المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثرثار او ثرثارة لا نحبكم



عميد اتحادي
26-01-2013, 04:30 PM
شخص غريب الأطوار، ما منا أحد إلا وصادفه في مجلس أو اجتماع أو مناسبة أو غير ذلك، يتحدث في كل مجالات الحياة دون استثناء، سعادته ونشوته تكمن في مواصلته الكلام دون انقطاع، أما شقاؤه فيبدأ عندما يجد نفسه صامتا مصغيا لغيره؛ لأنه يعتقد أنه وحده الأحق بطرح أفكاره وآرائه، وسرد ما لديه من قصص وحكايات وأخبار، وهذا ما قد يدفعه لمضايقة من يستطيع مضايقتهم ممن يحاولون ممارسة حقهم في الحديث.
فتجده يقاطع المتكلم تارة ويسخر منه تارة أخرى، وإذا فشل في السيطرة على الموقف ربما يغادر المكان، كونه يريد من حوله مستمعين لا ينبسون ببنت شفه. وهنا، أظن أن ما سلف يكفي لأن يدرك القارئ أننا في صدد الحديث عن شخصية المهذار، كثير الكلام الذي يهرف بما يعرف وبما لا يعرف، المهم أنه يظل رافعا عقيرته طوال مدة وجوده بين الحاضرين.
يا لبؤس ابن آدم حينما تغلبه شهوة الكلام لدرجة تجعله يتطفل على مختلف العلوم والفنون والتخصصات، ظانا أنه وحده الحاذق اللوذعي الذي يدرك ظاهر الأمور وخافيها، بيد أن الحقيقة عكس ذلك تماما. ولقد لخص أحد الشعراء هذه الحالة بقوله:
«ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري.. وأنك لا تدري بأنك لا تدري» وصف دقيق لأولئك
الذين يكثر كلامهم دون سند أو خلفية علمية. وجل مصادر مثل هؤلاء «يقولون وسمعنا» ومع ذلك تجدهم رافعين أصواتهم بين الحضور، والكل مصغٍ لهم طوعا أو كرها، فهم قد اكتسبوا خبرة طويلة تؤهلهم للسيطرة على محاور الحديث كافة.
ليس من العيب أن يتحدث الإنسان، فهذه طبيعة بشرية، تمكنه من التواصل مع الآخرين، لتبادل الآراء والأفكار والمعارف، وبذلك تنشرح الصدور وتسود أجواء الأنس والفرح، لكن العيب يلازم بعض الأشخاص الذين يودون احتكار الحديث لهم دون غيرهم، رغم أن ما يقولونه كلام مرسل لا يقدم ولا يؤخر، وعند نهاية اللقاء لا أحد يتذكر شيئا منه، كون المستمع يعلم سلفا أن ما سيسمعه مجرد عبارات ملفقة من هنا وهناك، صحيحها قليل وزيفها كثير. المشكلة أننا مضطرون أحيانا لمجاهدة النفس ومجاملتهم في مواطن شتى، فهم موجودون في الإعلام وفي المجالس وفي الاجتماعات وفي المحاضرات، لكن لا بأس في نهاية المطاف لن يصح إلا الصحيح.