المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرة في: "الأحاديث المسندة في أبواب القضاء"، ونسبتها إلى أبي نعيم الأصبهاني (الكشف عن قطعة من كتاب "القضاة والشهود" للنقاش)



أهــل الحـديث
24-01-2013, 10:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فقد اضطررتُ وأنا أخرّج أحاديث رسالتي لنيل الدرجة العالِمية، إلى التخريج من الكتاب المُدخَل في بعض الموسوعات الإلكترونية (المكتبة الشاملة) تحت عنوان: "أحاديث مسندة في أبواب القضاء"، والمنسوب إلى أبي نعيم الأصبهاني، وهو قطعة في (6) ورقات، ضمن المجموع (62) من مجاميع المدرسة العمرية، بالمكتبة الظاهرية.

وكان مصدرُ تسميته بهذا العنوان، ونسبته إلى أبي نعيم الأصبهاني، هو الأستاذ ياسين السواس، مفهرس مجاميع العمرية، حيث قال في فهرسه (ص313): "قطعة فيها أحاديث مسندة في أبواب من القضاء، ففي الورقة الأولى منها: بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- حال الراشي والمرتشي، وفي الورقة قبل الأخيرة: باب زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- القاضي أن يقضي وهو غضبان.
وليس في القطعة ما يدل على مؤلفها، وإنما ظننت أنها لأبي نعيم من شيوخ المؤلف، مثل أحمد بن الحسن، وأبي القاسم الطبراني، وعبدالله بن جعفر، وأبي حفص فاروق، وغيرهم.
المؤلف: أبو نعيم، أحمد بن عبدالله بن أحمد الأصبهاني، المتوفى سنة 430هـ".
انتهى المقصود من كلامه.

وبعد التأمل والبحث، تبين لي أن في كلام الأستاذ نظرًا ظاهرًا، ففي القطعة المخطوطة روايةٌ عن شيوخ لا يروي عنهم أبو نعيم الأصبهاني، كأبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد بن بشر، بل إن منهم مثلاً: أحمد بن الحسن بن أيوب النقاش، وهذا صرح أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/190) بأنه حضره وهو يُقرأ عليه شيء من حديثه، قال: "ولا أهتدي إلى سماعي منه".

ثم زدتُ الأمر مقارنة ونظرًا، فتبين لي -بحمد الله- أن النسخة الخطية هي قطعة من كتاب: " الفرق بين القضاة العادلة والجائرة، والشهود الصادقة والكاذبة "، المشهور بـ: " القضاة والشهود "، أو: " القضاة "، وهو للحافظ أبي سعيد النقّاش، محمد بن علي بن عمرو بن مهدي الأصبهاني، المتوفى سنة 414هـ.

والنقّاش عُرف بأنه "جَمَع في الأبواب"، كما قال الذهبي في تاريخ الإسلام (9/245)، وهذا الكتاب من كتبه المعروفة، ذكره باسمه التام: العلائي في إثارة الفوائد المجموعة (1/197)، وذكره في ترجمته الذهبي في السير (17/308)، وتذكرة الحفاظ (3/1060)، وذكره ابن حجر ضمن مروياته في المعجم المفهرس (ص83)، والمجمع المؤسس (2/391).

ومن الأدلة التي تقطع بأن القطعة المذكورة هي جزء من هذا الكتاب ما يلي:

أولاً:
عثرتُ ببحث غير مستوفٍ على ما مجموعه عشرة أحاديث نُسبت إلى أبي سعيد النقّاش في كتاب القضاة، وهي موجودةٌ في هذه القطعة، وتكون أحيانًا بالإسناد نفسِه المنسوبِ إلى النقاش.
وهذا بيانها، مقتصرًا على عزو المتقي الهندي في (كنز العمال)، وأبيّن بعده موضع الحديث من القطعة المخطوطة، بحسب ترقيم النسخة الإلكترونية (وإن كان في منهجيته نظر):

