المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناصحة الأحباب في سوء الأخلاق .



أهــل الحـديث
09-02-2013, 06:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله . أما بعد :-
الأخلاق لها شأن عظيم وقدر كبير, والأخلاق من أهم ما يجب على المسلم العمل بها وذلك لفضل منزلتها وعظم قدرها ,والشرعية المطهرة أتت بمكارم الأخلاق ونهت عن ذميمه في القران الكريم والسنة المطهرة .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء متمما لصالح الأخلاق ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) . صححه الألباني .
فلقد رأيت أن من أهم ما على المسلم في هذا الزمان أن يتمم ويحسن أخلاقه وأخلاق من حوله من الأهل والأصحاب وغيرهم ...
وأن يرجع أبناء الإسلام إلى الأخلاق الحميدة التي والله إني أرى أنها عدمت في هذا الزمان , وهذا هو زمان الغربة حقا فالذي يوجد لديه بعضا من الأخلاق ينظر إليه الناس بغرابة واستنكار ويظنون أنه يحسن أخلاقه من أجل مصلحة أو حاجة أو ضعف والله المستعان .
فلقد رأيت أن أنصح نفسي وإخواني من الذين يرافقونني في دربي ببعض الدرر من مكارم الأخلاق وأحسنها , ولقد اختصرت وقطفت أفضل الفوائد وأحسنها وأيسرها في مكارم الأخلاق من كتاب (سوء الخلق) للشيخ:محمد بن إبراهيم الحمد – مع بعض الإضافات والتعليق اليسير , وقد ميزت ذلك بوضع خطا تحت الكلام لكي يفرق بين كلام المؤلف والتعليق أو الإضافة .
أسأل الله العظيم أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الكريم وأسأله أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يجعلنا من أحسن الناس خلقا وأن يوفقنا إلى ما فيه صلاح أنفسنا إنه قريب مجيب الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم

أخوكم المحب :محمد بن هشام آل سليمان
16/3/1434هـ




ذم سوء الخلق

إعرف يا أخي وفقني الله وإياك للحق أن سوء الخلق عمل مرذول , ومسلك دنيء , يمقته الله-عز وجل- ويبغضه الرسول – صلى الله عليه وسلم .
بل إن الناس على اختلاف مشاربهم يبغضون سوء الخلق وينفرون من أهله ؛ فهو مما ينفر الناس , ويفرق الجماعات , ويصد عن الخير , ويصدف عن الهدى .
قال النبي صلى الله عليه وسلم -(( وإن أبغضكم إلى , وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا؛ الثرثارون؛ المتفيهقون؛ المتشدقون) . حسنه الألباني .
قال الأحنف بن قيس )) ألا أخبركم بأدوأ الداء ؟ قالوا : بلى , قال:الخلق الدني ,واللسان البذي)) .
وصدق شوقي إذ يقول :وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا

مظاهر سوء الخلق
1- الغلظة والفظاظة :
فتجد من الناس من هو فظ غليظ لا يتراخى, ولا يتألف , ولا يتكلم إلا بالعبرات النابية , التي تحمل في طياتها الخشونة و الشدة, والغلظة والقسوة, وذلك كله مدعاة للفرقة والعداوة .
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه مرسل من الله , ومؤيد بالوحي –قال ربه –عز وجل –في حقه: (( ولو كنت فظا غليظا القلب لانفضوا من حولك )) (أل عمران :159) .
2- عبوس الوجه :
فكم من الناس من لا تراه إلا عابس الوجه , مقطب الجبين , لا يعرف التبسم واللباقة .
وهذا الخلق مركب من الكبر , وغلظ الطبع ؛ فإن قلة البشاشة استهانة بالناس , والاستهانة بالناس تكون من العجب والتكبر .
وقلة التبسم – وخاصة عند لقاء الإخوان – تكون من غلظ الطبع والله المستعان .
قيل لحكيم :
من أضيق الناس طريقا , وأقلهم صديقا ؟
قال : من عاشر الناس بعبوس وجه , واستطال عليهم بنفسه .
