وما به معاشها. ثم قوله: (عَلَى اللَّهِ رِزقُهَا): قَالَ بَعْضُهُمْ: ما جاءها من الرزق إنما جاءها من اللَّه لم يأتها من غيره وعلى اللَّه بمعنى من اللَّه وذلك جائز في اللغة؛ كقوله: (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) أي: من الناس؛ وهو قول مجاهد. ويحتمل قوله: (عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) أي: على اللَّه وفاء ما وعد، وقد كان وعد أن يرزقها، فعليه وفاء وعده وإنجازه.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنه علم لما خلقها علم أنه يبقيها إلى وقت عليه تبليغ ما به تعيش إلى ذلك الوقت والأجل الذي خلقها ليبقيها إلى ذلك؛ وبعضه قريب من بعض.
قال الثعلبي 427 هـ :
وَما مِنْ دَابَّةٍ من بغلة وليس دابّة وهي كل حيوان دبّ على وجه الأرض، وقال بعض العلماء: كل ما أكل فهو دابة إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها وقوتها وهو المتكفّل بذلك فضلا لا وجوبا، وقال بعضهم:
(على) بمعنى (من) أي من الله رزقها، ويدل عليه قول مجاهد، قال: ما جاء من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا، ولكن ما كان من رزق فمن الله.
قال مكي بن أبي طالب 437هـ :
ثم قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا}: أي: يتكفل بذلك حتى تموت. يعني: بدابة: كل ما دب، ودرج على وجه الأرض من إِنسيّ، أو جني، أو بهيمة، أو هامّة، والهامَّة كل ما يدُب سميت بذلك لأنها تهم، أي: تدب.
وقال الضحاك: والناس منهم.
قال القشيري 465هـ :
أراح القلوب من حيرة التقسيم، والأفكار من نصب التفكير فى باب الرزق حيث قال: «إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» فسكنت القلوب لمّا تحقّقت أنّ الرزق على الله.
ويقال إذا كان الرزق على الله فصاحب الحانوت فى غلط من حسبانه. ثم إن الله سبحانه بيّن أنّ الرزق الذي «عليه» ما حاله فقال: «وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ» ، وما كان فى السماء لا يوجد فى السوق، ولا فى التّطواف فى الغرب والشرق «1» .
ويقال الأرزاق مختلفة فرزق كل حيوان على ما يليق بصفته.
ويقال للنفوس رزق هو غذاء طريقه الخلق، وللقلوب رزق وهو ضياء موجده الحق.
ويقال لم يقل ما يشتهيه أو مقدار ما يكفيه بل هو موكول إلى مشيئته فمن موسّع عليه ومن مقتّر.
قال الواحدي 468 هـ في الوسيط:
قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} [هود: 6] الآية، يعني: ما من حيوان يدب، قال الزجاج: الدابة: اسم لكل حيوان مميز وغيره، بني على هاء التأنيث، وأطلق على كل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى.
قوله: {إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] قال المفسرون: فضلا لا وجوبا والله تكفل بذلك بفضله.
447 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَجَانِيُّ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ بِنْتِ ابْنِ مَنِيعٍ، نا أَبُو خَيْثَمَةَ، نا وَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ سَلامِ بْنِ سَلامِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبَّةَ، وَسَوَاءً ابْنَيْ خَالِدٍ يَقُولانِ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلا يَبْنِي بِنَاءً، فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا لَنَا وَقَالَ: «لا تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَهْمَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسُكُمَا، فَإِنَّ الإِنْسَانَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ ثُمَّ يُعْطِيهِ اللَّهُ وَيَرْزُقُهُ»
وقال أهل المعاني: على ههنا بمعنى من، المعنى من الله رزقها، ويدل على صحة هذا قول مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا.
وقال في الوجيز 468هـ
{وما من دابة} حيوانٍ يدبُّ {في الأرض إلاَّ على الله رزقها} فضلاً لا وجوبا
قال أبو المظفر السمعاني 489هـ
: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} الْآيَة. الدَّابَّة: كل مَا يدب على الأَرْض من الْحَيَوَانَات. وَقَوله: {إِلَّا على الله رزقها} أَي: إِن الله يسبب ويسهل رزقها.
قَالَ أهل الْمعَانِي: هَذَا على الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ قد يرْزق وَقد لَا يرْزق.
قال الراغب الأصفهاني 502هـ :
وقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) أي ما يتغذى به،
قال البغوي 516هـ :
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} أَيْ: لَيْسَ دَابَّةٌ، "مِنْ" صِلَةٌ. وَالدَّابَّةُ: كُلُّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} أَيْ: هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ فَضْلًا وَهُوَ إِلَى مَشِيئَتِهِ إِنْ شَاءَ رَزَقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْزُقْ.
وَقِيلَ: "عَلَى" بِمَعْنَى: "مِنْ" أَيْ: مِنَ اللَّهِ رِزْقُهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ : مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا.
قال الزمخشري 538هـ :
فإن قلت: كيف قال عَلَى اللَّهِ رِزْقُها بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل؟ قلت: هو تفضل إلا أنه لما ضمن أن يتفضل به عليهم، رجع التفضل واجباً كنذور العباد.
قال ابن عطية 542هـ :
وقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ ... الآية، تماد في وصف الله تعالى بنحو قوله يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ. و «الدابة» ما دب من الحيوان، والمراد جميع الحيوان الذي يحتاج إلى رزق ويدخل في ذلك الطائر والهوام وغير ذلك كلها دواب، وقد قال الأعشى: [الطويل]
نياف كغصن البان ترتج إن مشت ... دبيب قطا البطحاء في كل منهل
وقال علقمة بن عبيدة لطيرهن دبيب وفي حديث أبي عبيدة: فإذا دابة مثل الظرب يريد من حيوان البحر، وتخصيصه بقول فِي الْأَرْضِ إنما هو لأنه الأقرب لحسهم: والطائر والعائم إنما هو في الأرض، وما مات من الحيوان قبل أن يتغذى فقد اغتذى في بطن أمه بوجه ما.
