المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسد حضرموت الأشعث بت قيس



أهــل الحـديث
12-01-2013, 06:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الأَشْعَث الكِنْدي
(23 ق هـ - 40 هـ = 600 - 661 م)
الأشعث بن قيس بن معدى كرب الكندي، أبو محمد: أمير كندة في الجاهلية والإسلام. كانت إقامته في حضرموت، ووفد على النبي صلّى الله عليه وسلم بعد ظهور الإسلام، في جمع من قومه، فأسلم، وشهد اليرموك فأصيبت عينه. ولما ولي أبو بكر الخلافة امتنع الأشعث وبعض بطون كندة من تأدية الزكاة، فتنحى والي حضرموت بمن بقي على الطاعة من كندة، وجاءته النجدة فحاصر حضرموت، فاستسلم الأشعث وفتحت حضرموت عنوة، وأرسل الأشعث موثوقا إلى أبي بكر في المدينة ليرى فيه رأيه، فأطلقه أبو بكر وزوّجه أخته أم فروة، فأقام في المدينة وشهد الوقائع وأبلى البلاء الحسن. ثم كان مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق. ولما آل الأمر إلى علي كان الأشعث معه يوم صفين، على راية كندة. وحضر معه وقعة النهروان.
وورد المدائن، ثم عاد لى الكوفة فتوفي فيها على أثر اتفاق الحسن ومعاوية. أخباره كثيرة في الفتوح الإسلامية. وكان من ذوي الرأي والإقدام، موصوفا بالهيبة. وهو أول راكب في الإسلام مشت معه الرجال يحملون الأعمدة بين يديه ومن خلفه. روى له البخاري ومسلم تسعة أحاديث.


ذكر قصة حرب الردة لقبائل كندة بحضرموت بقيادة وتحريض الأشعث بت قيس
قبل أن يعود للإسلم بعد ذلك
وقد
أتعب المسلمين حين ردته
................

لما فرغ أبو بكر رضي الله عنه من حرب أهل البحرين، عزم على محاربة أهل حضرموت من كندة، وذلك أن عاملهم زياد بن لبيد الأنصاري الذي كان ولاه عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان مقيما بحضرموت، يصلي بهم ويأخذ منهم ما يجب عليهم من زكاة أموالهم، فلم يزل كذلك إلى أن مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسبيله، وصار الأمر إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال له الأشعث بن قيس: (يا هذا، إنا قد سمعنا كلامك ودعائك إلى هذا الرجل، فإذا اجتمع الناس إليه اجتمعنا) ، قال له زياد بن لبيد : (يا هذا، إنه قد اجتمع المهاجرون والأنصار) ، فقال الأشعث: (إنك لا تدري كيف يكون الأمر بعد ذلك) .
قال: فسكت زياد بن لبيد ولم يقل شيئا، ثم قام إلى الأشعث بن قيس
ابن عم له من كندة يقال له امرؤ القيس بن عابس ، فقال: (يا أشعث، أنشدك بالله وبإيمانك وقدومك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن نكصت أو رجعت عن دين الإسلام، فإنك إن تقدمت تقدمت الناس معك، وإن هذا الأمر لا بد له من قائم يقوم به فيقتل من خالفه عليه، فاتق الله في نفسك، فقد علمت بما جرى على من خالف أبا بكر من العرب ومنعة الزكاة) . فقال له الأشعث: (يا ابن عابس، إن محمدا قد مضى لسبيله، وإن العرب قد رجعت إلى ما تعبد من الآباء، ونحن أقصى العرب دارا) . قال له امرؤ القيس: (فسيبعث إلينا أبو بكر جيشا كما بعث إلى غيرك، وأيضا فإن زياد بن لبيد بين أظهرنا، وهو عامل علينا، فلا يدعك أن ترجع إلى الكفر بعد الإيمان) . قال: فضحك الأشعث، ثم قال: (أو لا يرضى زياد يا ابن عابس أن نجيره ويكون بين أظهرنا) ، قال له امرؤ القيس: (يا أشعث، انظر ما يكون بعد هذا) .
قال: ثم انصرف امرؤ القيس وهو يقول :

1- ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وسكان المدينة أجمعينا
- فليس مجاورا بيتي بيوتا ... بما قال النبي مكذبينا
3- دعوت عشيرتي للسلم لما ... رأيتهم تولوا مدبرينا
4- شأمتم قومكم وشأمتمونا ... وغابركم سيشأم غابرينا
5- فلست بعادل لله ربا ... ولا متبدلا بالسلم دينا
قال: وافترق القوم فرقتين، فرقة أقاموا على دين الإسلام، فلم يرجعوا وعزموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وفرقة عزموا على منع الزكاة والعصيان.
وانصرف زياد بن لبيد مغموما إلى منزله، فلما كان بعد أيام نادى في أهل حضرموت فجمعهم ثم قال: (اجمعوا صدقاتكم، فإني أريد أن أوجه بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، لأن الناس قد اجتمعوا عليه، وقد أهلك الله أهل الردة وأمكن منهم المسلمين) .
قال: فجعل قوم يعطونه الزكاة طائعين، وقوم يعطونه إياها كارهين، وزياد بن لبيد يجمع الصدقات ولا يريهم من نفسه إلا الصرامة، غير أنه أخذ يوما من الأيام ناقة من إبل الصدقة فوسمها وسرحها مع الإبل التي يريد [أن] يوجه بها إلى أبي بكر، وكانت هذه الناقة لفتى من كندة يقال له زيد بن معاوية القشيري من بني قشير، فأقبل إلى رجل من سادات كندة يقال له حارثة بن سراقة ، فقال له: (يا ابن عم، إن زياد بن لبيد قد أخذ ناقة لي فوسمها وجعلها في إبل الصدقة، وأنا مشغوف بها، فإن رأيت أن تكلمه فيها فلعله أن يطلقها ويأخذ غيرها من إبلي، فإني لست أمنع عليه) .
قال: فأقبل حارثة بن سراقة إلى زياد بن لبيد وقال: (أرأيت أن ترد ناقة هذا الفتى عليه وتأخذ غيرها فعلت منعما) ، فقال له زياد: (إنها قد دخلت في حق الله، وقد وضع عليها ميسم الصدقة ولا أحب أن آخذ غيرها) ، فغضب حارثة بن سراقة من ذلك، ثم قال: (أطلقها وأنت كريم، وإلا أطلقها وأنت لئيم) ، قال: فغضب زياد من ذلك، ثم قال: (لا أطلقها حتى أنظر من يحول بيني وبينها أو يمنعها) ، قال: فتبسم حارثة بن سراقة وجعل يقول :