3- سرعة الغضب :
وهذا مسلك مذموم في الشرع والعقل ؛ وهو سبب لحدوث أمور لا تحمد عقباها ؛ بل إن من الناس إذا غضب حمله غضبه على التقطيب في وجه غير من أغضبه , وسوء اللفظ لمن لا ذنب له .
قال صلى الله عليه وسلم ( ليس الشديد بالصرعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )). أخرجه البخاري .
فخير الناس من كانت شهوته وهواه وغضبه تبعا لما جاء بالشرع , وشر الناس من كان صريع شهوته وغضبه .
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
4- المبالغة في اللوم والتوبيخ :
فتجد الواحد منهم يزبد, ويرعد , ويطلق العبرات البذيئة , ويبالغ في اللوم والتوبيخ بمجرد خطأ يسير , وهذا والله المستعان موجود لم كانت لديه سلطة كالمدير والمعلم والوالد ونحوهم .
وهذا الصنيع مما تكرهه النفوس ؛فالناس يكرهون من يؤنب في غير مواطن التأنيب ويبالغ فيها .
ومثل ذلك ما يقع بين الأصحاب والأقارب ؛ فقد يمضي على أحدهم زمن طويل لم يري صاحبه أو قريبه , فإذا ما رآه ابتدره باللوم والتقريع على غيابه , وقلة اتصاله .
وهذا الأمر وإن كان دليلا على المحبة – إلا إنه سبب للقطيعة والمفارقة ؛لأن الناس لا يحبون أن يحملوا كل شئ .
قال إبن منصور بن الزرقان النمري :
لعل له عذرا وأنت تلوم ورب امرىء قد لام وهو مليم
5- الكبر :
والكبر خصلة ممقوتة في الشرع , والفطر , والعقول , والمتكبر ممقوت عند الله , وعند خلق الله .
قال صلى الله عليه وسلم -لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر) .
قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا , ونعله حسنا .
قال : (( إن الله جميل يحب الجمال ؛ الكبر بطر الحق , وغمط الناس ) رواه مسلم .
فبطر الحق : رده , وغمط الناس : احتقارهم .
فينبغي لنا الابتعاد أشد البعد عن الكبر فأنه هلاك في الدنيا والآخرة .
تنبيه : وينبغي أن يعلم أن الكبر ليس فقط احتقار الآخرين بل هو أيضا رد الحق وعدم قبوله فأي امرئ رد كلمة الحق لهواه فهو متكبر شاء أم أبى .
6- السخرية بالآخرين :
فهذا العمل مظهر قبيح من مظاهر سوء الخلق , ويكفي في التنفير منه قوله –تعالى-(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خير منهن )).(الحجرات:11) .
7- التنابز بالألقاب :
وهذا مما نهانا الله –عز وجل – عنه , وأدبنا بتركه , كما في قوله تعالى - ( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )). (الحجرات:11) .
ومع هذا النهي إلا أننا نجد أن غالبية الناس لا يعرفون إلا بألقابهم السيئة , والله المستعان .
وهذه الألقاب مما يثير العداوة والشحناء , لأن الناس يحبون من يناديهم بأحب أسمائهم أو ألقابهم .
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب
8- الغيبة :
تلك الخصلة الذميمة , التي لا تصدر إلا من نفس ضعيفة وضيعة دنيئة .
والغيبة هي –كما أخبر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم - ذكرك أخاك بما يكره ).رواه مسلم .
فأين المغتابون من قول الله – عز وجل - : ((ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه )) .(الحجرات :12) .
والغيبة لا تقتصر على اللسان فحسب , بل قد تكون بالإشارة بالعين , أو اليد , أو نحو ذلك .
والغيبة والله المستعان منتشرة في هذا العصر بين الشباب والنساء والرجال والله المستعان , والأمر الأدهى من ذلك أن لا تجد من ينصحك بتركها بل يمكن أن يشاركك الغيبة وهو يعرف أنها كبيرة والله المستعان , فيا إخواني الحذر الحذر من الغيبة , ويجب الإنكار على من يغتاب أو الإعراض عنه وترك مجلسه .
أما أسبابها فكثيرة , منها التشفي من الآخرين , والحسد , وكثرة الفراغ , ومن أسبابها الإعجاب بالنفس , والغفلة عن التفكر في عيوبها .
