المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإعلام والترهيب الحكومي



أسواق
23-01-2013, 03:50 AM
د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
الأحداث التي نعيشها أو عشناها خلال الفترة الماضية أوجدت ثقافة إعلامية مجتمعية جديدة تنطلق من ترهيب مسؤولي وموظفي الحكومة ومحاولة تضييق الخناق عليهم، حيث يضعهم الإعلام أو بشكل أدق بعض الأقلام والإعلاميين الذين يحاولون الصعود على أكتاف الجميع، في موضع المتهم والمستهتر والفاسد والمتخاذل وينسى هؤلاء الإعلاميون الخير والأمن والاستقرار والتنمية التي يعيشون فيها وأن من يقف خلفها هم مسؤولون وموظفون حكوميون.
لقد أبرزت تلك الأحداث توجها جديدا وخطيرا في الوقت ذاته، حيث ترى الإعلامي البسيط وغير الكفء أو ربما إنسانا فارغا وقد أُعطي الفرصة لإدارة برنامج أو حوار ويستقطب بعض مدعي الإصلاح والتنظير الوطني وهم أو أغلبهم ليسوا منه ببعيد وربما بعضهم أسوأ من مقدم البرنامج في السلوك والعطاء ويجعلون من المنبر الإعلامي مساحة للهجوم على كل المسؤولين وفي كل الاتجاهات بطريقة صبيانية بذيئة، وعند محاولة الرد عليهم أو اعتراض ما يذكرون من أمور خارجة عن إطار وسياق الحدث تجدهم يتهمون المتحدث بالعمالة أو أنه صاحب مصلحة يدافع عن المسؤولين... إلخ.
في الجانب الآخر، نرى أغلب المسؤولين الحكوميين لا يلقون لمثل هذه البرامج والمقالات والأحاديث أي بال أو اهتمام على أساس أنه كلام فاضي وكلام جرايد وغيره من الأمور التي ربما كانت مقبولة في الماضي ولم تعد مقبولة اليوم بحكم وصول الصوت الإعلامي وبمختلف الوسائل إلى جميع أفراد المجتمع وخارج إطار المجتمع المحلي، وعلى أساس أن ما يطرح في الإعلام المقروء أو المسموع أو المُشاهد كله حقيقة، هذه الحقيقة التي في الغالب غير حقيقية تكون عقلية وشخصية ونظرة المتلقي للمسؤول والموظف السعودي بأنه إنسان فاسد مستهتر وغير مبال بوطنه وأهله ومجتمعه وأن المؤسسة الحكومية برمتها فاسدة.
إن من الخطأ تعزيز هذه النظرة السلبية عن المؤسسة الحكومية السعودية والسماح لمثل هذه البرامج التي لا تراعي المصداقية الإعلامية ولا تبحث عن الحقيقة بقدر بحثها عن الإثارة وزيادة المشاهدين الذين يزيدون من حجم الإعلانات وتزيد خزانة القناة المالية دون النظر للأثر السلبي والسيئ الذي يصيب جسد الوطن من خلال تشويه الجهود التي تقوم بها مختلف الأجهزة الحكومية، وفي المقابل الانطواء السلبي وعدم الاهتمام من المؤسسة الحكومية السعودية ومسؤوليها في إظهار الصورة الحقيقية لعملها وجهودها.
إن الانطواء الحكومي وغياب الدور الإعلامي الحكومي الصادق والشفاف والنظرة الحكومية للإعلام الجديد بمختلف أدواته ووسائله على أنه لا يؤثر في مختلف أفراد المجتمع وما خلف المجتمع من مجتمعات أخرى هي نظرة خاطئة وآثارها بدأت تبرز خلال الأشهر الماضية، ولعل أهمها السخط الشبابي مما يقدم من أعمال من طرف الحكومة وعدم الإحساس بأهميته وتقزيم كل الجهود التي تقوم بها مختلف المؤسسات الحكومية المدنية والأمنية والعسكرية، وهذا التقزيم والنظرة السلبية تنعكس بشكل سلبي وأكبر على السلوك المجتمعي وتعزز من فرص أصحاب الأهواء والأجندات الخفية من تحريك مثل هؤلاء الشباب والإعلام المرتبط بهم لخلق فوضى مجتمعية تحرق وتهلك الأخضر واليابس.
ويجب الاهتمام بمصداقية الإعلام وتعزيز رسالته الإصلاحية ودوره العظيم في إبراز السلبيات بمصداقية وشفافية وواقعية وتقصي الحقائق من خلال كفاءات إعلامية نزيهة تعي وتفهم دور ومسؤولية الإعلام بمختلف وسائله وأدواته وتملك الحس الوطني الصادق والخبرة الإعلامية العميقة وتعمل من أجل دعم وتعزيز البناء الوطني المؤسسي لمختلف مؤسسات الدولة وفي جميع قطاعاته وتفهم أن كل طرح ونقد وصورة وكلمة تحسب على قائلها، وأن هناك نظام محاسبة رقيبا يكرم المجتهد الصادق ويحاسب المتسلق الكاذب ويجعل من الكلمة أمانة رسالة وعملا دؤوبا صادقا يؤكد على ما حذر منه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله ''إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها 70 خريفاً'' أعاذنا الله من ذلك.
وفي المقابل يجب أن تهتم المؤسسة الحكومية بالإعلام والتواصل معه وإيضاح الحقيقة وتحمل المسؤولية بكل أمانة وشجاعة ومصداقية، لأن دورها مهم في بناء المجتمع إنسانياً ومكانياً وعدم إحساس المؤسسة الحكومية بحجم المسؤولية الإعلامية سيخلق لها الكثير من المشاكل التنموية المستقبلية.
أخيراً لا بد من تكامل العناصر الأساسية لتحقيق الرسالة الإعلامية الصادقة والشفافة من خلال:
أولاً: تعزيز الاهتمام باختيار الكفاءات الإعلامية المشهود لها بالنزاهة والوطنية وحسن العمل والعمل على تحري الدقة في نقل المعلومة وحسن اختيار الضيوف.
ثانياً: التأكيد على المؤسسات الحكومية بالاهتمام بالتواصل مع الإعلام وإيضاح الحقيقة بكل مصداقية وشفافية وتقبل الطرح الإعلامي الهادف والبناء.
ثالثا: وضع الأنظمة والضوابط التي تحمي الجميع من أي تجاوز أو استغلال لأي حدث لمصالح خاصة أو تصفية حسابات كما يحدث في بعض اللقاءات ومن بعض الأقلام.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والله من وراء القصد.
وقفة تأمل:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل
وكل ابن أنثى لو تطاول عمره
إلى الغاية القصوى فللقبر آيل
وكل أناس سوف تدخل بينهم
دويهية تصفر منها الأنامل
وكل امرئ يوما سيعرف سعيه
إذا حصلت عند الإله الحصائل