1- كنز العمال (14427):
عن معقل بن يسار قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن اقضي بين قومي فقلت: يا رسول الله ما أحسن أن أقضي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا ثلاث مرات. (أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة من طريق ابن عياش وفيه كلام عن يحيى بن يزيد بن أبي شيبة الرهاوي قال ابن حبان يروي المقلوبات فبطل الاحتجاج به عن زيد بن أبي أنيسة وهو ثقة وفي حديثه بعض النكارة عن نفيع بن الحارث وهو متروك).
المخطوط: 152أ (بالإسناد نفسه).
2- كنز العمال (14458):
عن ابن عمر قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا وقال: يا علي اجعل حكم الله تعالى بين عينيك وحكم الشيطان تحت قدميك. (أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة، وفيه يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران الزهري عن محمد بن عبد العزيز والثلاثة ضعفاء).
المخطوط: 152أ (بالإسناد نفسه).
3- كنز العمال (14495):
عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي والمعزى الذي يسعى بينهما. (أبو سعيد النقاش في القضاة ورجاله ثقات).
المخطوط: 152ب.
4- كنز العمال (14536):
عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث قد درست ليس لهما بينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي وإنما أقضى برأي فيما لم ينزل علي فيه فمن قضيت له فيه بحجته يقتطع بها شيئا من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي يوم القيامة انتظاما في عنقه فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: يا رسول الله حقي له؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إذا فعلتما ما فعلتما فاذهبا وتوخيا الحق واقتسسما واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه. (ش وأبو سعيد النقاش في القضاة).
المخطوط: 155ب.
5- كنز العمال (14696):
"إن شئتم أنبئتكم عن الإمارة وما هي، أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل وليس يعدل مع أقاربه". (طب وأبو سعيد النقاش في القضاة عن عوف بن مالك، وفيه زيد بن واقد وثقه أبو حاتم وضعفه أبو زرعة عن بشر بن عبد الله وهو منكر الحديث).
المخطوط: 154ب (بالإسناد نفسه).
6- كنز العمال (14698):
"إن من أخون الخيانة تجارة الوالي في رعيته". (أبو سعيد النقاش في القضاة عن أبي الأسود المالكي عن أبيه عن جده).
المخطوط: 154أ، ب (بالإسناد نفسه).
7- كنز العمال (15083):
"هدايا الأمراء غلول". (أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة عن أبي حميد الساعدي وعن أبي سعيد وعن أبي هريرة).
المخطوط: 154أ (بنفس الترتيب المذكور).
8- كنز العمال (15107):
"لعن الله الراشي والمرتشي". (.. . وأبو سعيد في القضاة عن عائشة).
المخطوط: 153أ.
9- كنز العمال (15108):
"لعن الله الآكل والمطعم الرشوة". (عب في تاريخه وأبو سعيد النقاش في القضاة عن عبد الرحمن بن عوف).
المخطوط: 153أ.
ويزاد موضع عاشر من (جامع الأحاديث) للسيوطي:
10- جامع الأحاديث (20161):
"ما عدل وال اتجر فى رعيته". (ابن منيع، والحاكم فى الكنى، والطبرانى، وأبو سعيد النقاش فى القضاة عن أبى الأسود المالكى عن أبيه عن جده).
المخطوط: 154أ (بالإسناد نفسه).

وهذه المواضع كافية -فيما أحسب- للقطع بأن هذه القطعة جزء من الكتاب الذي يُعزى إليه فيما سبق.


ثانيًا:
تدل مقارنة بعض عادات المؤلف بعادات النقّاش على أنه هو مؤلف هذه القطعة، فمثلاً:

1- أكثَرَ مؤلفُ القطعة المخطوطة من إسناد الأحاديث من طريق ابن أبي عاصم، بقوله: "أخبرنا أحمد بن الحسن، ومحمد بن أحمد الثقفي، قالا: أنا ابن أبي عاصم...".
وهذه -فيما يظهر- جادةٌ للنقّاش في كتابه، وقد أسند الحافظ عبدالغني المقدسي حديثًا من طريقه في أبواب القضاء، فقال في العاشر من "المصباح في عيون الصحاح" (31/مخطوط): " أخبرنا أبو طاهر السلفي، أنبا أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أستة الكاتب بأصبهان، أنبا أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو بن مهدي النقّاش الحافظ، أنا أحمد بن الحسن التميمي، ومحمد بن أحمد الثقفي، قالا: ثنا ابن أبي عاصم، ثنا يعقوب بن كاسب، نا عبد العزيز بن محمد، وعبد العزيز بن أبي حازم، قالا: ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس، عن عمرو بن العاص، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".

وهذا يوضح أن النقّاش قرن بين أحمد بن الحسن، ومحمد بن أحمد الثقفي، وكلاهما يروي عن ابن أبي عاصم، الأمر الذي يؤكد أنه صاحب هذه العادة في القطعة المخطوطة.

2- روى مؤلف القطعة في موضعين عن الحسن بن سفيان من طريق أبي سهل بشر بن أحمد بن بشر، وهذا الرجل شيخٌ للنقّاش، وواسطةٌ له إلى الحسن بن سفيان في عدد من الأحاديث في كتابه (فنون العجائب)، فتنظر فيه الأحاديث ذات الأرقام: (5، 7، 8، 66).

فتبين بهذا أن القطعة المذكورة هي قطعًا، أو قريبًا من القَطْع، جزءٌ من كتاب (القضاة والشهود)، للحافظ أبي سعيد النقّاش، وهذه المرة الأولى التي يُكشف فيها عن هذا السِّفر في عصرنا -فيما أعلم-، والحمد لله على توفيقه وفضله وامتنانه.