وأعظم أسبابها قلة الخوف من الله – سبحانه وتعالى .
9- النميمة :
وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد .
فكم فسد بسببها من صداقة , وكم تقطعت من أرحام .
والنميمة كالغيبة من حيث أنها لا تصدر من نفس كريمة , وإنما تصدر من نفس مهينة ذليلة دنيئة .
وفي الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة نمام ) رواه مسلم .
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقا ولو كان الحبيب المقربا
أحيانا لا يكون هناك واشي من الإنس ولذلك يأتي واشي من الجن يوسوس للرجل السوء لأخيه فتنقلب المودة عداوة فينبغي التحرز منهم والحذر أشد الحذر , والتحرز يكون بالأذكار والأوراد النبويه والله الموفق .
10- سماع كلام الناس بعضهم ببعض , وقبول ذلك دون تمحيص وتثبت :
وهذا والله المستعان يوجد عند بعض الناس , فتجده ينقل الكلام دون تثبت , وعندما تسأله عن الدليل يقول فلان قال كذا وفلان قال كذا , فيجب التثبت من المعلومة قبل التكلم بها ,بالذات في الكلام عن الأعراض .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )) . رواه مسلم .
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله -: ( من الغلط الفادح الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض , ثم يبني عليه السامع حبا وبغضا , ومدحا وذما ؛ فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة , وكم أشاع الناس عن الناس أمورا لا حقائق لها بالكلية , أولها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور , وخصوصا ممن عرفوا بعدم المبالاة بالنقل , أو عرف منهم الهوى .فالواجب على العاقل التثبت والتحرز , وعدم التسرع .وبهذا يعرف دين المرء ورزانته وعقله ).
11- التجسس والتحسس :
التجسس هو البحث عن العورات , والتحسس الاستماع لحديث القوم بحثا عن العيوب .
والحاصل أن التجسس والتحسس مما لا ينبغي , بل نكتفي بالظاهر ,ونكل أمر الباطن إلى العليم الخبير , إلا إذا كان التجسس طريقا لدرء مفسدة كبيرة , أو جلب مصلحة عظيمة .
أما إذا قصد بذلك تتبع العثرات , والفرح بالزلات – فهذا هو المحذور .
وهذا مع بالغ الأسف دأب كثير من الناس تجده متتبعا لعثرات إخوانه , متناسيا حسناتهم , فإذا سمع قبيحا فرح به ونشر , وإذا سمع حسنا ساءه ذلك وستر .
إن يسمعوا سيئا طاروا به فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا
قال ابن حبان –رحمه الله- : ( فمن أشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه , وتعب بدنه , وتعذر عليه ترك عيوب نفسه ؛ فأن أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم , وأعجز منه من عابهم بما فيه ) .
12- مقابلة الناس بوجهين :
فتجد من الناس من يظهر لجليسه الموافقة والمودة , ويلقاه بالبشر والترحاب , فإذا ما توارى عنه سلقه بلسان حاد , وهذه الصفة من أحط الصفات وأخسها , وصاحبها من شر الناس وأوضعهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين , الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه )) . رواه البخاري ومسلم .
قال إبراهيم بن محمد :
وكم من صديق وده بلسانه*** خؤون بظهر الغيب لا يتذمم
يضاحكني عجبا إذا ما لقيته*** ويصدفني منه إذا غبت أسهم
كذلك ذو الوجهين يرضيك شاهدا*** وفي غيبه إن غاب صاب وعلقم
13- إساءة الظن :
فإساءة الظن من الأخلاق الذميمة , التي تجلب الضغائن , وتفسد المودة , وتجلب الهم والكدر. ولهذا حذرنا الله – عز وجل – من إساءة الظن كما في قوله تعالى -: (( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم )) (الحجرات :13) .
وقال – عليه الصلاة والسلام - (( إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث )) رواه البخاري ومسلم.