1- يمنعها شيخ بخديه الشيب ... 2- ملمع كما يلمع الثوب
- ماض على الريب إذا خيف الريب ... 4- ما إن يبالي العيب وقت العيب
قال: ثم أقبل حارثة بن سراقة إلى إبل الصدقة، فأخرج الناقة بعينها، ثم قال لصاحبها: خذ ناقتك إليك، فإن كلمك أحد فاخطم أنفه بالسيف، نحن إنما أطعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان حيا، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه، وأما [ابن] أبي قحافة فما له طاعة في رقابنا ولا بيعة، ثم أنشأ حارثة يقول :

1- أطعنا رسول الله إذ كان وسطنا ... فيا عجبا ممن يطيع أبا بكر
2- ليورثه بكرا إذا كان بعده ... وتلك وبيت الله قاصمة الظهر
3- وإن أناسا يأخذون زكاتكم ... أقل ورب البيت عندي من الذر
4- وإن الذي تعطونه بجهالة/ ... لكالتمر أو أحلى بفينا من التمر
5- حلفت يمينا غير حنث مشوبة ... وإني لأهل أن أوفي بها نذري
6- على ما ترجو قريش ودون ما ... يرجون طعن بالمثقفة السمر
7- وضرب يزيل الهام عن مستقره ... كما كانت الأشياخ في سالف الدهر
8- أنعطي قريشا مالنا إن هذه ... لتلك التي يخزى بها المرء في القبر
9- فيا قوم لا تعطوا اللئام مقادة ... وقوموا وإن كان المقام على الجمر
10- فكندة ما زالت ليوثا لدى الوغى ... وغيث بني [حواء] في العسر واليسر
11- وما لبني تيم بن مرة إمرة ... علينا ولا تلك القبائل من فهر
12- لأن رسول الله أوجب طاعة ... وأولى بما استولى عليهم من الأمر

قال: فلما سمع زياد بن لبيد هذه الأبيات، كأنه اتقى على ما جمع من إبل
الصدقة أن تؤخذ منه، فخرج من ليلته يريد المسير إلى أبي بكر رضي الله عنه، ومعه نفر من أصحابه، فلما صار على مسيرة يومين من القوم [كتب] إلى حارثة بن سراقة بهذه الأبيات :

1- نقاتلكم في الله والله غالب ... على أمره حتى تطيعوا أبا بكر
2- وحتى تقولوا بعد خزي وذلة ... رضينا بإعطاء الزكاة على القسر
3- وحتى تقولوا بعد كفر وردة ... بأنا أناس لا نعود إلى الكفر
4- وليس لنا والله بد من اخذها ... فدونكموها مثل راغية البكر
5- فإن تصبروا للضرب والطعن بالقنا ... فإنا أناس مجمعون على الصبر
قال: فلما وردت أبيات زياد بن لبيد هذه غضبت أحياء كندة لذلك غضبا شديدا، ثم وثب الأشعث بن قيس فقال: خبروني عنكم يا معشر كندة إن كنتم قد أزمعتم على منع الزكاة وحرب أبي بكر، فهلا قتلتم زياد بن لبيد، فكان يكون الأمر في ذلك واحدا كائنا ما كان، ولكنكم أمسكتم عنه حتى أخذ زكاة أموالكم ثم رحل عنكم إلى صاحبه، وكتب إليكم ويهددكم بهذه الأبيات. فقال له رجل من بني عمه: صدقت والله يا أشعث، ما كان الرأي إلا قتل زياد بن لبيد وارتجاع ما دفع إليه من إبل الصدقة، والله ما نحن إلا عبيد لقريش، مرة يوجهون إلينا بالمهاجر بن أبي أمية فيأخذون من أموالنا ما يريدون، ومرة يولون علينا مثل زياد بن لبيد، فيأخذ من أموالنا ويهددنا بالقتل، والله لا طمعت قريش في أموالنا بعدها أبدا، ثم أنشأ يقول :

1- إذا نحن أعطينا المصدق سؤله ... فنحن له فيما يريد عبيد
2- أفي كل يوم للمهاجر جبوة ... ولا بن لبيد إن ذا لشديد
3- فحتى متى نعطي الإتاوة معشرا ... إذا أخذوا قالوا لمعشر عودوا

قال: ثم تكلم آخر مثل كلام الأول، وحرض بني عمه/ على العصيان ومنع الزكاة، وأنشأ يقول:

- إذا نحن أعطينا المصدق سؤله ... فجدع منا كل أنف ومسمع
2- فو الله لو قالوا عقالا لقلت لا ... إليه سبيل لا ولا قيس أصبع
3- فقل لزياد والمهاجر أوعدا ... فما مثلنا في وعده بمورع
4- وما مثلنا يعطي على القسر ماله ... ونحن ملوك الناس من قبل تبع
قال: ثم تكلم الأشعث بن قيس فقال: يا معشر كندة، إن كنتم على ما أرى، فلتكن كلمتكم واحدة، والزموا بلادكم وحوطوا حريمكم، وامنعوا زكاة أموالكم، فإني أعلم أن العرب لا تقر بطاعة بني تيم بن مرة وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيرها، وإنها لنا أجود، ونحن له أحرى، وأصلح من غيرنا، لأنا الملوك وأبناء الملوك من قبل أن يكون على وجه الأرض قرشي ولا أبطحي ، ثم أنشأ الأشعث يقول:

1- لعمري لئن كانت قريش تتابعت ... على بيعة بعد الرسول وسمحوا
- بها لبني تيم بن مرة جهرة ... وسموا عتيقا عند ذاك وصرحوا
3- أميرا ونحوا عنه آل محمد ... وكانوا بها أولى هناك وأصلح
4- وإن صلحت في تيم مرة إمرة ... ففي كندة الأملاك أحرى وأصلح
5- لأنا ملوك الناس من قبل أن يرى ... على الأرض تيمي ولا متبطح
6- فمن مبلغ عني عتيقا بأنه ... أنا الأشعث الكندي بذاك مصرح
7- إذا [ما] غضبنا مادت الأرض وانكفت ... فإن رضينا الأرض لا تتزحزح
قال: ثم إن زياد بن لبيد رأى من الرأي أن لا يعجل بالمسير إلى أبي بكر، فوجه بما كان عنده من إبل الصدقة إلى المدينة مع ثقة، وأمره أن لا يخبر أبا بكر بشيء من أمره وأمر القوم، قال: ثم إنه سار إلى حي من أحياء كندة، يقال لهم بنو ذهل بن معاوية، فخبرهم بما كان من قومهم إليه، ودعاهم إلى السمع والطاعة، فأقبل إليه رجل من سادات القوم يقال له الحارث بن معاوية ، فقال له: يا زياد، إنك لتدعو إلى الطاعة لرجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد، فقال له زياد بن لبيد: صدقت، فإنه لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد، ولكن اخترناه لهذا الأمر، فقال له الحارث: أخبرني فلم نحيتم عنها أهل بيته، وهم أحق الناس بها، لأن الله عز وجل يقول: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
فقال له زياد بن لبيد: إن المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك، فقال له الحارث بن معاوية: لا والله، ما أزلتموها عن أهلها إلا حسدا منكم لهم، وما يستقر في قلبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خرج من الدنيا ولم ينصب للناس علما يتبعونه، فارحل عنا أيها الرجل، فإنك تدعو إلى غير رضا، ثم أنشأ الحارث يقول :

1- كان الرسول هو المطاع فقد مضى ... صلى عليه الله لم يستخلف
2- هذا مقالك يا زياد فقد أرى ... أن قد أتيت بقول سوء مخلف
3- ومقالنا أن النبي محمدا ... صلى عليه الله غير مكلف
4- ترك الخلافة بعده لولاته ... ودعا زياد لامرئ لم يعرف
5- إن كان لابن أبي قحافة إمرة ... فلقد أتى في أمره بتعسف
6- أم كيف سلمت الخلافة هاشم ... لعتيق تيم كيف ما لم تأنف
قال: فوثب عرفجة بن عبد الله الذهلي فقال: صدق والله الحارث بن معاوية، أخرجوا هذا الرجل عنكم، فما صاحبه بأهل للخلافة، ولا يستحقها بوجه من الوجوه، وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الأمة من نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنشأ عرفجة يقول:

1- لعمري وما عمري علي بهين ... لقد قال حقا حارث بن معاويه
2- أيملك عبد ربه إن دهرنا ... ليطرقنا في كل حين بداهيه
- فمن مبلغ عنا عتيقا رسالة ... لبست لباس الظالمين علانيه
4- لحا الله من أعطاك طاعة بيعة ... مقرا ولا أبقى له الدهر باقيه
5- أتملكها دون القرابة ظالما ... لك الذبح ذرها إنما هي عاريه
قال: ثم وثب رجل من كندة يقال له عدي بن عوف [] ، فقال: يا قوم، لا تسمعوا كلام عرفجة بن عبد الله، ولا تطيعوا أمره، فإنه يدعوكم إلى الكفر ويصدكم عن الحق، اقبلوا من زياد بن لبيد ما يدعوكم إليه، وارضوا بما رضي به المهاجرون والأنصار، فإنهم أنظر لأنفسهم منكم، ثم أنشأ يقول [] :

1- يا قوم إني ناصح لا ترجعوا ... في الكفر واتبعوا مقال الناصح []
2- لا ترجعوا عن دينكم في ردة ... بغيا فإن البغي أمر فاضح
3- لا يأخذنكم لقول عزة ... حتى يخالفكم عدو كاشح
4- إني لأرهب بعد هذا إن تكن ... حرب زبون للكباش تناطح []
5- لا بل أخاف عليكم مثل الذي ... لاقت ثمود قبل ذاك وصالح
قال: فوثب إليه نفر من بني عمه فضربوه حتى أدموه وشتموه أقبح شتم، ثم [] وثبوا إلى زياد وأخرجوه من ديارهم، وهموا بقتله، قال: فجعل/ زياد لا يأتي قبيلة من قبائل كندة فيدعوهم إلى الطاعة إلا ردوا عليه ما يكره، فلما رأى ذلك سار إلى المدينة، إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فخبره بما كان من القوم، وأعلمه أن قبائل كندة قد عزمت على الارتداد والعصيان. فاغتم أبو بكر رضي الله عنه لذلك غما شديدا، فقال له بعض المسلمين: يا خليفة رسول الله، هذا

_________خالد بن الوليد مقيم بأرض اليمامة، وقد تعلم أنه رجل مظفر، فوجه به إليهم، فقال له أبو بكر: إن خالدا لكما وصفتم، ولكن أميرهم الذي أخرجوه عنها هو أحق بحربهم من غيره، ثم جمع أبو بكر جيشا فضمهم إلى زياد بن لبيد، وأمره بالمسير إلى القوم، فسار زياد من المدينة في أربعة ألف من المهاجرين والأنصار يريد حضرموت.
قال: واتصل الخبر بقبائل كندة، فكأنهم ندموا على ما كان منهم، ثم قال رجل من أبناء ملوكهم يقال له أبضعة بن مالك [] : يا معشر كندة، إنا قد أضرمنا على أنفسنا نارا لا أظن أنها تطفأ أو تحرق منها بشرا كثيرا، والرأي عندي أن نتدارك ما فعلنا ونسكن هذه الثائرة التي ثارت، ونكتب إلى أبي بكر الصديق، ونعلمه بطاعتنا، وأن نؤدي إليه زكاة أموالنا طائعين غير مكرهين، وإنا قد رضينا به خليفة وإماما، مع أني أقول لكم هذه المقالة ولست بخارج من رأيكم، على أني أعلم ما تؤول أموركم غدا، ثم أنشأ يقول :

