المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب " أرزاق العباد "



أهــل الحـديث
10-02-2013, 11:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أهدي ملتقى أهل الحديث كتاب "أرزاق العباد" والذي وفقني الله لجمعه ,وقد اطلع عليه القاضي محمد بن إسماعيل العمراني وقدم له.
قال عن الكتاب حفظه الله وجزاه الله خيرا:إنه كتاب يستفيد منه العلماء والخطباء والأدباء .
فأسأل الله تعالى أن يكون كذلك.
وأن ينتفع به عموم الخلق .
ولعل مهموما يطلع عليه فينجلي همه فأفوز بثواب من ينفس عن المؤمنين كربهم.
ولعل . . ولعل . . ولعل .
فأفوز بأن يرضى الله عني.
ومن أراد طباعته مجانا ابتغاء وجه الله التواصل معنا ( اليمن - الحديدة - مديرية حيس )
جوال 00967735207351
[email protected]



كتاب أرزاق العباد

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسولــه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ النساء: 1
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ الأحزاب: 70 – 71
أما بعد, فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد ...
فإن موضوع الرزق موضوع مهم جدا لأنه متعلق بحياة الإنسان بل بحياة كل دابة تعلقا تاماً فصار الفكر متعلقاًَ به والجوارح ساعيةً إليه واتخذ الناس في تحصيل أرزقهم مشارب وسلكوا مسالك ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِر﴾ٌالنحل: 9
وفي هذا الموضوع يظهر تميز المؤمن وانفراده بامتلاك شخصية قوية واثقة بوصول رزقها إليهامطمئنة لمن تكفل بأرزاقها ساعية في الأرض هونا في تحصيل ماكتب لها ،من أقوم طريق وأسلم سبيل.
وأما غير المؤمن فيظهر في صورة مرتبكة ، قد نحت الهم والغم فؤاده ، وانحل جسده ، وأزاغ عينيه ، قد سلك كل طريق ، واصطدم بكل شاخص ، وجرى جري الوحوش ، فيسقط في حفر الأرض ويخرج إلى مهاويها، فما أتعس حياته ، وماأنكد عيشه، ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ الملك: 22
فها قد رأت عيناك كيف قسم طلب الرزق الناس إلى قسمين وفرقهم فريقين سعداء وأشقياء ، فدعتني نفسي للكتابة في هذا الموضوع مبينا:ً انفراد الله بالرزق وحده سبحانه ،وتكفله برزق عباده ، وبيان أثر ضعف الإيمان بذلك في حياة الناس ، وماوقعوا فيه من أخطاء ، وبيان أسباب الرزق ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .








تمهيد
تتضح أهمية موضوع الرزق من خلال ارتباطه بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ،بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وقضائه وقدره :
فمن الإيمان بربوبيته :إفراده بالخلق والملك والتدبير والرزق.
ومن الإيمان بألوهيته : إفراده بالعباده وحده لكمال إنعامه وإحسانه وانفراده وحده برزق عباده، ولضعف غيره سبحانه وعجزهم وفقرهم وأنهم لا يملكون ضرا ولانفعا ولارزقا ولاموتا ولاحياة ولانشورا,فالإيمان بأنه هو المنفرد بالخلق والملك والتدبيروأنه ليس له شريك في ذلك يلزم من ذلك إفراده بالعبادة كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 21 - 22
(عن ابن عباس :" فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه.)
وفي الحديث أن يحيى بن زكريا جمع بني إسرائيل "فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أولهن : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا" الحديث
وما ينبغي للعبد أن يجعل لله نداً وهو يعلم أن الله هو خالقه ورازقه , قال صلى الله عليه وسلم:" ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله تعالى إنهم ليدعون له ولدا و يجعلون له أندادا و هو مع ذلك يعافيهم و يرزقهم" رواه البخاري ومسلم
، ومن الإيمان بأسمائه وصفاته : الإيمان باسمه الرزاق وأنه هو يرزق جميع خلقه (والرزاق والرازق اسمان من أسماء الله الحسنى ، وهما مشتقان من مادة الرزق ،والرزق هو كل ماينتفع به )
( وينقسم الرزق إلى قسمين : عام وخاص ،فالعام: كل ماينتفع به البدن سواءً كان حلالاً أو حراماً وسواءً كان المرزوق مؤمنا أو كافراً، ولهذا قال السفاريني :


والرزق ما ينفع من حلال أو ضده فحل عن المحال
لأنه رازق كل الخــلق وليس مخلوق بغير رزق
لأنك لو قلت :إن الرزق هو العطاء الحلال لكان كل الذّين يأكلون الحرام لم يرزقوا ،مع أن الله أعطاهم ماتصلح به أبدانهم ، لكن الرزق نوعان :طيب وخبيث ولهذا قال الله تعالى:﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ﴾ الأعراف:32 . ولم يقل :والرزق ، أما الخبائث فهي حرام.
أما الرزق الخاص: فهو مايقوم به الدين من العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال المعين على طاعة الله)



















































1- انفراد الله بالرزق
كما أن الله سبحانه وتعالى قد انفرد بالخلق فلا خالق سواه،فهو المنفرد أيضاً برزق عباده فلا رازق سواه ،وهذا مما أقر به المشركون مع شركهم ،ولهذا دعاهم الله تعالى إلى إفراده بالعبادة لأنه هو المنفرد بخلقهم ورزقهم وتدبير أمورهم ،وغير الله تعالى مما يعبده هؤلاء المشركون لا يخلق ولايرزق ولايملك وهم يعترفون بهذا، قال تعالى:
﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون﴾ يونس:31،22
***
وقد أنكر إبراهيم عليه السلام على قومه عبادتهم الأصنام وهي لاتملك لهم رزقاً ،وأمرهم بإفراد الله وحده بالعبادة لأنه خالقهم ورازقهم ، فقال لهم:﴿إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون﴾ العنكبوت:17
وقال لهم: ﴿ أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون *فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين *والذي هو يطعمني ويسقين﴾الشعراء: 75-79
وقال تعالى: ﴿يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون﴾فاطر:3
وقال تعالى: ﴿قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم﴾الأنعام:14
وهذا كقوله تعالى :﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ الذاريات: 56-58
وقال تعالى:﴿ أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه﴾ الملك:21
( أي: من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده أي لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله عز وجل وحده لا شريك له)
***
وهو الذي قسم الأرزاق:
وقد قسم الله تعالى بين عباده أرزاقهم فوسع على أناس وضيق على آخرين
لحكــمه بالغة قضــاها يستوجب الحمد على اقتضاها
قال تعالى:﴿والله فضل بعضكم على بعض في الرزق﴾النحل:71
وقال تعالى:﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر﴾العنكبوت:62
من الحكم العظيمة في تقسيم الأرزاق
1- ليعرف العباد بذلك أنه سبحانه المدبر لجميع الأمور وأن بيده مقاليد السماوات والأرض،فهذا يوسع عليه والآخر يضيق عليه ولاراد لقضائه وقدره.
2- بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد وضيقه على بعضهم ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت مابينهم في درجات الآخرة،فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون ،فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية،ويركب الراكب الضخمة الغالية،ويتقلب في ماله وبنيه في سرور وحبور،ومنهم من لا مأوى له ولامال ولابنون،ومنهم مابين ذلك على درجات مختلفة ؛فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبروأجل وأبقى﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا﴾ الإسراء :21
3- قسم الله الرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاكرين،ويعرف الفقير ماابتلاه الله به من الفقر فيصبر عليه وينال درجة الصابرين ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ الزمر: 10
4- قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينية والدنيوية فلو بسط الرزق لجميع العباد لبغوا في الأرض بالكفر والطغيان والفساد, ولو ضيق الرزق على جميعهم لاختل نظامهم وتهاوت من معيشتهم الأركان .
لوكان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً،لم يعمل أحدهم للآخر صنعة ولم يحترف له بحرفة،لأن الكل في درجة واحدة فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر .
أين الرحمة والعطف من الغني للفقير إذا قدرنا أن الناس كلهم في درجة واحدة ؟أين الموقع العظيم الذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في درجة واحدة ؟
إن هذا وأضعافه من المصالح يفقد لو تساوى الناس في الأرزاق ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم وأمر الأغنياء بالشكر والإنفاق،وأمر الفقراء بالصبر وانتظار الفرج من الكريم الرزاق. فعلينا معشر المسلمين أن نرضى به رباً،فنرضى بقسمه وأقداره،وأن نرضى به حكماً فنؤمن بحكمه وأسراره.







2- تكفل الله بالأرزاق
قال الله تعالى:﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين﴾ هود:6
فـ ( أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها)
و قال الله تعالى:﴿وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم﴾العنكبوت:60
قال ابن كثير رحمه الله:( أي لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئا لغد ﴿الله يرزقها وإياكم ﴾ أي الله يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض والطير في الهواء والحيتان في الماء.
قال رحمه الله: وقد ذكروا أن الغراب إذا فقس عن فراخه البَيض خرجوا وهم بِيض فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أياما حتى يسود الريش فيظل الفرخ فاتحا فاه يتفقد أبويه فيقيض الله تعالى طيرا صغارا كالبرغش فيغشاه فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه والأبوان يتفقدانه كل وقت فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه فإذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق ولهذا قال الشاعر:
يا رازق النعاب في عشه وجابر العظم الكسير المهيض
وتأمل...
تأمل كيف تكفل الله برزقك وأوصله إليك وأنت تتقلب في بطن أمك في ظلمات ثلاث،لاتملك تحصيله،أو التسبب لنيله،فأوصله إليك الرزاق عن طريق الحبل الواصل بينك وبين أمك ،تدخل أمك اللقمة في فمها،فتصل إليك غذاءً ورزقاً،حتى إذا اكتملت وتتامت أعضاؤك ألقتك أمك أحمر ليس عليك قشرة ،فإذا أنت في عالم جديد، وإذا بين يديك رزق جديد، ثديان يصبان اللبن صباً،يصبانه حلواً سائغاً، بجود وسخاء ليس له مثيل.
بل ويرشدك الهادي سبحانه كيف تأخذ رزقك وكيف تلتقم الثدي وكيف تضع فمك وكيف تمتص!!!
وتجاوزك أيام وشهور ،وإذا بفكيك قد نبتت فيه الأسنان البيضاء تهشم الخبز ،وتقطع اللحم ،وتقضم الفاكهة والخضراوات،وترسل إلى المعدة رزقاً جديداً ساقه إليها الرزاق سبحانه ،جل شأنه وتقدست أسماؤه.
أحسـن الظن بمن قد عودك كـل إحسان وسوى أودك
إن من قد كان يكفيك الذي كان بالأمس سيكفيك غدك
وقال الشافعي:
سهرتْ أعينٌ ونامتْ عيــونُ في أمور تكونُ أو لا تكونُ
فادرأ الهمَّ ما استطعتَ عن النف سِ فحملانكَ الهمومَ جُنونُ
إِن رباً كفاكَ بالأمسِ ما كــا ن سيكفيكَ في غدٍ ما يكونُ
***
وتأمل...
فهذا رجل يضرب صخرة صماء بمعوله، فتنفلق عن دودة حية تسعى ،فسبحان من تكفل بأرزاق خلقه حيثما كانوا.
***

وتأمل...
ذكروا أن ثعبانا أعمــى كان على رأس نخـلة لايستطيـع سعياًلرزقه، فسخر الله له طائراً يحمل الطعام في منقاره، فيأتي إليه ويدور حوله فيفتح الثعبان فاه ،فيلقي إليه الطائر ماكان معه من الطعام .
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ... ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهـم ... وللضب في البيداء والحوت في البحر
***
وتأمل...
( كان ابن بابشاذ النحوي يأكل يوما مع بعض أصحابه طعاما فجاءه قط فرموا له شيئا فأخذه وذهب سريعا ثم أقبل فرموا له شيئا أيضا فانطلق به سريعا ثم جاء فرموا له شيئا أيضا فعلموا أنه لا يأكل هذا كله فتتبعوه فإذا هو يذهب به إلى قط آخر أعمى في سطح هناك فتعجبوا من ذلك)
***
ومن عجيب الحكايات في ذلك ماوقع لإبراهيم الخواص ( قال: كان لي وقت فترة فكنت أخرج كل يوم إلى شط نهر كبير كان حواليه الخوص فكنت أقطع شيئا من ذلك وأسفه قفافا فأطرحه في ذلك النهر وأتسلى بذلك وكأني كنت مطالبا به فجرى وقتي على ذلك أياما كثيرة فتفكرت يوما وقلت: أمضي خلف ما أطرحه في الماء من القفاف؛ لأنظر أين يذهب, فكنت أمضي على شط النهر ساعات ولم أعمل ذلك اليوم حتى أتيت في الشط موضعا وإذا عجوز قاعدة على شط النهر وهي تبكي! فقلت لها: مالك تبكين؟ فقالت: اعلم أن لي خمسة من الأيتام مات أبوهم فاصابني الفقر والشدة, فأتيت يوما هذا الموضع فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص فأخذتها وبعتها وأنفقت عليهم فأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجيء على رأس الماء فكنت آخذها وأبيعها حتى اليوم. فاليوم جئت في الوقت وأنا منتظرة وما جاءت. قال إبراهيم الخواص: فرفعت يدي الي السماء وقلت: الهي لو علمت أن لها خمسة من العيال لزدت في العمل. فقلت للعجوز: لا تغتمي فاني الذي كنت أعمل ذلك فمضيت معها ورأيت موضعها فكانت فقيرة كما قالت فأقمت بأمرها وأمر عيالها سنين.)
وتأمل...
قال الجاحظ: من علم البعوض إن وراء جلد الجاموس دما وأن ذلك الدم غذاء لها وأنها إذا طعنت في ذلك الجلد الغليظ نفذ فيه خرطومها مع ضعفه ولو أنك طعنت فيه بمسلات شديدة المتن رهيفة الحد لانكسرت فسبحان من رزقها على ضعفها بقوته
وتأمل...
( وانظر في هذه الطير التي لا تخرج الا بالليل كالبوم والهام والخفاش فإن أقواتها هيئت لها في الجو لا من الحب ولا من اللحم بل من البعوض والفراش وأشباههما مما تلقطه من الجو فتأخذ منه بقدر الحاجة ثم تأوى إلى بيوتها فلا تخرج إلى مثل ذلك الوقت بالليل, وذلك أن هذه الضروب من البعوض والفراش وأشباههما مبثوثة في الجو لا يكاد يخلوا منها موضع منه, واعتبر ذلك بأن تضع سراجا بالليل في سطح او عرصه الدار فيجتمع عليه من هذا الضرب شيء كثير, وهذا الضرب من الفراش ونحوها ناقص الفطنة ضعيف الحيلة ليس في الطير أضعف منه ولا أجهل, وفيما يرى من تهافته في النار وأنت تطرده عنها حتى يحرق نفسه دليل على ذلك, فجعل معاش هذه الطيور التي تخرج بالليل من هذا الضرب, فتقتات منه, فإذا أتى النهار انقطعت الى أوكارها, فالليل لها بمنزلة النهار لغيرها من الطير, ونهارها بمنزلة ليل غيرها, ومع ذلك فساق لها الذي تكفل بارزاق الخلق رزقها وخلقه لها في الجو ولم يدعها بلا رزق مع ضعفها وعجزها, وهذه إحدى الحكم والفوائد في خلق هذه الفراش والجنادب والبعوض, فكم فيها من رزق لامة تسبح بحمد ربها ولولا ذلك لانتشرت وكثرت حتى اضرت بالناس ومنعتهم القرار, فانظر الى عجيب تقدير الله وتدبيره كيف اضطر العقول إلى ان شهدت بربوبيته وقدرته وعلمه وحكمته وأن ذلك الذي تشاهده ليس باتفاق ولا بإهمال من سائر وجوه الادلة التي لا تتمكن الفطر من جحدها اصلا)
***
قال عبدالله بن المبارك أنبأنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم, انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها فإن قلتم نحن أعظم بطونا من الطير فانظروا إلى هذه الأباقير من الوحوش والحمر فانها تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.
ارغب إلى الله ولاترغب إلى أحـد أمارأيت ضـمان الواحد الصمد
الله رازق هذا الخلق كلــهم حتى يفرق بين الروح والجســد
***
( قيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ فقال : الذي خلق الرحى يأتيها بالطحين والذي شدق الأشداق هو خالق الأرزاق)
(قيل لأبي حازم: أما ترى قد غلا السعر فقال وما يغمكم من ذلك إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء)
وقال عمر بن أبي عمر اليوناني:
غلا السعر في بغداد من بعد رخصة وأنـي في الحــالين بالله واثق
فلست أخاف الضيق والله واسـع غنــاه ولا الحرمان والله رازق
***
(والإنسان ليس وحده الذي يأكل ويشرب ويقتات في هذا الكون فهناك ملايين الملايين من الأحياء ابتداءًمن ذوي الخلية الواحدة في النبات والحيوان وانتهاءً بالإنسان في برها وبحرها وجوها وكل هذه المخلوقات منكبة كل يوم بل كل ساعة بل كل دقيقه على هذه المائدة الأرضية التي أعدها الرزاق المقيت وعمرها بأنواع الطعام الذي لاينفد ولاينضب فيتناول كل مخلوق مايقيته ويأكل منها رزقه الذي يناسبه) (فلتطمئن القلوب إلى كفاية من تكفل بأرزاقها وأحاط علماًبذواتها وصفاتها)
قد وزع الله بين الخلق رزقهمـــــو لم يخلق الله من خلق يضــــيعه
لكنـــهم كلفوا حرصاً فلست ترى مسترزقاً وسوى الغايات تقـــنعه
والحرص في الأرزاق والأرزاق قد قسمت بغـــي ألاإن بغـي المرء يصـرعه



3- ورزقك قد كتب وقدر
لقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات الأرض ، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمروبن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء" وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خلق الله كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها"
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فرغ إلى ابن آدم من أربع : الخلق والخلق والرزق والأجل" رواه الطبراني في الأوسط
وكتب الله رزق عبده أيضاًوهو في بطن أمه:
عن عبدالله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد"

***
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر ... والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقـنا ... وفي اختيار سواه اللوم والشـوم

















4- وما كتب لك واصل إليك
والرزق الذي قد كتبه الله للعبد واصل إليه لابد, واللقمة التي كتب الله للعبد أن يأكلها لن تدخل في فم أحد سواه ،ولئن اجتمع الخلق ليحولوا بينك وبين رزقك الذي كتبه الله لك لانثنوا على أعقابهم خاسرين ،ولئن اجتمعوا على أن يوصلوا إليك رزقاً ماكتبه لك الله لكان البوار حليفهم،فإنه سبحانه لامانع لما أعطى ولامعطي لما منع﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم﴾ فاطر:2
ولن يموت عبد إلا بعد أن يأخذ رزقه الذي كتب له كاملاً لاينقص من رزقه شيء.
ومن غرائب ماقرأنا أن شخصاً سقط من بناءٍ عالٍ فالتف الناس حوله فقال ليس بي بأس أريد أن أشرب ،وبعد أن شرب مات مباشرة فكانت تلك الشربة هي الباقية من رزقه .
مشيناها خطى كتبت علينا و من كتبت عليه خطى مشاها
و أرزاق لنا متفرقــات فمن لم تأته منا أتاهــــا
و من كتبت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها
فرزق كل عبد واصل إليه ،بل يطلبه أخرج أبو نعيم في الحلية من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت"
أتيه على الخليفة في نواله ويمنعني التعفف عن سؤاله
وأعلم أن رزق المرء يأتي كما تأتي المنية لاغتيـاله
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الرزق أشد طلبا للعبد من أجله"
وعن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها"
***
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى تمرة عائرة فأخذها فناولها سائلا فقال: "أما إنك لو لم تأتها لأتتك" رواه الطبراني بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه والبيهقي
ولهذا قال الشاعر:
لَوْ أَنَّ فِي صَخْرَةٍ فِي الْبَحْرِ رَاسِيَةٍ صَمًّا مُلَمْلَمَةً مَلْسٌ نَوَاحِيهَا
رِزْقًا لِعَبْدٍ بَرَاهُ اللَّهُ لَانْفَلَقَــتْ حَتَّى تُؤَدِّي إلَيْهِ كُلَّ مَا فِيهَا
أَوْ كَانَ تَحْتَ طِبَاقِ الْأَرْضِ مَطْلَبُهَا لَسَهَّلَ اللَّهُ فِي الْمَرْقَى مَرَاقِيهَا
حَتَّى تُؤَدِّي الَّذِي فِي اللَّوْحِ خُطَّ لَهُ إنْ هِيَ أَتَتْهُ وَإِلَّا سَوْفَ يَأْتِيهَا

وقال آخر:
ولو أن رزق العبد في رأس صخرةٍ من الصمّ في طود من الشمّ صاقبِ
إذن لأتـاه العبد حـتَّى ينـاله ولو كـانَ مِضياعاً له غير طالـبِ
وقال آخر (وينسب للشافعي):
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
وما يكُ من رزقي فليسَ يفـوتني وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضـــلهِ ولـو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ
ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرة ً وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
( قيل لحاتم الأصم : على ما بنيت أمرك هذا من التوكل ؟ قال : على أربع خلال : علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلست أهتم له و علمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به و علمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره و علمت أني بعين الله في كل حال فأنا أستحيي منه)











































