المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوجود الإسلامي في القارتين الأمريكيتين قبل مجيء "كريستوف كولومبوس"



أهــل الحـديث
26-01-2013, 01:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الوجود الإسلامي في القارتين الأمريكيتين قبل مجيء "كريستوف كولومبوس"



انطلاقا من محاضرات



الدكتور "علي بن المنتصر الكتاني" رحمه الله






مقدمة:

الموضوع حقيقة في غاية الأهمية، و شيق جدا، و لا يعرفه كل الناس. بل يجهله حتى بعض المتخصصين في التاريخ. فكما يقال: التاريخ هو قصة المنتصرين." أي أن الذي ينتصر هو من يكتب التاريخ. و عند ربط هذه القولة بموضوعنا: " الوجود الإسلامي في القارتين الأمريكيتين قبل كولومبوس" عندما نسمع باكتشاف أميركا من طرف "كريستوف كولومبوس"، لولا أن بعد اكتشاف أميركا أصبح الأوروبيون بصفة عامة هم المهيمنين على العالم؛ لكانت قصة اكتشاف أميركا من طرف الأوروبيين خرافة بديهة. لأنه لم يكتشفها كريستوف كولومب، بل كانت معروفة من لدن كثير من الشعوب، خاصة الشعوب الإسلامية. و هذا العرض مبني على ثلاثة مصادر:

الكتاب الأول: كتاب مهم جدا مكتوب باللغة الإسبانية: "Africa versus America"، و كتبته "Luisa Isabel Álvarez de Toledo "، و هي دوقة مدينة "Sidonia"، و هي سليلة إحدى أكبر العائلات الإسبانية، ولا زالت تعيش في قصرها بمكان يسمى "Sanlúcar de Barrameda" في مدينة "قادس" قرب نهر "الوادي الكبير" في الأندلس، و تملك مكتبة و وثائق فريدة من نوعها عن تاريخ الأندلس عموما، و بصفة خاصة عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل "كريستوف كولومبوس"، لأن أجدادها كانوا من حكام إسبانيا و كانوا جنرالات في الجيش الإسباني، و كانوا حكام الأندلس و أميرالات البحرية الإسبانية. و لذلك تعتبر الوثائق التي في ملكها هامة جدا.

والكتاب الثاني: هو مجموعة مقالات للدكتور "علي بن المنتصر الكتاني" و الدكتور "مختار امبو"، ضمن موسوعة عن الوجود الإسلامي في العالم في مجلدان منها عن الإسلام في أمريكا. أول مقال فيها كتبه "عبد الله الحكيم كويك"، و هو أمريكي مسلم، أستاذ في جامعة طورنطو، و له تاريخ نضالي في أمريكا. و كانت مقالاته هاته عن الإسلام في أمريكا قبل "كريستوف كولومبوس" موثقة و مهمة جدا.

الكتاب الثالث: مهم جدا و هو مكتوب باللغة الإنجليزية بعنوان "The Malingens"، اسم إذا رآه شخص لا يعيره اهتماما، يسمونهم أحيانا "The white of the Appalachians"، جبال الأبالاش، تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان يسمونهم "ميلونجونز" و من أحد المنتمين إليهم شخص يدعى"Brand Kennedy" كتب كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، و بقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن، و من أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "Abraham Lincoln" الرجل الأمريكي الأسود الذي ناضل من أجل تحرير السود في أمريكا و تحريره للعبيد كان انتقاما للأندلس من النصارى بطريقة غير مباشرة.

هذه المقدمة إنما هي تذكير بالمصادر المتاحة في هذا الموضوع و كما نلاحظ فهي قليلة إن لم نقل ناذرة. و يمكن أن نلخص و بناء على المصادر المذكورة أهم النقاط الواردة في المحاضرة على الشكل التالي:


أولا: ما هي البراهين التي تثبت الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومبوس؟

ثانيا: هل هذا الوجود قبل كريستوف كولومبوس مازالت له آثار إلى الآن، أم تم مسحها؟

و هذا السؤال الثاني يستمد أهميته من الإهتمام المتزايد بمستقبل الإسلام حول العالم، فهناك شعوب بأكملها في حقيقتها تعتبر من بقايا الإسلام في مختلف بقاع القارات الخمس، و هذا يعني أن رجوع الإسلام إليهم يعتبر من أسهل ما يكون، و سنعطي بعض الأمثلة من أمريكا.