1- أرى أمرا لكم فيه سرور ... وآخره لكم فيه ندامه
2- وما لي بعد كندة من بقاء ... وما لي بعد ظعنكم إقامه
3- فأمري أمركم فيه وأني ... لكم مما أحاذره سلامه
4- وقد رجعت بنو أسد وكانت ... بنو أسد وذبيان خزامه
5- وقرت عامر جزعا فأمست [] ... مطوقة بها طوق الحمامه
6- وقد رجعت قبائل من سليم ... وكان حديثهم في الناس شامه
7- وقد رجعت ببلدتها تميم ... فما كسرت برجعتها بشامه ]
_
8- وقد رجعت حنيفة فاستباحت ... جنود الله أجناد اليمامه
9- وفي البحرين قد عضت ببكر ... رماح الخط [ والبيض الخذامه ]
قال: فلما سمعت قبائل كندة هذا الشعر والكلام، كأنهم انكسروا لذلك وجعل بعضهم يثوب [] بعضا، فقال قوم: نرجع عما فعلنا ونؤدي الزكاة، وقال قوم: لا بل نمنع الزكاة ونقاتل من يجيئنا من عند أبي بكر، فأنشأ حارثة بن سراقة يقول:

1- لست أدري إذا خلوت بنفسي ... أخطأ أولى بها أم صواب/
2- قد منعت المهاجر بن أمي- ... ة من مالنا وكل مجاب []
3- وزياد فما أرى [] لزياد ... في الذي يدعي جناح ذباب
4- أجمعت كندة الغداة على الحر ... ب هوى معشر من الأوشاب
5- زعموا أنهم أصابوا وأنا ... قد نكصناهم على الأعقاب
6- فلئن كان ذا غدا فعظيم ... مثل هذا على ذوي الأحساب
قال: فلما سمعت قبائل كندة هذه الأبيات من حارثة بن سراقة، وثبوا إليه من كل جانب، وقالوا: والله ما أملنا فيما نحن عليه سؤال، وما زلت مشؤوما في
كل حال، ثم وثب إليه الأشعث بن قيس فقال: والله يا ابن سراقة لأسلمناك غدا إلى زياد بن لبيد، قضى فيك ما قضى، فإن ذلك خير لكندة من نصب الحرب لمثل أبي بكر في سبب ناقة لا أقل ولا أكثر، ثم أنشأ الأشعث يقول:

1- عجبا ما عجبت من حدث الده- ... ر ومن فعل حارث بن سراقه
2- هاج حربا يشيب من هولها الرأ ... س ويسجي بها الوليد الناقه
3- حارث خذها وقول بني المنذر ... فماذا يكون لولا الحماقه
4- حارث أنت أشأم خلق الل- ... هـ في سعدها ويوم المحاقه
قال: فقال حارثة بن سراقة: يا أشعث، إن كلامك هذا يدل على أنك ناصح قومك غدا إذا وافاهم جيش أبي بكر، قال: فقال له الأشعث: والله ما أبرأ إليك من ذلك يا حارثة، فكن مما قلته على يقين.
قال: فاتصل الخبر بزياد بن لبيد ومن معه من المسلمين بأن الأشعث بن قيس قد ندم على ما كان منه، فجزوه خيرا، وكتب إليه بعض بني عمه ممن كان مع زياد بن لبيد بهذه الأبيات [] :

1- إن تمس كندة ناكثين عهودهم ... فالله يعلم أننا لم ننكث
2- والله يعلم أننا لم نألهم ... نصحا ومن يحلف بها لم يحنث
3- والراقصات إلى منى مبعوثة ... تهوي بركب من خزاعة شعث
- إن كان في قومي الذين أعدهم ... خير فذاك الخير عند الأشعث
5- اسمع فدى لك والداي كلاهما ... أقبل ولا تردد نصيحة عثعث
قال: فوثب رجل من كندة يقال له عفيف بن معدي، وكان من رؤسائهم وذوي أنسابهم، فقال: يا معشر بني كندة، إنكم قد علمتم الذي بينكم وبين مذحج من العداوة والشحناء، وهذه خيل أبي بكر قد سارت إلى ما قبلكم، تخبروني الآن أي الخيلين تدفع عنكم، خيل أبي بكر أم خيل مذحج، أما والله ما أقول لكم وما أنا إلا رجل منكم، ولكن كأني بملوككم وساداتكم قد أهلكتهم هذه الحروب التي تتوقعونها، وقد والله وقعنا في أمر ما لنا من مخلص إلا السمع والطاعة، والسلام، ثم أنشأ يقول:

1- وقعنا بأمر ما لنا منه مخرج [] ... / سوى دفعه بالصبر حتى تفرجا
2- وإيزاحه عنا بغير خداجة ... ولا خير في أمر إذا كان مخدجا
3- منعتم زيادا ما لكم وأظنه ... سيوقدها نارا عليكم موهجا
4- فيصبح فيها من جناها سفاهة ... قليل العزا عن قومه متعججا [
- ألا خبروني والحوادث [
] جمة ... ولا خير في قول إذا كان لجلجا
6- أخيل أبي بكر تردون عنكم ... إذا ما أتتكم أم تردون مذحجا
7- أظنكم والله غالب أمره ... ستبغون في الحرب الهمام المتوجا
8- وتبغون فيها كل فارس بهمة [] ... إذا اشتد يوما حالة القوم أهوجا
قال: وتقارب [] خيل المسلمين من بلاد حضرموت وديار كندة وحصونهم، فوثب رجل منهم يقال له ثور بن مالك [] ، وكان قديم العهد في الإسلام، وذلك أنه أسلم في أيام معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أرض اليمن، قال: وكان ثور بن مالك هذا ممن أسلم يومئذ، فأقبل على قومه فقال:
يا معشر كندة، أراكم مجتمعين على حرب المسلمين، وأرى فيكم نخوة الملك، وقد علمتم أن الذي تدعون ] من الملك قد محقه الله تبارك وتعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن السيوف التي قتل الله بها أهل الردة هي السيوف التي تقاتلكم غدا، فتداركوا أموركم، هذه خيل أبي بكر قد تقاربت منكم.
قال فوثب بعضهم فلطم وجهه وشتمه وضعف أمره، ثم صاح به رجال كندة من كل ناحية وقالوا: يا ابن مالك، ما أنت والكلام بين أيدي الملوك ولست هناك، قم من ها هنا فالتراب ففيك.
قال: فوثب ثور بن مالك من عند القوم، وقد نزل به منهم ما نزل، فأنشأ يقول [