وهذه الآية تعطي أن الرزق كل ما صح الانتفاع به خلافا للمعتزلة في قولهم إنه الحلال المتملك.
وقوله تعالى: عَلَى اللَّهِ إيجاب لأنه تعالى لا يجب عليه شيء عقلا.
قال ابن الجوزي 597 هـ :
قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ قال أبو عبيدة: «مِنْ» من حروف الزوائد، والمعنى: وما دابة، والدابة: اسم لكل حيوان يدبّ. وقوله تعالى: إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها قال العلماء: فضلاً منه لا وجوبا عليه. و «على» ها هنا بمعنى «مِنْ» .
قال الرازي 606 هـ :
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ رِزْقَ كُلِّ حَيَوَانٍ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ اللَّه تَعَالَى، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُهِمَّاتُ،
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الزَّجَّاجُ: الدَّابَّةُ اسْمٌ لِكُلِّ حَيَوَانٍ، لِأَنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّبِيبِ، وَبُنِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى هَاءِ التَّأْنِيثِ، وَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ ذِي رُوحٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، إِلَّا أَنَّهُ بِحَسَبِ عُرْفِ الْعَرَبِ اخْتُصَّ بِالْفَرَسِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَوْضُوعُ الْأَصْلِيُّ اللُّغَوِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْسَامَ الْحَيَوَانَاتِ وَأَنْوَاعَهَا كَثِيرَةٌ، وَهِيَ الْأَجْنَاسُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْجِبَالِ، واللَّه يُحْصِيهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِكَيْفِيَّةِ طَبَائِعِهَا وَأَعْضَائِهَا وَأَحْوَالِهَا وَأَغْذِيَتِهَا وَسُمُومِهَا وَمَسَاكِنِهَا، وَمَا يُوَافِقُهَا وَمَا يُخَالِفُهَا، فَالْإِلَهُ الْمُدَبِّرُ لِأَطْبَاقِ السموات وَالْأَرَضِينَ وَطَبَائِعِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، كَيْفَ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِأَحْوَالِهَا؟
رُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَتْ صَخْرَةٌ ثَانِيَةٌ. ثُمَّ ضَرَبَ بِعَصَاهُ عَلَيْهَا فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَتْ صَخْرَةٌ ثَالِثَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَانْشَقَّتْ فَخَرَجَتْ مِنْهَا دُودَةٌ كَالذَّرَّةِ وَفِي فَمِهَا شَيْءٌ يَجْرِي مَجْرَى الْغِذَاءِ لَهَا، وَرُفِعَ الْحِجَابُ عَنْ سَمْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَمِعَ الدُّودَةَ تَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يَرَانِي، وَيَسْمَعُ كَلَامِي، وَيَعْرِفُ مَكَانِي، وَيَذْكُرُنِي وَلَا يَنْسَانِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه تَعَالَى بَعْضُ الْأَشْيَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ: إِنَّ كَلِمَةَ (عَلَى) لِلْوُجُوبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِيصَالَ الرِّزْقِ إِلَى الدَّابَّةِ وَاجِبٌ عَلَى اللَّه.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْوَعْدِ وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الرِّزْقَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا، قَالُوا لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ إِيصَالَ الرِّزْقِ إِلَى كُلِّ حَيَوَانٍ وَاجِبٌ عَلَى اللَّه تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَعْدِ وَبِحَسَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، واللَّه تَعَالَى لَا يُحِلُّ بِالْوَاجِبِ، ثُمَّ قَدْ نَرَى إِنْسَانًا لَا يَأْكُلُ مِنَ الْحَلَالِ طُولَ عُمُرِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَرَامُ رِزْقًا لَكَانَ اللَّه تَعَالَى مَا أَوْصَلَ رِزْقَهُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ تَعَالَى قَدْ أَخَلَّ بِالْوَاجِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ رِزْقًا
قال القرطبي 671هـ :
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها) " مَا" نَفْيٌ وَ" مِنْ" زَائِدَةٌ وَ" دَابَّةٍ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، التَّقْدِيرُ: وَمَا دَابَّةٌ." إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها"" عَلَى" بِمَعْنَى" مِنْ"، أَيْ مِنَ اللَّهِ رِزْقُهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ، مُجَاهِدٍ: كُلُّ مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ. وَقِيلَ:" عَلَى اللَّهِ" أَيْ فَضْلًا لَا وُجُوبًا. وَقِيلَ: وَعْدًا مِنْهُ حَقًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى فِي" النِّسَاءِ" «1» وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَجِبُ عليه شي." رِزْقُها" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِالصِّفَةِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ وَمَعْنَاهَا الْخُصُوصُ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الدَّوَابِّ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُرْزَقَ. وَقِيلَ: هِيَ عَامَّةٌ [فِي كُلِّ دَابَّةٍ «2»]: وَكُلُّ دَابَّةٍ لَمْ تُرْزَقْ رِزْقًا تَعِيشُ بِهِ فَقَدْ رُزِقَتْ رُوحَهَا، ووجه النظم به قَبْلُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ بِرِزْقِ الْجَمِيعِ، وَأَنَّهُ لَا يَغْفُلُ عَنْ تَرْبِيَتِهِ، فَكَيْفَ تَخْفَى عَلَيْهِ أَحْوَالُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ وَهُوَ يَرْزُقُكُمْ؟! وَالدَّابَّةُ كُلُّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ. وَالرِّزْقُ حَقِيقَتُهُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيُّ وَيَكُونُ فِيهِ بَقَاءُ رُوحِهِ وَنَمَاءُ جَسَدِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّزْقُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ، لِأَنَّ الْبَهَائِمَ تُرْزَقُ وَلَيْسَ يَصِحُّ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِعَلَفِهَا، وَهَكَذَا