إذن فالقول بأن اكتشاف أميركا كان من طرف "كرستوف كولومبوس" إنما هو كذبة كبيرة، لأن هناك الآن براهين بأن الإسكندنافيين وصلوا إلى أمريكا ألف عام قبل كريستوف كولومب، مثال ذلك "Toll Hoyer Dalida"، الذي خرج من مدينة آسفي بالمغرب بباخرة صفها بورق البردي "Papyrus"، و قطع المحيط إلى أميركا بسهولة، و برهن بذلك على أن قدماء المصريين ذهبوا كذلك إلى أميريكا.

إذن فالعلاقات مع أميركا كانت متواصلة قبل الإسلام و بعده، و بصفة خاصة بعد الإسلام من طرف الشعوب الإسلامية. إذن فإن لفظة "اكتشاف"، كلمة تعتبر خرافة مرت علينا و نعلمها في مدارسنا، إذ أن معظم الوثائق الباقية هي الآن في الغرب، و مع الأسف الشديد فوثائقنا العربية ليس عندنا منها شيء و لدينا نقص في الأبحاث في هذا الموضوع.

و سنحاول تقسيم الحديث عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل "كريستوف كولومبوس" إلى نطقتين اثنتين:

النطقة الأولى: المغرب و الأندلس


القرائن و الآثار الموجودة الآن في هذا الوقت مثل الكلمات، و الآثار اللغوية:

ففي لغة الهنود الحمر هناك كلمات عربية و أمازيغية بكثرة، و لا يمكن أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم هناك، القرائن التاريخية التي جاءت في الكتب القديمة – العربية وغير العربية – و الآثار الموجودة إلى الآن رغم المجهود الكبير الذي عمل عليه الإسبان، بعد "كريستوف كولومبوس" لمسح أي أثر للإسلام أو الوجود الإسلامي في القارة الأميريكية، و ذلك طبعا من أجل تحريف التاريخ.

العرب قديما كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات. إذا نظرنا إلى القرائن الأركيويوجية (الأثرية)، نجد أنه اكتشفت كتابات كوفية في أميريكا الجنوبية بالعربية، فمن أوصلها إلى هناك؟. و اكتشفوا في عدة أماكن كنوزا تحتوي على عملات ذهبية رومانية و أخرى إسلامية. و في العادة إذا اكتشف كنز في محل ما فإن تاريخ ضرب العملة الذي فيه يعتبر تاريخ وصول الكنز إلى المحل المذكور، و ذلك أمر طبيعي في البحث العلمي. و آخر عملة اكتشفوها كانت للقرن الثامن الميلادي، أي أن ثمة باخرة إسلامية وصلت في القرن الثامن الميلادي إلى ذلك المحل و تركت عملاتها من الذهب هناك.

و هناك أدلة أخرى مما جاء في بعض أمهات الكتب العربية مثل ما ذكره "أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي" في كتابه "مروج الذهب و معادن الجوهر" المكتوب عام 956 ميلادية، أن أحد المغامرين من قرطبة اسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، و رجع سنة 989 م. و قال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسا في الأرض التي وصلها، و وصفهم. و لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا سماها: الأرض المجهولة. فهو إذن رسم أرضا هناك و لم يدّع أنه ليس بعد بحر الظلمات أي أرض، كما كان يدعي الأوروبيون في خرائطهم و كتبهم. و هذا معناه أنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضا وراء بحر الظلمات، و ليست هي الهند كما ادعاه "كريستوف كولومبوس"، و الذي ذهب إلى تلك الأرض و عاد و عاش و مات، و هو يظن أنه إنما ذهب إلى الهند، لم يظن قط أنه اكتشف أرضا جديدة. و لذلك فإلى يومنا هذا بكل جهل يسمي الأوروبيون أمريكا بالهند الغربية.

وثمة وثيقة تاريخية أخرى عندنا في التاريخ العربي؛ و هي قصة ذكرها "عمر بن القوطية"، و هي حديثه عن رحلة "ابن فروخ الأندلسي" عام 999م، و مما يظهر من كلامه: أن "ابن فروخ" لم يصل إلى أمريكا، غير أنه زار جزر الكناري، في المحيط الأطلسي، و قطع منها إلى جزر أخرى في المحيط الأطلسي، و وصف أهالي "كنارياس" ثم عاد إلى الأندلس.

و هناك قصة أخرى ، و هي قصة "الشريف الإدريسي" الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099-1180م، و هو من مدينة سبتة، و هو عالم جغرافي صاحب الكتاب المشهور "الممالك و المسالك" الذي جاءت فيه قصة الشباب المغرورين؛ و هم: جماعة خرجوا ببواخر من لشبونة البرتغالية و كانت في يد المسلمين وقتها، و قطع هؤلاء المغامرون بحر الظلمات، و رجع بعضهم، و ذكروا قصتهم و أنهم وصلوا إلى أرض وصفوها و وصفوا ملوكها. و الغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا أناسا يتكلمون بالعربية هناك.