- تطاول ليلي لغي الملوك [] ... وقد كنت قدما نصحت الملوكا
2- فأصبحت أبكي بكاء الثكول [ ... ولم أك فيما أتوه شريكا
3- وقلت لهم حين ردوا الأمور ... أرى للملوك هلاكا وشيكا
4- فقلت تحلوا [] بدين الرسول ... فقالوا سفاها تراب بفيكا [
5- فأصبحت أبكي على ملكهم ... بكاء طويلا وحزنا هلوكا
6- وقلت لمن عابني منهم ... عسى ما تسر به أن يسوكا
قال: وأشرفت خيل المسلمين على ديار بني كندة، فإذا أربعة أخوة من ملوك بني كندة، أحدهم يقال له : مخوص ، ومشرح، وجمد، وأبضعة، فإذا هم على شراب لهم والمعازف بين أيديهم، لم يشعروا إلا وخيل المسلمين على رؤوسهم، فوضعوا فيهم السيوف، وقتلوا أختا لهم/ يقال لها العمردة
__________
واحتووا على أموالهم وقليلهم وكثيرهم، فأنشأ بعض المسلمين في ذلك يقول [] :

1- شكرا لمن يعطي الرغائب من سعه ... 2- قتل الملوك بنو الملوك الأربعه [
3- جمد الندى ومشرح وأبضعه [] ... 4- ومخوص [] ليس الفتى بذي ضعه
قال: واتصل هذا الخبر بالسكاسك والسكون، وهما قبيلتان من قبائل كندة، فكأنهم اتقوا على أنفسهم، فركبوا في جوف الليل وساروا إلى زياد بن لبيد، فاستأمنوا إليه وعزموا على نصرته.
قال: وسار زياد إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو هند، فكبسهم وقاتلهم فوقعت الهزيمة عليهم، فقتل منهم جماعة، وولوا الأدبار، واحتوى المسلمون على نسائهم وذراريهم وأموالهم، فأنشأ رجل من المسلمين يقول:

1- يا بني هند لقيتم صيلما ... إذ كفرتم بالإله المنعما
- فتررناكم [] بسمر شرع ... وببيض الهند تفري اللمما []
3- قد لعمري ساءني [] هلككم ... وبكت عيني دموعا ودما
4- فارجعوا للآن [ عن كفركم ... واتبعوا دينا حنيفا قيما
5- فلقد أبديت [] نصحي لكم ... فتعوضت بنصحي ندما


قال: ثم سار زياد بن لبيد إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو العاتك، فوافاهم وهم غافلون، فلما أشرفت الخيل عليهم تصايحت النساء وخرج الرجال إلى الحرب، فاقتتلوا ساعة، ووقعت الهزيمة عليهم، فانهزموا وأسلموا ديارهم ونساءهم وأموالهم، فاحتوى المسلمون على جميع ذلك، ثم أنشأ رجل من المسلمين يقول:

1- يا بني العاتك أوديتم معا ... وبنو هند أبيدوا [] أجمعا
2- زرعوا بالبغي زرعا ضرهم ... وكذا يحصده من زرعا
3- صنعوا قدما صنيعا فاحشا ... كم صنيع ضر من قد صنعا
4- عين [] فابكيهم على بغيهم ... ما دعا إلف لهم أو سجعا []
- كم رئيس تركوه نادرا [] ... بسيوف مرهفات قطعا
6- قتلهم قد هد ركني وبرى [] ... أعظمي فالأنف مني جدعا
7- قد بذلنا النصح لكن لم أجد ... فيهم يوما لنصحي موضعا
قال: ثم سار زياد بن لبيد إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو حجر، وهم يومئذ جمرات [ كندة وفرسانهم، فلم يشعروا إلا والخيل قد كبستهم في جوف الليل، فاقتتل القوم ساعة، وقتل من بني حجر مائتا رجل، وأسر منهم خمسون رجلا، وولى
] الباقون الأدبار، واحتوى/ المسلمون على قليلهم وكثيرهم، فأنشأ رجل من مسلمي كندة يقول:

1- أيا عين فابكي [] ما حييت بني حجر ... بدمع غزير لا قليل ولا نزر
2- نصحتهم لو يقبلون نصيحتي ... وقلت لهم لا تتركن [] أبا بكر
3- فلما أبوا في البغي إلا تماديا ... صبحناهم منا بقاصمة الظهر
4- لقيناهم ليلا هناك بجحفل ... فكان عليهم مثل راغية البكر []
- فكم سيد منهم تركنا مجندلا ... صريعا عليه الخامعات [] مع النسر
قال: ثم سار زياد بن لبيد إلى حي من أحياء كندة يقال لهم بنو جمر، وهم فرسان وأبطال، فالتقى القوم للقتال، فقتل من المسلمين عشرون رجلا، وقتل من بني جمر قريب من ذلك، ووقعت الهزيمة عليهم، فولوا الأدبار، وأسلموا الديار، واحتوى المسلمون على النساء والأولاد، فأنشأ زياد بن لبيد يقول:

1- قل لبني جمر إذا جئتهم ... قد كانت الشدة مثل البوس
2- قد طرقتكم وقعة [من] صيلم [ ... أردتكم فيها بطير النحوس
3- وسمتكم كندة في ناقة ... بيوم سوء مقمطر ] عبوس
4- فكم قتلنا منكم في الوغى ... من فارس نجد وكبش [] رئيس
5- وعن قليل لكم مثلها ... (ونفل) وخوفنا بالنفوس
قال: وبلغ الأشعث بن قيس في بني عمه من بني مرة ما فعله زياد بن لبيد ببني هند وبني العاتك وبني حجر وبني جمر، فغضب لذلك، ثم قال: لا كرامة لزياد يقتل قومي وبني عمي، ويسبي النساء والذراري، ويحتوي على الأموال، وأقعد عنه، قال: ثم نادى الأشعث في بني عمه من بني مرة وبني عدي وبني
جبلة، وسار يريد زياد بن لبيد ومعه ألف فارس من فرسان قومه، وزياد بن لبيد في أربعة ألف من المهاجرين والأنصار، وخمس مائة رجل من السكاسك والسكون، فالتقى القوم قريبا من مدينة من مدن حضرموت، يقال لها تريم ، فاقتتلوا هنا لك ساعة، ووقعت الهزيمة على زياد ومن معه من المسلمين، وقتل منهم على نيف من ثلاث مائة رجل، وانهزموا هزيمة قبيحة، حتى دخلوا تلك المدينة، واحتوى الأشعث على تلك الأموال والغنائم والذراري، فردها إلى أهلها، وأنشأ رجل من بني عمه يقول:

1- ظفر الأشعث لما كندة ... عند ما غابت حواها واحتمى
2- ترك الأوتار في أعدائهم ... وسما للحرب قدما وانتمى
3- يا زياد لا تلاقي أشعثا ... فسيسقى ضلة منك دما /
4- إن للأشعث صولات إذا ... لقي الأبطال يمضي قدما
5- حظه في الحرب بيض رهف [ ... ورماح الخط تحكي الأنجما
قال: وأقبل الأشعث بن قيس وأصحابه حتى نزل على مدينة تريم ،
فحاصر زياد بن لبيد ومن معه من المسلمين حصارا شديدا.
قال: وكتب زياد بن لبيد إلى المهاجر بن أمية المخزومي يستنجده على الأشعث، فلما بلغه ما فيه زياد، سار إليه فيمن معه وهم ألف فارس معونة لهم، وبلغ ذلك الأشعث، فأمر أصحابه فتنحوا عن باب تريم، وأقبل المهاجر بن أمية في ألف فارس حتى دخل المدينة، وصار مع زياد، ورجع الأشعث وجلس على الباب، وأرسل إلى جميع قبائل كندة، فأجابه الجبر بن قشعم [ في قومه من بني الأرقم، وأجابه أبو قرة الكندي في قومه من بني حجر، وأجابه الخنفسيس بن عمرو في قومه من بني هند.
قال: فاجتمع إلى الأشعث بن قيس خلق كثير من قبائل كندة، فنزل بهم على باب تريم، فحاصروا زياد بن لبيد والمهاجر بن أمية ومن معهما حصارا شديدا، وضيقوا عليهما.
قال: وكتب زياد بن لبيد إلى أبي بكر رضي الله عنه كتابا، فأنشأ رجل منهم يقول [
] :
اجتمعت عليه من حرب المسلمين، فاغتم بذلك، واغتم المسلمون أيضا، ولم يجد أبو بكر بدا من الكتابة [ إلى الأشعث بن قيس بالرضا، فكتب إليه يقول:
(بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمته، إلى الأشعث بن قيس ومن معه من قبائل كندة، أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه المنزل على نبيه عليه السلام: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ] ، وأنا آمركم بتقوى الله وحده وأنهاكم أن تنقضوا عهده، وأن ترجعوا عن دينه إلى غيره، ولا تتبعوا الهوى فيضلكم عن سبيل الله، وإن كان إنما حملكم عن الرجوع عن دين الإسلام ومنع الزكاة ما فعله بكم/ عاملي زياد بن لبيد، فإني أعزله عنكم، وأولي عليكم من تحبون، وقد أمرت صاحب كتابي هذا إن أنتم قبلتم الحق أن يأمر زيادا بالانصراف عنكم، فارجعوا إلى الحق وتوبوا من قريب، وفقنا الله وإياكم لكل ما كان فيه رضى، والسلام) .


ثم كتب حسان بن ثابت يقول [] :

1- أنيبوا إلى الحق يا قومنا ... فإني لكم ناصح فاقبلوا
2- ولا تأنفوا اليوم أن ترجعوا ... فإن الرجوع بكم أجمل
3- رميت بنصحي لكم جاهدا ... فلا ترتدوا ثم تستجهلوا
4- فأنتم أناس لكم سؤدد ... وينميكم الشرف الأطول
5- صباح الوجوه نماكم إلى ... كريم الثنا الشرف الأول

1- أخبر زيادا إن كندة أجمعت ... طرا عليك فكيف ذلك تصنع []
2- أحياء كندة قد أتتك بجمعها ... ولديك منها جيرة لو تنفع
3- قد صيرتك إلى التحصن صاغرا ... حتى كتبت إلى عتيق [] تضرع
4- فاصبر ولا تجزع لوقع سيوفنا ... إن الكريم إذا جنى لا يجزع
قال: فلما ورد كتاب زياد إلى أبي بكر رضي الله عنه بخبر كندة وما
6
ثم طوى الكتاب وعنون [] ختمه، ودفعه إلى رجل من قيس عيلان يقال له مسلم بن عبد الله.
فلما وصل الكتاب إلى الأشعث وقرأه، أقبل على الرسول وقال: (إن صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له، ولا يلزم صاحبه الكفر بقتله قومي) ، فقال له الرسول: (نعم يا أشعث يلزمك الكفر، إن الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر [لمخالفتك] لجماعة المسلمين) .
قال: فوثب إلى الرسول غلام من بني مرة ابن عم الأشعث، فضربه بسيفه ضربة فلق هامته، فسقط الرسول ميتا، فقال له الأشعث: (لله أبوك، فلقد [ق] صرت العتاب وأسرعت الجواب) . قال: فوثب أبو قرة الكندي مغضبا فقال: (يا أشعث، لا والله، ما يوافقك أحد منا على هذا الأمر أبدا، تقتل الرسول بلا ذنب كان منه، ولا سبيل لك عليه) ، ثم أقبل أبو قرة على قومه من كندة فقال: (انصرفوا ولا تقيموا، فإن الصواب عندي الرحيل عن هذا الرجل، وإلا فتوقعوا العقوبة) .
قال: ثم انصرف أبو قرة الكندي وهو يقول:

1- قتلتم رسولا أن أتى برسالة ... وليس عليه أو إليه سبيل
2- فجئتم بأمر فيه خوف عليكم ... وذلك خزي في الحياة طويل
- فلست على هذا أقيم وإنني ... لمرتحل إن الصواب رحيل
4- أخاف عليكم أن تنادوا بضبكم ... وقد هلكت من بعد ذاك جديل
5- وقد هلكت من قبل طسم وخثعم ... وقد هلكت من بعد ذاك جديل
قال: ثم وثب أبو شمر الكندي فقال: (يا أشعث، لقد ركبت عظيما من الأمر بقتلك من لا ذنب له، وذلك أنا نقاتل من يقاتلنا، وأما قتل الرسول فلا، لأن الرسول لا يجب عليه القتل لأنه مأمور) . فقال الأشعث: (يا هؤلاء، لا تعجلوا، فإنه/ قد شهد علي وعليكم بالكفر، وبعد فلم آمر بقتله ولا ساءني ذلك) .
قال: فوثب الجبر بن القشعم الكندي فقال: (يا هذا إنا رجونا أنك تعتذر إلينا بعذر نقبله منك، فأجبتنا بما قد أنفرنا منك، وأيم الله لو كنت ذا إرب لغيرت هذا ولم تركب العدوان، وقتلك رسولا لا جرم له) .
قال: ثم نادى جبر بن القشعم في بني عمه من بني الأرقم، فقال: (ارحلوا عن هذا الظالم حتى يعلم الله أنكم لم ترضوا بما قد فعل) ، وأنشأ يقول:
)
1- سيرحل عنكم بنو الأرقم ... عشية جرت على المسلم
2- أيؤذى الرسول بأن حلكم ... بخط كتاب ولم يجرم
3- أأشعث أول ذا الدية [ ... لغيرت ذاك ولم تظلم
4- أخاف عليكم بأفعالكم ... نحوسا من الطائر الأشأم
5- وللبغي عاقبة تتقى ... تحل بمن جار ولم يندم
قال: فتفرق عن الأشعث عامة أصحابه، حتى بقي في قريب من ألفي
رجل، وأقبل السكاسك والسكون على زياد بن لبيد ومهاجر بن أمية في مدينة تريم، في نيف من خمسة ألف رجل من المهاجرين والأنصار وغيرهم من القبائل، فتشاوروا في الخروج على الأشعث، فأخذوا أهبتهم وخرجوا إلى قتاله، فالتقوا بواد يقال له الرقان قريبا من مدينة تريم، فاقتتلوا هنا لك ساعة، ونظر الأشعث إلى رجل من أصحاب زياد يقال له جفنة بن قتيرة السكوني ، وإنه يقاتل قتالا شديدا، فحمل عليه الأشعث فطعنه طعنة صرعه عن فرسه، وهم أن ينزل إليه، فحماه ابن عم له من الأشعث، فأفلت جفنة، فأنشأ ذلك الفتي يقول:

1- تداركت جفنة من أشعث ... كررت عليه ولم أنكل
2- تداركته بعد ما قد هوى ... رهين العجاجة في القسطل]
3- فأنجيته من حياض الردى ... فآب سليما ولم يقتل
قال: ثم حمل الأشعث أيضا على رجل يقال له السمط بن الأسود السكوني فضربه ضربة أثخنه منها، قال: فولى السمط بين يدي الأشعث هاربا، ووقف الأشعث في ميدان الحرب، فجعل يلوح بسيفه ويقول:

1- كررت على السمط وقت العجاج ... فجللته صارما معضلا
________2- فولى حثيثا على وجهه ... ولو قام لي ساعة جدلا
3- فإن عاد جللته مثلها ... ويكفيه ما ناله أولا
قال: وحمل مهاجر بن أمية على الأشعث، والتقيا بضربتين بدره بها الأشعث ضربة قد بيضته، وأسرع السيف إلى رأسه فولى مدبرا، فناداه الأشعث:
يا مهاجر، تعير/ الناس بالفرار وتفر فرار الحمار، ثم أنشأ الأشعث يقول:
1- لقيت المهاجر في جمعه ... بعضب حسام رقيق الغرر
2- ففر ذليلا ولم ينثني ] ... فرار الحمار من القسور
قال: ثم حمل الأشعث بن قيس وأصحابه على جميع المسلمين، فهزمهم حتى أدخلهم مدينة تريم، وقد قتل منهم جماعة، وجرح منهم بشر كثير، ثم أقبل الأشعث بأصحابه حتى أحدقوا بالمدينة ونزلوا عليها، وحصروا زياد بن لبيد وأصحابه، وضيقوا عليه غاية الضيق.
قال: وكتب زياد بن لبيد إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره بقتل الرسول، ويعلمه أنه وأصحابه محاصرون في مدينة تريم أشد الحصار، ثم كتب بهذه الأبيات :