الْأَطْفَالُ تُرْزَقُ اللَّبَنُ وَلَا يُقَالُ: إِنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الثَّدْيِ مِلْكٌ لِلطِّفْلِ. وَقَالَ تَعَالَى:" وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ" «3» [الذاريات: 22] وَلَيْسَ لَنَا فِي السَّمَاءِ مِلْكٌ، وَلِأَنَّ الرِّزْقَ لَوْ كَانَ مِلْكًا لَكَانَ إِذَا أَكَلَ الْإِنْسَانُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَكَلَ مِنْ رِزْقِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا رِزْقَ نَفْسِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «4» هَذَا الْمَعْنَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ وَقَالَ: الَّذِي خَلَقَ الرَّحَى يَأْتِيهَا بِالطَّحِينِ، وَالَّذِي شَدَّقَ الْأَشْدَاقَ هُوَ خالق الأرزاق. وَقِيلَ لِأَبِي أُسَيْدٍ: مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: سبحانه اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ! إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ الْكَلْبَ أَفَلَا يَرْزُقُ أَبَا أُسَيْدٍ!. وَقِيلَ لِحَاتِمٍ الْأَصَمِّ: مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: اللَّهُ يُنْزِلُ لَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ من السماء؟ فقال: كأن ماله إِلَّا السَّمَاءُ! يَا هَذَا الْأَرْضُ لَهُ وَالسَّمَاءُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُؤْتِنِي رِزْقِي مِنَ السَّمَاءِ سَاقَهُ لِي مِنَ الْأَرْضِ، وَأَنْشَدَ:
وَكَيْفَ أَخَافُ الْفَقْرَ وَاللَّهُ رَازِقِي ... وَرَازِقُ هَذَا الْخَلْقِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ
تَكَفَّلَ بِالْأَرْزَاقِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ ... وَلِلضَّبِّ فِي الْبَيْدَاءِ وَالْحُوتِ فِي الْبَحْرِ
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي" نَوَادِرِ الْأُصُولِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ أَبَا مُوسَى وَأَبَا مَالِكٍ وَأَبَا عَامِرٍ فِي نَفَرٍ مِنْهُمْ، لَمَّا هَاجَرُوا وَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَرْمَلُوا «1» مِنَ الزَّادِ، فَأَرْسَلُوا رَجُلًا مِنْهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ" وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ" فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا الْأَشْعَرِيُّونَ بِأَهْوَنِ الدَّوَابِّ عَلَى اللَّهِ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَبْشِرُوا أَتَاكُمُ الْغَوْثُ، وَلَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَدَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلَانِ يحملان قصعة بينها مَمْلُوءَةً خُبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلُوا مِنْهَا مَا شَاءُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَنَّا رَدَدْنَا هَذَا الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَهُ، فَقَالُوا لِلرَّجُلَيْنِ: اذْهَبَا بِهَذَا الطَّعَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا مِنْهُ حَاجَتَنَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا طَعَامًا أَكْثَرَ وَلَا أَطْيَبَ مِنْ طَعَامٍ أَرْسَلْتَ بِهِ، قَالَ:" مَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ طَعَامًا" فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا صَاحِبَهُمْ، فَسَأَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ مَا صَنَعَ، وَمَا قَالَ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ذلك شي رزقكموه الله".((1))
قال البيضاوي 685هـ :
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها ومعاشها لتكفله إياه تفضلاً ورحمة، وإنما أتى بلفظ الوجوب تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالماً بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادراً على الممكنات بأسرها تقريراً للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد.
قال ابن جزي 741هـ :
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وعد وضمان صادق، فإن قيل: كيف قال: على الله بلفظ الوجوب، وإنما هو تفضل، لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب: أنه ذكره كذلك تأكيدا في الضمان، لأنه لما وعد به صار واقعا لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد
قال الخازن 741هـ
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ الدابة اسم لكل حيوان دب على وجه الأرض وأطلق لفظ الدابة على كل ذي أربع من الحيوان على سبيل العرف والمراد منه الإطلاق فيدخل الآدمي وغيره من جميع الحيوانات إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها يعني هو المتكفل برزقها فضلا منه لا على سبيل الوجوب فهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق وقيل إن لفظة على بمعنى أي من الله رزقها وقال مجاهد ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها فتموت جوعا
قال أبو حيان :
الدَّابَّةُ هُنَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَحْتَاجُ إِلَى رِزْقٍ، وعلى اللَّهِ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ تُفَضُّلٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَبْرَزَهُ فِي حَيِّزِ الْوُجُوب
قال ابن كثير 774هـ :
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِأَرْزَاقِ الْمَخْلُوقَاتِ، مِنْ سَائِرِ دَوَابِّ الْأَرْضِ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، بَحْرِيِّهَا، وَبَرِّيِّهَا
قال نظام الدين 850 هـ :
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها لأن كل حيوان له صفة مخصوصة ومزاج مخصوص وغذاؤه يجب أن يكون ملائما لمزاجه. فعلى ذمة كرم الله أنه كما خلق أجسادها على الأمزجة المتعينة يخلق غذاءها موافقا لمزاج كل منها، ثم يهديها إلى ما هو أوفق لها
قال المحلي :