وإذا كان أناس يتكلمون بالعربية هناك فهذا دليل على أن أناسا كثيرين وصلوا قبلهم إلى هناك، حتى تعلم أهلها العربية ليكونوا ترجمانا بينهم و بين الملوك المحليين، و على أنه كان هناك وجود إسلامي في ذلك التاريخ على تلك الأرض. الوصف الذي أعطاه هؤلاء المغامرون يظهر أنه وصف لجزر "الكاراييب"، "كوبا" أو "إسبانيولا" و غيرها.

و هناك أمثلة أخرى في اللغة و غيرها. ففي اللغة أمثلة كذلك: فالأوروبيون رسموا خريطة لأمريكا، و منها خريطة لفلوريدا، و ذلك عام 1564م، ذكروا فيها مدنا ذات أسماء توجد في الأندلس و المغرب. و لكي تكون أسماء عربية هناك، فبالضروري كانت هجرة عربية قبل المائة أو المائتي عام على الأقل. مثلا: في الخارطة هناك مدينة ميارقة، و يظهر بوضوح أنها تحريف لميورقة، وهي جزيرة من الجزر الشرقية المسماة الآن بجزر البليار، و مدينة اسمها كاديكا، و هي تحريف لقادس الواقعة جنوب الأندلس. و أخرى اسمها "مارّاكو" تساوي: مراكش...إلخ.

و قد كتبت دوقة مدينة سيدونيا "Luisa Isabel Álvarez de Toledo" بناء على الوثائق التي تملكها كتابا في غاية الأهمية ب تشجيع من الدكتور "علي بن المنتصر الكتاني" الذي اكتشف في دراساته عن الموريسكيين بأنه في عام 1644م، قامت مؤامرة في الأندلس لتحريرها من إسبانيا، و إعادة الدولة الإسلامية فيها، دخلت في هذه المؤامرة أربعة أطراف كان من بينها: دوق مدينة سيدونيا، و الذي كان الحاكم باسم ملك إسبانيا على منطقة الأندلس. فكيف يعقل أن يقوم دوق مدينة سيدونيا الذي يمثل السلطة النصرانية (المسيحية) على الأندلس بمؤامرة من أجل تحرير الأندلس؟
فلما التقى الدكتور "علي بن المنتصر الكتاني" الدوقة الحالية لمدينة سيدونيا سألها عن السبب و أجابته بأن ذلك "بديهي؛ لأن أصلنا – عائلة دوق مدينة سيدونيا – مسلمون، بل أكثر من ذلك أننا كنا مسلمين سرا". وقالت له: "تعال أريك في قصرنا؛ كنت أدق حائطا و عندما أسقطته و جدت أسفله مسجدا داخل القصر" و يقول الدكتور"علي الكتاني" بأنه صلى في ذلك المسجد الموجود داخل القصر. و بالتالي فإن هذا الدوق قام بمجهود كبير لتحرير الأندلس.

و تمتلك دوقة مدينة سيدونيا مكتبة فاخرة مليئة بوثائق عمرها خمسمائة عام، من ضمنها وثائق مسلمي أميركا الجنوبية و هي بمثابة برهان على الوجود الإسلامي في أميريكا قبل أربعمائة عام من مجيء "كريستوف كولومبوس".

و كانت خائفة من أن تسرق وثائقها و تتلف بعد موتها، لأنها تقول بأنه: "لا ثقة في نصارى إسبانيا إلى يومنا هذا" و هي تقول بأنه: "إلى يومنا هذا يعدمون الوثائق التاريخية المضادة لخرافاتهم التاريخية التي يحبون إقناع الناس بها".
فاقترح عليها الدكتور "علي الكتاني" أن تكتب كتابا تجمع فيه هذه الوثائق فكان ذلك السبب الأساس لكتابتها هذا الكتاب، فهذا الكتاب الذي سمته: "من إفريقيا إلى أميركا"، كتاب وثائقي رائع، موثق بالوثائق التي عندهم في مكتبة دوق مدينة سيدونيا صدر نهاية سنة 2000 و هو مكتوب باللغة الإسبانية.