فتجد من الناس من هو سيىء الظن , يحسب أن كل صيحة عليه , وكل مكروه قاصد إليه , وأن الناس لا هم لهم إلا الكيد والتربص به ,وسوء الظن من الشيطان ؛ حيث يلقي في روع الإنسان الظنون السيئة , والأوهام الكاذبة ؛ ليفسد ما بينه وبين إخوانه , فما احرى بالمسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان , وأن يمضي لسبيله , ويحسن ظنه بإخوانه المسلمين , وأن يحملهم على أحسن المحامل , وإلا فلن يريح ولن يستريح .
ما يستريح المسىء ظنا*** من طول غم وما يريح
14- إفشاء الأسرار :
فبعض الناس ما أن يسمع سرا إلا ويضيق به ذرعا , فتراه يبحث عمن يخبره السر .
وربما ترتب على إفشاء السر عداوة وفسادا عريضا .
وبعض الناس يثق بكل أحد , فيفضي إليه سره , فإذا انتشر الخبر وذاع لام من أذاعه وأفشاه , وما علم انه الملوم ؛ لأنه هو أول من نشره .
قال عمرو بن العاص – رضي الله عنه - : ( ما وضعت سري عند أحد فلمته على أن يفشيه ؛ كيف ألومه وفد ضقت به ؟! ) .
وقال الشافعي – رحمه الله - :
إذا المرء أفشى سره بلسانه*** ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرنفسه ***فصدر الذي يستودع السر أضيق
وأعلم يا أخي أن حفظ الأسرار مما يدل على صدق الوفاء , وكرم العشيرة ,ولا تفشي أسرارك إلا لشخص تثق فيه وتعرف عنه الصدق والأمانة .
16- عدم قبول الأعذار :
فتجد من يقع في خطأ في حق أخ له , ثم يعتذر من خطئه , ويلتمس من أخيه مسامحته , ثم يفاجأ بعد ذلك أن عذره لم يقبل .
وهذا مناف لمكارم الأخلاق ,( فالواجب على العاقل إذا أعتذر إليه أخوه لجرم مضى , أو لتقصير سبق أن يقبل عذره , ويجعله كمن لا ذنب له ) روضة العقلاء ص 183.
قال ابن المبارك- رحمه الله – (المؤمن طالب عذر إخوانه , والمنافق طالب عثراتهم ).
فقبول الأعذار من صفات الكرام , حتى ولو كان المعتذر كاذبا .
قال الشافعي رحمه الله :
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ***إن بر عندك فيما قال أو فاجرا
17- التهاجر والتدابر :
وما أكثر وقوع هذا الأمر بين المسلمين، فبمجرد اختلاف يسير، لا يترتب عليه فساد في الدين ـ تجد من يهجر أخاه، ويعطيه ظهره، ويقطع شواجر المحبة والرحمة والأخوة.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" رواه البخاري ومسلم .
وإذا كان هذا الأمر مرفوضا وقوعه بين عامة الناس ـ فإن المصيبة تعظم، وإن الخطب ليجل إذا وقع ذلك بين أهل العلم والفضل والعبادة بسبب أمر أو اختلاف يسير ، فذلك هو الداء العياء، والطعنة النجلاء.
فبدلا من أن يجمعوا أمرهم، ويلموا شعثهم، تجدهم شذر مذر والله المستعان.
فكيف ـ إذا ـ يصلحون الناس وهم لما يصلحوا ذات بينهم؟!
يا معشر القرآء يا ملح البلد . .. من يصلح الملح إذا الملح فسد
18- الحسد:
وهو تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حسن حال المحسود .
والحسد داء عضال، وسم قتال، لا يسلم منه إلا من سلمه الكبير المتعال.
ولهذا قيل: "ما خلا جسد من حسد، ولكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه".
فما أكثر وقوع الحسد بين الناس، فهذا يحسد لعلمه، وهذا يحسد لماله، وهذا لجاهه، وهذا لمنزلته بين الناس.
وأكثر ما يقع بين النظراء، والمتشاركين، وأكثر ما يكون في صفوف النساء ,وهو من أعظم الأسباب الموجبة للفرقة والاختلاف, ثم إن الحاسد هو أول متضرر من حسده، فالضرر لاحق به لا محالة.
قال بعضهم: "ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود؛ نفس دائم، وهو لازم، وقلب هائم".
