المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واقعــــــــــي.. !



Nonnah
30-05-2006, 05:21 AM
(1)

كان يمشي رافعاً رأسه إلى أعلى يتأمل في السماء , اعترضت طريقه
حصى كادت توقعه فركلها بعصبية , ثم نفخ بقهر , وأخذ يتمتم بحيرة :
- زرقاء هل هي زرقاء ..؟؟!
رفع رأسه مرة أخرى إلى السماء ثم صاح :
- لقد وبختني المعلمة ورفضت أن تأخذ رسمتي, تقول إني لا أرى جيداً !!
أنزل حقيبته من على ظهره ثم أخرج رسمته وأخذ يقارن , يرفع رأسه
إلى السماء تارة وينزلها إلى رسمته تارة ويصيح مستنكراً:
- إذا كانت زرقاء فلماذا أراها في شارعنا رمادية تميل إلى السواد
في حين أن المعلمة تراها زرقاء !!


(2)

شدت المعلمة أذنه اليسرى حتى بكى من الألم , ثم تركته وقالت مهددة:
- إذا لم تجب بشكل جيد سوف أشد أذنك اليمنى .
وضع يده على أذنه وباليد الأخرى أخذ يمسح دموعه ويقول بصوت
قطعه البكاء:
- ولكن هذه هي أحد الأصوات ... الأصوات التي أســ .. أســمعها عنــ.. عندما
أستيقظ .. من النــ .. وم .
قالت المعلمة بحدة :
عندما أشد أذنك الأخرى سوف تسمع جيداً.
خرج من الفصل بعد انتهاء الوقت متوجهاً إلى بيته , يقف بين الفينة والفينة
يصيخ السمع إلى _ ماتقولة المعلمة _ شدو العصافير , فلا
يسمع إلا أصواتاً تشبه صوت الرعد وصياحاً وبكاءً.
مازالت أذنه اليسرى تؤلمه فبكى , تذكر كلمات معلمته " عندما أشد
أذنك الأخرى سوف تسمع جيداً " وتبادرت فكرة إلى ذهنه , مسح
دموعه بسرعة ثم ركض عائداً إلى المدرسة لعله يسمع شدو
العصافير عندما تشد معلمته أذنه الأخرى.


(3)

صرخت المعلمة في وجهه: ماهي مهنة والدك ..؟!
سألته مرة أخرى بحنق:
قال بصوت خافت يكاد أن يكون همساً:
يجمع الحجارة .
ألا توجد لديه مهنة غيرها.
- مامعنى يجمع الحجارة ؟! هل هو بناء ؟!
هزّ رأسه نفياً !
- إذن ماهو ؟؟ ماذا يفعل بالجارة ؟؟
قال بصوت ملغم بالبكاء, يرميها .
حاول أن يعتصر ذهنه ويستنجد به لهله يتذكر مهنة كان أبوه
يزاولها , وبعد جهد جهيد , تذكر شيئاً فصفق فرحاً وهتف عالياً وقال :
- بلى , إنه يصرخ !!
اتسعت عينا المعلمة بإستنكار وقالت:
يصرخ ؟؟!
أجاب مفتخراً بمهنة أبيه :
نعم يصرخ يقول " الله أكبر " ..
الله أكبر , لعنة الله على اليهود ..


(4)

قال لإبنة جيرانه التي لم تدخل المدرسة بعد :
- أنا أكره المدرسة ..
سألته بدهشة : لماذا ؟؟!
أجاب مستنكراً :
- إنها تعلمنا أشياء غريبة .
ثم أخذ يعد على أصابعه.. السماء زرقاء ..! نستيقظ على شدو العصافير ..! لا تعتبر أن لأبي مهنة ..!
كانت جارته تنظر إليه بعدم اقتناع وعندما أحس بذلك .. ضخم صوته ,
ورفع سبابته محذراً :
- المدرسة مكان مخيف , لا تذهبي إليه .
سألته بخوف : لماذا ؟؟
أجاب بحماس ليدعم كلامه ..
- لأن أمي واخوتي يبكون كل صباح عندما أستعد للذهاب إليها ,
ويقبلونني و يعانقونني كأنني لن أرجع إليهم ثانية .
صمت برهة , ثم فكر , ثم أجاب بشرود :
- لا أدري كل الذي أعرفه أنها مكان مخيف وأنه سوف يأتي يوم
لن أعود منها إلى البيت .