{وَمَا مِنْ} زَائِدَة {دَابَّة فِي الْأَرْض} هِيَ مَا دَبَّ عَلَيْهَا {إلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا} تَكَفَّلَ بِهِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى
قال البقاعي 885هـ :
{وما} وأغرق في العموم بقوله: {من دآبة} و دل على أن الانتفاع بالأموال مخصوص بأهل العالم السفلي بقوله: {في الأرض} أي صغرت أو كبرت {إلا على الله} أي الملك الأعلى الذي، له الإحاطة وحده لا على غيره {رزقها} أي قوتها وما تنتفع وتعيش به بمقتضى ما أوجبه على نفسه، تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه، لأن الإفصال على كل نفس بما لا تعيش إلا به ولا يلائمها إلا هو مدة حياتها أدق مما مضى في العلم مع تضمنه لتمام القدرة، والآية مع ذلك ناظرة إلى ترغيب آية {وأن استغفروا ربكم} فالمراد: أخلصوا العبادة له ولا تفتروا عن عبادته للاشتغال بالرزق فإنه ضمنه لكم وهو عالم بكل نفس فلا تخشوا من أنه ينسى أحداً، وقال: {وفي الأرض} ليعم ما يمشي على وجهها وما في أطباقها من الديدان ونحوها مما لا يعلمه إلا هو، لقد شاهدت داخل حصاة من شاطىء بحر قبرس شديدة الصلابة كأنها العقيق الأبيض دودة عندها ما تأكل، وأخبرني الفاضل عز الدين محمد بن أحمد التكروري الكتبي أنه شاهد غير مرة في دواخل حجارة تقطع من جبل مصر الدود عنده ما يأكل من الحشيش الأخضر وما يشرب من الماء
قال الايجي 905 هـ :
(وَمَا مِن دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا) أي: هو المتكفل بذلك فضلاً إن لم يرزقها فلا يمكن أن يرزقها أحد غير الله تعالى،
قال السيوطي 911 هـ :
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْخَيْر الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: تزْعم أَنَّك تحبني وتسيء بِي الظَّن صباحاً وَمَسَاء أما كَانَت لَك عِبْرَة إِن شققت سبع أَرضين فأريتك ذرة فِي فِيهَا برة لم أُنْسُهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} يَعْنِي كل دَابَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} يَعْنِي مَا جاءها من رزق فَمن الله وَرُبمَا لم يرزقها حَتَّى تَمُوت جوعا وَلَكِن مَا كَانَ لَهَا من رزق فَمن الله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن الْأَشْعَرِيين أَبَا مُوسَى وَأَبا مَالك وَأَبا عَامر فِي نفر مِنْهُم لما هَاجرُوا قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أرملوا من الزَّاد فأرسلوا رجلا مِنْهُم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله فَلَمَّا انْتهى إِلَى بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمعه يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها وَيعلم مستقرها ومستودعها كل فِي كتاب مُبين} فَقَالَ الرجل: مَا الأشعريون بِأَهْوَن الدَّوَابّ على الله فَرجع وَلم يدْخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأَصْحَابه: أَبْشِرُوا أَتَاكُم الْغَوْث وَلَا يظنون إِلَّا أَنه أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوعده فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم رجلَانِ يحْملَانِ قَصْعَة بَينهمَا مملؤة خبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلُوا مِنْهَا مَا شاؤوا ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض: لَو أَنا رددنا هَذَا الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقضي بِهِ حَاجته فَقَالَا للرجلين: اذْهَبَا بِهَذَا الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنَّا قضينا حاجتنا ثمَّ إِنَّهُم أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا رَأينَا طَعَاما أَكثر وَلَا أطيب من طَعَام أرْسلت بِهِ
قَالَ: مَا أرْسلت إِلَيْكُم طَعَاما فأخبروه أَنهم أرْسلُوا صَاحبهمْ
فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ مَا صنع وَمَا قَالَ لَهُم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك شَيْء رزقكموه الله
قال النخجواني الشيخ علوان 920 هـ :
كيف يستبعد أمثال هذا من حيطة حضرة علمه المحيط إذ ما مِنْ دَابَّةٍ تتحرك فِي الْأَرْضِ مثلا إِلَّا عَلَى اللَّهِ المتكفل لأرزاق مظاهره ومصنوعاته مطلقا رِزْقُها اى ما تعيش وتتقوم به وَمع ذلك يَعْلَمُ منشأها ومصدرها في عالم الغيب
قال أبو السعود 982هـ :
{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الارض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} غذاؤُها اللائقُ بها من حيث الخلقُ ومن حيث الإيصالُ إليها بطريق طبيعيَ أو إراديَ لتكفّله إياه تفضلاً ورحمةً وإنما جيء به على طريق الوجوبِ اعتباراً لسبق الوعدِ وتحقيقاً لوصوله إليها البتة وحملاً للمكلّفين على الثقة به تعالى والإعراضِ عن إتعاب النفس في طلبه
قال الخلوتي 1127هـ :
وَما نافية مِنْ صلة دَابَّةٍ عام لكل حيوان يحتاج الى الرزق صغيرا كان او كبيرا ذكرا او أنثى سليما او معيبا طائرا او غيره لان الطير يدب اى يتحرك على رجليه فى بعض حالاته فِي الْأَرْضِ متعلق بمحذوف هو صفة لدابة اى ما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من أقطار الأرض إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها ومعاشها اللائق لتكفله إياه تفضلا ورحمة قال فى التبيان هو إيجاب كرم لا وجوب حق انتهى لانه لا حق للمخلوق على الخالق ولذا قال فى الجامع الصغير يكره ان يقول الرجل فى دعائه بحق نبيك او بيتك او عرشك او نحوه الا ان يحمل على معنى الحرمة كما فى شرح الطريقة وقال فى بحر العلوم انما قال على الله بلفظ الوجوب دلالة على ان التفضل رجع واجبا كنذور العباد وقال غيره اتى بلفظ الوجوب مع ان الله تعالى لا يجب عليه شىء عند اهل السنة والجماعة اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله إليها البتة وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى فى شان الرزق والاعراض عن اتعاب النفس فى طلبه ففى كلمة على هنا استعارة تبعية شبه إيصال الله رزق كل حيوان اليه تفضلا وإحسانا على ما وعده بايصال من يوصله وجوبا فى انتفاء التخلف فاستعملت كلمة على
قال ابن عجيبة 1224هـ :
يقول الحق جلّ جلاله: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ أي: كل ما يدب عليها عاقلاً أو غيره، إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها ومعاشها لتكفله إياه بذلك تفضلاً وإحساناً. وإنما أتى بعلى التي تقتضي الوجوب تحقيقاً لوصوله، وتهييجاً على التوكل وقطع الوساوس فيه،