و من المسائل المهمة التي يجهلها الكثيرون، أن ياسين والد عبد الله بن ياسين – مؤسس دولة المرابطين – قطع المحيط الأطلسي و ذهب إلى مناطق شمال البرازيل، و غينيا، و نشر فيها الإسلام. ذهب إلى هناك مع جماعات من أتباعه، و أسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية. أي أن الدولة المرابطية لم تكن في شمال إفريقيا و الأندلس و البرتغال فقط، و إنما كانت أيضا فيما يسمى الآن شمال البرازيل و غينيا، و هذا موثق بالوثائق التي تملكها الدوقة المذكورة.

و فعلا فإلى يومنا هذا؛ هناك مدن و قرى في تلك المناطق اسمها: فاس، مراكش، تلمسان، سلا... و هذه المدن سميت بهاته الأسماء قبل مجيء الإسبان إلى تلك المناطق أربعمائة عام قبل مجيء "كريستوف كولومبوس".

إذن بصفة عامة فإن العلاقات بين المغرب و الأندلس، و ما يسمى اليوم بأميريكا كانت متواصلة، و حسب معظم العلماء؛ فالآن – سواء من الطرف الإسباني أو من الطرف الأميركي – فإنهم يعتقدون أن قبل كريستوف كولومب كان الإسلام منتشرا في شمال أمريكا و في جنوبها، و أن أول عمل قام به الغزاة الإسبان النصارى هو متابعة هجومهم على الإسلام الذي كان في الأندلس، بالقضاء على الإسلام و القضاء على الوثائق التي تبرهن أي وجود إسلامي في تلك القارة. و رغم هذا المجهود الكبير لم يستطيعوا القضاء على كل شيء.

النطقة الثانية: علاقة الدولة العثمانية و إفريقيا مع أميركا


هنا ستنحدث عن علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل "كريستوف كولومبوس"، و علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل "كريستوف كولومبوس".

في عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها "بيري محيي الدين رايس"، الذي كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، و ذلك سنة 919 هـجرية أي حوالي: 1510-1515 ميلادية، الغريب في هذه الخريطة أنها تعطي خريطة شواطيء أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء فقط، بل أتى بأنهار و أماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م، فهذا يعني بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين خريطة له و للبحارين الأندلسيين و المغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو المسلمون قبله سيكونون عرفوابلا شك تلك المناطق، و عرفوا اسمها قبل الأوروبيين.

و من ضمن المسائل التي تدل في هذه الخريطة على تقدمهم على الأوروبيين بكثير في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر "الرأس الأخضر" و "ماديرا" و "جزر الأسور"، و بما فيها "جزر الكناري"، التي يسميها البعض "جزر الخالدات". و الغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال "الأنديس" التي توجد في "تشيلي" غرب قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، و أظهر أنهارا في كولومبيا، و نهر الأمازون بالتفصيل، و مصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند الأوروبيين و لا موجودين في خرائطهم. و أظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن "ماراجو"، و التي لم يصلها الأوروبيون إلا في آخر القرن السادس عشر.

و هناك كذلك خريطة للحاج "أحمد العثماني" عام 1559م، و هي تدل كذلك على معرفة واضحة بالقارة الأميركية. و الحقيقة أن الرعب الكبير الذي كان ينتاب الأوروبيين في القرن السادس عشر هو أن تحتل الدولة العثمانية أمريكا و تطردهم منها، ففي القرن السادس عشر كان الوجود الإسلامي ما يزال في إسبانيا، آنذاك كان الموريسكيون مضطهدين و محاربين، و كانوا بعدها عرضة لمحاكم التفتيش.

أما الأفارقة؛ فكما أظهر "تول هايير داليدا" عام 1969م، بالرحلة التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا لأنه وجد تشابها كبيرا بين حضارة الأزتك و الحضارة المصرية و مثال ذلك الأهرام التي توجد حاليا في مصر و توجد كذلك في بعض دول أمريكا التي عاشت فيها حضارة الأزتيك.

وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة مالي، لأن "شهاب الدين العمري" قال في كتاب "مسالك الأبصار و ممالك الأمصار" بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب، و أخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة و قطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى و أنابه عليه في حكم مالي و لم يعد قط. و بذلك بقي هو في الملك.

و وُجدت كتابات في البيرو و البرازيل و جنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ و هي لغة لشعب كله مسلم الآن، يسمونهم: "الفلان"، أو بحروف كوفية عربية. و كذلك تركت اللغة المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.
و انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال و جنوب الأمريكتين، و هناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.

