المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام أهل العلم في مسألة التشريع المخالف لشرع الله



أهــل الحـديث
02-02-2013, 06:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


من المفاهيم الخاطئة المنتشرة عند بعض الناس، ظنهم أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر حتى يصرح بالاستحلال والإنكار لحكم الله، وهذه – بلا شك – من آثار الفكر الإرجائي، حيث يحصر المرجئة الكفر بالتكذيب والجحود فقط ولا يكفرون المعرض والممتنع ولا من يسن تشريعاً يناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وسيقتصر الحديث هنا على نقل بعض النصوص عن الأئمة فيها بيان خطورة تبديل شرع الله، أو الحكم بالقوانين.
- قال الإم--ام أبو بكر الجصاص (*) في تفسير قوله تعالى: [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...] )[19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19) ):
"وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو خارج من الإسلام، سواء ردة من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القول والانقياد، والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة، وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه، فليس من أهل الإيمان" )[20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20) ) والمشرعون لو رضوا بشرع الله وحكمه وقبلوه وانقادوا له واعتقدوا أنه الأصلح والأحسن وأنه واجب الاتباع، لما اختاروا غيره، فاختيارهم أو تشريعهم ما يناقضه دليل على فساد ما في قلوبهم من الانقياد والتسليم.
2- ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "إن من تولى عن طاعة الرسول، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن، وإن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة، فكيف بالتنقص والسب ونحوه" )[21] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21) ). فتأمل هذا الاستنباط من شيخ الإسلام حيث بين أن الإيمان يزول بمجرد الإعراض عن حكم الرسول، ولو لم يقترن ذلك بتكذيب أو استحلال، وأكد – رحمه الله – عدم اقترانه بشيء من ذلك بقوله: "مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة" أي هذا الإعراض، ترك محض ربما بسبب شهوة وضعف وليس استحلالاً،فكيف بمن زاد على هذا الإعراض بسن القوانين المخالفة لشرع الله والرضى بها، وربما ألزم الناس بها، وحماها وحارب من يعارضها؟ ويقول: "والإنسان متى حلل الحرام – المجمع عليه – أو حرم الحلال – المجمع عليه – أو بدل الشرع – المجمع عليه – كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء" )[22] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22) )، فشيخ الإسلام ساوى بين المستحل والمبدل.
ويقول أيضاً: "ومن حكم بما يخالف شرع الله ورسوله، وهو يعلم ذلك، فهو من جنس التتار الذين يقدمون حكم الياسق، على حكم الله ورسوله" )[23] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23) ).
فمجرد حكمه بما يخالف شرع الله ورسوله – وهو يعلم – ولو لم يكذب ويجحد حكم الله ورسوله، يجعله شيخ الإسلام من جنس التتار الذين غيروا وبدلوا ووضعوا القوانين المناقضة للشريعة، وحكم الأئمة بكفرهم )[24] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24) ). ويقول: "ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب" )[25] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25) )، ومن وضع تشريعاً يخالف حكم الله ورسوله فقد سوغ اتباع غير دين الإسلام.
3- وللإمام الحافظ ابن كثير – رحمه الله – كلام واضح وصريح حول حكم الخارجين عن الشريعة كالتتار وأمثالهم، يقول: "... فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين" )[26] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn26) ) فالإمام – رحمه الله – اعتبر مجرد الترك، كفر وحكى الإجماع على ذلك، وقال عند تفسير قوله تعالى: [أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون] )[27] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn27) )، قال: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية، والملة الإسلامية )[28] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn28) )، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً، يقدمونه على الحكم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير" )[29] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn29) فهذا الفعل من التشريع والتقنين الملفق، المأخوذ من مصادر شتى، خروج عن الشريعة، واستحلال للحكم بغيرها ولو لم يصرح بذلك بلسانه، فالفعل هنا أبلغ من القول ولا يفعل ذلك من يرى وجوب الحكم بالشريعة.
4- وتكلم بعض العلماء المعاصرين، عن تحكيم القوانين، أو الشرك في الحكم، ومن أبرز من أصل الكلام في ذلك، الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – والشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله -وسننقل بعض النصوص المختصرة عنهم حول هذه القضية، يقول الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – عن هذه القوانين: "... هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين، ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري، ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم |إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم رجعياً وجاحداً إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة... إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة" )[30] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn30) )، وقال الشيخ محمود شاكر في رده على من استدل ببعض الآثار عن السلف في عدم تكفيرهم الأمراء الذين حكموا بغير ما أنزل الله مع اعترافهم بالذنب، وتطبيق ذلك، على من يحكمون القوانين في عصرنا، قال: "وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعه زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبته عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه..." )[31] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn31) )، وتكلم الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – عن حالات الحكم بغير ما أنزل الله المخرجة من الملة ومما ذكر تحكيم القوانين الوضعية، وعدة من أعظمها وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، وقال: "... فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار المسلمين مهيئة مكملة، ومفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، ومن أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة....." )[32] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn32) ).
وللشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – كلام متين يبين فيه أنه لا فرق بين الإشراك في العبادة، والإشراك في الحكم، يقول في تعليقه على حديث عدي بن حاتم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي: " ألم يحرم-وا عليكم ما أحل الله ويحلوا لكم ما حرم الله فتتبعوهم، قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم" )[33] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn33) )، قال – رحمه الله -: " وهذا التفسير النبوي يقتضى أن كل من يتبع مشرعاً بما أحل وحرم مخالفاً لتشريع الله أنه عابد له متخذه ربا مشرك به كافر بالله، هو تفسير صحيح لا شك في صحته... واعلموا أيها الإخوان: أن الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله، وقانوناً مخالفاً لشرع الله من وضع البشر معرضاً عن نور السماء الذي أنزله الله على لسان رسوله، من كان يفعل هذا هو من كان يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، كلاهما مشرك بالله، هذا أشرك به في عبادته، وهذا أشرك به في حكمه، والإشراك به في عبادته والإشراك به في حكمه، كلها سواء، وقد قال الله جل وعلا في الإشراك به في عبادته: [فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً] )[34] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn34) )، وقال تعالى في الإشراك في حكمه أيضاً: [له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً] )[35] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn35) )..." )[36] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn36) ).
ونختم هذه النقولات عن المعاصرين بتفصيل جيد ذكره الشيخ محمد الصالح العثيمين – حفظه الله – قال: "والحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يستبدل هذا الحكم بحكم الله تعالى بحيث يكون عالماً بحكم الله، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى وأنفع للعباد من حكم الله، أو أنه مساو لحكم الله، أو أن العدول عن حكم الله جائز، فيجعله القانون الذي يجب التحاكم إليه، فمثل هذا كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لأن فاعله لم يرض بالله رباً ولا بمحمد رسولاً ولا بالإسلام ديناً...
الثاني: أن يستبدل بحكم الله تعالى حكماً مخالفاً في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانوناً يجب التحاكم إليه فله ثلاث حالات..." )[37] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn37) )، ثم فصل – حفظه الله – حالات القسم الثاني متى تكون كفراً أكبر ومتى تكون كفراً أصغر، والشاهد من كلام الشيخ، تفريقه بين الحكم في قضية معينة، وبين من يجعل ذلك قانوناً، بل بين في موضع آخر أن التشريع لا يتأتى فيه التقسيم السابق، وإنما يدخل في القسم الأول فقط، لأن هذا المشرع تشريعاً يخالف الإسلام، لا يفعل ذلك إلا لاعتقاده أنه أصلح وأنفع للعباد" يقول – حفظه الله -: "... ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلية الفطرية، أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه، ونقص ما عدل عنه.." )[38] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn38) ).