وقيل ـ أيضا ـ:
لله در الحسد ما أعدله ... بدا بصاحبه فقتله
وقال ابن المعتز:
اصبر على كيد الحسو ... د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله
قال ابن المقفع: "ليكن ما تصرف به الأذى عن نفسك ألا تكون حسودا؛ فإن الحسد خلق لئيم.
19- الحقد :
فتجد من الناس من يحمل قلبا أسود، لا يعرف للعفو طريقا، ولا للصفح سبيلا؛ فإذا ما أسيء في حقه من أي أحد فإنه يحفظ تلك الإساءة، ولا يكاد ينساها، مهما تقادم العهد عليها.
فتجده يتربص بصاحبه الدوائر، وينتظر منه غرة؛ لينفذ من خلالها، فيروي غليله، ويشفي غيظه.
20- مجاراة السفهاء :
فهناك من إذا ابتلي بسفيه ساقط، لا خلاق له، ولا مروءة فيه أخذ يجاريه في سفهه وقيله وقاله، مما يجعله عرضة لسماع ما لا يرضيه من ساقط القول ومرذوله، فيصبح بذلك مساويا للسفيه؛ إذ نزل إليه وانحط إلى رتبته.
إذا جاريت في خلق دنيئا ... فأنت ومن تجاريه سواء
قال الأحنف بن قيس: "من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه".
21- قلة الحياء :
فالحياء خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيح، فإذا عري الإنسان منه، وعطل من التحلي به فلا تسل عما سيقترفه من رذائل، ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات؛ فقليل الحياء لا يأبه بدنو همته، ولا يبالي بسفول قدره، ولا يجد ما يبعثه للفضائل، ولا ما يقصره عن الرذائل.
والحياء يجب أن يكون في كل شىئ إلا في تعلم دينك ورفع الجهل عن نفسك , والسؤال في أمور الدين لا يجب الاستحياء فيها .
22- البخل :
فالبخل من مساوئ الأخلاق، ومن المخلات بالدين والمروءة، وهو مما يجلب الشقاء لصحابه في الدنيا والآخرة.
والبخيل بعيد من الله، بعيد من خلق الله، بعيد من الجنة، قريب من النار.
والبخيل ضيق الصدر، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم، لا يكاد يقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب.
فتجد من الناس من يبخل بفضل ماله، مع أن لديه من المال ما يكفيه وذريته آلاف السنين لو عاشوها.
ومن الناس من يبخل بجاهه، فلا يبذله في سبيل الخير من إعانة لمظلوم، أو شفاعة حسنة لمستحقها، أو نحو ذلك.
ومن الناس من يبخل بنصحه، فلا ينصح أحدا، بل ربما لو استنصح لبخل بالنصيحة.
23- المنة في العطية :
فمن الناس من إذا أعطى عطاء، أو بذل نصيحة، أو أسدى معروفا ـ أتبعه بالمن والأذى، والإدلال على من أحسن إليه.
وذلك الصنيع خلق ساقط، لا يليق بأولي الفضل، ولا يحسن بأهل النبل، فالمنة تصدع قناة العزة، فلا يحتملها ذوو المروءات إلا حال ضرورة، ولا سيما منة تجيء من غير ذي طبع كريم، أو قدر رفيع.
قال ـ تعالى ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:14 .
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات.
قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟
قال: "المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" . رواه مسلم .
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "لا يتم المعروف إلا بثلاث، بتعجيله، وتصغيره، وستره؛ فإذا أعجله هنأه، وإذا صغره عظمه، وإذا ستره تممه"
وقال الشاعر:
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان
24- إخلاف الوعد :
فإخلاف الوعد من الصفات الذميمة، ومن الخصال المرذولة؛ فهو شعبة من شعب النفاق، وآية من آيات المنافقين.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف". متفق عليه .
وكرام الناس ينفرون من هذه الخصلة، ويأنفون من الاتصاف بها.
قال المثنى بن حارثة الشيباني: "لأن أموت عطشا أحب إلي من أن أخلف موعدا"
ولقد ابتلي بهذه الخصلة كثير من المسلمين، فما أقل الوفاء بالوعد، وما أكثر الخلف فيه، حتى خيل لكثير من المنهزمين، وممن يحملون الإسلام خطأ المنتسبين إليه ـ أن الخلف من صفات المسلمين، وأن الوفاء بالوعد وإنجازه من صفات الكافرين!