وبعد ذلك ...
وبعد أن يعلم العبد :
- أن الله وحده هو المنفرد برزق عباده.
- وكتبها لهم قبل أن يوجدوا.
- وأن رزق كل عبد واصل إليه لامحالة.
بعد أن يعلم كل هذا ويؤمن به إيماناً راسخاً ،إذا به يعيش في هذه الدنيا مطمئن النفس ،هادىء البال،قرير العين ،السعادة تغمر قلبه،وتسكن في جوانحه.
وعلى العكس منه تماماً من كان عكسه ،وقع في أخطاء عظيمة ,ومهاوٍ سحيقة , هانحن نذكر منها بعضها:




















1- الانشغال بما تكفل الله به عما خلق العباد لأجله
خلق الله الخلق لعبادته وحده سبحانه ،وتكفل لهم بأرزاقهم فقال تعالى:﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ الذاريات:56-58
(ومعنى الاية: أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ومن عصاه عذبه أشد العذاب وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم فهو خالقهم ورازقهم قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عمران ـ يعني ابن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد ـ هو الوالبي ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " ياابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة وقال الترمذي : حسن غريب ) )
قال بلال بن سعد :عباد الرحمن أما ما وكلكم الله عز وجل به فتضيعونه, وأما ما تكفل لكم به فتطلبونه, ما هكذا نعت الله عباده المؤمنين, أذوو عقول في طلب الدنيا وبله عما خلقتم له؟! فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعة الله؛فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله عز وجل
وقال الحجاج في بعض خطبه:
( إن الله كفانا مئونة الدنيا وأمرنا بطلب الآخرة فليته كفانا مئونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون وشراركم لا يتوبون مالي أراكم تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم )
نعم والله أمرنا بعبادته وتكفل أن يرزقنا، ومن جهلنا انشغلنا بالمضمون وتركنا الأمر الذي خلقنا لأجله.
وهذا حال الأكثرين من الخلق كما وصفهم ابن القيم بقوله:
(يهتمون بما ضمنه الله ولا يهتمون بما أمرهم به, ويفرحون بالدنيا ويحزنون على فوات حظهم منها ولا يحزنون على فوات الجنة وما فيها ,ولا يفرحون بالإيمان فرحهم بالدرهم والدينار)
ومن مظاهر انشغال الخلق بما تكفل الله لهم به عن عبادته ماتراه من الازدحام في الأسواق في أوقات الصلوات، بل وفي يوم الجمعة بالذات، وكأنهم غير مخاطبين بأمر ولانهي والله تعالى يقول:﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾الجمعة:9 ، 10
وقال سبحانه: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبةللتقوى﴾طه:132
وفي الحديث القدسي : " إن الله قال : إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة و إيتاء الزكاة"
أخي الحبيب : وإذا تعارض أي عمل من أعمالك الدنيوية مع ما أمرك الله به من عبادته وطاعته فقدم ماأمرك به تر النتيجة .
" ياابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك"
***
وانظر ماوصف الله به عباده فقال:﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾النور:37 , ثم انظر عاقبتهم
﴿ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾النور: 38
فهؤلاء هم الفائزون حقاً في الدنيا والآخرة، وعكسهم من شغلتهم التجارة والأموال، والنساء والعيال عن ذكر الله وعن صفـات اولئك الرجال،فكانوا أحق بالخسارة والوبال ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون﴾المنافقون:9
قال القرطبي: ويستحب للتاجر ألا تشغله تجارته عن أداء الفرائض فإذا جاء وقت الصلاة ينبغي أن يترك تجارته حتى يكون من أهل هذه الآية "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله "
(قال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد فتلا سالم هذه الاية ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ﴾ ثم قال: هم هؤلاء.
وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة)
وفي البخاري قال قتادة: كان القوم يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله.
يمشون نــحو بيوت الله إذ سمعوا الله أكبر في شوق وفي جذل
أرواحـــهم خشغت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
هم الرجــــال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ولا أكذوبة الكسل
























2-التوكل على غير الله تعالى
قال الله عزوجل:﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ آل عمران:122
قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي: الواجب على العاقل لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق إذ التوكل هو نظام الإيمان وقرين التوحيد وهو السبب المؤدي الى نفى الفقر ووجود الراحة وما توكل أحد على الله جل وعلا من صحة قلبه حتى كان الله جل وعلا بما تضمن من الكفالة أوثق عنده بما حوته يده إلا لم يكله الله الى عباده وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب
وأنشدني منصور بن محمد الكريزي :
توكل على الرحمن في كل حاجة أردت فإن الله يقضي ويقدر
متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده يصبه وما للعبــد ما يتخير
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه وينجو بإذن الله من حيث يحذر
وإن من الخطأ العظيم اتكال العبد على غير ربه،والأمور كلها بيده سبحانه وتعالى،ومن يتكل على غير الله فإنما يتكل على ضعف وعجز، ومن توكل على مخلوق وكله الله إليه.
قال الله تعالى ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ الطلاق:3
(والآية تفيد بمفهومها أن من توكل على غير الله خذل،لأن غير الله لايكون حسباً،فمن توكل على غير الله تخلى الله عنه،وصار موكولاًإلى هذا الشيء،ولم يحصل له مقصوده،وابتعد عن الله بمقدار توكله على غير الله)
ومن مظاهر التوكل على غير الله اعتماد العبد في تحصيل رزقه واطمئنان قلبه على أهله أوأقاربه أو على ملكه ورئيسه أو على السبب والوظيفة وينسى أن الله تعالى هو الذي يسخر الأرزاق ويسببها.
قال ابن عثيمين:الاعتماد على شخص في[الرزق والمعاش]وغير ذلك،وهذا من الشرك الأصغر ،وقال بعضهم من الشرك الخفي
مثل اعتماد كثير من الناس على وظيفته في حصول رزقه ولهذا تجد الإنسان يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا اعتماد افتقار فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ماهو ظاهر فهو لم يعتقد أنه مجرد سبب بل جعله فوق السبب.
وقد يكون التوكل على غير الله شركاً أكبر يخرج صاحبه من دائرة الإسلام ؛وذلك حين يتوكل على غير الله توكل اعتماد وتفويض كامل في جلب الرزق والخير قارناً ذلك بالرغبة والرهبة،كما يفعله عباد القبور والأولياء.
يقول شيخ الإسلام:
(فالرجاء ينبغى أن يتعلق بالله ولا يتعلق بمخلوق ولا بقوة العبد ولا عمله فان تعليق الرجاء بغير الله إشراك وإن كان الله قد جعل لها أسبابا فالسبب لا يستقل بنفسه بل لابد له من معاون ولابد أن يمنع المعارض المعوق له وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى ولهذا قيل: الالتفات إلى الأسباب شرك فى التوحيد, ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل, والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع .ولهذا قال الله تعالى:﴿ فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب﴾الشرح:8.7 فأمر بأن تكون الرغبة إليه وحده. وقال:﴿ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾المائدة:23 فالقلب لا يتوكل إلا على من يرجوه فمن رجا قوته أو عمله أو علمه أو حاله أو صديقه أو قرابته أو شيخة أو ملكة أو ماله غير ناظر إلى الله كان فيه نوع توكل على ذلك السبب, وما رجا أحد مخلوقا أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه؛ فإنه مشرك ﴿ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق﴾الحج:31
وكذلك المشرك يخاف المخلوقين ويرجوهم فيحصل له رعب كما قال تعالى:﴿سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا﴾آل عمران:151 والخالص من الشرك يحصل له الأمن كما قال تعالى:﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾الأنعام:82 وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك, ففي الصحيح عن ابن مسعود: إن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هذا الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح:﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾لقمان:13 وقال تعالى:﴿ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب* اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب*وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار﴾البقرة:165-167 وقال تعالى:﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا* أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا﴾الإسراء:57-56 ولهذا يذكر الله الأسباب ويأمر بأن لا يعتمد عليها ولا يرجى إلا الله, قال تعالى لما أنزل الملائكة:﴿ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم﴾آل عمران:126 وقال :﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ آل عمران:160
وقد قدمنا أن الدعاء نوعان:دعاء عبادة ودعاء مسألة.
وكلاهما لا يصلح إلا لله فمن جعل مع الله إلهاً آخر قعد مذموما مخذولا والراجي سائل طالب فلا يصلح أن يرجو إلا الله ولا يسأل غيره ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح:" ما أتاك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك" فالمشرف: الذى يستشرف بقلبه, والسائل :الذي يسأل بلسانه ,وفى الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: اصابتنا فاقة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله فوجدته يخطب الناس وهو يقول:" ايها الناس والله مهما يكن عندنا من خير فلن ندخره عنكم وإنه من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر"
و الاستغناء: أن لا يرجو بقلبه أحدا فيتشرف إليه, و الاستعفاف: أن لا يسأل بلسانه أحدا,ولهذا لما سئل أحمد بن حنبل عن التوكل فقال: قطع الاستشراف إلى الخلق, أى :لا يكون فى قلبك أن أحداً يأتيك بشيء فقيل له: فما الحجة في ذلك؟ فقال: قول الخليل لما قال له جبرائيل: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
فهذا وما يشبهه مما يبين ان العبد فى طلب ما ينفعه ودفع ما يضره لا يوجه قلبه إلا إلى الله, فلهذا قال المكروب:" لا اله الا انت" ومثل هذا ما فى الصحيحين عن ابن عباس ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:" لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم" فان هذه الكلمات فيها تحقيق التوحيد وتأله العبد ربه وتعلق رجائه به وحده لا شريك له وهى لفظ خبر يتضمن الطلب والناس وإن كانوا يقولون بألسنتهم: "لا اله الا الله" فقول العبد لها مخلصا من قلبه له حقيقة أخرى وبحسب تحقيق التوحيد تكمل طاعة الله قال تعالى :﴿افرأيت من اتخذ الهه هواه افأنت تكون عليه وكيلا* أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ فمن جعل ما يألهه هو ما يهواه فقد اتخذ إلهه هواه أي: جعل معبوده هو ما يهواه, وهذا حال المشركين الذين يعبد احدهم ما يستحسنه فهم يتخذون اندادا من دون الله يحبونهم كحب الله.
ولهذا قال الخليل :﴿لا أحب الآفلين﴾ فإن قومه لم يكونوا منكرين للصانع ولكن كان احدهم يعبد ما يستحسنه ويظنه نافعا كالشمس والقمر والكواكب والخليل بين أن الآفل يغيب عن عابده وتحجبه عنه الحواجب فلا يرى عابده ولا يسمع كلامه ولا يعلم حاله ولا ينفعه ولا يضره بسبب ولا غيره فأي وجه لعبادة من يأفل..الخ)



3-التـواكـل
وهو ادعاء التوكل على الله مع عدم فعل الأسباب، وقدوقع فيه بعض الناس فتركوا العمل بحجة التوكل وأن الرزق مكتوب ومضمون كما قال بعضهم:
جَرَى قلمُ القضاءِ بما يكونُ ... فسيانِ التحركُ والسكونُ
جُنونٌ منكَ أن تسعى لرزقٍ... ويرزقُ في غشاوتِه الجنينُ
وهذا من الفهم الخاطىء للتوكل،فإن التوكل في الحقيقة هو (صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به سبحانه وتعالى وفعل الأسباب الصحيحة ،فمن توكل على الله ولكن لم يفعل السبب الذي أذن الله فيه فهو غير صادق ،بل إن عدم فعل الأسباب سفه في العقل ونقص في الدين لأنه طعن واضح في حكمة الله تعالى)
وقد قال تعالى :﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشـوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشـور﴾ الملك:15
و قال تعالى :﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾الجمعة : 10
وقال صلى الله عليه وسلم:
"لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو - أحسبه قال - إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس" رواه البخاري
***
والذين يتركون العمل والسعي بحجة التوكل إنما يسوغون لأنفسهم أن يكونوا عالة على غيرهم ،فيجعلون التوكل علة وسبيلاً.
والأمة التي يسري فيها هذا الداء – داء التواكل – هي أمة انهزامية،أمة ضعيفة ،تنحدر إلى هاوية الهلاك لتستقر في قاع الضياع.
وانظر حياة الأنبياء والصالحين،وهؤلاء أعلى الناس توكلاً ويقيناً لم يتركوا العمل والتكسب .قال تعالى:﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق﴾الفرقان:20
فأخبر تعالى عن جميع الرسل( أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التغذي به ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة)
وروى البخاري عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"
وروى عن أنس رضي الله عنه قال:
قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن ربيع الأنصاري وكان سعد ذا غنى فقال لعبد الرحمن أقاسمك مالي نصفين وأزوجك قال: بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فما رجع حتى استفضل أقطا وسمنا فأتى به أهل منزله فمكثنا يسيرا أو ما شاء الله فجاء وعليه وضر من صفرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "مهيم " . قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار قال: " وما سقت إليها " . قال: نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب قال: "أولم ولو بشاة"
وفي البخاري أيضاً أن أباهريرةقال:" إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم"
وفي سيرة سلفنا أمثلة كثيرة لسعيهم في تحصيل أرزاقهم،وأمرهم بالسعي مع صدق توكلهم على ربهم،فبعداً للمتواكلين.
أفضل من ركعتي قنوت ونيل حظ من السكوت
ومن رجال بنوا حصوناً تصونهم داخل البيوت
غــدو عبد إلى معاش يرجع منه بفضل قوت




















4- قتل الأولاد خشية الفقر
قد كان في الجاهلية من يفعل هذا فيقتل ولده لفقره أوخشية الفقر وجاء الدين الحنيف يبين شناعة هذا الفعل وخطأ هذا التفكير القائم على عدم الثقة بمن تكفل بأرزاق خلقه ،ويبين أن رازق الآباء هو رازق الأبناء.
قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم﴾الأنعام:151
وقال تعالى: ﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا﴾الإسراء:31
(أي: قد تكفلنا برزق الجميع فلستم الذين ترزقون أولادكم بل ولا أنفسكم،فليس عليكم منهم ضيق)
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال ( أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) . قلت ثم أي ؟ قال ( أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ) . قال ثم أي ؟ قال ( أن تزاني حليلة جارك ) . وأنزل الله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر".
على آثار الجاهلية:
وعلى آثار الجاهلية سارت ركاب دعوة تحديد النسل تحمل حجتها الداحضة أن كثرة النسل سبب للجوع وضيق العيش في الأسرة والمجتمع، ووراء ذلك مخططات لإعداء الإسلام – من منصرين – وغيرهم تهدف إلى إضعاف الأمة بإضعاف تناسلها.
وللأسف الشديد هاهم كثير من المسلمين ينقادون لهذا المخطط القادم من قبل قوم كفروا بالله ورسوله وصدقوا أن كثرة الأولاد سبب لضيق العيش والرزق, فأساءوا الظن بالله تعالى , وتجاهلواأن أرزاقهم وأرزاق أولادهم على الله قد تكفل بها قبل أن تقذفهم أرحام أمهاتهم إلى هذه الدنيا بل إن (إدرار الرزق يكون بقدر العيال والمعونة تنزل بحسب المؤونة فمن تزوج قاصدا بتزوجه المقاصد الأخروية لتكثير الأمة لا قضاء الوطر ونيل الشهوة رزقه الله من حيث لا يحتسب)
ونقول : لايستغرب صدور مثل هذا الكلام التافه من كافر سيء الظن بربه ولكن العجب من مسلم يرتضيه ويدعو إليه.
قال حاتم الأصم:
لي أربعة نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع الشيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم
وشكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله فقال ابعث الي منهم من لا رزقه على الله فسكت الرجل
فتاوى في حكم تحديد النسل:
1-صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثامنة المنعقدة بالرياض بتاريخ ربيع الأول 1396 هجريه في حكم منع النسل أو تحديده أو تنظيمه مضمونه: تحريم تحديد النسل مطلقاً لمصادمته للفطرة الإنسانية السليمة التي فطرنا الله عليها ولمنافاته لمقاصد الشريعة الإسلامية من الترغيب في النسل, ولما فيه من إضعاف كيان المسلمين بتقليل عددهم ولأنه شبيه بعمل أهل الجاهلية , وفيه سوء ظن بالله.
ولا يجوز نمع الحمل بأي وسيلة من الوسائل إذا كان الحامل عليه خوف الفقر, لما في ذلك من سوء ظن بالله وقد قال تعالى:﴿ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾الذاريات:58 وقال تعالى:
﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾هود:6
أما إذا كان منع الحمل لضرورة :ككون المرأة لاتلد ولادة طبيعية,بل تضطر إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد فيجوز ذلك.وأما أخذ الأدوية من حبوب ونحوها لتأخير الحمل فترة لمصلحة تعود إلى الزوجة كضعفها ضعفاً لاتقوى معه على تتابع الحمل بل يضرها ذلك فلاحرج فيه , وقد يتعين تأخيره فترة حتى تستجم ,أو منعه بالمرة إذا تحقق الضرر,فإن الشريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد,وتقديم أقوى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين.
2- وسئل الشيخ ابن عثيمين:متى يجوز للمرأة استخدام حبوب منع الحمل, ومتى يحرم عليها ذلك؟وهل هناك نص صريح أورأي فقهي بتحديد النسل ؟
فأجاب رحمه الله :الذي ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل مااستطاعوا إلى ذلك سبيلا؛لأن ذلك هو الأمر الذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"تزوجواالودود الولود فإني مكاثر بكم" ولأن كثرة النسل كثرة للأمة وكثرة الأمة من عزتها كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل بذلك ﴿وجعلناكم أكثر نفيراً﴾ وقال شعيب لقومه:﴿واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم﴾.ولاأحد ينكر أن كثرة الأمة سبب لعزتها وقوتها على عكس مايتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمة سبب لفقرها وجوعها .
إن الأمة إذا كثرت واعتمدت على الله عزوجل وآمنت بوعد في قوله:﴿ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾ فإن الله ييسر لعل أمرها ويغنيها من فضله.
بناءً على ذلك تتبين إجابة السؤال:فلا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
الشرط الأول:أن تكون في حاجة لذلك مثل أن تكون مريضة لاتتحمل الحمل كل سنة أو نحيفة الجسم أو بها موانع أخرى تضرها أن تحمل كل سنة.
الشرط الثاني :أن يأذن لها الزوج لأن للزوج حقاً في الأولاد والإنجاب,ولابد كذلك من مشاورة الطبيب في هذه الحبوب هل أخذها ضار أو ليس بضار.
فإذا تم الشرطان السابقان فلا بأس باستخدام هذه الحبوب , لكن على ألا يكون ذلك على سبيل التأبيد أنها لاتستعمل حبوباً تمنع الحمل منعاً دائماً لأن في ذلك قطعاً للنسل.
وأما الفقرة الثانية من السؤال فالجواب عليها: أن تحديد النسل أمر لايمكن في الواقع, ذلك أن الحمل كله بيد الله عزوجل , ثم إن الإنسان إ ذا حدد عدداً معيناً فإن هذا العدد قد يصاب بآفة تهلكه في سنة واحدة ويبقى حينئذٍ لاأولاد له ولانسل له .. والتحديد أمر غير وارد بالنسبة للشريعة الإسلامية,ولكن منع الحمل يتحدد بالضرورة على ماسبق في جواب الفقرة الأول .
واما الفقرة الثالثة من السؤال والخاصة بالعزل أثناء الجماع بدون سبب فالصحيح من أقوال أهل العلم انه لابأس به احديث جابر رضي الله عنه:"كنا نعزل والقرآن ينزل" يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً لنهى الله عنه .
ولكن أهل العلم يقولون :أنه لايعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن لها حقاً في الأولاد ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها ,فاستمتاع المرأة لايتم إلابعد الإنزال . وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها, وتفويت لما يكون من الأولاد ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها.






