المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحنة العراقية في عملية حسابية



أهــل الحـديث
24-01-2013, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



المحنة العراقية في عملية حسابية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن خلاصة المحنة العراقية لمن يتأمل المشهد بنظر العاقل الأريب يجدها عبارة عن:
ظالم متسلط + مظلوم غيور = حرب طائفية .
فهي كأي عملية حسابية بديهية كـ: 1 + 1 = 2
ولتجنب هذه العملية الحسابية الواقعية لا بد من تفتيت أحد مسلمات القضية من طرفي المعادلة حتى تتغير النتيجة البديهية، ونتجنب معها الكارثة المآلية . فنحتاج:
• إما تغيير فطرة الظالم المتسلط والتي دونها خرط القتاد فهو قد تشرب الظلم في دمه ولحمه، بل لقد قام ظلمه على مبدأ عقدي نتيجة فكر حاقد .
• وإما أن يغير المظلوم فطرته فتذهب غيرته ومروءته فيعيش مع الظالم بقية عمره مطأطأ رأسه ذليلاً مهاناً منتهكاً عرضه، ومستباحاً دمه، ومنهوباً ماله .
فالمظلوم وفق استقراء المشهد والمعطيات الواقعية بين خيارين أحلاهما مر: بين (حرب ضروس)، أو (ذهاب غيرته ومروءته).
فـ(1) + (1) = (2) الحرب الطائفية، ولا بد لأنها من البديهيات لمن يراقب الحدث.
أو (1) + (0) = (1) وهو الظالم المتسلط .
و(الصفر) هو المظلوم بعد ذهاب غيرته ومروءته؛ لأن الحياة بلا مروءة كالعدم .
كما قال حافظ إبراهيم:

مررتُ على المروءةِ وهي تبكي *** فقلتُ علام تنتحب الفتاةُ؟
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعاً دون خلق اللهِ ماتوا
وللخروج من هذه النتيجة البديهية لا بد من إخراج (المظلوم الغيور) من العملية الحسابية وذلك برفع علامة الجمع (+) بين الظالم المتسلط، والمظلوم الغيور .
وصناعة حاجز (إداري) بين الفريقين يحفظ للمظلوم فطرته ومروءته .
وذلك باستعمال الأعراف التي تحفظ البلد من المخططات الغربية، وتحول دون الحروب الطائفية، و دون تذويب المستضعف في جسم المتسلط .
فـ(النظام الإداري) الذي يقلل من سلطة الظالم إذا كان عرفاً دولياً ومصلحة اجتماعية لم يكن للعاقل بد من سلوكه حرصاً على البلد من المعارك الطاحنة .
فإن المظلوم المستضعف يشرع له العمل بالأعراف التي تحول بينه وبين الظالمين ليعيش (بكرامة)، (وصيانة) يحفظ بها دينه ودمه وعرضه وماله .
ففي البخاري :" أن النبي قال في أسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له " . ومطعم بن عدي مات كافراً، لكن حفظ له فضله .
قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله - : " وإنما قال ذلك لليد التي كانت للمطعم وهي قيامه في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حتى حصروهم في الشعب ودخول رسول الله في جواره حين رجع من الطائف"(عمدة القاري:17/159).
وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة وذلك في ليالٍ بقين من شوال سنة عشرٍ من النبوَّة فلم يُجيبوه وخافوا على أحداثهم وقالوا يا محمد أُخرج من بَلدنا وأَغروا به سفهاءهم فانصرف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الطائف - وهو محزونٌ - فنزل نَخلَة َ وأقام بها أيّاماً ثم أراد الرجوع إلى مكة َ فقال له زيد بن حارثة كيف تدخُل عليهم وهم أَخرجوك.
فقال: يا زيد إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً ومَخْرَجاً وإنَّ الله ناصرُ دينه ومُظهر نبيّه ثم سار إلى حِراء فأرسل رجلاً من خُزَاعة إلى مُطْعِم بن عَديّ أَدخُلُ في جوارك فقال نعم ودعا بَنيهِ وقومَه وقال البسوا السلاحَ وكونوا عند أركان البيت فإني قد أَجرْتُ محمَّداً فدخل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام مُطعم بن عَديّ على راحلته فنادى يا معشرَ قريشٍ إني قد أَجرتُ محمّداً فلا يَهِجْه أَحدٌ منكم.
فانتهى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى الركن فاستلمه وصلَّى ركعتين وانصرف إلى بيته ومُطِعم بن عَديّ وولده مُطيفون به"(المختصر الكبير في سيرة الرسول لابن جماعة الكناني:21).
وفي مطعم يقول حسان بن ثابت :

فلو كان مجداً يخلد الدهر واحداً ..... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – مع صبره وحلمه لم يجعل دمه وماله وعرضه مباحاً لعدوه وهو يجد طريقاً لصيانة ذلك كالجوار الذي كان عرفاً لأهل ذلك الزمان .
فعلى المظلوم - مع صبره ورجوعه إلى الله - أن يُفَعِّل الأعراف الدولية والقانونية التي تحول بينه وبين تسلط الظالم كالفدرالية، وليست هي تقسيماً - كما ظن بعضهم - .
فهي (وحدة قُطرية) للبلد لما فيها من تساوي القوى بين الشركاء، ومنع تسلط بعض الفرقاء.
والشرع يوافق العقل في أن صناعة الحواجز العرفية ضرورة حتمية لا بد منها لمنع الدم والمال والعرض من أيدي المفسدين عند سفاهة الظالم، وقلة حيلة المظلوم حذراً من فتنة تدوم .
قال – تعالى - :{ حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}[سورة الكهف].
فمما يستفاد من الآيات :
 إن التميز عن المفسد الذي لا حيلة في منع فساده مقصد شرعي، وعقلي .
 إن الحيلولة بين المفسد في الأرض وبين الخلق مطلب ضروري بكل وسيلة تحققه حسية أو معنوية ولو بذل المال في تحصيلها .
 إن الواجب على أولياء أمور الناس أن يُحكِموا حماية دماء وأموال وأعراض العباد، ويرشدوهم لما فيه تحصينهم وحفظهم، كفعل ذي القرنين، فهم طلبوا منه (سداً)، وهو أشار عليهم بـ(الردم)؛ لأنه أعظم في صيانتهم وحفظهم .
 إن من رحمة الله بالعباد أن يهيئ لهم من الأسباب ما يمنعون به إفساد المفسدين عن أنفسهم وأهليهم . { فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .


بقلم فضيلة الشيخ :
ابي زيد العتيبي