والله المستعان اليوم نجد كثيرا من الشباب الذين ينتسبون إلى الاستقامة والالتزام يخلفون الوعد إما بتأخر أولا مبالاة والمشكلة أنها ليست مرة عابره بل كل مرة يتأخر ويخلف الوعد ولا يأتي بعذر بين ,ويستهين بذلك والله المستعان , فإذا أعطيت شخصا وعدا فالزم به أو لا تعطي وعودا .
وقال ابن حازم:
إذا قلت عن شيء نعم فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل: لا، تسترح وترح بها ... لئلا يظن الناس أنك كاذب
25- الكذب :
الكذب من الأخلاق المرذولة، والصفات القبيحة؛ فهو خصلة من خصال النفاق، وشعبة من شعب الكفر، وهو عنوان سفه العقل، وآية سقوط الهمة، وخبث الطوية.
والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة.
قال الماوردي: "والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذم؛ لسوء عواقبه، وخبث نتائجه؛ لأنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة .
ولقد انتشر الكذب خصوصا في هذه الأزمان المتأخرة، فما أكثر من يكذب في علاقاته ومعاملاته، وما أقل من يصدق في ذلك، مع أن نصوص الشرع جاءت حاثة على الصدق، محذرة من الكذب.
قال ـ تعالى ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119 .
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" .متفق عليه .
ومن مظاهر الكذب المنتشرة بين الناس ـ الكذب على الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والكذب لإفساد ذات البين، والكذب لإضحاك السامعين ومنها النكت، والكذب في المطالبات والخصومات، والكذب للتخلص من المواقف المحرجة.
ومن مظاهر الكذب ـ أيضاـ نقل الأخبار الكاذبة، وحذف بعض الحقيقة، والتوسع في باب المصلحة، والمبالغة في المعاريض، والتملق لأرباب الثراء والجاه، والكذب على الأولاد، ونحو ذلك.
ومن الكذب أيضا نقل الخبر من دون التحقق من صحته والدليل قوله صلى الله عليه وسلم (( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )) . رواه مسلم
26- كثرة المزاح والإسفاف فيه:
فالمزاح يسقط الهيبة، ويخل بالمروءة، ويجرئ السفهاء والأنذال.
وقال بعض الحكماء: "من كثر مزاحه زالت هيبته"
وقال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ "وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح؛ لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء".
وكان يقال: "لكل شيء بدء، وبدء العداوة المزاح".
وقال سعيد بن العاص: "لا تمازح الشريف فيحقد، ولا الدنيء فيجترئ عليك"
وقال أبو هفان:
مازح صديقك ما أحب مزاحا*** وتوق منه في المزاح جماحا
فلربما مزح الصديق بمزحة*** كانت لباب عداوة مفتاحا
وقال الآخر:
لا تمزحن وإذا مزحت فلا يكن*** مزحا تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحة تعود عداوة ***إن المزاح على مقدمة الغضب
والمقصود أن المزاح لا ينبغي الإكثار منه، ولا الإسفاف فيه.
أما ما عدا ذلك فيحسن؛ لما فيه من إيناس الجليس وإزالة الوحشة، ونفي الملل والسآمة.
وإنما المزاح في الكلام كالملح في الطعام، إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم .
27- الفخر بالنسب :
فالفخر بالنسب خلق جاهلي، ذمه الإسلام، ومقت أهله، وحذر من صنيعهم.
والفخر بالنسب عنوان سفه العقل، وآية دنو الهمة فهل للإنسان الخيرة في اختيار نسبه؟ وهل النسب مما يرفع عند الله؟ إنما الفخر كل الفخر بتقوى الله ـ عز وجل ـ وبالترقي في مراتب الكمال، ومدارج الفضيلة.