5-التنازل عن المبادىء خوفاً على الرزق
إن المؤمن لايتنازل عن مبادئه أبداً حرصا على رزق أو خوفاً من انقطاعه , مادام يعلم أن رزقه بيد خالقه ولايخضع ولا يذل خوف الفقر ,ولايركن إلى عدوه خشية قطع المؤنة
قال تعالى:﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم﴾التوبة:28
كم ذلت من رقاب ,ودنست من قلوب وهي ترتقب رزقها عند مخلوق تخضع له وتذل له,ترتكب الحرام وتترك أوامر الله ,وتخالف شريعة الله وتحكم غيرهاخوفا أن يقطع رزقها مخلوق مثلها أوأن يحل الفقر في ساحتها.
وفي الآية الكريمة أمر من الله لعباده المؤمنين بنفي المشركين والايقربوا المسجد الحرام, وقال لهم:" وإن خفتم عيلة" والعيلة:الفقر (وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا : من أي نعيش فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله قال الضحاك : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله عز وجل : ﴿ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ﴾الآية وقال عكرمة : أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض فأخصبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكة الطعام والودك وكثر الخير وأسلمت العرب أهل نجد وصنعاء وغيرهم فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم)
***
ويخيب ظن أهل الزيغ والنفاق يوم أن يضيقوا على المؤمنين سبل العيش , ظانين تنازل المؤمنين عن دينهم ومبادئهم وأخلاقهم وقيمهم وعزتهم﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون﴾المنافقون:7
***
تنازل بعض مرضى القلوب عن مبادئهم ,فأباحوا الربا في مجتمعاتهم , وشجعوا السياحة الممقوتة ,وأفسحوا للشر مجالاً خوفاً من الفقر,وزيادة في الرزق –زعموا- فجاء الفقر وذهب الرزق وحاربوا الرزاق فأبعدهم الله.
***
وعزة المؤمن تأبى له أن يتنازل عن مبادئه وإن هُدد وحورب في رزقه, ولئن سد المخلوقون باباً فإن الخالق يفتح له أبوابا.
إغن عن المخلوق بالخالق ... تسد على الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله ... فليس غير الله من رازق
مـن ظـن أن الناس يغنونه ... فليس بالرحمن بالواثق
أو ظن أن المال من كسبه ... زلت به النعلان من حالق
نماذج إيـمانية:
قال الواقدي : وحدثنا جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال : كان إسلام خالد بن سعيد قديما وكان أول إخوته إسلاما وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على شفير النار فذكر من سعتهما ما الله أعلم به وكأن أباه يدفعه فيها ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحقويه لا يقع فيها ففزع وقال : أحلف بالله إنها لرؤيا حق ولقى أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له فقال : أبو بكر أريد بك خيرا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعه وإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها وأبوك واقع فيها فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال : يا محمد إلى من تدعو فقال : أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده . قال خالد : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله . فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه من بقى من ولده ولم يكونوا أسلموا فوجدوه فأتوا به أباه أبا أحيحة فسبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال له : اتبعت محمدا وأصحابه وأنت ترى خلافة قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم فقال : قد والله تبعته على ما جاء به . فغضب أبو أحيحة ونال منه وشتمه وقال أذهب يا لكع حيث شئت والله لأمنعنك القوت فقال : خالد إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به فأخرجه وقال لبنيه : لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويعيش معه وتغيب عن أبيه في نواحي مكة حتى خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فكان خالد أول من خرج إليها.
وهذا عفان بن مسلم محدث العراق فاسمع خبره:قال حنبل بن إسحاق: حضرت أبا عبد الله احمد ويحيى بن معين عند عفان بعد ما دعاه إسحاق بن إبراهيم للمحنة وكان أول من امتحن من الناس عفان فسأله يحيى بن معين من الغد بعد ما امتحن وأبو عبد الله حاضر ونحن معه فقال له يحيى يا أبا عثمان أخبرنا بما قال لك إسحاق بن إبراهيم وما رددت عليه فقال عفان ليحيى يا أبا زكريا لم اسود وجهك ولا وجوه أصحابك يعنى بذلك انى لم أجب فقال له كيف كان قال دعاني إسحاق بن إبراهيم فلما دخلت عليه قرا على الكتاب الذي كتب به المأمون من أرض الجزيرة من الرقة فإذا فيه امتحن عفان وادعه إلى ان يقول القرآن كذا وكذا فان قال ذلك فاقره على امره وان لم يجبك إلى ما كتبت به إليك فاقطع عنه الذي يجرى عليه وكان المأمون يجرى على عفان خمسمائة درهم كل شهر قال عفان فلما قرأ الكتاب قال لي إسحاق بن إبراهيم ما تقول قال عفان فقرات عليه ﴿قل هو الله أحد* الله الصمد﴾ حتى ختمتها فقلت: مخلوق هذا؟ فقال لي إسحاق بن إبراهيم: يا شيخ إن أمير المؤمنين يقول: إنك إن لم تجبه إلى الذي يدعوك إليه يقطع عنك ما يجرى عليك وان قطع عنك أمير المؤمنين قطعنا عنك نحن أيضا. فقلت له: يقول الله تعالى: ﴿وفى السماء رزقكم وما توعدون﴾ قال فسكت عنى إسحاق وانصرفت فسر بذلك أبو عبد الله ويحيى ومن حضر من أصحابنا.
وعن إبراهيم يعنى بن الحسين بن ديزيل يقول: لما دعي عفان للمحنة كنت أخذ بلجام حماره فلما حضر عرض عليه القول فامتنع أن يجيب فقيل له يحبس عطاؤك قال وكان يعطى في كل شهر ألف درهم فقال:" وفي السماء رزقكم وما توعدون" قال فلما رجع إلى داره عذله نساؤه ومن في داره قال وكان في داره نحو أربعين انسانا قال فدق عليه داق الباب فدخل عليه رجل شبهته بسمان أو زيات ومعه كيس في ألف درهم فقال يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت الدين وهذا في كل شهر.
إذا أظمأتك أكف اللئام ...كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامته همه في الثريا
أبيا لنـــائل ذي نعمة... تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقة ماء الحيـا ... ة دون إراقة مـاء المحيا
وهذا الإمام الشافعي رحمه الله فانظروا شعره وشعاره حيث يقول :
أمطري جبال سرنديب ...وأفيضي آبار تكرور تبراً
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً...وإذا مت لست أعدم قبرا
همـتي همة الـملوك ونفسي...نفس حر تر المذلة كفراً
***
المؤمن لا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً على رزق:
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس ان يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم" رواه الإمام أحمد
6- هموم وقنوط وتسخط
أحياناً تضيق على بعض الناس سبل العيش والرزق,ويرى جميع الأبواب موصدةً أمام ناظريه,فمن هؤلاء من يوفقه الله تعالى فيصبر ويتصبر ممنياً نفسه بفرج من الله ويسر بعد عسر مع سعي وتوكل وثقة بكفاية الله
ومن هؤلاء من يتسخط ويسؤ ظنه بالله تعالى وتقتله الهموم ويقنط من رحمة الله تعالى –والعياذ بالله تعالى- حتى يصل الأمر ببعضهم أن يقتل نفسه, أو يشعل في نفسه النيران.
***
فياأيها المهموم :
ارض بما قسم الله لك وآمن بربك رازقاً ومدبراً وحكيماً
أتظلم الدنيا أمام عينيك ونور الإيمان في قلبك .
قم مع الطير الضعيفة حلق تخرج جائعة مافي بطنها شيء وترجع شبعانة ريانة.
أيها المهموم :
بعد العسر يسر,بل معه ,ولن يغلب عسر يسرين﴿فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ﴾
بعد الشدة فرج ,بعد الظلمة نور,وماكتبه الله لك واصل إليك
ألا فاصبرْ على الحدَثِ الجليلِ ... وداوِ جَواَكَ بالصبَّبْر الجميلِ
ولا تيأسْ فإِن اليأسَ كفرٌ ... لعل اللّه يُغْني من قليلِ
وإِن العسرَ يتبعُه يسارُ ... وقولُ اللّهِ أصدقُ كل قيلِ
***
أيها المهموم :
لوأنك أخذت تبحث في أحوال الناس وقصصهم لرأيت كثيراًمن الناس مثلك ,ولسمعت كثيراً منهم يتحدثون إليك قائلين:مرت علينا أيام مثل أيامك هم وغم واستبطاء للرزق,ثم يفتح الله أبواباً فيها الخير والفرج من حيث لانحتسب.
وكُلُّ شَدِيدَةٍ نزَلَتْ بقَوْمٍ... سيَأْتي بعْدَ شِدَّتِها رَخاءُ
***
وقل للمهموم :
بهمك تحل المشكلة ويزاد في الرزق؟ فسيقول:لا، فقل:فعلام الهم؟!!
لما رأيتك قاعدا مستقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين
فارفض لها وتعر عن أثوابها ... إن كان عندك للقضاء يقين
هون عليك وكن بربك واثقا ... فأخو التوكل شأنه التهوين
طرح الأذى عن نفسه في أمره ... من كان يعلم أنه مضمون
***
(سئل أحد الصالحين عن سبب توبته فقال كنا في سنة جدباء ,والناس في قحط شديد وبلاءجهيد فرأيت غلاماً يمرح ويضحك فقلت له:ألا تخشى الفقر والجوع؟! فقال :إن سيدي عنده قرية وفيها بستان مليء من كل الثمار فعلام أخاف وأحزن؟! فقلت: إن هذا العبد لايستوحش لأن مخدومه يمللك بستاناً! فكيف أستوحش وأحزن وربي يملك خزائن السماوات والأرض؟!! فانتبهت وتبت إلى الله عزوجل.
فاليأس والقنوط إنما ينشأ من انقطاع الصلة بملك الملوك, والأحزان والهموم التي تحول حياة كثير من الناس إلى جحيم إنما هي من البعد عن ملك الملوك والطمع فيما عند المخلوق واهذا قيل :لو رجعت إليه في أول الشدائد لأمدك بالفوائد, ولو رجعت إلى أشكالك لزادوا في أشغالك)
و(الذي يستعجل نصيبه من الرزق ويبادر الزمن ويقلق من تأخر رغباته كالذي يسابق الإمام في ا لصلاة ويعلم أنه لايسلم إلا بعد الإمام.فالأمور والأرزاق مقدرة فرغ منها قبل خلق الخليقة بخمسين ألف سنة)
***
قال شميط بن عجلان: إن المؤمن يقول لنفسه إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمسى بما فيه و غدا أمل لعلك لا تدركه إنك إن كنت من أهل غدا فإن غدا يجيء برزق غد إن دون غد يوما و ليلة تخترم فيها أنفس كثيرة و لعلك المخترم فيها كفى كل يوم همه.
ياصاحب الهم إن الهم منفرج .. أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه .. لاتيأسن فإن القادر الله
والله مالك غير الله من أحد .. فحسبك الله في كل لك الله
إذا بليت فثق بالله وارض به .. إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا ققضى الله فاستسلم لقدرته .. مالامرىء حيلة فيما قضى الله
والله يحدث بعد العسر ميسرة .. لاتجزعن فإن الخالق الله
***
واعلم أيها المهموم أن الله تعالى هو الجبار..جابر القلب الكسير, يغني الفقير,وييسر العسير,من وثق بكفايته ورجاه ماخاب.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي لا يقدران على شيء فجاء الرجل من سفره فدخل على امرأته جائعا قد أصابته مسغبة شديدة فقال لامرأته أعندك شيء قالت نعم أبشر أتاك رزق الله فاستحثها فقال ويحك ابتغي ان كان عندك شيء قالت نعم هنية نرجو رحمة الله حتى إذا طال عليه الطوي قال ويحك قومي فابتغي ان كان عندك خبز فأتيني به فإني قد بلغت وجهدت فقالت نعم الآن ينضج التنور فلا تعجل فلما ان سكت عنها ساعة وتحينت أيضا أن يقول لها قالت هي من عند نفسها لو قمت فنظرت إلى تنوري فقامت فوجدت تنورها ملآن جنوب الغنم ورحييها تطحنان فقامت إلى الرحى فنفضتها وأخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم قال أبو هريرة فوالذي نفس أبي القاسم بيده عن قول محمد صلى الله عليه وسلم لو أخذت ما في رحييها ولم تنفضها لطحنتها إلى يوم القيامة.
صبرا جميلا ما أقرب الفرجا ... من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى ... ومن رجاه يكون حيث رجا
***
وربك أيها المهموم:
﴿ يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن﴾ الرحمن:29
من شأنه أن يغفر ذنباً,ويفرج كرباً,ويرفع قوماً,ويضع آخرين,ومن شأنه أن يحيي ويميت,ويخلق ويرزق,ويعز قوماً ويذل قوماً,وويشفي مريضاً ويفك عانياً ويجيب داعياًويعطي سائلاً "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" الشورى: 28
يا فاطر الخلق البديع وكافلاً ... رزق الجميع سحابُ جودك هاطل
يا عالم السرِّ الخفي ومنجز الوع ... د الوفيِّ قضاءُ حكمك عادلُ
عظمت صفاتكَ يا عظيم فجلَّ أن ... يحصي الثناء عليك فيها قائل
الذنب أنت له بمــنك غافرٌ ... ولتوبة العاصي بحلمك قابلُ
وإِذا دجا ليل الخطوب وأظلمت ... سبل الخلاص وخاب فيها الآملُ
وأيستَ من وجه النجاة فمالها ... سببٌ ولا يدنو له متناولُ
يأتيك من ألطافه الفرج الذي ... لم تحتسبه وأنت عنه غافلُ
***


وأخيراً أيها المهموم :
تسلح بالدعاء,واسع في طلب الرزق من أسبابه واثقاً بالله وكفايته واستمع قول الهادي المبين محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه و من تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك"
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة و من كانت الدنيـا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنـيا إلا مــا قدر له".

... وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس
واعلم أن الغنى ليس عن كثرة العرض ,ولكن الغنى غنى النفس
قال صلى الله عليه وسلم: " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه" رواه مسلم

يا نفسُ صبراً واحتساباً إنّها ... غَمَرات أيامٍ تمرُّ وتنجلي
في الله هُلْكُكِ إن هلَكتِ حميدةً ... وعليه أجرك فاصبري وتوكّلي
لا تيأسي من روح ربِّك واحذري ... أن تستقري بالقُنوط فتُحذَلي




















7-أكل الحرام
عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس اتقوا الله و أجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها و إن أبطأ عنها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب خذوا ما حل و دعوا ما حرم"
و عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته"
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم " المؤمنون:51 وقال " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " البقرة : 172 ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمة حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ " رواه مسلم
قال القرطبي :سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام، ثم شمل الكل في الوعيد الذى تضمنه قوله تعالى: " إنى بما تعملون عليم " صلى الله على رسله وأنبيائه.وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم.
وفي هذا الحديث ذكر أربعة أسباب من أسباب إجابة الدعاء ,ولكنه آكل للحرام "فأنى يستجاب لذلك", وهذه الأسباب هي:
(أحدها: إطالة السفر والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده خرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وعنده دعوة الوالد على ولده وروي مثله عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
والثاني :حصول التبذل في اللباس والهيئة بالشعث والإغبار وهو أيضا من المقتضيات لإجابة الدعاء كما في الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره
الثالث :مد يديه إلى السماء وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته وفي حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى حي كريم يستحيى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وروي نحوه من حديث أنس وجابر وغيرهما
والرابع الإلحاح على الله عز وجل بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء )
ومع هذه الأسباب العظيمة المقتضية إجابة الدعاء فبسبب أكل الحرام يقول صلى الله عليه وسلم: "فأنى يستجاب لذلك".

وآكل الحرام :
(إن أكل منه لم يؤجر عليه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن أمسكه لم يبارك له فيه، وإن دعا وهو في جوفه لم يستجب له، وإن تركه لورثته كان زاده إلى النار، لغيره غنمه، وعليه إثم تحصيله وغرمه، وكم تسلط عليه في حياته من أسباب الهلاك والإتلاف، حتى ينفق رياء وبين التبذير والإسراف) .
***
وعن كعب بن عجرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به يا كعب بن عجرة الناس غاديان : فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها)رواه ابن حبان
عن ابي هريرة : قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال:" تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج" رواه الترمذي
فأفٍّ لمن كان بطنه سبباً في دخوله النار .
وهذه البطون التي استساغت أكل الحرام في الدنيا غداً تنتن بعد أن تنتفخ وتتفجر وتلهو الدود في جنباتها
فعند البخاري عن أبي تميمة قال:
شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ قال سمعته يقول:" من سمع سمع الله به يوم القيامة قال ومن شاق شق الله عليه يوم القيامة"
فقالوا أوصنا . فقال إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه فليفعل.
وهذه البطون لو أن أصحابها استحيوا من الله حق الحياء لما وضعوا فيها إلا حلالاً وهم يعلمون اطلاع الرب عزوجل وعلمه بما يخفون ويعلنون,عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء" قال :قلنا: يا نبي الله إنا لنستحيي والحمد لله قال: "ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"
***
وهانحن في زمان يصدق عليه قول نبينا صلى الله عليه وسلم ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) رواه البخاري
ففي هذا الزمان يؤكل الربا ,وتؤخذ الرشوة ,ويباع ويشترى بالحلف الكاذب والغش ,ويتاجر فيما حرم الله,ويؤخذ المال من غير حله,ويؤكل مال اليتيم وأموال الناس بالباطل,وتستباح المحرمات بأدنى شبهة ...وهلم جراً.
***
ومما طم وعم في بلاد المسلمين أكل الربا ,فبنيت لأجله البنايات,وأقاموا على أبوا بها الحراس ,وسنت لأجله قوانين ماأنزل الله بها من سلطان , وسموه بغير اسمه,فحلت في البلاد العقوبات,ومحقت البركات ,وغضب رب الأرض والسماوات لأكلهم الربا وقد نهوا عنه,وربنا يقول وقوله الحق:
﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾البقرة:275 :279
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه"
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما ظهر في قوم الربا و الزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله "
ومع كل هذا الوعيد,والترهيب الشديد,أبى أكثر الناس-إلا من رحم الله- إلاالتعرض لحرب الله.
***
وبعض من ابتلي بالمكاسب المحرمة إذا نصح بتركها قال من أين آكل ؟ وكأن أبواب الرزق الحلال كلها قد أغلقت في وجهه فلن يكون رزقه إلا من الحرام.
ونسي أن الرزاق سبحانه فتح من أبواب الرزق الحلال مايغني عن الحرام ، وأن الحلال كثير طيب مبارك وفيما أحل الله غنىً عما حرم عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول ( من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا ) . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. رواه البخاري.
فعلى العاقـل أن ينظر في مكسبه ومعاشه فإذا كان مماحرم الله تعالى فيجب عليه أن يتحول عنه ويطلب الرزق الحلال,وما فعل عبد ذلك إلا عوضه الله خيراً مما ترك ورزقه من حيث لايحتسب ,لوعده سبحانه وهو لايخلف الميعاد" ومن يتق الله يجعل له مخرجا.ويرزقه من حيث لايحتسب" الطلاق:2, 3 وقد يضعف الإنسان في البداية وهو يترك مكسباً محرماً ويخوفه الشيطان :من أين يأكل؟وإذا ترك هذا المكسب قد لايجد غيره فيظل عاطلاً,ابق فيه حتى تجد غيره ,وغير ذلك مما يلقيه الشيطان الرجيم,فليتذكر العاقل قول ربه سبحانه:﴿ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم﴾ البقرة:268
ووالله والله إن وعد الله لحق,وإن وعد الشيطان لباطل ,ولن يضيع الله عبداً اعتصم به وترك شيئاً حرمه عليه ابتغاء وجهه ﴿ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ آل عمران:101
أسـوة حسنة:
والمسلم وهو يتحرى مايدخل جوفه وما يكسب من رزق أسوته في ذلك هو نبيه صلى الله عليه وسلم
روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)
وروى عنه أيضاً قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟ "
وعلى الطريق ورع صديق هذه الأمة أبي بكر رضي الله عنه,عن عائشة رضي الله عنها قالت :كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر وما هو ؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
ومن فقه سلفنا الصالح الاهتمام بشأن أكل الحلال والحث عليه :
(قال وهيب بن الورد: (لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام).
ويقول ميمون بن مهران: (لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه).
ويقول حذيفة المرعشي: (جماع الخير في حرفين: حل الكسرة، وإخلاص العمل لله).
ويقولى أبو حفص النيسابوري: (أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه الافتقار إليه، وملازمة السنة، وطلب القوت من حله).
وقال يوسف بن أسباط: (إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء قال: دعوه لا تشتغلوا به، دعوه يجتهد وينصب، فقد كفاكم نفسه).
وقال سهل بن عبدالله: (من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى).
وسأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال: (انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها؟ وقم في الصف الأخير، وكأنه رحمه الله رأى من الرجل استهانة بهذا الأمر، فأحب أن ينبهه إليه؟ لأنه أهتم مما سأل عنه).
وقال إبراهيم بن أدهم: (ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه).
وقال يحيى بن معاذ: (الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال). وقال ابن المبارك: (رد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق. بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف)
وكان يحيى بن معين ينشد:
المال يذهب حله وحرامه *** يوما وتبقئ في غد آثامه
ليس التقي بمتق لألهه *** حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه *** ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه *** فعلى النبي صلاته وسلامه
لقد كانوا رحمة الله عليهم يؤكدون على هذا المعنى كثيرا حتى أن الفضيل رحمه الله لما أراد أن يعرف أهل السنة قال: (أهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال).
وقال رجل للربيع بن خثيم أوصني فقال له الربيع : أوصيك أن تفعل صالحا وتأكل طيبا.
وقال السري : النجاة في ثلاثة في طيب الغذى, وكمال التقى, وطريق الهدى.
ونظر حذيفة المرعشي إلى الناس يتبادرون إلى الصف الأول فقال ينبغي أن يتبادروا إلى أكل من الحلال.
***
نصيحة بيحانية:
يقول الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله:(ونصيحتي لله ولرسوله وللتجار الذين يجمعون المال من الحرام والحلال أن يتقوا الله في معاملتهم ,وأن لايكونوا من أهل قوله تعالى:" ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " الشورى:20 , وأن لايقولوا كما قالت بنو إسرائيل:" سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل" البقرة:93 , وألا تغرهم الفائدة والأرباح التي يكسبونها ببيع ببيع الخمر والمسكرات كلها والأفلام السينمائية التي يقتلون بها الفضيلة ويهدمون بها الأخلاق ويسوقون بها الأمة والبلاد إلى الهاوية فكل ذلك حرام,وليعلموا أن الله لايبارك لهم فيما كسبوه,ولاينفعهم ماجمعوه " ورحمة ربك خير مما يجمعون " الزخرف: 32)
ويقول رحمه الله:
وباتخاذ المكر والخديعة والغش في الأخذ والعطاء وسيلة للرزق تمحق البركات وتذهب فائدة السعي في طلبه,وربما استفاد أحد المتبايعين ربحاً محسوساً فكان سبباً في ذهاب رأس المال وأرباحه,ومن أمثال العوام:الحرام يذهب الحلال والحرام.





