(5)

كاد يطير فرحاً عندما قال له والده :
- سوف آخذك معي غداً لنصلي العيد في الأقصى .
أسرع إلى أمه يستعجلها في رتق بنطاله حتى يلبسه صباح العيد ..
خرج من البيت فرأى ابنة جيرانه تجمع الحجارة . سألها :
- ماذا تفعلين ؟؟!
أجابت بسعادة : غداً العيد ..
- نعم , ولكن لماذا تجمعين الحجارة ؟؟!
وقفت رافعة رأسها بشموخ وقالت:
- يجب أن أفعل شيئاً عظيماً يوم العيد , قال لي أبي أني إذا جمعت
أكبر عدد من الحجارة له ولإخواني فإني بذلك قمت بعمل عظيم .
قال وقد نهشت الغيرة قلبه:
- سوف أقوم بعمل أعظم من عملك , غداً سأصلي العيد في الأقصى .
لم تلتفت إليه فقد كانت مشغولة بجمع الحجارة فانحنى إلى الأرض يجمع معها .


(6)

أسرعت إليه قبل أن يمشي مع الرجال إلى المسجد ودست في جيبه
حصى , قال متعجباً : أنا ذاهب أصلي .
قالت وهي تشير إلى الرجال : كلهم فعلوا ذلك .
ابتسم لها ثم جرى يلحق بأبيه .. سمع أحدهم يهمس في أذن والده
لماذا تأخذه معك إنه صغير .
فاستشاط غضباً وقال : أنا لست صغيراً .. انظر ...
أخرج من جيبه الحصى ثم ردها مرة أخرى .. فضحك والده وقال :
- نعم ياولدي أنت لست صغيراً ...


(7)

تفرق الناس بعد خروجهم من المسجد وعلت الصيحات والهتافات
" الله أكبر , الله أكبر "
نظر حوله فلم يجد والده وعرف بغريزته أنه ضاع في هذه
الجموع وأنه لا وقت ليبحث عن والده.
رأى فتية يركضون , ركض معهم , عزم على ألا يفارقهم , رآهم
يختبئون وراء براميل معدنية ويلقون الحجارة من ورائها فتصيب ما
شاءالله أن تصيب .
اقترب منهم وأخرج من جيبه الحصى ووضعها بقربهم ثم التفت
يجمع لهم ما يتسنى له جمعه من الحجارة والحديد ...
تذكر في هذه اللحظة ابنة جيرانه فشعر بزهو , لقد قام بعملين
عظيمين في يوم العيد .


(8)

خلع قميصه وفرشه على الأرض , وأخذ يجمع الحجارة فيه , ثم جمع
أطرافه حتى جعله كالصرة , أخذ يركض إلى الفتية , ويلقي بين أيديهم
ماجمعه , ثم يعود مرة أخرى يتنقل من مكان لآخر , يجمع ما يجده
من الحجارة , وعندما عاد إليهم في المرة الأخيرة , لم يجد أحداً منهم ,
استغرب , التفت حوله يبحث عنهم بين تلك الجموع الكبيرة .
تقدم من البراميل لعله يجد أثراً عليهم , رأى دماءً على الأرض , رفع
نظره إلى البراميل فوجد فيها ثقوباً عديدة وكبيرة , رفع نظره أكثر
فوجد أمامه يهودي يصوب رصاصة تجاهه وفي غمضة عين اندفع
إلى الوراء بقوة وسقط على ظهره , أحس بألم شديد وشعر أنه مبتل .
نظر إلى صدره فهاله المنظر , ثقب كبير في الجهة اليمنى من صدره ,
ودماء تسيل حتى وصلت إلى بنطاله المرتق فعرف مامعنى الموت,
رفع عينيه إلى السماء يتحاشى منظر الدماء والموت فابتسم وأخذ
يصرخ بوهن ويشير إلى أعلى :
- أيتها المعلمة .. أيتها المعلمة .. تعالي انظري إلى السماء أليست
رمادية ..؟؟!














نقلته إليكم من كتاب " فضاءات عالمة "