لقد رفع الإسلام سلمان فارس كما وضع الكفر الشريف أبا لهب
فكم من الناس ـ مع بالغ الأسف ـ من يفاخر بنسبه، ويترفع على من سواه، ويعقد الولاء والبراء للنسب، مع أن الله ـ عز وجل ـ يقول في محكم التنزيل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} ثم بين الحكمة من ذلك قال: {لِتَعَارَفُوا} لا لتفاخروا، ثم بين معيار التفاضل بين الناس فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) . صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
فليس التفاضل بالجنس، أو اللون، أو العرق، وإنما هو بالتقوى.
وقيل :
إن لم تكن بفعال نفسك ساميا*** لم يغن عنك سمو من تسمو به
ليس القديم على الجديد براجع ***إن لم تجده آخذا بنصيبه
28- قلة المراعاة لأدب المحادثة :
وهذا مهم جدا وقل من الناس اليوم من يتحلى بهذه الآداب الجامعة .
فللمحادثة آداب يحسن مراعاتها والتحلي بها، ويقبح التفريط فيها، والإخلال في شأنها.
والتقصير في هذا الجانب يعد ضربا من ضروب سوء الخلق.
ومن المظاهر لقلة المراعاة لأدب المحادثة مقاطعة المتحدث، والاستخفاف بحديثه، وترك الإصغاء إليه، والمبادرة إلى تخطئته أو تكذيبه، ورفع اليدين في وجهه، والقيام عنه قبل أن يكمل حديثه.
ومنها الثرثرة، وحب الاستئثار بالحديث، وكثرة امتداح النفس.
ومنها قلة المراعاة لمشاعر الآخرين، ومواجهتهم بما يكرهون، والحديث بما لا يناسب المقام والحال.
ومنها بذاءة اللسان، والتفحش بالقول، واستعمال العبارات المستكرهة صراحة دون تكنية.
ومنها رفع الصوت بلا داع، والغلظة في الخطاب، والشدة في العتاب.
ومنها التقعير في الكلام، والخوض فيما لا طائل تحته، والكلف في المعارضة والخلاف.
ومنها الجدال والمراء، والخصومة، واللداد .
29- قلة المراعاة لأدب المجالس :
ومن مظاهر ذلك دخول المجلس والخروج منه دون إذن، وترك السلام حال الدخول وحال الخروج.
ومنها التصدر للمجالس لمن ليس أهلا لذلك , ومنها قلة التفسح في المجالس، والتفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما، والجلوس في مجلس الرجل إذا قام منه وهو يريد الرجوع إليه ,ومنها الجلوس في الطرقات دون أداء حقها، والجلوس على هيئة تشعر بقلة الأدب كالاضطجاع، ورفع الرجل في وجه المتكلم ونحو ذلك ,ومنها القيام بما ينافي الذوق في المجالس كالتجشؤ، والتمخط، والتثاؤب، والقهقهة، ونحو ذلك,ومنها تناجي الجماعة دون الواحد، ومنها التقصير في السنن الواردة في المجلس كتشميت العاطس، والاستغفار في آخره,ومنها مزاولة المنكرات في المجالس كالغيبة والنميمة ونحو ذلك، ومنها مداهنة أهل المجلس وترك الإنكار عليهم.
30- سوء التعامل مع الوالدين :
وهذا الأمر يأخذ صورا كثيرة، فمن ذلك نهرهما، وزجرهما، ورفع الصوت عليهما، والتأفف والتضجر من أوامرهما.
ومن ذلك العبوس وتقطيب الجبين أمامهما ,ومن ذلك احتقارهما، وتسفيه أحلامهما، ووصفهما بالجهل، والحمق، والغباء ,ومن ذلك الأمر عليهما، وترك مساعدتهما ,ومن ذلك ذمهما، وعيبهما أمام الناس، فمن الناس من إذا أخفق في دراسته أو نحو ذلك ألقى باللائمة والتبعة على والديه، وزعم أنهما سبب إخفاقه؛ لأنهما لم يحسنا تربيته ,ومن ذلك سبهما، وشتمهما إما مباشرة وإما بالتسبب ,ومن ذلك البراءة منهما، والاستحياء من الانتساب إليهما، وطردهما من المنزل، أو الذهاب بهما إلى دور العجزة.
وأقبح ما في ذلك قتلهما، والتخلص منهما؛ رغبة في الميراث أو نحو ذلك عياذا بالله.

له متابعه