8- سؤال الخلق
لأن المؤمن يعلم أن رزقه من عند ربه فهو لايطلبه إلا منه,ولايدعوا إلا إياه, قد كف يده وصان وجهه عن سؤال الخلق والوقوف بأبوابهم واعتصم بالخالق الرزاق ففاز بعزة النفس واحتفظ بماء الوجه , وأما من ضعف إيمانه فقد دنس نفسه,ووبذل ماء وجهه ومد يده لمخلوق مثله ينتظر ما تجود به يده .
(فالعبد لا بد له من الرزق وهو محتاج الى ذلك فاذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا اليه واذا طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا اليه.
ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة فى الاصل وانما ابيحت للضرورة) (وقد دلت النصوص على الامر بمسألة الخالق والنهي عن مسألة المخلوق فى غير موضع كقوله تعالى:﴿ فإذا فرغت فانصب* والى ربك فارغب﴾ وقول النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس:" اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله", ومنه قول الخليل:﴿ فابتغوا عند الله الرزق﴾ ولم يقل: فابتغوا الرزق عند الله؛ لأن تقديم الظرف يشعر بالاختصاص والحصر كانه قال: لا تبتغوا الرزق الا عند الله, وقد قال تعالى:﴿ واسألوا الله من فضله﴾ والانسان لا بد له من حصول ما يحتاج اليه من الرزق ونحوه, ودفع ما يضره وكلا الامرين شرع له ان يكون دعاؤه لله فلا يسأل رزقه إلا من الله, ولا يشتكى إلا إليه كما قال يعقوب عليه السلام:﴿ انما اشكو بثي وحزنى الى الله﴾) (وكلما قوي طمع العبد فى فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه فكما ان طمعه فى المخلوق يوجب عبوديته له فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه كما قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره وافضل على من شئت تكن اميره واحتج الى من شئت تكن اسيره )
سؤال الله دون خلقه هو المتعين:
واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلاً وشرعاً وذلك من وجوه متعددة:
منها:أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلة للسائل وذلك لايصلح إلا لله وحده, فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة,وذلك من علامات المحبة الصادقة
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا وإن نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرم المفضال
ومنها:أن في سؤال الله عبودية عظيمة,لأنها إظهار للافتقار إليه ,واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج.
وفي سؤال المخلوق ظلم,لأن المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه,ودفع الضر عنها,فكيف يقدر على ذلك لغيره؟ وسؤال إقامة له مقام من يقدر وليس هو بقادر.ويشهد لهذا المعنى حديث :" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"
ومنها أن الله يحب أن يسأل ويغضب على من لايسأله فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه,ويدعوه ويفتقروا إليه,ويحب الملحين في الدعاء,والمخلوق غالباً يكره أن يسأل لفقره وعجزه.قال ابن السماك: لاتسأل من يفر منك واسأل من أمرك أن تسأله.
قال أبو العتاهية:
الله يغضب إن تركت سؤاله..وبني آدم حين يسأل يغضب
فاجعل سؤالك للإله فإنما .. في فضل نعمة ربنا نتقلب
كان يحيى بن معاذ يقول: يامن يغضب على من لا يسأله لاتمنع من قد سألك.
وأنشد بعض الأعراب :
أبا مالك لاتسأل الناس والتمس بكفيك فضل الله فالله أوسع
ولو يسأل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
ومنها : ان الله يستدعي من عباده سؤاله ,وينادي كل ليلة:" هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له" وقد قال الله تعالى:﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ البقرة:186
فأي وقت دعاه العبد وجده قريباً مجيباً ليس بينه وبينه حجاب ولابواب)
سؤال المخلوق ظلم:
قال ابن القيم:( وسمعته يقول –يعني شيخ الإسلام- في السؤال : هو ظلم في حق الربوبية وظلم في حق الخلق وظلم في حق النفس أما في حق الربوبية : فلما فيه من الذل لغير الله وإراقة ماء الوجه لغير خالقه والتعوض عن سؤاله بسؤال المخلوقين والتعرض لمقته إذا سأل وعنده ما يكفيه يومه
وأما في حق الناس : فبمنازعتهم ما في أيديهم بالسؤال واستخراجه منهم وأبغض ما إليهم : من يسألهم ما في أيديهم وأحب ما إليهم : من لا يسألهم فإن أموالهم محبوباتهم ومن سألك محبوبك فقد تعرض لمقتك وبغضك
وأما ظلم السائل نفسه : فحيث امتهنها وأقامها في مقام ذل السؤال ورضي لها بذل الطلب ممن هو مثله أو لعل السائل خير منه وأعلى قدرا وترك سؤال من ليس كمثله شىء وهو السميع البصير فقد أقام السائل نفسه مقام الذل وأهانها بذلك ورضي أن يكون شحاذا من شحاذ مثله فإن من تشحذه فهو أيضا شحاذ مثلك والله وحده هو الغني الحميد
فسؤال المخلوق للمخلوق سؤال الفقير للفقير والرب تعالى كلما سألته كرمت عليه ورضي عنك وأحبك والمخلوق كلما سألته هنت عليه وأبغضك ومقتك وقلاك كما قيل ,
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
وقبيح بالعبد المريد : أن يتعرض لسؤال العبيد وهو يجد عند مولاه كل ما يريد وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله وكنا حديثي عهد ببيعة فقلنا قد بايعناك يا رسول الله ثم قال ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك فقال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا قال : ولقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا أن يناوله إياه
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم
وفيهما أيضا عنه أن رسول الله قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة : واليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا : هي المنفقة والسفلى : هي السائلة
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي قال : من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر
وفي الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في الأمر الذي لا بد منه قال الترمذي : حديث صحيح
وفيه عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا : من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل
وفي السنن و المسند عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله : من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة فقلت : أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا
وفي صحيح مسلم عن قبيصة رضي الله عنه عن النبي : إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال : سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا.)
نظرة إلى الواقع:
ومع هذه الأحاديث المباركة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم المسألة ,فإن بعض الناس قد اتخذ من المسألة مكسباًمع غناه عنها,وبعضهم قد ألف مد يده فما استطاع قبضها
(وبين الصفوف وعلى أبواب المساجد ترى زمراً من المتسولين يعرضون حاجتهم ويذكرون فاقتهم ويشغلون عباد الله عن التلاوة والذكر واستماع الخطب والمدرس ,وقد يكتبون أوراقاً فيدورون بها على الصفوف ,ويرمونها بين أيدي المعتكفين والركع السجود,وبعضهم يقوم فيعظ الناس ويخطبهم ويرغبهم في الآخرة وما عند الله ويحذرهم من الدنيا والاشتغال بها ,ثم يقول: تصدقوا علي جزاكم الله خيراً,فأنا غريب وعابر سبيل وطالب علم منقطع,ومن أعان طالب علم ولو بقلم مكسور فكأنما بنى الكعبة سبع مرات ,إلى غير ذلك من الاسترحام والكذب على الله ورسوله ,ولو أخذ أحدهم حبلاً فجاء بحزمة من حطب أو كان حمالاً في السوق ونقط المواصلات لعاش كريماً عفيفاً.
ومنهم النساء الفاتنات ,والفتيات الكاعبات المائلات المميلات ,يتعرضن للناس ويتعلقن بيد هذا وثوب هذا,ويضحكن لمن يعطيهن شيئاً,ويخاطبن الرجال بالفاحشة ,ويلبسن لابارك الله فيهن ملابس الفجور,كاشفات الوجوه مصففات الشعور ,والعلماء والمتعلمون يرون ذلك ويسمعون به فلا نكير ولانصير على إزالة المنكر ,وكأن الأمر لايعنيهم والفضيحة لاتؤذيهم,ورب متصدق على هؤلاء واولئك رحمة بهم وعطفاًعليهم وهو لايريد بصدقته إلا وجه الله ,ولكنه أخطأ وأعان على معصية ,ووضع الشيء في غير محله وأغرى السفهاء على البطالة وترك التكسب .وهذه مشكلة لابد منحلها والتفكير في أهلها.
أما الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ولايسألون الناس إلحافاً فهم المنقطعون في البيوت ,والمترفعون عن : هات يافلان ,وتصدق علي جزاك الله خيراً. لايفطن لهمأحد فيتصدق عليهم,ولايبثون شكواهم إلا إلى الله مولاهم .وقرص خبز وقطعة من اللحم والسمك في يد بعضهم تقع عند الله بمكان,وقليل من النقود يستعينون بها على حالهم هي والله خير لصاحبها المحسن بها من الدنيا ومافيها.)
(وما يعرض حاجته ,ويظهر فاقته وهو غني أو كسوب إلا امرؤ لاثقة له بربه ,ولاقناعة في فلبه ,ومن رضي بما قسم الله بارك الله فيه ,ومن وضع يده في قصعة غيره ذل له.)
أعظم الظلم:
وأعظم الظلم طلب الرزق من الموتى في قبورهم بحجة أنهم أولياء ,وأن لهم في برزخهم تصرفات وأمداد,وأنهم يجيبون الداعي متى دعاهم ,فمن دعاه بالرزق جاءه الرزق الوفير ,ومن أراد منه الولد أعطاه الكثير ,فيقدمون النذور,ويطوفون حول القبور باكين خاشعين متذللين ,واعتقدوا في موتاهم أنهم ينفعون ويضرون ,ويسمعون ويجيبون,ويقدرون فيعطون ويمنعون إلى غير ذلك مما لايكون إلا لرب العالمين ,ويسمونه تبركاً وتوسلاً.
وبربي إن هذا هو الشرك العظيم ,وإن زعم أصحابه أنهم يقولون:لاإله إلا الله فإن معنى هذه الكلمة الطيبة :أنه لامعبود بحق إلا الله ,وهؤلاء قدصرفوا العبادة لغير الله من دعاء ونذور وذبح وخوف ورجاء ومحبة وغير ذلك ,فإلى الله وحده نشكوا غربة الإسلام .
وأين أسماع قوم وأبصارهم من آيات الكتاب والحكمة وهي بين أيديهم تنهاهم عن الشرك بأصرح كلام وتبينه أحسن بيان ,وهم يقرؤون ولا يفقهون من مثل قوله تعالى:﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ البقرة :186
وقوله تعالى:﴿ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفـــور الرحيم ﴾ يونس:106 ,107
( وأخبر جل ذكره أن هؤلاء المدعوين ماهم إلا خلق من خلق الله لايملكون لأنفسهم ولالغيرهم ضراً ولانفعاً ولارزقاً ولاموتاً ولا حياة ولانشوراًفقال تعالى:﴿إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين . ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون﴾ الأعراف:194 ,195
فأي معنىً لدعائهم بعد قول الله عزوجل ﴿ عباد أمثالكم﴾ ؟ !
بل أي معنىً للتوسل إليهم والاستغاثة بهم وقد أخبر الله عنهم أنهم أموات لايسمعون الدعاء ولايملكون من ملك الله شيئاً فقال تعالى:﴿ ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير﴾فاطر:13, 14
فقد نفى سبحانه أنهم يسمعون دعاء من دعاهم ,وأخبر أنه في حال كونهم يسمعون فإنهم لايستطيعون الإجابة بحال من الأحوال وقد قال تعالى في موضع آخر من كتابه:﴿ له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾ الرعد:14)
***
مما قيل في ذم السؤال:

- إن الوقوف على الأبواب حرمان والعجز أن يرجو الإنسان إنسان
حتى م تأمل مخـلوقاً وتقصـده إن كان عندك بالرحمـن إيمـان
- قال عبدالله بن إدريس:عجبت ممن ينقطع إلى رجل ولا ينقطع إلى من له السماوات والأرض.
- وقال بشر بن الحارث:أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن طلب الدنيا؟!اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا.
قال يحيى بن معاذ الرازي:من طلب الفضل من غير ذي الفضل غرم, وإن ذا الفضل هو الله عزوجل:﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾.
- قال ابن المعتز:
دع الناس إذ طالما أتعـبوك وأد إلى الله وجه الأمل
ولا تطلب الرزق من طالبيه واطلبه ممن به قد كفل




















9- الحسد
الحسد مرض ينشأفي النفوس الضعيفة,سببه الاعتراض على قسمة الله سبحانه فضله بين عباده ,قال تعالى:﴿ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله﴾ النساء:54 وقال تعالى:﴿ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون﴾الزخرف:32
والمؤمن ينبغي أن يكون أبعد الناس عن هذا المرض لأنه يؤمن أن الله سبحانه لايُعترض على حكمه ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾ الأنبياء:23
وأن له الحكمة البالغة في قضائه وقدره وفي تفضيل بعض خلقه على بعض في الرزق والعلم وغيره.
إلا قل لمن ظل لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه ... إذا أنت لم ترض لي ما وهب
والمؤمن إذا رأى أخاه في سعة من الرزق يحب له ذلك كما يحبه لنفسه , ويسأل الله له البركة , ويتلو قول ربه :﴿ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ الجمعة:4
وانظر إلى الحاسد ماأخبث قلبه وهو يترقب المحسود ويتمنى أن تزول نعم الله عنه وتتحول ,ولو بذل المحسود له مابذل ماارتاح قلبه كما قيل:
أعطيتُ كلَّ الناسِ من نفسي الرضا إِلا الحســـودَ فإِنه أعـياني
ما إِن لي ذَنْبـــاً إِليه عَلْــمته إِلا تظاهــــرَ نِعْمةِ الرحمـنِ
وأبى فما يُرضِــــيهِ إِلا ذلـتي وذهـــابُ أمواليْ وقطعُ لساني
(قال أبو حاتم: الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلها فإن أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم والحاسد لا تهدأ روحه ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه وهيهات أن يساعد القضاء ما للحساد في الأحشاء )
( كان أبو عثمان يقول في مواعظه : يا عبد الله فيماذا تتعب قلبك ؟ و تنازع إخوانك و تعادي على طلب الرياسة و العز أشكالك و أخدانك ؟ و تعمل في هلكة حياتك بالحسد لمن هو فوقك ؟ كأنك لم تؤمن بمن أخبر أنه يعز من يشاء و يذل من يشاء و يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء ؟ فاستعمل العلم في ظاهرك إن كنت تاجرا أو كاسبا أو زارعا و أجمل في الطلب و اترك الحرام و الشبهات جميعا فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها و حظها من عزها و رياستها و رزقها و لو هرب العبد من رزقه لأدركه رزقه كما لوفر من الموت لأدركه الموت)
سلم لربك ياحسود ولاتكن...فيما يريد الله بالمتعرض
فالرزق مقسوم ومامن موسر...أو معسر إلا بأمر قد قضي
وإذا أفاض الله نعمته على... عبد فأول ماتشاء وفوض
واعلم بأن الله عدل حكمه...سيان إن غضب الحسود وإن رضي












































10-ســؤ التـصـرف
كيف يتصرف الناس في أرزاقهم التي أنعم الله بها عليهم؟ الناس في ذلك ثلاثة أصناف:طرفان مذمومان ووسط ممدوح فالمذمومان:البخلاء و المسرفون, والممدوح من كان بينهما يقول تعــالى :﴿ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا . وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا. ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا.﴾ الإسراء26-29
فقوله تعالى:﴿ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾ (لأن الشيطان لايدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة ,فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير ,والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه ,كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار:﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما﴾ الفرقان:67)
***
فأما البخلاء فهم والله الفقراء وإن كانوا يملكون المال, قصرت أيديهم بينما الكرام يتسابقون الخيرات,وحرموا أنفسهم وذويهم مما أباح الله لهم من الطيبات , أهله يتمنون له الممات حتى يحصلوا ماجمع لهم من الثروات,ويعوضوا مافات.
كدودة القز ماتبنيه يهدمها .. وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
فالبخيل أفقر الناس لأنه يجمع المال لغيره.
والبخيل سيء الظن بربه,لأنه إنما أمسك عن عدم إيمان بكفاية ربه له.
(قال أبو الحسن موسى بن عيسى الدينوري : الجود بالموجود غاية الجود و البخل بالموجود سوء الظن بالمعبود)
والبخيل أشد الناس خوفاً يخاف ألا يأتيه الدرهم فإذا جاءه الدرهم يخاف أن يذهب عنه .
والبخيل أغبى الناس لأنه ذهل عن حقيقة قد تكون مرةً على قلبه وهي:أن أمواله إن بقيت له ,فهو لايبقى لها بل يتحول عنها ولابد,كما قيل :الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها . وقد تأملت هذه المقالة فرأيت أصحاب الدنيا ثلاثة أصناف :
- قوم تزول دنياهم وهم أحياء باقون.
- وقوم تبقى دنياهم ولكنهم لايبقون لها .
- وقوم يزولون ودنياهم في آن.
ثم قارنت ذلك بأقوام ذكروا في القرآن الكريم فرأيت من الصنف الأول صاحب الجنتين في سورة (الكهف) وأصحاب الجنة في سورة (ن).
ورأيت من الصنف الثاني فرعون هلك ودنياه باقية فورثها بنو إسرائيل ﴿أفرأيت إن متعناهم سنين . ثم جاءهم ما كانوا يوعدون . ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾الشعراء: 205- 207
ورأيت في الصنف الثالث قارون ﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾. القصص:81
والسعيد من بني آدم من قدم دنياه أمامه قبل زواله وزوالها,فيقدم عليها يوم القيامة كما هي على حالها " مالك ما قدمت و مال وارثك ما أخرت"
وهذا هو البقاء الذي لازوال معه كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:" يقول العبد مالي مالي إنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"رواه مسلم
أخي :فاحفظ دنياك ببذلها لربك قبل أن تزول أو تزول.﴿ما عندكم ينفد وما عند الله باق﴾ النحل :96
رأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهما فقال : لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل : لي فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر:
أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك
(عن أبي بكر الهذلي قال كنا [ نجلس ] عند الحسن فأتاه آت فقال: يا أبا سعيد دخلنا آنفاعلى عبد الله بن الأهتم فإذا هو يجود بنفسه فقلنا: يا أبا معمر كيف تجدك؟ قال أجدني والله وجعا ولا أظنني إلا لما بي ولكن ما تقولون في مائة ألف في هذا الصندوق لم تؤد منها زكاة ولم يوصل منها رحم؟ فقلنا: يا أبا معمر فلم كنت تجمعها؟ قال: كنت والله أجمعها لروعة الزمان وجفوة السلطان ومكاثرة العشيرة.
فقال الحسن: انظروا هذا البائس أنى أتاه [ الشيطان ] فحذره روعة زمانه وجفوة سلطانه عما استودعه الله إياه وعمره فيه خرج والله منه كئيبا حزينا ذميما مليما. أيها عنك أيها الوارث لا تخدع كما خدع صويحبك أمامك أتاك هذا المال حلالا فإياك وإياك أن يكون وبالا عليك أتاك والله ممن كان له جموعا منوعا يدأب فيه الليل والنهار يقطع فيه المفاوز والقفار من باطل جمعه ومن حق منعه جمعه فأوعاه وشده فأوكاه لم يؤد منه زكاة ولم يصل منه رحما إن يوم القيامة ذو حسرات وإن أعظم الحسرات غدا أن يرى أحدكم ماله في ميزان غيره أو تدرون كيف ذاكم رجل آتاه الله مالا وأمره بإنفاقه في صنوف حقوق الله فبخل به فورثه هذا الوارث فهو يراه في ميزان غيره فيالها عثرة لا تقال وتوبة لا تنال)
***
والبخل عن أداء ماأوجبه الله على عباده هو غاية البخل ومنتهاه وأصحابه
قد ذمهم الله في غير آية فقال: ﴿ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ﴾النساء:37 وقال :﴿فمنكم من يبخل و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه ﴾محمد:38 وقال : ﴿ والله لا يحب كل مختال فخور . الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد﴾الحديد: 23,24 و قال : " و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"التغابن:16) ومن ذلك:
البخل عن الزكاة:
قال تعالى:﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾ التوبة :35
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميه يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: " لا يحسبن الذين يبخلون " . الآية) رواه البخاري
(وتأمل حكمة الله عز وجل في حبس الغيث عن عباده وابتلائهم بالقحط إذا منعو الزكاة وحرموا المساكين كيف جوزوا على منع ما للمساكين قبلهم من القوت بمنع الله مادة القوت والرزق وحبسها عنهم فقال لهم بلسان الحال منعتم الحق فمنعتم الغيث فهلا استنزلتموه ببذل ما لله قبلكم)
البخل عن الحج:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل إن عبدا أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم"