فهل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي و الوجود المانديكي و آثارهم و لم يبق من ذلك شيء؟!، هذا لا يمكن. فإذا رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومبوس؛ نجد بأنهم ذكروا الوجود الإسلامي فى أميركا فمثلا؛ في كتاب كتبه "ليون فيرنيل" عام 1920م، و كان أستاذا في جامعة هارفرد الأمريكية، و عنوان الكتاب "إفريقيا و اكتشاف أمريكا" يقول فيه: "إن كريستوف كولومبوس كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا"، و ركز في براهينه على براهين زراعية و لغوية و ثقافية، و قال بأن المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط و شمال أمريكا، و تزاوجوا مع قبيلتين من قبائل الهنود الحمر، و هما: "إيروكوا" و "الكونكير" في شمال أمريكا، و انتشروا في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، و شمالا حتى وصلوا إلى جهات كندا.

بل و ذكر كريستوف كولومبوس نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. و كان يظن بأنهم من السكان الأصليين، و لكن لا يوجد سكان أصليون زنوج في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.
ذكر "جيم كوفين" و هو كاتب فرنسي في كتابه "بربر أمريكا "Les Berberes d’Amerique" بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها "المامي"، و هي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: "الإمام"، و هي تقال عن زعماء المسلمين، و ذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، و ذلك قبل كريستوف كولومبوس.

و في كتاب "التاريخ القديم لغزو المكسيك" لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال جاء فيه ما يلي: "كانت أمريكا الوسطى و البرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا و انتشروا في أمريكا الوسطى و الجنوبية و الشمالية".

كما اكتشف الراهب "فرانسيسكو كارسيس" عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية و اكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها للسود. و بما أنه لا يوجد في أمريكا سود، و بالتالي فهم قدموا إليها من من إفريقيا.

و هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، و تجارة القطن، قبل كولومبوس. و معروف أن التجارة مع المغرب و إفريقيا كانت كلها على الذهب عبر الصحراء. و تشير مصادر تاريخية أن"سيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي" قطع الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها و يسكت طلبات المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس. و يسهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على تحليل يتم بواسطته تمييز تركيبة الذهب التي تدل على أن أصله إفريقي، و خاصة منذ القرن الثالث عشر. ولقد وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.

و لكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية، و قرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود الحمر، و هذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو الأوروبي.

فمثلا: بالعربية: غنى، و غنية، و غنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: "غواني" "Guani"، معناها: الذهب. كلمة كنقود، و نقية، و نحاس، أصبحت بلغتهم: "نيكاي"، بمعنى: حلي من ذهب. كلمة "التبر"، صارت: "توب"، أي: الذهب. و كذلك لقبا لملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا وجود عربي هناك.

تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا الغربية، و تعجب كولومبوس نفسه في كتاباته حيث قال: "إن الهنود الحمر يلبسون لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات" و أكد ابنه ذلك الكلام أيضا.

و الغريب في الأمر أن قبيلة موجودة الآن في أمريكا الوسطى اسمها: "كاليفونا" في غواتيمالا، يسمونهم: "الهنود الحمر السود"، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، و هم من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، و كثير من عاداتهم لا زالت عادات إسلامية إلى الآن.

وقال "مييرا موس" في مقال في جريدة اسمها: "Daily Clarion"، في "Belize" و هي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا الوسطى، بتاريخ عام 1946م: "عندما اكتشف كريستوف كولومب الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض اللون، خشن الشعر، اسمهم: "الكاريب"، كانوا مزارعين، و صيادين في البحر، وكانوا شعبا موحدا و مسالما، يكرهون التعدي و العنف، و كان دينهم: الإسلام، و لغتهم: العربية!".

و تقول مصادر التاريخ الرسمي أن الكاريب انقرضوا. لكن في الحقيقة لم ينقرضوا؛ بل تمت إبادتهم و إلى يومنا هذا تسمى تلك الجزر بالكاريبي، في البحر الكاريبي.

والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: "الكاليفونا"، وقد بقوا إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من العادات الإسلامية لا زالت فيهم.

هنا نتسائل أين هي هذه الشعوب الآن؟

كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، و كثير منهم رجع إلى الإسلام، و أصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.
أما هؤلاء الميلونجونس و الذين هاجروا من البرتغال في أوائل القرن السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء البرتغاليون و احتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر و هربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، و اختلطوا مع قبائل الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر، قتلوهم و أبادوهم، فهربوا إلى جبال الأبالاش.

واحد من هؤلاء الميلونجونس اسمه "Brand Kennedy" أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة أصول تلك القبائل، و من أين أتوا، لأنه واحد منهم. و انطلاقا من دراسة عاداتهم اكتشف بأن أصولهم من المسلمين الأندلسيين.