المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار والقرار



أسواق
27-01-2013, 06:10 PM
أصبح الحوار لغة عالمية وسمة من سمات هذا العصر بامتياز استطاع أن يصل إلى القلوب قبل الأجسام وإلى العقول قبل الآذان وأن يخترق الجدران وأن يتسلق الحواجز وأن يقطع القفار وأن يتجاوز العوائق وأن يكسر الصمت وأن يلغي الأنا ويعلن الوطن، إنها بحق ألفيّة الحوار الوطني والعالمي الذي شدا به داعية الإنسانية وراعي مملكتها عبدالله بن عبدالعزيز، والحوار لا يقصد منه الاقتناع ولا الإقناع ولا هو من أولوياته، إنما المقصود منه التعرف على ما عند الآخرين وإطلاعهم على ما عندنا والوصول إلى المشترك والعذر في المختلف، ولكن إذا لم تترجم تلك الحوارات وما نتج عنها من توصيات إلى قرارات عملية فسوف تتحول إلى مهرجانات لتوزيع المهدئات وتسويق جرعات التخدير الوقتيّة التي لا يلبث المتضرر أن يفيق منها ليعود إلى ماضيه الأليم وحياته المختطفة.من هنا تأتي أهمية القرار السياسي، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتفق البشر على كل شيء ولا هو مطلوب منهم ذلك فهذه طبيعتهم; (ولا يزالون مختلفين)، بقدر ما هو مطلوب منهم الاتفاق على المشترك الوطني لذلك لا يمكن أن ننتظر من الناس الاتفاق على كل شيء كما سبق وأن قلت، بل هو ضرب من ضروب الخيال، وحكم الحاكم كما هو معلوم عند أهل الفقه والشريعة يرفع الخلاف، فإذا اختلفت وجهات النظر وتعددت الآراء والاجتهادات فللحاكم أن يتخيّر ما يراه مناسبا للأحوال ومحققا للمقاصد الشرعية والمصالح العامة. هذا فيما اختلف فيه العلماء، فما بالك بما هو من الحقوق الشرعية والمكتسبات الإنسانيّة التي جاء الإسلام بحفظها والعناية بها. دعونا لا نذهب بعيدا فلو فتحت أي كتاب أو سألت أي عالم عن حكم البيع والشراء لقال لك (وأحل الله البيع وحرم الربا) وهذا خطاب عام يشمل الرجال والنساء بالإجماع، ولكن الواقع أن المرأة لا تستطيع أن تبيع حتى ملابس النساء للنساء فضلا عن أن تفتح محلا تجاريا إلا إذا كان على الرصيف، كفانا تشدقا، مللنا من الحديث عن أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها وحفظ كرامتها وصان عرضها فهل أعطيناها نحن! وعلى مثل هذه القضية قِس، ثم إن الكثير من القضايا التي يدور حولها الجدل ليست موجودة ويراد منعها لوجود متضررين أو محاذير شرعية، فقد يكون له وجاهته وإنما هي غير موجودة ويتضرر الكثير من عدمها مع أن إقرارها لا يضر المعترضين ولا يلزمهم بشيء فهم بالخيار بين القبول والرفض (لأن العدم يعمّ والوجود بالاختيار)، وختاماً أقول نعم نحن بحاجة إلى قرار سياسي في كثير من قضايا الجدل العقيم.
أحمد بن عبدالعزيز ابن باز