***
وفي الطرف الآخر طائفة المسرفين المبذرين السفهاء ,رزقهم الله المال فأنفقوه في غير محله، إما فيما حرم الله ,وإما في المباح ولكن من عير اعتدال ,وهؤلاء هم إخوان الشياطين.
من مظاهر السرف في مجتمعاتنا:
رضي بعضهم أن تحترق أمواله أمام ناظريه بنار السجائر والدخان فاشترى الهلاك بأمواله .
وجاد بعضهم على أوراق خضراء يلوكها في فمه فبذل الغالي والرخيص
(وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتنباك ,والابتلاء بهما عندنا كثير ,وهما من المصائب والأمراض الاجتماعية الفتاكة , وإن لم يكونا من المسكر , فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر,لما فيهما من ضياع المال , وذهاب الأوقات ,والجناية على الصحة ,وبهما يقع التشاغل عن الصلاة ,وكثير من الواجبات المهمة ,ولقائل أن يقول :هذا شيء سكت الله عنه ,ولم يثبت على تحريمه والمنع منه أي دليل, وإنما الحلال ماأحله الله ,والحرام ماحرمه الله وقد قال جل ذكره :"هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً" وقال تعالى:﴿ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير﴾الآية
وصواب مايقول هذا المدافع عن القات والتنباك ,ولكنه مغالط في الأدلة وومتغافل عن العمومات ألدالة على وجوب الاحتفاظ بالمصالح ,وحرمة الخبائث,والوقوع في شيء من المفاسد.
ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية ؛فيحطم الأضراس ,ويهيج الباسور ,ويفسد المعدة ,ويضعف شهية الأكل ،ويدر السلاس - وهو الودي- وربما أهلك الصلب ,وأضعف المني ,وأظهر الهزال,وسبب القبض المزمن,وأمراض الكلى.
وأولاد صاحب القات غالباً يخرجون ضعاف البنية,صغار الأجسام ,قصار القامة ,قليل دمهم ,مصابين بعدة أمراض خبيثة.
إن رمت تعرف آفة الآفـات فانظر إلى إدمان مضغ القات
القات قتل للمواهب كلهـا ومولد للهـم والحســرات
ماالقات إلا فكرة مسمومـة ترمي النفوس بأبشع النكبات
ينساب في الأحشاء داءً فاتكاً ويعرض الأعصاب للصدمات
يذر العقول تتيه في أوهامـها ويذيقها كـأس الشقاء العاتي
ويميت في روح الشباب طموحه ويذيب كل عزيمةٍ بثبــات
يغتال عمر المرء مع أمــواله ويريه ألوانا ًمن النقمــات
هو للإرادة والفتوة قاتــلٌ هو ماحق للأوجه النضرات
فإذا نظرت إلى وجوه هواته أبصرت فيها صفرة الأموات
وهذا مع مايبذل أهله فيه من الأثمان الغالية المحتاج إليها,ولو أنهم صرفوها في الأغذية الطيبة وتربية أولادهم وتصدقوا بها في سبيل الله لكان خيراً لهم)
(أما التنباك وهو التبغ فضره أكبر والمصيبة به أعظم ولايبعد أن يكون من الخبائث التي نهى الله عنها ,ولو لم يكن فيه من الشر إلا ماتشهد به الأطباء لكان كافياً في تجنبه والابتعاد عنه ..... وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين في حوالي سنة 1012 هـ.
وانتشر في سائر البلاد ,واستعمله الخاصة والعامة ,فمن الناس من يأخذه في لفائف السيجارة ,ومنهم من يشعله في المشرعة ,ومنهم من يشربه بالنارجيلة وهي المداعة التي عم استعمالها سائر البلاد اليمنية حتى أصبحت زينة المجالس وعروس البيوت ,واستصحبها الناس في حضرهم وسفرهم ,وأنشدوا لها وفيها القصائد والمقطوعات الشعرية:
مداعتي نديـمـتي أنيستي في وحدتي
تقول في قرقارهـا ياصاح خذني بالتي
وأخبث من ذا وذاك من يمضغ التنباك, ويجمعه مطحوناً مع مواد أخرى,ثم يمضغه بين شفتيه وأسنانه ,ويسمى ذلك بالشمة,فيبصق متعاطيها حيث كان,بصاقاً تعافه النفوس,ويتقذر به المكان,وربما لفظها من فيه كسلحة الديك في أنظف مكان , وللناس فيما يعشقون مذاهب ,وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه وهو البردقان يصبه في أنفه صبّاً يفسد به دماغه,ويجني على سمعه وبصره,ثم لاينفك عاطساً,ويمتخط بيده وفي منديله أو على الأرض وأمام الجالسين.
وأخبرني أحد أصدقائي أن قريبه الذي يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات وأنفه يتصبب خبثاً.
ولو اقتصر الناس على مالابد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة,ولما عرضوا أنفسهم لشيءٍ من هذه الشرور)
***
وطائفة أخرى من السفهاء (من الملوك والأغنياء يصرفون المال ويبددون الثروة في أوروبا وأمريكا,يصيفون هنالك ويسيحون في العواصم الكبرى,لاليستفيدوا منها شيئاً
ولاليعتبروا بما وصل إليه غيرهم من الأمم في الحضارة والمدنية,وإنما تستفرغ جيوبهم وتعبث بأنفسهم الضعيفة المومسات والمراقص,ويذهب الجنيه والدولار في دور السينما وأماكن اللهو والمجون .....
وعشرات الألوف ,ومئات الألوف,يأخذها الأمير من خزانة الدولة ليصرفها في إحدى رحلاته للنزهة والاستجمام.
وكذباً وخداعاً وسؤ تدبير تكلف الخزائن وتحمل ميزانية كثير من البلدان مالايعود عليها بالفائدة من مؤتمرات جنيف وسان فرانسسكوومقر هيئة الأمم وحيث يستبد القوي بالضعيف,وتحكم كبريات الأمم على مصير الأمم الضعيفة.
ألا لاسامح الله من يعبث بالأموال,ويتحكم في المساكين.وفي سبيل شهواته وملذاته يتعب غيره ،ويكدح جاهداً من أجله الفلاح في الأرض,والفقير الذي يدفع ما فرض عليه من الاتاوة والضريبة,وهو لايجد القوة ولايدري لمن يعمل)
وفي كرة القدم ومبارياتها, والرياضة والمهرجانات والاحتفالات كم بددت من أموال,كانت الأكباد الجائعة,والأجساد العارية,والشباب العاطل أحق بها وأهلها.
***
وأما أعظم السفهاء سفاهة ,فهم من شدوا رحالهم لزيارة القبور,وبذلوا لها الأموال والذبائح والنذور,وطافوا بها كما يطاف بالبيت المعمور,وصرفوا أموالهم في الزيارات الشركية,والموالد المبتدعة ,وأحيوا سنة المشركين قد خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين .
أحياؤنا لايرزقون بدرهم وبألف ألف ترزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أعتابها الصلوات
***
ألا فليتذكر هؤلاء المسرفون,أنهم عن أموالهم مسؤولون,وعما أنفقوا محاسبون .
قال صلى الله عليه وسلم:" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه و عن علمه ما فعل فيه و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه و عن جسمه فيم أبلاه" رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى حرم عليكم : عقوق الأمهات و وأد البنات و منعا و هات و كره لكم : قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال"رواه البخاري ومسلم
فهذه بعض مظاهر السرف في التي انتشرت في مجتمعاتنا,لو تتبعناها كلها لأعيتنا,وحسبنا ماذكرنا دلالة على ماتركنا,وكل هذا ناتج عن خطيئة ..كفران النعم









11-كفران النعم
فإنه ما من قوم وسع الله عليهم رزقهم ,وأنعم عليهم,فكفروه ولم يشكروه بأن خالفوا أمره,وارتكبوا نهيه,وجاهروا بالمعاصي والآثام,إلاسلبهم ماأعطاهم وكان الفقر مأواهم,وفي كتاب الله عبرة لمن اعتبر,قال الله تعالى:﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار﴾إبراهيم:28
وقال تعالى:﴿ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل .ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور. وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين . فقالوا ربنا باعــد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ سبأ:15 , 19
وقال تعالى:﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون﴾النحل 112: ,113
قال ابن القيم: ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة الا لسبب ذنب
ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة وقد قال تعالى:﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ﴾الشورى:30
وقال تعالى:﴿ ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتى يغيروا مابأنفسهم﴾الأنفال:53
فأخبر الله تعالى إنه لايغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه باسباب سخطه فاذا غير غير عليه جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد فأن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز قال تعالى:
﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ومالهم من دونه من وال﴾الرعد:11
وفي بعض الآثار الألهية عن الرب تبارك وتعالى إنه قال: وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا إنتقلت له مما يحب الى ما يكره ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه الى ما أحب الا إنتقلت له مما يكره الى ما يحب وقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها فان الذنوب تزيل النعم
وخطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما إستطعت فظلم العباد شديد الوحم
وسافر بقلبك بين الــورى لتبصر آثار من قـد ظلم
فتلك مساكــنهم بعدهم شهـود عليهم ولاتـتهم
وما كان شىء عليهم اضر من الظلم وهو الذي قد قصم
فكم تركوا من جنان ومن قصور وأخرى عليهم اطم
صلوا بالجحيم وفات النعم وكان الذي نالهم كالحلم
وقال أيضاً عن عقوبات المعاصي: ومن عقوباتها انها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل الحاصل وتمنع الواصل فان نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته فأن ماعند الله لا ينال الا بطاعته وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سببا وآفة تبطله فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته وآفاتها المانعة منها معصيته فاذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره وسماعا لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه وهو مقيم على معصية الله كأنه مستثني من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم وكأن هذا أمر جار على الناس لا عليه وواصل الى الخلق لا اليه فأى جهل أبلغ من هذا وأي ظلم للنفس فوق هذا فالحكم لله العلى الكبير.























12-اعتقاد أن سعة الرزق دليل على محبة الله للعبد
وأن ضيق الرزق دليل على عدم محبة الله للعبد
وهذا اعتقاد خاطىء بينه ربنا سبحانه وتعالى في مواضع من كتابه الكريم فمن ذلك:
1- قوله تعالى:﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن .كلا﴾الفجر :15،16
(يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى :﴿أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ﴾المؤمنون:55،56
وكذلك في الجانب الاخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له كما قال الله تعالى : ﴿ كلا ﴾ أي: ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين : إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيرا بأن يصبر)
2- قوله تعالى:﴿ أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون﴾
المؤمنون: 55، 56
يعني:( أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا ؟ كلا
ليس الأمر كما يزعمون في قولهم :" نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين" لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجا وإنظارا وإملاء ولهذا قال :﴿ بل لا يشعرون ﴾كما قال تعالى : ﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ﴾ الاية وقال تعالى : ﴿إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ﴾ وقال تعالى :﴿فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم ﴾ الاية وقال :﴿ ذرني ومن خلقت وحيدا.وجعلت له مالا ممدودا . وبنين شهودا. ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدا﴾ وقال تعالى : ﴿وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا ﴾ الآية. والآيات في هذا كثيرة.
قال قتادة في قوله :﴿أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون﴾ قال: مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح)
3- وممن وقع في هذا الاعتقاد الخاطىء قارون الذي آتاه الله ﴿من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة﴾ فما كان من الشاكرين,ونصحه قومه فما كان من المنتصحين,بل:﴿ قال إنما أوتيته على علم عندي﴾.
(أي:أنا لا أفتقر إلى ما تقولون فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي) (ولهذا قال الله تعالى رادا عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال: ﴿ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ أي قد كان من هو أكثر منه مالا وما كان ذلك عن محبة مناله وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ) (وقد أجاد في تفسير هذه الاية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فإنه قال في قوله : ﴿ قال إنما أوتيته على علم عندي ﴾قال : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال وقرأ ﴿ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ الاية وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك لما أعطي)
***
ومن الأدلة على فساد هذا الاعتقاد ماذكره عمر بن الخطاب رضي الله عنه,
قال: "...فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة وإذا أفيق معلق قال فابتدرت عيناي قال: ما يبكيك ؟ يا ابن الخطاب قلت يا نبي الله وما لي لا أبكي ؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك فقال يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ؟ قلت بلى" رواه مسلم وفي رواية "فقلت ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال ( أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ".
ففارس والروم لايعبدون الله ومع ذلك وسع الله عليهم وأعطاهم من الدنيا ما أعطاهم وما ذلك إلا لحقارة الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" رواه الترمذي
وماأعطى الله الكافر من رزق في الدنيا فإنما هو استدراج,وليوافي يوم القيامة وماله حسنات.
فعلى المؤمن أن يعلم أن الله رازق جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم ,برهم وفاجرهم ,ومن الكفار من وسع الله عليه رزقه ومنهم من ضاق,وكذلك في الؤمنين,وليست سعة الرزق وضيقه دليلاً على المحبة ولاعدم المحبة ,والله الموفق.




































13-طامة كبرى
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان:
(وقال لي غير واحد : إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق علي رزقي ونكد علي معيشتي وإذا رجعت إلى معصيته وأعطيت نفسي مرادها جاءني الرزق والعون ونحو هذا
فقلت لبعضهم : هذا امتحان منه ليرى صدقك وصبرك هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه فتصبر على بلائه فتكون لك العاقبة أم أنت كاذب فترجع على عقبك)
وهؤلاء الذين عاصرهم ابن القيم في زمانه ماأكثرهم في عصرنا هذا وفي مجتمعاتنا المسلمة!!!
وصدق الله العظيم إذ قال في كتابه الكريم:
"ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين " الحج:11
أي :(ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه، فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته، وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه، فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه، وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح).




















14- ظن التعارض بين طلب العلم وطلب الرزق
قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب التناوب في طلب العلم),وذكر فيه:
عن عبد الله بن عباس عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم . قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت لا أدري ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك ؟ قال : " لا " . فقلت الله أكبر.
قال ابن حجر:
(وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه بالحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك)
فبإمكان الإنسان أن يتكسب مع طلب العلم ,وليس شرطاً أن يكون طالب العلم بلا عمل يتكسب منه بل هو أحرى بالعمل ليكف نفسه ويصون وجهه. قال سفيان : يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم لا تزيدوا الخشوع على ما في القلب فقد وضح الطريق فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا تكونوا عيالا على المسلمين
عقبة في طريق طلب العلم:
هذه العقبة صدت كثيراً من طلبة العلم عن المواصلة,وهي عقبة هم الرزق,تتكاثر الوساوس فتشتت القلب وتضعف الهمة في الطلب فيحمل العصا على عاتقه راحلاً عن ديار العلم وأهله بعد أن قذف الشيطان في قلبه أن طلب العلم مضيعة وفقر وقطع للرزق, فياليت شعري أرزقاً غير رزقه الذي قد تكفل الله به وكتبه له يريد؟!!!
كم من طالب علمٍ صُدَّ ورُدَّ مخافة العيلة والفقر؟
وكم من طالب علمٍ صبر,ولخاطر النفس زجر,ومابالى اغتنى أو افتقر,فبرز في دين الله وظهر.
أخي طالب العلم,وحتى يذهب همك وتعلو همتك أتركك أمام الإمام الشوكاني لتجثو بين يديه,وتسند ركبتيك إلى ركبتيه,وتستمع إليه وهو يناجيك قائلاً:
( فما رأينا عالماً ولامتعلماً مات جوعاً,ولاأعوزه الحال حتى انكشفت عورته عرياً,أو لم يجد مكاناً يكنه ,ومنزلاً يسكنه,وليست الدنيا إلا هذه الأمور,وماعداها فضلات,مشغلة للأحياء مهلكة للأموات :
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبراً
وعلى العاقل أن يعلم أنه لن يصيبه إلا ماكتبه الله له,ولايعدوه ماقدره الله له,وأنه قد فرغ من أمر رزقه الذي فرضه الله له,فلا القعود يصده, ولاالسعي وإتعاب النفس يوجب الوصول إلى مالم يأذن به الله وهذا معلوم من الشرع قد توافقت عليه صرائح الكتاب والسنة وتطابقت عليه الشرائع,وإذا كان الأمر هكذا فماأحق هذا النوع العاقل من الحيوان الذي دارت رحى التكليف عليه ونيطت أسباب الخير والشر به أن يشتغل بطلب ماأمره الله بطلبه وتحصيل ماخلقه الله لتحصيله,وهو الامتثال بما أمره به من طاعته,والانتهاء عما نهاه عنه من معاصيه ومن أعظم مايريده الله منه ,ويقربه إليه ,ويفوز به عنده أن يشغل نفسه ,يستغرق أوقاته في طلب معرفة هذه الشريعة التي شرعها الله لعباده ,وينفق ساعاته في تحصيل هذا الأمر الذي جاءت به رسل الله إلى عباده ونزلت به ملاتكته,فإن جميع مايريده الله من عباده عاجلاً أو آجلاً وماوعدهم به خير وشر قد صار في هذه الشريعة فأكرم برجل قد تاقت نفسه أن يكون عبد بطنه إلى أن يكون عبد دينه حتى يناله على الوجه الأكمل ويعرفه على الوجه الذي أراده الله منه,ويرشد إليه من عباده من أراد له الرشاد, ويهدي به من استحق الهداية,فانظر أعزك الله كم الفرق بين الرجلين,وتأمل قدر مسافة التفاوت بين الأمرين,هذا يستغرق جميع أوقاته وينفق كل ساعاته في تحصيل طعامه وشرابه وملبسه ومالابد منه قام أو قعد,سعى أووقف. وهذا يقابله بسعي غير هذا السعي وعمل غير ذاك العمل وينفق ساعاته ويستغرق أوقاته في طلب ماجاء عن الله وعن رسوله من التكاليف التي كلف بها عباده وماأذن به من إبلاغه إليهم من أمور دنياهم وأخراهم لينتفع بذلك ثم ينفع به من شاء من عباده ويبلغ إليهم حجة الله ويعرفهم شرائعه .
فلقد تعاظم الفرق بين النوعين وتفاوت تفاوتاً يقصر التعبير عنه ,ويعجز البيان له إلا على وجه الإجمال بأن يقال:إن أحد النوعين قد التحق بالدواب,والآخر بالملائكة,لأن كل واحد منهما قد سعى سعياًشابه من التحق به,فإن الدابة يستعملها مالكها في مصالحه ,ويقوم بطعامها وشرابها ومايحتاج إليه,ومع هذا فمن نظرفي الأمر بعين البصيرة وتأمله حق التأمل وجد عيش من شغل نفسهبالطاعة وفرغها للعلم ,ولم يلتفت إلى ماتدعو إليه الحاجة من أمر دنياه أرفه وحاله أقوم وسروره أتم .وتلك حكمة الله البالغة التي يتبين بها أنه لن يعدو للمرء ماقدر له ولن يفوته ماكان يدركه ,وكما أن هذا المعنى ثابت في الشريعة مصرح به في غير موطن منها ,قد أجراه الله على لسان الجبابرة من عباده وعتاة أمته حتى قال الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض خطبه مامعناه :أيها الناس إن الله كفانا أمر الرزق وأمرنا بالعبادة فسعينا لما كفيناه ,وتركنا السعي الذي أُمرنا به , فليتنا أُمرنا بطلب الرزق وكفينا العبادة حتى نكون كما أراده الله منا . هذا معنى كلامه لالفظه ,فلما بلغ كلامه هذا بعض السلف المعاصرين له قال:إن الله لايخرج الفاجر من هذه الدار وفي قلبه حكمة ينتفع بها العباد إلا أخرجها منه وإن هذا مما أخرجه من الحجاج .
فانظر هذا الجبار كيف لم يخف عليه هذا الأمر على ماهو فيه من التجبر وسفك الدماء وهتك الحرم والتجرؤ على الله وعلى عباده وتحدي حدوده ,فما أحقه بأن لايخفى على من هو ألين منه قلباً وأقل منه ظلماً وأخف منه تجبراًوأقرب منه من خير وأبعد منه من شر .
وإن من تصور هذا الأمر حق التصور ,وتعقله كما ينبغي انتفع به انتفاعاً عظيماً,ونال به من الفوائد جسيماً ,والهداية بيد الهادي جل جلاله وتقدست أسماؤه)
ورحم الله الإلبيري فقد بين فضل العلم وحقارة الدنيا في أبيات رائعة حق أن تُحفظ:
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك إن عقلتا
إلى علم تكون به إماما مطاعا إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها ويهديك السبيل إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا ويكسوك الجمال إذا اعتريتا
ينالك نفعه ما دمت حيا ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصا خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاع ولا دنيا بزخرفها فتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روض ولا خدر بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني فإن أعطاكه الله انتفعتا
إلى أن قال:
ولا تحفل بمالك واله عنه فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس معنى ولو ملك العراق له تأتى
سينطق عنك علمك في ندي ويكتب عنك يوما إن كتبتا
وما يغنيك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلا لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغنى لواء مال لأنت لواء علمك قد رفعتا
وإن جلس الغنى على الحشايا لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني فكم بكر من الحكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول صحيح نصحي فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا وتاجرت الإله به ربحتا

فليست هذه الدنيا بشيء تسؤوك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إن حلمتا
سجنت بها وأنت لها محب فكيف تحب ما فيه سجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما منها طعمتا
وتعرى إن لبست لها ثيابا وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خل كأنك لا تراد بما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت فيها من الفاني إذا الباقي حرمتا
العلم ينفع ويرفع:
أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة قال: توفي أبي وأنا صغير فأسلمتنى أمى إلى قصار فكنت أمر على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها فكانت أمي تتبعنى فتأخذ بيدى من الحلقة وتذهب بى إلى القصار ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة إن هذا صبي يتيم ليس له شئ إلا ما أطعمه من مغزلى وإنك قد أفسدته علي فقال لها اسكتى يا رعناء ها هو ذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج فقالت له إنك شيخ قد خرفت قال أبو يوسف فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي وهو أول من لقب قاضي القضاة وكان يقال له قاضي قضاة الدنيا لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة - قال أبو يوسف فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتى بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي كل من هذا فانه لا يصنع لنا في كل وقت وقلت وما هذا يا أمير المؤمنين فقال هذا الفالوذج قال فتبسمت فقال مالك تتبسم فقلت لاشئ أبقى الله أمير المؤمنين فقال لتخبرنى فقصصت عليه القصة فقال إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة ثم قال رحم الله أبا حنيفة فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه
ياطالب العلم..كن صادقاً مع الله :
قال الثوري: لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب إنه لا بد لي من معيشة. ورأيت العلم يدرس, فقلت: أفرغ نفسي لطلبه. قال: وسألت ربي الكفاية والتشاغل لطلب العلم, فما رأيت إلا ما أحب الى يومي هذا.





