قال المظهري 1225هـ
وَما مِنْ دَابَّةٍ وهى كل حيوان يدب على الأرض فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها لتكفله إياها تفضلا ورحمة- وانما اتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه- ومن هاهنا قيل انّ على بمعنى من والاضافة فى رزقها للعهد يعنى ان الرزق المعهود المعلوم عند الله تعالى للعبد فالله تعالى متكفله إياه يأتى منه دون من غيره- قال مجاهد هو ما جاء من رزق فمن الله وربما لم يرزقها حتّى يموت جوعا
قال الشوكاني 1250هـ :
وَالْمَعْنَى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ الضَّمَائِرِ، أَوْ عَلِيمٌ بِالْقُلُوبِ وَأَحْوَالِهَا فِي الْإِسْرَارِ وَالْإِظْهَارِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ كَوْنَهُ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ بِمَا فِيهِ غَايَةُ الِامْتِنَانِ، وَنِهَايَةُ الْإِحْسَانِ، فَقَالَ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها أَيْ: الرِّزْقُ الَّذِي تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْغِذَاءِ اللَّائِقِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا، وَإِنَّمَا جِيءَ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ كَلِمَةُ عَلَى اعْتِبَارًا بِسَبْقِ الْوَعْدِ بِهِ مِنْهُ، وَ «مِنْ» زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَوَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ، أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَانَ لَا يَغْفُلُ عَنْ كُلِّ حَيَوَانٍ بِاعْتِبَارِ مَا قَسَمَهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ، فَكَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ أَحْوَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ! وَالدَّابَّةُ: كُلُّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ
قال الألوسي 1270 هـ : [سيرد في المنار اعتراض على الأثر ]
الدابة اسم لكل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى عاقلا أو غيره، مأخوذ من الدبيب، وهو في الأصل المشي الخفيف ومنه قوله:
زعمتني شيخا ولست بشيخ ... إنما الشيخ من يدب دبيبا
واختصت في العرف بذوات القوائم الأربع وقد تخص بالفرس، والمراد بها هنا المعنى اللغوي باتفاق المفسرين أي وما من حيوان يدب على الأرض إلا على الله تعالى غذاؤه ومعاشه، والمراد أن ذلك كالواجب عليه تعالى إذ لا وجوب عليه سبحانه عند أهل الحق كما بين في الكلام، فكلمة عَلَى المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه ويكون من المجاز بمرتبتين، وذكر الإمام أن الرزق واجب بحسب الوعد والفضل والإحسان على معنى أنه باق على تفضله لكن لما وعده سبحانه وهو جل شأنه لا يخل بما وعد صوره بصورة الوجوب لفائدتين: التحقيق لوصوله. وحمل العباد على التوكل فيه، ولا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه سبحانه المسبب لها
ففي الخبر «اعقل وتوكل»
وجاء «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله تعالى وأجملوا في الطلب»
ولا ينبغي أن يعتقد أنه لا يحصل الرزق بدون مباشرة سبب فإنه سبحانه يرزق الكثير من دون مباشرة سبب أصلا،
وفي بعض الآثار «إن موسى عليه السلام عند نزول الوحي تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه صخرة فضرب
فانشقت الصخرة وخرجت صخرة ثانية فضربها فخرجت ثالثة فضربها فانشقت عن دودة كالذرة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها وسمعها تقول: سبحان من يراني ويسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني»
وما أحسن قول ابن أذينة:
لقد علمت وما الإشراف من خلقي ... إن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلبه ... ولو أقمت أتاني لا يعنيني
وقد صدقه الله تعالى في ذلك يوم وفد على هشام فقرعه بقوله هذا فرجع إلى المدينة فندم هشام على ذلك وأرسل بجائزته إليه، ويقرب من قصته قصة الثقفي مع عبيد الله بن عامر خال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وهي مشهورة حكاها ابن أبي الدنيا ونقلها غير واحد، وقد ألغى أمر الأسباب جدا من قال:
مثل الرزق الذي تطلبه ... مثل الطل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعا ... وإذا وليت عنه تبعك
وبالجملة ينبغي الوثوق بالله تعالى وربط القلب به سبحانه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن واحتج أهل السنة بالآية على أن الحرام رزق وإلا فمن لم يأكل طول عمره إلا من الحرام يلزم أن لا يكون مرزوقا، وأجيب بأن هذا مجرد فرض إذ لا أقل من التغذي بلبن الأم مثلا وهو حلال على أن المراد أن كل حيوان يحتاج إلى الرزق إذا رزق فإنما رزقه من الله تعالى وهو لا ينافي أن يكون هناك من لا رزق له كالمتغذي بالحرام، وكذا من لم يرزق أصلا حتى مات جوعا، وروي هذا عن مجاهد وقد تقدم الكلام في ذلك. [سيشير محمد رشيد إلى اعتراضه على الأثر]
قال صديق حسن خان 1307هـ :
ثم أكد كونه عالماً بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال (وما من دابة) هي كل حيوان يدب على وجه الأرض، وتطلق على كل ذي أربع من الحيوان على سبيل العرف، والمراد منه الإطلاق فيدخل فيه الآدمي وغيره من جميع الحيوان، وفي المصباح دب منه الصغير يدب من باب ضرب إذا مشى ودب الجيش دبيباً أيضاً سار، ومن زائدة للتأكيد أي ما من حيوان وغيره.
(في الأرض إلا على الله رزقها) أي الرزق الذي يحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلاً منه وإحساناً، وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة (على) اعتباراً بسبق الوعد به منه، وقيل أن (على) على بابها وأنه عليه من باب الفضل لا الوجوب لأنه لا يجب عليه شيء.
والحاصل أن المراد بالوجوب وجوب اختيار لا وجوب إلزام، فهو موكول إلى مشيئته، إن شاء رزقها وإن شاء لم يرزقها. وقيل أن على بمعنى " من " أي من الله رزقها، أي ما يقوم به رمقها وتعيش به، قال مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها فتموت جوعاً .
ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله إن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق، فكيف يغفل عن أحواله وأقواله وأفعاله
قال الجاوي البنتني 1316هـ
أي إنّه تعالى مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدرهم فلا فائدة لهم في استخفائهم وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها أي غذاؤها اللائق بها.
روي أن موسى عليه السلام تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت وخرجت صخرة، ثم ضرب بعصاه فانشقت وخرجت صخرة ثانية، ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت صخرة ثالثة، ثم ضربها بعصاه فانشقت فخرجت منها دودة كالذرة، وفي فيها شيء يجري مجرى الغذاء لها ورفع الله الحجاب عن سمع موسى عليه السلام فسمع الدودة تقول سبحان من يراني وسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني
قال محمد رشيد رضا 1354هـ :
بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إِحَاطَةَ عِلْمِهِ إِثْرَ بَيَانِ مَا يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْ عِلْمِهِ بِهِ، وَبَيَّنَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا شُمُولَ قُدْرَتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَا يُهِمُّ النَّاسَ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ، وَمُتَعَلِّقَاتِ عِلْمِهِ، وَكِتَابَةِ مَقَادِيرِ خَلْقِهِ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَيَاتِهِمْ وَشُئُونِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا خَلْقَهُ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، وَمَكَانَ عَرْشِهِ قَبْلَ هَذَا مِنْ مُلْكِهِ، وَبَلَاءَ الْبَشَرِ خَاصَّةً بِذَلِكَ كُلِّهِ ; لِيُظْهِرَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَبَعْثَهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَنَالُوا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ، وَإِنْكَارَ كُفَّارِهِمْ لِهَذَا، قَالَ:
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا) الدَّبُّ وَالدَّبِيبُ: الِانْتِقَالُ الْخَفِيفُ الْبَطِيءُ حَقِيقَةً كَدَبِيبِ الطِّفْلِ وَالشَّيْخِ الْمُسِنِّ وَالْعَقْرَبِ وَالْجَرَادِ، أَوْ بِالْإِضَافَةِ كَدَبِيبِ الْجَيْشِ، أَوْ مَجَازًا كَدَبِيبِ السُّكْرِ وَالسُّمِّ فِي الْجِسْمِ، وَالدَّابَّةُ: اسْمٌ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ نَسَمَةٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ زَحْفًا أَوْ عَلَى قَوَائِمَ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَ - تَعَالَى -: (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ) (24: 45) أَيْ مِمَّا تَعْلَمُونَ وَمِمَّا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَمِمَّا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَمِمَّا يَسْبَحُ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ. وَغَلَبَةُ لَفْظِ الدَّابَّةِ عَلَى مَا يُرْكَبُ مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عُرْفًا لَا لُغَةً. وَرِزْقُ الدَّابَّةِ غِذَاؤُهَا الَّذِي تَعِيشُ بِهِ. وَالْمَعْنَى: مَا مِنْ دَابَّةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَأَنْوَاعِهِ، فَمِنْهَا الْجِنَّةُ الَّتِي لَا تُرَى بِالْأَبْصَارِ، وَصِغَارُ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ، وَضِخَامُ الْأَجْسَامِ، وَالْوُسْطَى بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَأَغْذِيَةُ كُلِّ نَوْعٍ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ نَبَاتِيَّةٍ وَحَيَوَانِيَّةٍ، وَقَدْ أَعْطَى كُلًّا مِنْهَا خَلْقَهُ الْمُنَاسِبَ لِمَعِيشَتِهِ، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى تَحْصِيلِ غِذَائِهِ بِغَرِيزَتِهِ، فَمِنْهَا مَا خَلَقَ لَهُ خَرَاطِيمَ يَمُصُّ بِهَا غِذَاءَهُ مِنَ النَّبَاتِ أَوْ دَمِ الْحَيَوَانِ، وَأَعْطَاهَا مِنَ الْقُوَّةِ مَا إِنَّ خُرْطُومَ الْبَعُوضَةِ الدَّقِيقَ لَيَخْتَرِقُ جِلْدَ الْإِنْسَانِ وَمَا هُوَ أَكْثَفُ مِنْهُ مِنْ جُلُودِ الْحَيَوَانِ، وَمِنْهَا مَا خَلَقَ لَهُ مَنَاقِيرَ تَلْتَقِطُ الْحُبُوبَ، وَمِنْهَا مَا يَمْضُغُ النَّبَاتَ بِأَسْنَانِهِ مَضْغًا، وَمَا يَبْلَعُ الْحَشَرَاتِ وَالطُّيُورَ وَالْأَنْعَامَ بَلْعًا، وَمَا لَهُ مَخَالِبُ يُمَزِّقُ بِهَا اللُّحُومَ، وَمَا لَهُ بَرَاثِنُ يَقْتُلُ بِهَا كِبَارَ الْجُسُومِ، وَتَفْصِيلُ هَذَا لَهُ كُتُبٌ خَاصَّةٌ مِنْ قَدِيمَةٍ وَحَدِيثَةٍ،
وَلِلَّهِ - تَعَالَى - حِكَمٌ فِي خَلْقِهَا وَغِذَائِهَا عَجِيبَةٌ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَيْكَ أَمْرُ تَغَذِّي الْحَيَّاتِ وَالسَّنَانِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ خِشَاشِ الْأَرْضِ وَصِغَارِهَا، وَتَغَذِّي الْأَفَاعِي الْكُبْرَى وَسِبَاعِ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ مِنْ كِبَارِهَا، فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُفَكِّرَ فِيهِ مِنْ حِكْمَتِهَا، أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَضَاقَتِ الْأَرْضُ ذَرْعًا بِكَثْرَةِ أَحْيَائِهَا، أَوْ لَأَنْتَنَتْ مِنْ كَثْرَةِ أَمْوَاتِهَا، وَإِذَا أَرَدْتَ زِيَادَةَ الْعِلْمِ بِهَا وَبِحِكْمَتِهَا فَعَلَيْكَ بِالْمُصَنَّفَاتِ الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا، وَقَدْ فَتَحَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا لَكَ أَبْوَابَهَا، وَأَرْشَدَتْكَ إِلَى تِطْلَابِهَا.
