المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموازنة بين الحفظ والفهم



أهــل الحـديث
10-02-2013, 11:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله أما بعد :
قال بعض العلماء : إن العلم فطنة ودراية أكثر منه سماعا ورواية وللرواية نقلها وتعلمها وللدراية ضبطها وتفهمها
وإن للعلم أصلا وفرعا وخير العلم ما ضُبِطَ أصله واستُذكِرَ فرعه
فقَدِّمِ الأهمَّ إنَّ العلمَ جمّ والعمرُ ضيفٌ زارَ أو طيفٌ ألمّ
وقد قيل : ما من كتاب إلا ويحوي مسائل ما دونه وزيادة فحقق مسائل ما دونه لتوفر جهدك لفهم الزيادة

قال ابن الاثير في المثل السائر: إني سافرت إلى الشام في سنة سبع وثمانين وخمس مائة ،
ودخلت مدينة دمشق فوجدت جماعة من أربابها يلهجون ببيت من شعر ابن الخياط ( الشاعر الدمشقي مولده ووفاته فيها ) في قصيدة أولها:
خُذا مِنْ صَبا نَجْدٍ أَماناً لِقَلْبِهِ فَقَدْ كادَ رَيّاها يَطِيرُ بِلُبِّهِ
ويزعمون انه من المعاني الغريبة وهو قوله:
أَغارُ إِذا آنَسْتُ فِي الْحَيِّ أَنَّةً
حِذاراً وَخَوْفاً أَنْ تَكُونَ لِحُبِّهِ
فقلت لهم: هذا مأخوذ من قول أبي الطيب :
لَو قُلتَ لِلدَنِفِ الحَزينِ فَدَيتُهُ مِمّا بِهِ لَأَغَرتَهُ بِفِدائِهِ
وقول أبي الطيب أدق معنى، وإن كان بيت ابن الخياط أرق لفظاً ثم إني أوقفتهم على
مواضع كثيرة من شعر ابن الخياط قد أخذها من شعر المتنبي، وسافرت إلى الديار المصرية
في سنة ست وتسعين، فوجدت أهلها يعجبون من بيت يعزونه إلى شاعر من اليمن يقال له:
عمارة، وكان حديث عهد بزماننا في آخر الدولة العلوية بمصر وذلك البيت من قصيدة يمدح
بها بعض خلفائها عند قدومه عليه من الحجاز .
فهل درى البيت أني بعد فرقته ما سرت من حرم إلا إلى حرم
فقلت لهم هذا مأخوذ من قول أبي تمام، يمدح يعض الخلفاء في حجة حجها. وهو قوله :
يا من رأى حرماً يسري إلى حرم طوبى لمستلم يأتي ويلتزم انتهى
قال اليوسي في الموازنة بين الحفظ والفهم في زهر الأكم في الأمثال والحكم
خير العلم ما حوضر به
المحاضرة: المذاكرة. والمعنى أنَّ خير العلم ما حصل الإنسان في صدره فوجده عند
المحاضرة وكان عدة له عند المذاكرة. ويقال حرف في قلبك خير من ألف في كتبك. ويقال:
لا خير في علم لا تعبر به الأودية ولا تعمر به الأندية. ويقال: حفظ سطرين خير من حمل
وقرين ومذاكرة اثنين خير من هذين. وينسب للشافعي:
علمي معي حيثما مشيت يتبعني وعاؤه القلب لا بيتي وصندوقي
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
وقال الآخر:
عليك بالحفظ دون الكتب تجمعها فإن للكتب آفات تفرقها
الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يخرقها واللص يسرقه
لكن قد يولع المرء بالحفظ حتى يفوته تصور المعاني فيكون كالحمار يحمل أسفارا. ولذلك
روي في الخبر: همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الدراية. وقال أبن مسعود: كونوا للعلم
وعاة ولا تكونوا له رواة فقد يروى ما لا يدرى ويدرى ما لا يروى. وحدث الحسن البصري
بحديث. فقال له رجل: عمن؟ فقال: وما تصنع بعمن؟ قد نالتك عطيته وقامت عليك
حجته. وربما وثق بصدره ولم يقيد فيطرأ عليه النسيان ويضيع علمه ولذلك ورد في الخبر:
قيدوا العلم بالكتاب.
وورد أنَّ رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النسيان فقال له استعمل يدك
أي اكتب!
وشاع في أمثال الناس: ينسى الرأس ولا ينسى الكراس انتهى
قال الرحبي في نظمه السائر في المواريث والفرائض
فاحفظ فكل حافظ إمام
قال الشنشوري : فاحفظ أيها الناظر في هذا الكتاب ما ذكرته لك وما لم أذكره من هذا العلم وغيره فإن حذف المعمول وغيره (كالمتعلق) يؤذن بالعموم فكل حافظ إمام أي مقدم على غيره خصوصا إن انضم
إلى حفظه فهمك معناه بل ربما يدعى أن الحفظ بغير فهم لا عبرة به وينبغي تقييد العلم بالكتابة أيضا لما ورد في معنى ذلك انتهى
قال الباجوري في حاشيته : قوله أيها الناظر أي فالمخاطب بقوله فاحفظ غير معين كما تقدم في نظيره
قوله فإن حذف المعمول .. عل للتعميم قبله فكأنه قال وإنما عممنا في ذلك لأن حذف المعمول إلخ
قوله فكل حافظ إمام أي لأن كل حافظ إمام فهو تعليل للأمر بالحفظ
وقوله خصوصا أي أخصه بذلك خصوصا إن انضم الخ في حال كونه ينضم إلى حفظه فهم المحفوظ ، أولى
منه في حال كونه لا ينضم إلى حفظه فهم المحفوظ قوله بل ربما يدعى الخ إضراب عما قبله لأنه يقتضي
أن مجرد الحفظ معتبر وقد قالوا فهم سطرين خير من حمل وقرين ومذاكرة اثنين خير من هذين
قوله وينبغي تقييد العلم بالكتابة أي كما ينبغي حفظه فلا يقتصر الشخص على الحفظ وحده ولا على الكتابة وحدها وما أحسن قول بعضهم
العلم صيد والكتابة قيده
قيد صيودك بالحبال الواثقه
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتسيرها بين الخلائق طالقة