15- ترك الزواج
السؤال عن المستقبل والوظيفة,أول مايواجه طالب الزواج هذه الأيام,وأولياء الأمور لايزوجون إلا بعد ضمان المستقبل -حسب زعمهم- مع أن طالب الزواج يكون مستور الحال .
والشاب يكون متيسراً على الزواج راغباً له فيأبى الإقدام لأنه لم يؤمِّن مستقبله بعد!!!!
أوما يعلم أولئك أن المستقبل بيد الله؟ وأن الله يقلب الأيام والدول ؟ وأنه لايستطيع أحد مهما كان ضمان مستقبله؟
فكم من غني جمع من الأموال مايكفيه حتى يموت ويكفي ورثته من بعده,ثم هو يفتقر ويذهب عنه كل ماجمع ويموت فقيراً,فأين ضمان مستقبله؟!
وكم من فقير قد لصق بالتراب ثم يغنيه الله من فضله .
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
إذاً فلا أحد يتحكم في المستقبل,بل العاقل هو من لزم التوكل على الله والإنابة إليه والافتقار بين يديه,فهو رب الكون يدبر أمور عباده كيف يشاء.
***
سبحان الله ! ماذا سيحصل لاولياء الأمور إذا وقعت البنت في الفاحشة وهم ينتظرون المستقبل الزاهر ويترددون في سترها بالحلال عند من يطلبها بالحلال؟
وكيف يكون حال شاب يأبى الإقدام على الزواج خوف المستقبل والرزق ثم هو يقع في مستنقعات الرذيله قبل أن يأتي المستقبل المنشود؟
إن عيش الفتاة والشاب تحت سقف الزواج الحلال يأكلون الخبز اليابس,ويصبرون على غصص الفقر مع الإيمان بالله ,خير من الوقوع في شراك الشيطان قبل مجيء مستقبل لايدري أحد أيأتي بخير أو بشر, بغنىً أوبفقر .
لهذا كان ابن عباس يقول لغلمانه: ( من أراد منكم الباءة زوجناه فإنه لا يزني زان إلا نزع الله منه نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده وإن شاء أن يمنعه منعه )
ويقول الإمام أحمد: (ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه فيستدين ويتزوج لا يقع في محظور فيحبط عمله)
***

"إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله"
قال تعالى:﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم﴾
قال ابن كثير: هذا أمر بالتزويج وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه واحتجوا بظاهر قوله عليه السلام :" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود.
وقد جاء في السنن من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " وفي رواية : " حتى بالسقط ".
الأيامى: جمع أيم ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها وللرجل الذي لا زوجة له سواء كان قد تزوج ثم فارق أول لم يتزوج واحد منهما حكاه الجوهري عن أهل اللغة يقال: رجل أيم وامرأة أيم.
وقوله تعالى : ﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله﴾ الاية.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه الغنى فقال:﴿إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد الأزرق حدثنا عمر بن عبد الواحد عن سعيد ـ يعني ابن عبد العزيز ـ قال : بلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى :﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله﴾.
وعن ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح يقول الله تعالى : ﴿إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾ رواه ابن جرير وذكر البغوي عن عمر بنحوه.
وعن الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازي في سبيل الله" رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد عليه إلا إزاره ولم يقدر على خاتم من حديد ومع هذا فزوجه بتلك المرأة وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن. والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله.
وأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث " تزوجوا فقراء يغنكم الله" فلا أصل له ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن وفي القرآن غنية عنه وكذا هذه الأحاديث التي أوردناها ولله الحمد والمنة
***
سئل الإمام أحمد عن رجل يعمل الخوص قوته ليس يصيب منه أكثر من ذلك هل يقدم على التزويخ فأتانى الجواب يقدم على التزويج فإن الله يأتي برزقها ويتزوج ويستقرض .
وعن ابن عون قال : كان محمد ـ يعني ابن سيرين يقول لأيوب : ألا تزوج ؟ ألا تزوج ؟ فشكى ذلك إلي فقال : إذا تزوجت فمن أي أنفق ؟ قال : فقلت ذاك لابن محمد عبد الله فقال لأبيه, فقال : يرزقه الذي يرزق الطير من السماء ,و أشار بإصبعه قال : فتزوج, قال : فقد رأيت بعد ذلك في سفرته الدجاج.
قال المناوي:
إن إدرار الرزق يكون بقدر العيال والمعونة تنزل بحسب المؤونة فمن تزوج قاصدا بتزوجه المقاصد الأخروية لتكثير الأمة لا قضاء الوطر ونيل الشهوة رزقه الله من حيث لا يحتسب.
وقال ابن الجوزي:
(ومنهم من قال: النكاح يوجب النفقة, والكسب صعب وهذه حجة للترفه عن تعب الكسب
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار أنفقته في الصدقة ودينار أنفقته على عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته على عيالك" )
تنبيه:
لايعني ماتقدم من تزويج الفقراء أن نزوج بناتنا الكسالى عن العمل والتكسب والدخول في الأسواق,بل ننظر في حال طالب الزواج واستعداده للقيام بواجب الزوج نحو أسرته من النفقة عليهم ,وسد حاجاتهم ولو بحمل الحطب على ظهره,فمثل هذا وإن كان فقيراً فإننا نرضاه لبناتنا ونأمن عليهن عنده,وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقيراً لايملك خاتم حديد – حين طلب منه أن يزوجه تلك المراة - بما معه من القرآن .
قال أبو بكر المروذي: قلت لأبي عبد الله(أحمد بن حنبل) : هؤلاء المتوكلة الذين لا يتجرون ولا يعملون ، يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج على سورة من القرآن ، فهل كان معه شيء من الدنيا قال : وما علمهم أنه كان لا يعمل ؟














































16-سؤال السحرة والمنجمين والكهنة عن الرزق في المستقبل
وهذا شرك عظيم وخطر جسيم ظهر في أمة الإسلام,فلا أحد يعلم الغيب إلا الله .
قال تعالى:﴿قل لا يعـلم من في السمـاوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيـان يبعثون﴾ النمل:65
وقال تعالى:﴿قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون﴾الانعام:188
ولاأحد يعلم الستقبل وأمر غد إلا الله ,قال تعالى:﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ لقمان:34
وقد نهى الإسلام عن الذهاب إلى هؤلاء وحذر منه فقد روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)
وروى أبو داود والترمذي واللفظ للترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كقر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)
ومع هذا فالجهل بين المسلمين منتشر والدين غريب والذاهبون إلى هؤلاء كثر.
قال الشيخ حافظ الحكمي وهو يتكلم عن التنجيم والمنجمين : وقد يتحكم في الغيب فيدعي أن هذا يولد له وهذا لا وهذا الذكر وهذا الأنثى وهذا يكون غنيا وهذا يكون فقيرا وهذا يكون شريفا وهذا وضيعا وهذا محببا وهذا مبغضا كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه لا والله لا يدريه الملك الذي يكتب ذلك حتي يسأل ربه أذكر أم أنثى شقي أم سعيد ما الرزق وما الأجل فيقول له فيكتب وهذا الكاذب المفتري يدعي علم ما استأثر الله بعلمه ويدعي أنه يدركه بصناعة إخترقها وأكاذيب اختلقها وهذا من أعظم الشرك في الربوبية ومن صدقه واعتقده فيه كفر والعياذ بالله.
ويدخل في مجيء الكاهن والمنجم ما انتشر (في هذا العصر بوضوح- مع غفلة الناس عنه- ما يكثر في المجلات مما يسمونه البروج، فيخصصون صفحة أو أقل منها في الجرائد,ويجعلون عليها رسم بروج السنة برج الأسد ,والعقرب,والثور,إلى آخره,ويجعلون أمام كل برج ما سيحصل فيه,فإذا كان الرجل أوالمرأة مولوداً في ذلك البرج يقول:سيحصل لك في هذا الشهر كذا وكذا وكذا ,وهذا هو التنجيم الذي هو التأثير ,والاستدلال بالنجوم والبروج على التأثير في الأرض وعلى ماسيحصل في الأرض , هو نوع من الكهانة, ووجوده في المجلات والجرائد وجود للكهان فيها,فهذا يجب إنكاره إنكاراً للشركيات ولادعاء معرفة الغيب وللسحر وللتنجيم لأن التنجيم من السحر كما ذكرنا,ويجب إنكاره على كل صعيد ,ويجب أيضاً على كل مسلم أن لايدخله بيته, وأن لايقرأه ولايطلع عليه؛ لأن الاطلاع على تلك البروج ومافيها – ولو لمجرد المعرفة- يدخل في النهي من جهة أنه أتى الكاهن غير منكر عليه.
وإذا قرأ هذه الصفحة وهو يعلم برجه الذي ولد فيه, أو يعلم البرج الذي يناسبه, وقرأ مافيه,فكأنه سأل كاهناً, فلاتقبل له صلاة أربعين يوماً, فإن صدق بما في تلك البروج فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.






































































وبعد ذلك..
وبعد أن يؤمن العبد بربه الخالق الرزاق وأنه قد تكفل برزقه وكفايته فإن عليه أن يسعى في طلبه وتحصيله متحرياً الحلال متجنباً الحرام كما قال صلى الله عليه وسلم :"لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له فاتقوا الله و أجملوا في الطلب أخذ الحلال و ترك الحرام"
قال البيهقي رحمه الله: و في هذا ما دل على أنه أمر بطلب الرزق إلا أنه أمر بإجماله و إجمال الطلب هو أن يطلبه من الحلال معتمدا على الله عز و جل و لا يلاحظ في طلبه قواه و مكايده و حيله و لا يطلبه من الحرام .
وقال أيضاً: و حين أمر بالإجمال في الطلب علمنا أنه لم يمنع من الكسب أصلا و لكن كره له شدة الحرص و كثرة الهم فعل من يرى أن رزق الله إنما يحصل بجده و جهده دون تقدير خالقه و رازقه
وفي الكتاب والسنة جاء ذكر طرق وأسباب كثيرة للرزق ليسلكها العباد وينالوا فضل الله والرزق الحلال الطيب المبارك .
وهذه الأسباب منها المادية ومنها المعنوية.
يقول شيخ الإسلام:
و السعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة و الزراعة و التجارة,
و سعى بالدعاء و التوكل و الإحسان الى الخلق و نحو ذلك فإن الله في عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه.
















1- الكسب
الكسب: هوالطَّلَب والسَّعْي في طَلَب الرزِق والمَعِيشة .
والنصوص الدالة على مشروعيته كثيرة منها قوله تعالى:﴿وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا﴾الفرقان:20
قال القرطبي: (هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك)
,( بل ربما كان التكسب واجبا كقادر على الكسب يحتاج عياله للنفقة فمتى ترك ذلك كان عاصيا)
ومن الأبواب التي فتحها الله تعالى للكسب:
1- غنائم القتال:
قال تعالى :﴿ فكلوا مما غنمتم حلالا طيباً﴾ الأنفال:69
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :"جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري"
(وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ولهذا قال بعض العلماء أنها أفضل المكاسب)
قال سهل : من قال إن التوكل يكون بترك السبب فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل يقول : ﴿ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ﴾الأنفال: 69 , فالغنيمة اكتساب
2- التجارة.
قال تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ وفي هذه الآية( ما يرد قول من ينكر طلب الأقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة لأن الله تعالى حرم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة وهذا بين )
وعن قتادة في هذه الآية قال : التجارة رزق من رزق الله وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها وقد كنا نحدث : أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة
( والتجارة هي البيع والشراء) ولو باع الرجل واشترى ولو برأس ماله لبارك الله له كما ذكر عن بعض السلف وذلك خير من البطالة.
ومن المكاسب الطيبة:
3- الزراعة :
قال القرطبي عند قوله تعالى:﴿ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾
في هذه الآية دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي يشتغل بها العمال ولذلك ضرب الله به المثل فقال :﴿مثل الذين ينفقون أموالهم ﴾ الآية.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة"
وروى هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" التمسوا الرزق في خبايا الأرض " يعني: الزرع, أخرجه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم في النخل : " هي الراسخات في الوحل المطعمات في المحل"
وهذا خرج مخرج المدح .
والزراعة من فروض الكفاية فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الأشجار.
ولقي عبدُ الله بن عبد الملك ابنَ شهاب الزهري فقال : دلني على مال أعالجه فأنشأ ابن شهاب يقول :
أقول لعبد الله يوم لقيته ... وقد شد أحلاس المطي مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا
فيؤتيك مالا واسعا ذا مثابة ... إذا ما مياه الأرض غارت تدفقا
وحكي عن المعتضد أنه قال : رأيت علي بن ابي طالب رضي الله عنه في المنام يناولني مسحاة وقال: خذها فإنها مفاتيح خزائن الأرض. )
قال النووي:( قوله صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد الا كان له صدقة " وفي رواية :"لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ الا كانت له صدقة" وفي رواية:" الا كان له صدقة إلى يوم القيامة" في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع وأن أجر فاعلى ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة)
4- العمل باليد:
قال الإمام البخاري في صحيحه : باب كسب الرجل وعمله بيده ,وذكر فيه ستة أ حاديث
أولها في التجارة والثاني في الزراعة وأما الأربعة الباقية ففي العمل باليد ومشروعيته وفضله,وهاهي الأربعة الأحاديث المباركة:
عن المقدام رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"
وعن أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده"
وعنه رضي الله عنه أيضاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه"
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم": لأن يأخذ أحدكم أحبله خير له من أن يسأل الناس"
وعند أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح"
وعن رافع بن خديج قال: قيل : يا رسول الله أي الكسب اطيب؟ قال:" عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور " رواه أحمد
( ومن فضل العمل باليد الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة إلى الغير) .

أفضل المكاسب:
وبعد أن علمنا أصول المكاسب,فما هو أفضلهاوأطيبها وأحلها؟!
قال ابن القيم رحمه الله:
قيل هذا فيه ثلاثة أقوال للفقهاء
أحدها : أنه كسب التجارة
والثاني : أنه عمل اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوها
والثالث : أنه الزراعة ولكل قول من هذه وجه من الترجيح أثرا ونظرا والراجح أن أحلها الكسب الذي جعل منه رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كسب الغانمين وما أبيح لهم على لسان الشارع وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره وأثني على أهله ما لم يثن على غيرهم ولهذا اختاره الله لخير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقول :" بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري " وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله وجعل أحب شئ إلى الله فلا يقاومه كسب غيره والله أعلم
وذكر هذه المسألة ابن حجر في الفتح فننقل ماقاله تتميماً للفائدة.
قال رحمه الله:
وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب قال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة والأشبه بمذهب الشافعي أن اطيبها التجارة. قال: والارجح عندي أن اطيبها الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل.
وتعقبه النووي بحديث المقدام الذي في هذا الباب وأن الصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد قال فإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد ولما فيه من التوكل ولما فيه من النفع العام للآدمي وللدواب ولأنه لا بد فيه في العادة أن يوكل منه بغير عوض.
- قلت: وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أشرف المكاسب لما فيه من اعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة اعدائه والنفع الاخروى-
قال: ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل لما ذكرنا.
قلت: وهو مبنى على ما بحث فيه من النفع المتعدى ولم ينحصر النفع المتعدى في الزراعة بل كل ما يعمل باليد فنفعه متعد لما فيه من تهيئة أسباب ما يحتاج الناس إليه والحق أن ذلك مختلف المراتب وقد يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والعلم عند الله تعالى.
قال بن المنذر: إنما يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل كما جاء مصرحا به في حديث أبي هريرة.
قلت: ومن شرطه أن لا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة. هـ
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة او تجارة أو بناية أو حراثة او غير ذلك فهذا يختلف بإختلاف الناس ولا أعلم فى ذلك شيئا عاما لكن إذا عن للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الإستخارة المتلقاة عن معلم الخير فإن فيها من البركة ما لا يحاط به ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية
البكور في السعي:
ومن أسباب البركة في الرزق البكور في طلبه,فعن عن صخر بن وداعة الغامدي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم بارك لامتي في بكورها وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار"
وكان صخر تاجرا فكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله
مكانة الكسب وعظيم فائدته وأنه لا ينافي التوكل:
(وفي الكسب فائدة كثيرة فإنه مما ينفع الناس ويصلح شؤونهم ويقوم بمنافعهم في لباسهم وأقواتهم فلو ترك الناس الكسب بالجملة لهلكت الأرض ومن عليها فقد تصورت فيه المنفعة العظمى, وقد جاء عنه عليه السلام أنه قال:" سيد القوم خادمهم" , وجاء عنه عليه السلام أنه قال:" الناس عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" .
والمنفعة على ضربين دنيوية وأخروية:
فالأخروية: إرشاد المكلف وتعليمه ما يلزمه من وظائف التكليف.
والدنيوية: معالجة المعيشة بالأسباب العادية التي يقوم بها أود الحاجات وإبقاء رمق حياة.
فقد انحصرت المنفعة الدنيوية في الكسب, وفيه أيضا سبب للمنفعة الأخروية فإنه لولا سد الجوعة وستر العورة على مقتضى الشرع ومجرى العادة لم تكن الحياة ولا تصورت عبادة, فأهلا بالكسب وأهله ,فإنهم أحب الناس إلى الله تعالى وكيف يعاب الكسب أو يغض من قدره وقد أثبته سيد الرسل لنفسه حيث قال:" جعل رزقي تحت ظل رمحي" يعني: ما يأكل من الغنائم بسبب الكسب بالرمح وما فوق مقام رسول الله مقام.)