وَلَا يُشْكِلَنَّ عَلَيْكَ التَّعْبِيرُ عَنْ كَفَالَةِ اللهِ لِرِزْقِهَا بِقَوْلِهِ: عَلَى، وَمَا قِيلَ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ - تَعَالَى - شَيْءٌ، فَإِنَّ الْمَمْنُوعَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ - تَعَالَى - شَيْءٌ بِإِيجَابِ مُوجِبٍ ذِي حُكْمٍ أَوْ سُلْطَانٍ يُطَالِبُهُ بِهِ وَيُحَاسِبُهُ عَلَيْهِ، فَهَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَأَمَّا مَا أَوْجَبَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنَ النِّظَامِ وَسُنَنِ التَّدْبِيرِ الْعَامِّ لِلْمَخْلُوقَاتِ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَنَفَّذَهُ بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ فِي خَلِيقَتِهِ، فَهُوَ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ بِسُلْطَانِهِ، لَا حُكْمَ عَلَيْهِ بِسُلْطَانِ غَيْرِهِ، وَهُوَ كَمَالٌ مُطْلَقٌ لَا شَائِبَةَ لِلنَّقْصِ فِيهِ.
وَلَا يُشْكِلَنَّ عَلَيْكَ فِيهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ نَوْعٍ - مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ حَتَّى الْإِنْسَانِ - أَفْرَادٌ قَدْ تَضِيقُ فِي وُجُوهِهِمْ أَبْوَابُ الرِّزْقِ حَتَّى يَقْضِيَ بَعْضُهُمْ جُوعًا، فَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - قَدْ كَفَلَ لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَنْ يَخْلُقَ لَهَا مَا تَغْتَذِي بِهِ، وَيُوَصِّلُهُ إِلَيْهَا بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ، سَوَاءٌ أَطَلَبَتْهُ بِبَاعِثِ غَرِيزَتِهَا أَوْ مَا يَهْدِيهَا إِلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ أَسْبَابِ
كَسْبِهَا أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا مَا فَسَّرْنَاهَا بِهِ مِنْ خَلْقِهِ - تَعَالَى - لِكُلٍّ مِنْهَا الرِّزْقَ الَّذِي تَعِيشُ بِهِ، وَأَنَّهُ سَخَّرَهُ لَهَا وَهَدَاهَا إِلَى طَلَبِهِ وَتَحْصِيلِهِ، كَمَا قَالَ: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (20: 50) وَبِهَذَا تَعْلَمُ جَهْلَ بَعْضِ الْعِبَادِ وَالشُّعَرَاءِ فِيمَا زَعَمُوهُ مِنْ أَنَّ الْكَسْبَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْخَيَالِيِّينَ الْجَاهِلِينَ، الْمُتَوَاكِلِينَ غَيْرِ الْمُتَوَكِّلِينَ:
جَرَى قَلَمُ الْقَضَاءِ بِمَا يَكُونُ ... فَسِيَّانِ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ
جُنُونٌ مِنْكَ أَنْ تَسْعَى لِرِزْقٍ ... وَيُرْزَقُ فِي غِشَاوَتِهِ الْجَنِينُ
فَهَذَا الشَّاعِرُ أَحَقُّ بِصِفَةِ الْجُنُونِ مِمَّنْ يَصِفُهُمْ بِهَا، فَإِنَّ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ مِنْهُ مَا هُوَ مَجْهُولٌ لِلنَّاسِ، وَمِنْهُ مَا عُلِمَ نَوْعُهُ بِالتَّجَارِبِ وَالِاخْتِبَارِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالنَّوَامِيسِ وَالسُّنَنِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا آثَارٌ، فَمَا هُمَا سِيَّانِ فِي ذَاتِهِمَا، وَلَا فِي آثَارِهِمَا وَنَتَائِجِهِمَا، وَإِنَّ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ مِنْ رِزْقِ الْجَنِينِ فِي غِشَاوَتِهِ بِدَمِ حَيْضِ أُمِّهِ، غَيْرُ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ مِنْ رِزْقِ مَنْ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (67: 15) وَبِغَيْرِهِ مِنْ آيَاتِ التَّسْخِيرِ وَالتَّكْلِيفِ.
وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنْ يَسْتَدِلَّ أَحَدُ الْمُفَسِّرِينَ الْأَذْكِيَاءِ عَلَى هَذَا الْجَهْلِ بِأَثَرٍ مَوْضُوعٍ، وَيُسْتَحْسَنُ فِي مَوْضُوعِهِ خَيَالُ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشَّاعِرِ الْمَخْدُوعِ:
لَقَدْ عَلِمْتُ وَمَا الْإِشْرَافُ مِنْ خُلُقِي ... أَنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي
أَسْعَى إِلَيْهِ فَيُعْيِينِي تَطَلُّبُهُ ... وَلَوْ أَقَمْتُ أَتَانِي لَا يُعْيِينِي
ثُمَّ يَقُولُ: وَقَدْ صَدَّقَهُ اللهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ يَوْمَ وَفَدَ عَلَى هِشَامٍ فَقَرَعَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَدِمَ هِشَامٌ عَلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ بِجَائِزَتِهِ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَوْرَدَ (أَيِ الْمُفَسِّرُ) فِي مَعْنَاهُ قَوْلَ مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَلْغَى أَمْرَ الْأَسْبَابِ جِدًّا إِذْ قَالَ:
مَثَلُ الرِّزْقِ الَّذِي تَطْلُبُهُ ... مَثَلُ الظِّلِّ الَّذِي يَمْشِي مَعَكْ
أَنْتَ لَا تُدْرِكُهُ مُتَّبِعًا ... وَإِذَا وَلَّيْتَ عَنْهُ تَبِعَكْ
وَقَفَّى عَلَيْهِ - أَعْنِي الْمُفَسِّرَ - بِقَوْلِهِ هُوَ: وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي الْوُثُوقُ بِاللهِ وَرَبْطُ الْقَلْبِ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، اهـ. وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ حَقٌّ وُضِعَ مَوْضِعَ الْبَاطِلِ، وَلَكِنَّ هَذَا الشِّعْرَ أَوْغَلُ فِي الْجَهْلِ الْبَاطِلِ مِمَّا سَبَقَهُ ; فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِي الرِّزْقِ الْمَطْلُوبِ، لَا فِي الرِّزْقِ الْمَكْتُوبِ، وَجَعَلَ اتِّبَاعَهُ بِالسَّعْيِ وَالطَّلَبِ مَانِعًا مِنْ إِدْرَاكِهِ، وَالتَّوَلِّي عَنْهُ بِالْقُعُودِ وَالْكَسَلِ وَالتَّمَنِّي دُونَ الْعَمَلِ مِنَ الضَّرُورَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِنَيْلِهِ، فَيَكُونُ تَأْيِيدُ زَعْمِهِ أَوْ تَقْرِيبُهُ بِمَا يَنْبَغِي، بَلْ بِمَا يَجِبُ مِنَ الْوُثُوقِ بِاللهِ وَرَبْطِ الْقَلْبِ بِهِ وَالْإِيمَانِ بِمَشِيئَتِهِ، مِنْ رَبْطِ الْعِلْمِ بِالْجَهْلِ، وَتَأْيِيدِ الْبَاطِلِ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ، فَالثِّقَةُ بِاللهِ - تَعَالَى - وَالْإِيمَانُ بِمَشِيئَتِهِ لَا يَصِحَّانِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَعْنَاهُمَا وَمَوَاضِعِ تَعَلُّقِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَبِسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْخَلْقِ وَأَسْبَابِ الرِّزْقِ، أَنَّ مَشِيئَتَهُ - تَعَالَى - لَا تَكُونُ إِلَّا بِمُقْتَضَى سُنَنِهِ فِي ارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبَّبَاتِ وَحِكْمَتِهِ فِيهَا كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِرَارًا فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَالْجَهْلُ بِهَذَا مِمَّا أَفْسَدَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دُنْيَاهُمْ وَدِينَهُمْ، وَأَضَاعَ جُلَّ مِلْكِهِمْ، وَجَعَلَ
جَمَاهِيرَهُمْ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِمْ.
قال المراغي :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها) أي وما من دابة من أي نوع من أنواع الدواب فى الأرض إلا على الله رزقها، لا فرق فى ذلك بين الجنّة (المكروبات) التي لا ترى بالأبصار، وبين ضخام الأجسام، والوسطى بين هذه وتلك، وقد أعطى كلا خلقه المناسب لمعيشته، ثم هداه إلى تحصيل غذائه بالغريزة والفطرة، ولله تعالى حكم فى خلق كل نوع منها، فإن خفى علينا أمر خلق الحيات والسنانير ونحوها، فلنا أن نقول مثلا إنه لولاها لضاقت الأرض بكثرة إحيائها، أو لأنتنت من كثرة أمواتها.
ومعنى كفالته تعالى لرزقها أنه سخره لها وهداها إلى طلبه وتحصيله كما قال:
«رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» وقد علم بنصوص القرآن وسنن الله فى الخلق وأسباب الرزق أن مشيئته تعالى لا تكون إلا بمقتضى سننه فى ارتباط الأسباب بالمسببات مع الحكمة فى ذلك، لا أنه يأتيها بمحض قدرته سواء طلبته أم لا.
قال أبو زهرة 1394هـ :
(مَا) نافية، وكلمة (مِن) للدلالة على عموم الآحاد في كل الدواب، أي يعلم كل دابة علما دقيقا في مفردها وجماعتها، أي أن كل دابة على اللَّه رزقها، وكانت التعدية للدلالة على أن ذلك متحقق ثابث بمقتضى وعد اللَّه تعالى الذي لَا يخلفه، فعبر بـ (عَلَى) وهذا لأن اللَّه لَا يجب عليه شيء إلا ما كتبه سبحانه على نفسه، كما قال تعالى: (. . . كتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ. . .).
وليس هناك إلزام، ولكن هناك وعدًا والتزامًا، والدواب ما يدب على الأرض من أصغر الكائنات إلى الإنسان، وعلى الله رزق كل هؤلاء، والإنسان بكل ما يتخذه من أسباب ليس هو المنشئ للرزق فقد يتخذ كل الأسباب ولا يكون إلا الحرمان، فكل شيء من فضل الله، وعلى الإنسان أن يسعى ولابد من الأخذ بالأسباب بعد التوكل وتفويض الأمر للَّه، وليس لأحد أن يحسب أن أسبابه وحدها تموله وتمونه، بل لابد من التوكل على اللَّه والتفويض إليه.
والرزق بالنسبة للدواب والأحياء، هو ما يتمول به ويتغذى، فينمى جسده ونفسه ويكون بقاؤه، وذلك عام في الدواب جميعها، وبمقتضى إرادته الحكيمة يكون بعض الدواب رزقا للآخر، وكل ذلك بتقدير اللَّه تعالى وبفضله الذي أنشأ ودبر وحكم.
قال الصابوني في صفوة التفاسير :
أي ما من شيء يدب على وجه الأرض من إنسان أو حيوان إِلا تكفَّل الله برزقه تفضلاً منه تعالى وكرماً، فكما كان هو الخالق كان هو الرازق

ــــــــــــــــ
1- نفس القصة ذكرها السيوطي كالقرطبي
2- قصة موسى أول من ذكرها من هؤلاء المفسرين هو الرازي وتبعه و الألوسي و الجاوي واعترضها محمد رشيد رضا واصفا إياها بالموضوعة
3- تارة يزيد بعضهم في العبارات بينما يقلل منها الآخر و يتحرز عن بعضها
4- تتشابه العبارات كأنه نقل حرفي أو من المعنى مما تحتفظ به الذاكرة
5- امتاز السيوطي بعرض المادة ونقلها عن غيره من دون تدخل غالبا