فهو في سبيل الله:
وفي الكسب صيانة للنفس من الحاجة للناس,وإعفاف للرجل ومن يعولهم ,والمكتسب بهذه النية هو في سيبل الله ؛فقد روى الطبراني عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان"
لنَقْلُ الصَّخْرِ من قُللِ الجبالِ ... أَحَبُّ إِليَّ من مِنَنِ الرجالِ
يقولُ الناسُ لي في الكَسْبِ عازٌ ... فقْلتُ العارُ في ذُلَّ السؤالِ
بلوتُ الناسَ قرناً بعد قرنٍ ... ولم أرَ مثلِ مختالٍ بمالِ
وذقْتُ مرارةَ الأشياءِ طُراً ... فما طعمٌ أَمَرُّ من السؤالِ
ولم أرَ في الخُطوبِ أَشَدَّ هولاً ... وأصعبُ من مقالاتِ الرجالِ

الكسب عند الأنبياء والصالحين:
عامة الأنبياء كانوا يفعلون أسبابا يحصل بها الرزق كما قال نبينا صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه أحمد فى المسند عن إبن عمر عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال:" بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله و حده لاشريك له و جعل رزقى تحت ظل رمحي و جعل الذل و الصغار على من خالف أمري و من تشبه بقوم فهو منهم" و قد ثبت فى الصحيح قوله صلى الله عليه و سلم:" إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه"
و كان داود يأكل من كسبه و كان يصنع الدروع و كان زكريا نجارا و كان الخليل له ماشية كثيرة حتى أنه كان يقدم للضيف الذين لايعرفهم عجلا سمينا و هذا إنما يكون مع اليسار.
و خيار الأولياء المتوكلين المهاجرون و الأنصار و أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفضل الأولياء المتوكلين بعد الأنبياء و كان عامتهم يرزقهم الله بأسباب يفعلونها كان الصديق تاجرا و كان يأخذ ما يحصل له من المغنم و لما و لى الخلافة جعل له من بيت المال كل يوم درهمان و قد أخرج ماله كله و قال له النبى صلى الله عليه و سلم:" ما تركت لأهلك قال تركت لهم الله و رسوله" و مع هذا فما كان يأخذ من أحد شيئا لا صدقة و لا فتوحا و لا نذرا بل إنما كان يعيش من كسبه)
عن محمد بن عاصم قال : بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى غلاما فأعجبه سأل عنه هل له حرفة فإن قيل لا قال : سقط من عيني
قال أبو القاسم بن الختلي : سألت أحمد بن حنبل وقلت : ما تقول في رجل جلس في بيته أو في مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال أحمد : هذا رجل جهل العلم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" جعل الله رزقي تحت ظل رمحي" وحديث الآخر في ذكر الطير تغدو خماصا فذكر أنها تغدو في طلب الرزق قال تعالى :﴿وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ﴾وقال : ﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ﴾ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عيه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم ولنا القدوة بهم
قال الخلال : وأخبرنا عبد الله بن أحمد قال : سألت أبي عن قوم يقولون نتوكل على الله ولا نكتسب فقال : ينبغي للناس كلهم يتوكلون على الله ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب هذا قول إنسان أحمق
قال الخلال : وحدثنا أبو بكر المروزي قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله أحمد بن حنبل إني في كفاية قال : الزم السوق تصل الرحم وتعود به على عيالك وقال لرجل آخر : اعمل وتصدق بالفضل على قرابتك وقال أحمد بن حنبل قد أمرتهم يعني أولاده أن يختلفوا إلى السوق وأن يتعرضوا للتجارة.
قال الخلال وأخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن محمد بن زياد حدثهم قال : سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق يقول : ما أحسن الاستغناء عن الناس
وكان سلمان رضي الله عنه إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده
عن النعمان بن حميد قال دخلت مع خالي على سلمان الفارسي بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه وأنفق درهما على عيالي وأتصدق بدرهم ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت هذا وهو أمير المدائن.
يزيد بن زريع أبو معاوية شيخ الامام أحمد بن حنبل في الحديث كان ثقة عالما عابدا ورعا توفي أبوه وكان والى البصرة وترك من المال خمسمائة درهم فلم ياخذ منها يزيد درهما واحدا وكان يعمل الخوص بيده ويقتات منه هو وعياله
عتبة الغلام الزاهد الخاشع كان يشبه في حزنه بالحسن البصري كان رأس ماله فلساً يشتري به خوصاً يعمله ويبيعه بثلاثة فلوس, فيتصدق بفلس ويتعشى بفلس وفلس رأس ماله. وقال: لايعجبني رجل لايحترف
قال الذهبي في ترجمة أبي نعيم الفضل بن دكين- وهو من كبار شيوخ البخاري-:
كان شريكاً لعبد السلام بن حرب الملائي ,كانا في حانوت بالكوفة يبيعان الملاء وغيرذلك
وكان كذلك غالب علما السلف إنما ينفقون من كسبهم .
حمزة بن حبيب بن عمارة الإمام القدوة شيخ القراءة :
كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ثم يجلب فيها الجبن والجوز وكان إماماً قيما لكتاب الله قانتاً لله ثخين الورع رفيع الذكر عالماً بالحديث والفرائض .
هشام الدستوائي الحافظ الحجة الإمام الصادق :
كان يتجر في القماش الذي يجلب من دستوا
حماد بن سلمة بن دينار الإمام القدوة شيخ الإسلام :
قال سوار بن عبدالله : حدثني أبي قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه فإذا ربح في ثوبٍ حبةً أو حبتين شد جونته ولم يبع شيئاً فكنت أظن ذلك يقوته
قال صالح بن الإمام أحمد:قال لي أبي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقاً فتبيع الأستار بدرهمين أقل أوأكثر فكان ذلك قوتنا.وكان ربما أخذ القدوم فخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده واعتل فتعالج
قال محمد بن واسع لمالك بن دينار : ـ مالك لا تقارع الأبطال ؟ قال : و ما مقارعة الأبطال ؟ قال : الكسب من الحلال و الانفاق على العيال










2- التوكل على الله
قال تعالى:﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾الطلاق:3 أي: كافيه
وقال صلى الله عليه وسلم :" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا "رواه الترمذي وابن ماجة
وهذا الحديث فيه كما يقول ابن القيم:
إخبار بأنه سبحانه يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون وانه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنها تغدو من اوكارها خماصا فيرزقها سبحانه حتى ترجع بطانا من رزقه وانتم اكرم على الله من الطير وسائر الحيوانات فلو توكلتم عليه لرزقكم من حيث لا تحتسبون ولم يمنع احدا منكم رزقه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما ارجح المكاسب فالتوكل على الله والثقة بكفايته وحسن الظن به
وقال ابن حبان:
وما توكل أحد على الله جل وعلا من صحة قلبه حتى كان الله جل وعلا بما تضمن من الكفالة أوثق عنده بما حوته يده, إلا لم يكله الله الى عباده وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب
حقيقة التوكل:
و(التوكل في اللغة: إظهار العجز والاعتماد على الغير)
(وهو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة.)
و(تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمناف للتوكل وإن كان الرزق مقدرا وأمر الله وقسمه مفعولا ولكنه علقه بالأسباب حكمة ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل قال صلى الله عليه وسلم :" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " فأخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق)
صور من حسن التوكل على الله:
الصورة الأولى:
روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي فروة الزاهد قال: قال لي رجل في المنام :
أما علمت أن المتوكلين هم المستريحون ؟ قلت : رحمك الله مما ذا ؟ قال : من هموم الدنيا و عسر الحساب غدا قال أبو فروة : فو الله ما اكترثت بعد ذلك بإبطاء رزق و لا سرعته و ذلك أن من أجمع التوكل عليه كفاه ما همه و ساق الرزق و الخير إليه و قد قال الله عز و جل :"ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره"

الصورة الثانية:
اجتمع حذيفة المرعشي و سليمان الخواص و يوسف بن أسباط فتذاكروا الفقر و الغنى و سليمان ساكت فقال بعضهم : الغني من كان له بيت يكنه و ثوب يستره و سداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا
و قال بعضهم : الغني من لم يحتج إلى الناس
فقيل لسليمان ما تقول أنت يا أبو أيوب ؟ فبكى ثم قال : رأيت جوامع الغنى في التوكل و رأيت جوامع الشر في القنوط و الغنى حق الغني من أسكن قلبه إلى الله من غناه يقينا و من معرفته توكلا و من عطائه و قسمته رضا فكذلك الغنى حق الغني و إن أمسى طاويا و أصبح معوزا فبكى القوم جميعا من كلامه



















3- الإيمان والتقوى
قال الله تعالى:
﴿ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم *ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون﴾المائدة: 65،66
قال القرطبي:
(ونظير هذه الآية ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾الطلاق : 302 ﴿وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا﴾ الجن : 16 ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ﴾الأعراف : 96
فجعل تعالى التقى من أسباب الرزق كما في هذه الآيات ووعد بالمزيد لمن شكر فقال :﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم﴾ إبراهيم : 7)
(وأما قوله ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ فقد بين فيها أن المتقي يدفع الله عنه المضرة بما يجعله له من المخرج ويجلب له من المنفعة بما ييسره له من الرزق والرزق إسم لكل ما يغتذى به الإنسان وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة.
وقد قال بعضهم: ما افتقر تقى قط قالوا ولم قال لأن الله يقول:﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾
( والتقوى هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه)
قال البيهقي:
أنشدنا أبو عبد الرحمن أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه :
سل الله من فضله و اتقه فإن التقى خير ما يكتسب
و من يتق الله يصنع له و يرزقه من حيث لا يحتسب
وقال ابن الجوزي في اللطائف :
يا مستفتحا أبواب المعاش بغير مفتاح التقوى، كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الرزق؟ لو اتقيت ما عسر عليك مطلوب، مفتاح التقوى يقع على كل باب، ما دام المتقي على صفاء التقى لا يلقى إذن أذى، فإذا انحرف عن التقى التقى بالكدر.

بين عمر بن عبد العزيز وأولاده:
دخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في المرضة التي مات فيها فقال له: يا أمير المؤمنين إنك فطمت أفواه ولدك عن هذا المال وتركتهم عالة ولا بد من شيء يصلحهم فلو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائك من أهل بيتك لكفيتك مئونتهم إن شاء الله ,فقال عمر: أجلسوني فأجلسوه, فقال: الحمد لله, أبالله تخوفني يا مسلمة؟ أما ما ذكرت من أني فطمت أفواه ولدي عن هذا المال وتركتهم عالة؛ فإني لم أمنعهم حقا هو لهم ولم أعطهم حقا هو لغيرهم, وأما ما سألت من الوصاة إليك أو إلى نظرائك من أهل بيتي فإن وصيتي بهم إلى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين, وإنما بنو عمر أحد رجلين رجل اتقى الله فجعل الله له من أمره يسرا ورزقه من حيث لا يحتسب ورجل غير وفجر فلا يكون عمر أول من أعانه على ارتكابه.
ادعوا لي بني, فدعوهم وهم يومئذ اثنا عشر غلاما فجعل يصعد بصره فيهم ويصوبه حتى اغرورقت عيناه بالدمع! ثم قال: بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم, يا بني إني قد تركتكم من الله بخير إنكم لا تمرون على مسلم ولا معاهد إلا ولكم عليه حق واجب إن شاء الله, يا بني ميلت رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا وبين أن يدخل أبوكم النار فكان أن تفتقروا إلى آخر الأبد خيرا من دخول أبيكم يوما واحدا في النار, قوموا يا بني عصمكم الله ورزقكم.
قالوا: فما احتاج أحد من أولاد عمر ولا افتقر.
ياجـامع المال لأولاده يخشى عليهم شمت حساده
ولايبالي كيف كان الغنى يغتـــر بالله وإبعـاده
اسمع مقالاً سوف تحظى به إن أنت لم تعمل بأضـداده
بنـوك إن لاذوا بمـولاهم وتابعـوا منهاج إرشــاده
فـالله يكفيهـم ويحميهـم والله لا خـلف لميعـــاده
وإن يحيدوا عن سبيـل الهدى وقابلوا الدين بإفســاده
فقد يكـن مالك عوناً لهـم في طاعة الهوى وأجنــاده
تساؤل وجوابه:
التساؤل هو:أن التقوى سبب للرزق,ولكن قد نرى من يتقي وهو محروم, ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق فما الجواب؟
والجواب: ما قاله ابن تيمية رحمه الله وقد سئل هذا السؤال فقال:
وقول القائل قد نرى من يتقي وهو محروم ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق
فجوابه أن الآية اقتضت أن المتقي يرزق من حيث لا يحتسب ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق بل لابد لكل مخلوق من الرزق, قال الله تعالى:﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾.
حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة ويرزقون رزقا حسنا وقد لا يرزقون إلا بتكلف وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة ولا يكون خبيثا والتقى لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق وإنما يحمى من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه وتقديره يكون رحمة لصاحبه.
قال تعالى:﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن .وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن .كلا﴾ أي: ليس الأمر كذلك فليس كل من وسع عليه رزقه يكون مكرما ,ولا كل من قدر عليه رزقه يكون مهانا بل قد يوسع عليه رزقه إملاء واستدراجا وقد يقدر عليه رزقه حماية وصيانة له.
وضيق الرزق على عبد من أهل الدين قد يكون لماله من ذنوب وخطايا كما قال بعض السلف: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وفى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب"
وقد أخبر الله تعالى أن الحسنات يذهبن السيئات والاستغفار سبب للرزق والنعمة وأن المعاصي سبب للمصائب والشدة, فقال تعالى:﴿الر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير إلى قوله ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ وقال تعالى:﴿ استغفروا ربكم إنه كان غفارا﴾ إلى قوله: ﴿ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾ وقال تعالى:﴿ وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً لنفتنهم فيه﴾ وقال تعالى: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ وقال تعالى: ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ وقال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ وقال تعالى: ﴿ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور﴾ وقال تعالى:﴿ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ وقال تعالى:﴿ فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون﴾
وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه يبتلي عباده بالحسنات والسيئات فالحسنات هي النعم والسيئات هي المصائب ليكون العبد صبارا شكورا وفى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"













































4- تحكيم شرع الله
لقوله تعالى:﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون﴾المائدة: 6،66
وقال ابن كثيرعند قوله تعالى : ﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾أي: بان النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي.
وقال أبو العالية : من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة .ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود " لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات وإذا تركت المعاصي كان سببا في حصول البركات من السماء والأرض ولهذا إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية وهو تركها فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج قيل للأرض : أخرجي بركتك فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ويستظلون بقحفها ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير ولهذا ثبت في الصحيح:" أن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب:
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا محمد والحسين قالا : حدثنا عوف عن أبي قحذم قال : وجد رجل في زمان زياد أو ابن زياد صرة فيها حب يعني من بر أمثال النوى عليه مكتوب : هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل

















5- التوبة والاستغفار
في القرآ ن الكريم ثلاث آيات ترغب في الاستغفار والتوبة إلى الله وأن ذلك من أسباب الرزق والمتاع الحسن,وذلك أن الذنوب سبب لغضب الرب وللعيشة الضنك في الدنيا والآخرة وللمصائب كما قال تعالى:
﴿وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير﴾الشورى:30
والتوبة والاستغفار سبب لمحو الذنوب وما يترتب عليها من آثار
( ولهذا قال تعالى :﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾
فأخبر أنه لا يعذب مستغفرا لأن الإستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب فيندفع العذاب كما فى سنن أبى داود وإبن ماجه عن النبى أنه قال:
" من أكثر الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب")
الآيات الثلاث:
1- قوله تعالى:﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير﴾ هود:3
قال القرطبي: هذه ثمرة الاستغفار والتوبة أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم .
2- قوله تعالى عن هود أنه قال لقومه:﴿ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين﴾ هود:52
قال ابن كثير: أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ شأنه ولهذا قال : ﴿يرسل السماء عليكم مدرارا﴾ وفي الحديث:"من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب"
3- قوله تعالى عن نوح أنه قال لقومه:﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾ نوح:12:10
قال القرطبي:في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار, قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ :﴿ استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا﴾
وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : اللهم إنا سمعناك تقول : ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ التوبة : 91
وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ ! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا ! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.
وقال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له : استغفر الله وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولدا فقال له : استغفر الله وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له : استغفر الله فقلنا له في ذلك ؟ فقال : ما قلت من عندي شيئا.
وقد مضى في سورة آل عمران كيفية الاستغفار وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب وهو الأصل في الإجابة .
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن سفيان الثوري قال : دخلت على جعفر بن محمد و هو في مسجده فقال ما جاء بك يا سفيان ؟ قال قلت : طلب العلم قال فقال : يا سفيان إذا ظهرت عليك نعمة فاتق الله و إذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله و إذا دهمك أمر من الأمور فقل لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : يا سفيان ثلاث و أيما ثلاث )





















6- الدعاء
لقد أمرنا الله أن ندعوه ,ووعدنا يالإجابة تفضلاً منه وكرماً فقال تعالى:﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾البقرة:186
وقال تعالى:﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾غافر:60
فما على العبد إلا أن يتوجه إلى الكريم سبحانه وتعالى في كل حاجاته ومطلوباته ,ويطلب منه ما ينفعه في دنياه وأخراه,وسيجد الكريم الذي لا يخيب دعاء من رجاه, واحتمى بحماه,الذي لا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات ,بل يغضب إن اعرض العبد عن سؤاله وما دعاه. (اذا اشتكى إليه المخلوق وانزل حاجته به واستغفره من ذنوبه أيده وقواه وهداه وسد فاقته وأغناه وقربه وأقناه وأحبه واصطفاه)
فـ (ينبغى للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه, كما قال سبحانه فيما ياثر عنه نبيه:" كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم" وفيما رواه الترمذى عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا إنقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر"
وقد قال الله تعالى فى كتابه:﴿ وإسألوا الله من فضله﴾وقال سبحانه:﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله﴾ وهذا وإن كان فى الجمعة فمعناه قائم فى جميع الصلوات . ولهذا والله أعلم أمر النبى صلى الله عليه وسلم الذى يدخل المسجد أن يقول:" اللهم إفتح لى أبواب رحمتك" وإذا خرج أن يقول:" اللهم أنى أسالك من فضلك" وقد قال الخليل﴿فإبتغوا عند الله الرزق وإعبدوه وإشكروا له﴾ وهذا امر والأمر يقتضى الإيجاب فالإستعانة بالله واللجأ إليه فى أمر الرزق وغيره أصل عظيم)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب
والحاكم وقال صحيح الإسناد إلا أنه قال فيه:
"أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى آجل"

وقوله: "لم تسد فاقته " لتركه القادر على حوائج جميع الخلق الذي لا يغلق بابه وقصد من يعجز عن جلب نفع نفسه ودفع ضرها
***
حقيقتان:
ونحن ندعو, وقبل أن ندعو, وبعد أن ندعو,فهناك حقيقتان إذا تذكرهما العبد حينئذ,تزداد رغبته في الدعاء,وحباً للدعاء,وحباًلله جلَّ وعز:
الأولى:كمال غناه:
قال تعالى:﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾إبراهيم:15
قال تعالى:﴿ قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون﴾يونس:68
وفي الحديث القدسي يقول تعالى:" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"
و(المراد بهذا ذكر كمال قدرته سبحانه وكمال ملكه وإن ملكه وخزائنه لا تنفذ ولا تنقص بالعطاء ولو أعطي الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد, وفي ذلك حث الخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يد الله ملأي لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أفرأيتم ما أنفق ربكم منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء" وقال أبو سعيد الخدري:" إذا دعوتم الله فارفعوا في المسئلة فإن ما عنده لا ينفذه شيء وإذا دعوتم فاعزموا فإن الله لا مستكره له.
وقوله:"لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" لتحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة ,كما قال تعالى:" ما عندكم ينفذ وما عند الله باق"
فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ثم أخرجت لم تنقص من البحر بذلك شيئا وكذلك لو فرض أنه شرب منه عصفور مثلا فإنه لا ينقص البحر البتة ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل وهذا لأن البحر لا يزال تمد مياه الدنيا وأنهارها الجارية فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه.
وهكذا طعام الجنة وما فيها فإنه لا ينقص كما قال تعالى:"وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة"
وقد جاء: كلما نزعت ثمرة عاد مكانها مثلها, وروي: مثلاها, فهي لا تنقص أبدا, ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف:" ورأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا" خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ,وخرجه الإمام أحمد من حديث جابر ولفظه:"ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه شيئا"
وهكذا لحم الطير الذي يأكله أهل الجنة يستخلف ويعود كما كان حيا لا ينقص منه شيء وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه فيها ضعف, وقاله كعب وروي أيضا عن أبي أمامة الباهلي من قوله. قال أبو أمامة: وكذلك الشراب يشرب منه حتى تنتهي نفسه ثم يعود مكانه. ورؤي بعض العلماء الصالحين بعد موته بمدة في المنام فقال ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ أما علمتم أن طعام الجنة لا ينفد.
وقد تبين في الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله بالعطاء بقوله:" ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردت إنما أقول له كن فيكون" وهذا مثل قوله تعالى:﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ وقوله تعالى:﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ وفي مسند البزار بإسناد فيه نظر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" قال خزائن الله الكلام فإذا أراد الله شيئا قال له كن فكان"
فهو سبحانه إذا أراد شيئا من عطاء أو عذاب أو غير ذلك قال له كن فيكون فكيف يتصور أن ينقص هذا, وكذلك إذا أراد أن يخلق شيئا قال له كن فيكون كما قال:﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾
الثانية: كمال كرمه:
وهو الكريم سبحانه الذي أفاض على عباده النعم العظيمة التي لاتحصى﴿وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار﴾إبراهيم:34
ومن كرمه إجابة الداعي إذا دعاه,وسأله من خزائنه التي لاينقصها عطاء،فهو الكريم الذي يعطي من غير سؤال فكيف بعد السؤال.وهو الذي ينادي كل ليلة:" هل من سائل فيعطى ؟ هل من داع فيستجاب له ؟"
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين" رواه أبو داود والترمذي
(وحياؤه جل جلاله حياء كرم وبر وجود وجلال)
ولايذهب دعاء من دعاه سدى:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها, قالوا: إذا نكثرقال: الله أكثر"رواه أحمد
***
ولكمال كرمه وكمال غناه فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال في الدعاء: اللهم ارزقني إن شئت ونحو ذلك , فعن أبي هريرةعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ارحمني إن شئت ارزقني إن شئت وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مكره له"رواه البخاري
قال بن بطال: في الحديث انه ينبغي للداعي ان يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما
بل إنه سبحانه هو الذي يوفق العبد للدعاء,وهو الذي يجيبه فالفضل لله وحده أولاً وآخراً,كما قيل:
لولم ترد نيل ماأرجو وأطلبه من جود كفك ماعلمتني الطلبا
وفي الـحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل بدوي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني خيرا.
قال: قل: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"
قال: وعقد بيده أربعا ثم ذهب فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم رجع فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم وقال:" تفكر البائس" فقال: يا رسول الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذا كله لله فما لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت: سبحان الله قال الله: صدقت ,
وإذا قلت: الحمد لله قال الله: صدقت ,
وإذا قلت: لا إله إلا الله قال الله: صدقت,
وإذا قلت: الله أكبرقال الله: صدقت,
فتقول: اللهم اغفر لي فيقول الله: قد فعلت فتقول: اللهم ارحمني فيقول الله: قد فعلت وتقول: اللهم ارزقني فيقول الله قد فعلت.
قال: فعقد الأعرابي سبعا في يده. رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي
فهل نستشعر هذا الأمر عند دعائنا,وإننا عندما ندعو ربنا الكريم جل في علاه أنه يجيب ويقول:قد فعلت؟!!
يا من يرجى للشدائد كلــها يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خـزائن رزقه في قول كن أمنن فإن الخير عندك أجمع
من قصص الدعاء:
1- روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا . قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال ( اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا ) . قال أنس لا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار . قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت . قال والله ما رأينا الشمس ستا . ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها . قال فرفع رسول الله يديه ثم قال ( اللهم حولينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر ) . قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس


2- قصة المرأة صاحبة التنور:
عن أبي هريرة قال : دخل رجل على أهله فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية فلما رأت امرأته قامت إلى الرحا فوضعتها وإلى التنور فسجرته ثم قالت : اللهم ارزقنا فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت . قال : وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئا قال : فرجع الزوج وقال : أصبتم بعدي شيئا ؟ قالت امرأته : نعم من ربنا قام إلى الرحا فرفعها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال :
أما إنه لو لم يرفعها لم تزل تدور إلى يوم القيامة
رواه أحمد والبزار وقال : فقالت امرأته : اللهم ارزقنا ما نطحن وما نعجن ونخبز فإذا الجفنة ملأى خبزا والرحا تطحن والتنور ملأى جنوب شواء فجاء زوجها فقال : عندكم شيء ؟ قالت : رزق الله - أو قد رزق الله - فرفع الرحا فكنس حولها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركها لطحنت إلى يوم القيامة "
ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه ورجالهم رجال الصحيح غير شيخ البزار وشيخ الطبراني وهما ثقتان
3- قصة المحمدين :
جمعت الرحلة بين محمد بن جرير ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر فارملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم واضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على ان يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال لأصحابه امهلوني حتى اتوضا واصلي صلاة الخيرة قال فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصى من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا الباب فنزل عن دابته فقال أيكم محمد بن نصر فقيل هو هذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال أيكم محمد بن جرير فقالوا هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال أيكم محمد بن هارون فقالوا هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال هو ذا يصلي فلما فرغ دفع إليه الصرة وفيها خمسون دينارا ثم قال ان الأمير كان قائلا بالأمس فرأى في المنام خيالا قال ان المحامد طووا كشحهم جياعا فانفذ اليكم هذه الصرار واقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلى امدكم.
وقد حصل مثل ذلك للحسن بن سفيان رحمه الله ,قال ابن كثير: الحسن بن سفيان
ابن عامر بن عبدالعزيز بن النعمان بن عطاء أبو العباس الشيباني النسوي محدث خراسان وقد كان يضرب إليه آباط الإبل في معرفة الحديث والفقه رحل إلى الآفاق وتفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل وكانت إليه الرحلة بخراسان ومن غريب ما اتفق له أنه كان هو وجماعة من أصحابه بمصر في رحلتهم إلى الحديث فضاق عليهم الحال حتى مكثوا ثلاثة أيام لا يأكلون فيها شيئا ولا يجدون ما يبيعونه للقوت واضطرهم الحال إلى تجشم السؤال وأنفت أنفسهم من ذلك وعزت عليهم وامتنع كل الامتناع والحاجة تضطرهم إلى تعاطي ذلك فاقترعوا فيما بينهم أيهم يقوم بأعباء هذا الأمر فوقعت القرعة على الحسن بن سفيان هذا فقام عنهم فاختلى في زاوية المسجد الذي هم فيه فصلى ركعتين أطال فيهما واستغاث بالله عز وجل وسأله بأسمائه العظام فما انصرف من الصلاة حتى دخل عليهم المسجد شاب حسن الهيئة مليح الوجه فقال أين الحسن بن سفيان فقلت أنا فقال الأمير طولون يقرأ عليكم السلام ويعتذر إليكم في تقصيره عنكم وهذه مائة دينار لكل واحد منكم فقلنا له ما الحامل له على ذلك فقال إنه أحب أن يختلي اليوم بنفسه فبينما هو الآن نائم إذ جاءه فارس في الهواء بيده رمح فدخل عليه منزله ووضع عقب الرمح في خاصرته فوكزه وقال قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه قم فأدركهم قم فأدركهم فإنهم منذ ثلاث جياع في المسجد الفلاني فقال له من أنت فقال أنا رضوان خازن الجنة فاستيقظ الأمير وخاصرته تؤلمه ألما شديدا فبعث بالنفقة في الحال إليكم ثم جاء لزيارتهم واشترى ما حول ذلك المجلس ووقفه على الواردين عليه من أهل الحديث جزاه الله خيرا.
4- قصة ابن النَّضر:
علي بن محمد بن محمد بن النَّضر أحد قضاة الصعيد .
كان عالماً أديباً نحويًّا . روى عنه من شعره ابن بَرِّي النحوي وعلي بن هبة الله بن عبد الصمد الكاملي ومحمد بن إبراهيم المقرئ الكِيزاني ومحمد بن حسن بن يحيى الدَّاني الحافظ . وذكره ابن عرَّام في سيرة بني الكنز وأثنى عليه العماد الكاتب . قال أبو الحسن المذكور : أملقتُ سنةً وكنت أحفظ كتاب سيبويه وغيره عن ظهر قلب حتَّى قلت إنَّ حرفة الأَدب قد أدركتني فعزمتُ على أن أقول شعراً في والي عَيْذابَ فأقمت إلى السَّحَر فلم يساعدني القول وأجرى الله القلم فكتبت :
قالوا : تعطَّفْ قلوب الناس قلتُ لهمْ : ... أدنى من الناس عطفاً خالقُ الناسِ
ولو علمتُ بسعيي أو بمسألتي ... جدوى أتيتهمُ سعياً على الراسِ
لكنّ مثليَ في ساحات مثلهمُ ... كمَزجر الكلب يرعى غفلةَ الناسي
وكيف أبسط كفّي بالسؤال وقد ... قبضتُها عن بني الدنيا على الياس
تسليم أمري إلى الرحمن أمْثَلُ بي ... من استلاميَ كفَّ البَرِّ والقاسي
قال : فقنعت نفسي وما أقمت إلاَّ ثلاثة أيام وورد كتاب والي عَيْذب يولّيني فيه خِطَّة الصعيد وزادني إخميم ولقّبني قاضي القضاة .
وأعجبني في معنى هذه الأبيات التي قالها قول من قال وأحسن:
تكلفني إذلال نفسي لعزها وهان عليها أن أهان لتكرما
تقول سل المعروف يحيى ابن أكثم فقلت سليه رب يحيى ابن أكثما
دعوات يقولها المهموم والمكروب :
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحا"
قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات. قال:" أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن"رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم
2- عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كلمات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله"
رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه وزاد في آخره:" لا إله إلا أنت"
3- عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب أو في الكرب الله ربي لا أشرك به شيئا" رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:" لا إله إلا الله الحليم العظيم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم" رواه البخاري ومسلم
5- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"
رواه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد.
6- وعن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال : الله ربي لا شريك له كشف ذلك عنه"رواه الطبراني .

فائدة:
قال ابن القيم: التوحيد مفزع اعدائه واوليائه فاما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون واما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون فى الدنيا وما أعد لهم فى الآخرة ولما فزع اليه فرعون عند معاينة الهلاك وادراك الغرق له لم ينفعه لان الايمان عند المعاينة لا يقبل هذه سنة الله فى عباده فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التى ما دعا بها مكروب الا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقى فى الكرب العظام الا الشرك ولا ينجى منها الا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها وبالله التوفيق
وقال أيضاً :
فالتوحيد ملجأ الطالبين ومفزع الهاربين ونجاة المكروبين وغياث الملهوفين وحقيقته إفراد الرب سبحانه بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل والخضوع .




































7- الشكر
قال تعالى :﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾ إبراهيم:7
(الآية نص في أن الشكر سبب المزيد)
(والشكر:هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى وكفر النعمة ضد ذلك).
عن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل من همدان : ان النعمة موصلة بالشكر والشكر معلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد.
وقال الـفضيل بن عياض : كان يقال : من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة لقول الله عز وجل:﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم﴾.
وأنشد الهادي هو يأكل :
أنالك رزقه لتقوم فيه بطاعته وتشكر بعض حقه
فلم تشكر لنعمته ولكن قويت على معاصيه برزقه














8- الإنفاق
قال الله تعالى:﴿ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ﴾ سبأ:39
أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم, فهو يخلفة عليكم في الدنيا بالبدل وفي الأخرة بالجزاء والثواب كما ثبت في الحديث:" يقول الله تعالى: أنفق أنفق عليك "
وفي الحديث:" أن ملكين يصبحان كل يوم يقول أحدهما : اللهم أعط ممسكا تلفا, ويقول الأخر : اللهم أعط منفقا خلفا "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ".
وعن أبي هريرةعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"رواه مسلم
(والزيادة التي تحصل بدل الصدقة إما كمية وإما كيفية:مثال الكمية:أن الله تعالى يفتح لك باباً من الرزق ماكان في حسابك.والكيفية:أن ينزل لك البركة فيما بقي من مالك.)
الإحسان إلى الضعفاء والمساكين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :" هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" رواه البخاري
وروى الترمذيعن انس بن مالك قال : كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف فشكى المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" لعلك ترزق به"
بشرى للمتصدقين:
(والرزاق سبحانه وتعالى في عون المتصدق,ييسر له الأسباب,ويسوق له السحاب: عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبدالله ما اسمك ؟ قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبدالله لم تسألني عن اسمي ؟ فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها ؟ قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه" )
9- صلة الرحم
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه "رواه البخاري ومسلم
وسئل شيخ الإسلام عن الرزق هل يزيد أو ينقص؟
فأجاب:
الرزق نوعان:
أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير.
و الثاني: ماكتبه و أعلم به الملائكة فهذا يزيد و ينقص بحسب الأسباب فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقا و إن و صل رحمه زاده الله على ذلك كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال من سره أن يبسط له في رزقه و ينسأ له فى أثره فليصل رحمه و كذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين و من هذا الباب قول عمر اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني و اكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء و تثبت
و من هذا الباب قوله تعالى عن نوح:" أن أعبدوا الله و اتقوه و اطيعون يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم الى أجل مسمى" و شواهده كثيرة.
و الأسباب التى يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله و كتبه فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه و اكتسابه ألهمه السعي و الإكتساب و ذلك الذي قدره له بالإكتساب لايحصل بدون الإكتساب و ما قدره له بغير إكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير إكتساب.
و السعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة و الزراعة و التجارة, و سعى بالدعاء و التوكل و الإحسان الى الخلق و نحو ذلك فإن الله في عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه.
للفائدة:
قال ابن حجر: قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى:" فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" والجمع بينهما من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى.
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا أن عمر فلان مائة مثلا أن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص واليه الإشارة بقوله تعالى:﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾ فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق
وهذا الوجه الثاني هو الذي اختاره ابن تيمية,فقال: و قد قال بعض الناس إن المراد به البركة فى العمر بأن يعمل فى الزمن القصير مالا يعمله غيره إلا فى الكثير قالوا لأن الرزق و الأجل مقدران مكتوبان
فيقال لهؤلاء تلك البركة و هي الزيادة فى العمل و النفع هي أيضا مقدرة مكتوبة و تتناول لجميع الأشياء.
والجواب المحقق أن الله يكتب للعبد أجلا فى صحف الملائكة فاذا و صل رحمه زاد فى ذلك المكتوب و ان عمل مايوجب النقص نقص من ذلك المكتوب
ونظير هذا ما فى الترمذي وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم:" ان آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه اياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص فقال من هذا يارب فقال ابنك داود قال فكم عمره قال أربعون سنة قال وكم عمري قال الف سنة قال فقد وهبت له من عمرى ستين سنة فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا وهبتها لابنك داود فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب" قال النبى صلى الله عليه وسلم:" فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته" وروى أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره
فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين وهذا معنى ما روى عن عمر أنه قال: اللهم ان كنت كتبتني شقيا فامحنى واكتبنى سعيدا فانك تمحو ما تشاء وتثبت.
والله سبحانه عالم بما كان وما يكون ومالم يكن لو كان كيف كان يكون فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده اياه بعد ذلك والملائكة لا علم لهم الا ما علمهم الله والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها فلهذا قال العلماء: ان المحو والاثبات فى صحف الملائكة وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له مالم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات


10- الأخذ بنية الأداء إذا احتاج (الدَّين)
قال صلى الله عليه وسلم :" من أخذ اموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" أخرجه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم ":من ادان دينا ينوي قضاءه أداه الله عنه"
عن أم المؤمنين ميمونة : أنها كانت تدان دينا . فقال لها بعض أهلها لا تفعلي . وأنكر ذلك عليها فقالت: بلى . إني سمعت نبيي وخليلى صلى الله عليه وسلم يقول:
" مامن مسلم يدان دينا يعلم الله منه أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا " رواه النسائي وابن ماجة
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تداين فقيل لها ما لك وللدين ولك عنه مندوحة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقول ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عون" فأنا ألتمس ذلك العون رواه أحمد والحاكم
وفي هذه الأحاديث تنبيه المستدين وترغيبه في أن ينوي الوفاء حتى ينال معونة الله,وأما إن كانت النية أخذ أموال الناس وإتلافها فإن الله يتلفه,كما جاء في الحديث الصحيح,والجزاء من جنس العمل.
قال ابن حجر:
و(قوله:" أتلفه الله" ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الامرين وقيل المراد بالاتلاف عذاب الآخرة)
وصاحب هذه النية السيئة يلقى الله سارقاً:
فعن صهيب الخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما رجل تدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا"رواه ابن ماجه
ويؤخذ من حسناته يوم القيامة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الدين دينان فمن مات و هو ينوي قضاءه فأنا وليه و من مات و لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار و لا درهم"


دعاء يقوله المديون:
عن علي رضي الله عنه :" أن مكاتبا جاءه فقال إني قد عجزت عن كتابتي فأعني قال ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك ؟ قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك"رواه الترمذي
قال المباركفوري في شرحه:
قوله: ( أن مكاتبا ) أي لغيره وهو عبد علق سيده عتقه على إعطائه كذا من المال.
( إني قد عجزت عن كتابتي ) الكتابة المال الذي كاتب به السيد عبده يعني بلغ وقت أداء مال الكتابة وليس لي مال.
( فأعني ) أي بالمال أو بالدعاء بسعة المال.
( قال ألا أعلمك كلمات ) قال الطيبي: طلب المكاتب المال فعلمه الدعاء إما لأنه لم يكن عنده من المال ليعينه فرده أحسن رد عملا بقوله تعالى قول معروف ومغفرة خير أو أرشده إشارة إلى أن الأولى والأصلح له أن يستعين بالله لأدائها ولا يتكل على الغير وينصر هذا الوجه قوله واغنني بفضلك عمن سواك ( لو كان عليك مثل جبل صير دينا ) بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية وهو جبل لطيء ويروى صبير بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية كذا في النهاية
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:" ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك قل يا معاذ اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قديررحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد













ومما ذكر العلماء أنه من أسباب الرزق:

11- أداء حقوق الله:
ففي الحديث القدسي:" إن الله تعالى يقول : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى و أسد فقرك و إن لا تفعل ملأت يديك شغلا و لم أسد فقرك"

12- أن يجعل همه الآخرة:
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عيينه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" رواه الترمذي

13- الصلاة:
قال القرطبي: الصلاة سبب للرزق
وقال: قوله تعالى : " لا نسألك رزقا " أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق بل نحن نتكفل برزقك وإياهم, فكان عليه السلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة وقد قال الله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق " الذاريات : 56 - 58

14- المتابعة بين الحج والعمرة:
للحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة"




15- الذكر:
عن سليمان بن يسار رضي الله عنه عن رجل من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال نوح لابنه: إني موصيك بوصية وقاصرها لكي لا تنساها, أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه وهما يكثران الولوج على الله أوصيك بلا إله إلا الله فإن السموات والأرض لو كانتا حلقة قصمتهما ولو كانتا في كفة وزنتهما وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنهما صلاة الخلق وبهما يرزق الخلق "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا" وأما اللتان أنهاك عنهما فيحتجب الله منهما وصالح خلقه أنهاك عن الشرك والكبر
رواه النسائي واللفظ له والبزار والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وقال الحاكم صحيح الإسناد

16- الهجرة :
قال تعالى:" ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما "النساء :100
قال القرطبي: قوله تعالى : "وسعة " أي في الرزق قاله ابن عباس والربيع و الضحاك وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى وقال مالك : السعة سعة البلاد وهذا أشبه بفصاحة العرب فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق واتساعا الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج

17- الزواج والنسل:
وقد تقدم ذكره في ضمن الأخطاء.










الخاتمة
وأخيراً..
فلابد للعبد أن يملأ قلبه محبة لله خالقه ورازقه وإجلالاً وتعظيماً,وتوكلاً عليه وإنابة إليه ورضاً به وأن يعمر حياته بالإيمان والعمل الصالح ,وذلك مالأجله خلقنا,وذلك هو السبيل الأوحد لنيل سعادة الدنيا وسعادة الآخرة,قال تعالى:" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"النحل: 97
والدنيا فانيةلاتبقى,والآخرة هي الباقية التي لاتفنى, فياسعادة عبدٍ نال نعيمها الذي لاينغص و لا يحول, ورزقها الذي لاينفد ولايزول "هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب * جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * هذا ما توعدون ليوم الحساب *إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" ص:49- 54
وهذا الرزق الذي لانفاد له هو الذي ينبغي أن نفني أيامنا وليالينا في طلبه,وأن تبقى الأبصارشاخصة إليه متخطيةً صعاب الدنيا وركامها حتى تقر بذاك النعيم.
اللهم إنا نسألك أن تصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن تصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا وأن تصلح لناآخرتنا التي فيها معادنا و اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و اجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إني أسألك أن تبارك لي في عملي هذا وأن تجعله خالصاً لوجهك الكريم وأن تنفع به كل من اطلع عليه وأن تجعله ذخراً لي في آخرتي يارب العالمين .
وأسألك اللهم أن تغفر لي ولوالدي ولكل من له حق علي أو أسدى معروفاً إلي ولكل من ساعد ويساعد في إخراج هذا الكتاب ونشره ,وللمسلمين أجمعين.
والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه ومغفرته:
محمد قحطان سندي
وكان الفراغ منه قبل الظهر
من يوم الأربعاء
في التاسع عشر
من ذي الحجة
سنة 1429 هـ


المحتويات

الصفحة الموضوع
المقدمة
تمهيد
أولاً:حقائق
1- انفراد الله بالرزق
2- تكفل الله بالأرزاق
3- ورزقك قد كتب وقدر
4- وما كتب لك واصل إليك
ثانيا:أخطاء
1 - الانشغال بما تكفل الله به عما خلق العباد لأجله
2 - التوكل على غير الله تعالى
3 - التواكل
4 - قتل الأولاد خشية الفقر
5 - التنازل عن المبادىء خوفاً على الرزق
6 - هموم وقنوط وتسخط
7 - أكل الحرام
8 - سؤال الخلق
9 - الحسد
10- سؤ التصرف
11 - كفران النعم
12 - اعتقاد أن سعة الرزق دليل على محبة الله للعبد
13 - طامة كبرى
14 – ظن التعارض بين طلب العلم وطلب الرزق
15 – ترك الزواج
16 – سؤال السحرة والمنجمين والكهنة عن الرزق في المستقبل
ثالثاً: أسباب
1- الكسب
2- التوكل على الله
3- الإيمان والتقوى
4- تحكيم شرع الله
5- التوبة والاستغفار
6- الدعاء
7- الشكر
8- الإنفاق
9- صلة الرحم
10- الأخذ بنية الأداء إذا احتاج (الدَّين)
11- 17 – أسباب أخرى
الخاتمة
المراجع
الفهرس