1- هل راكب يرد المدينة مخبرا ... رهط الرسول وسادة الأنصار
- ويقول للصديق عند لقائه ... والدمع يهمل كالبدي الجاري
3- إنا حصرنا في تريم كأننا ... نحن النكوص بها على الأدبار
4- حشدت لنا أملاك كندة واعتدت ... بالمرهفات وبالقنا الخطار
5- فامنعهم بمهاجرين فوارس ... فرسان صدق من بني نجار
6- وبكل قرن في الهياج مهذب ... يسمو بعضب صارم بتار
قال: فلما ورد الكتاب إلى أبي بكر رضي الله عنه وقرأه، نادى في المسلمين، ثم قال: (أشيروا علي ما الذي أصنع في أمر كندة) . قال: فتكلم أبو أيوب الأنصاري فقال: اسمع ما أشير به عليك، إن القوم كثير عددهم، وفيهم نخوة الملك ومنعة، وإذا هموا بالجمع جمعوا خلقا كثيرا، فلو صرفت عنهم الخيل في عامك هذا، وصفحت عن أموالهم لرجوت أن ينيبوا إلى الحق، وأن يحملوا الزكاة إليك بعد هذا العام طائعين غير مكرهين، فذاك أحب إلي من محاربتك إياهم، فقد علمت أنهم فوارس أبطال لا يقوم لهم إلا نظراؤهم من الرجال) . قال: فتبسم أبو بكر رضي الله عنه من أبي أيوب، ثم قال: (والله يا أبا أيوب، لو منعوني عقالا واحدا مما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضعه عليهم لقاتلتهم أبدا، أو ينيبوا إلى الحق) . قال: فسكت أبو أيوب.
وأنشأ حسان بن ثابت الأنصاري يقول :

1- لما أبو أيوب قام بخطبة ... ينهى أبا بكر وقال مقالا
- إن تلق كندة تلقهم يوم الوغى ... تحت العجاج فوارسا أبطالا
3- فاتركهم عاما هناك لعلهم ... أن يحملوا نحو الهدى أموالا
4- فلذاك خير إن قبلت نصيحتي ... من أن ترى متعسفا قتالا
5- فأجابه الصديق أن لو أنني ... مما الرسول حوى منعت عقالا/
6- قاتلتهم بالمرهفات وبالقنا ... وثنيت خيلي نحوهم ورجالا
7- حتى ينيبوا راجعين إلى الهدى ... ويرون طرا تاركين ضلالا
قال: ثم انصرف أبو بكر رضي الله عنه إلى منزله، وأرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ ، فدعاه وقال: (إني عزمت أن أوجه إلى هؤلاء القوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه عدل رضى أكثر الناس لفضله وشجاعته وقرابته وعلمه وفهمه ورفقه بما يحال من الأمور) . قال: فقال له عمر: (صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن عليا كما ذكرت، وفوق ما وصفت، ولكنني أخاف عليك منه خصلة واحدة، أن يأبى قتال القوم فلا يقاتلهم، فإن أبى فلن تجد أحدا يسير إليهم، إلا على المكره منه، ولكن ذر عليا يكون عندك فإنك لا تستغني عن مشورته، واكتب إلى عكرمة بن أبي جهل ، فمره بالمسير إلى الأشعث
وأصحابه فإنه رجل لحرب أهل لما أهل له) ، فقال أبو بكر رضي الله عنه:
(هذا رأي) .
قال: ثم كتب أبو بكر رضي الله عنه كتابا إلى عكرمة، وهو يومئذ بمكة:
(أما بعد، فقد بلغك ما كان من أمر الأشعث بن قيس وقبائل كندة، وقد أتاني كتاب زياد بن لبيد، يذكر أن قبائل كندة قد اجتمعوا عليه وعلى أصحابه، وقد حصروهم في مدينة تريم بحضرموت، فإذا قرأت كتابي هذا فسر إلى زياد بن لبيد في جميع أصحابك ومن أجابك من أهل مكة، واسمه له وأطع، فإنه الأمير عليك، وانظر لا تمرن بحي من أحياء العرب إلا استنهضتهم فأخرجتهم معك إلى محاربة الأشعث بن قيس وأصحابه، إن شاء الله، والسلام) .
قال: فلما ورد الكتاب إلى عكرمة بن أبي جهل وقرأه، نادى في أصحابه ومن أجابه من أهل مكة، وخرج في ألفي فارس من قريش ومواليهم وأحلافهم، وسار عكرمة حتى صار إلى نجران ، وبها جرير بن عبد الله البجلي ] رضي الله عنه، في بني عمه من بجيلة، فدعاه عكرمة إلى حرب الأشعث، فأبى عليه جرير، ولم يجب إلى ذلك، فسار عكرمة حتى صار إلى صنعاء فاستنهض
أهلها فأجابوه إلى ذلك، ثم سار إلى مأرب فنزلها، وبلغ ذلك أهل دبا [فغضبوا على مسير عكرمة إلى محاربة كندة، وجعل بعضهم يقول لبعض: تعالوا حتى نشغل عكرمة عن محاربة بني عمنا من بني كندة وقبائل اليمن، فعزموا على ذلك ووثبوا على [حذيفة بن عمرو] عامل لهم من جهة أبي بكر، فطردوه عن بلدهم، فمر هاربا حتى صار إلى عكرمة، / فلجأ إليه، فكتب حذيفة بن عمرو هذا إلى أبي بكر رضي الله عنه بأمر أهل دبا وارتدادهم عن دين الإسلام، وطردهم إياه، ثم خبره أنه التجأ إلى عكرمة فصار معه، فاغتاظ [أبو بكر] غيظا شديدا، ثم إنه كتب إلى عكرمة:
(أما بعد، فإذا قرأت كتابي فسر إلى أهل دبا على بركة الله فأنزل بهم ما هم له أهل، ولا تقصر فيما كتبت به إليك، فإذا فرغت من أمرهم فابعث إلي بهم
أسيرا، وسر إلى زياد بن لبيد، فعسى الله أن يفتح على يديك بلاد حضرموت إن شاء الله تعالى، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) .
قال: فلما ورد الكتاب على عكرمة، سار بأصحابه إلى دبا، قال: ودنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا، ورزق الله الظفر لعكرمة فهزموهم، حتى بلغ بهم إلى أدنى بلادهم، وقتل منهم زهاء عن مائة رجل، ثم سار إليهم عكرمة يريد قتالهم ثانية، ودخل القوم مدينتهم فتحصنوا بها، ونزل بهم عكرمة وحاصرهم وضيق عليهم، واشتد عليهم الحصار، لأنهم لم يكونوا اعتادوا لذلك، فأرسلوا إلى عاملهم حذيفة بن عمرو، ويسألونه الصلح على أنهم يؤدون الزكاة ويرجعون إلى محبته، وينصرف عنهم عكرمة. فأرسل إليهم عاملهم: (أنه لا صلح بيننا وبينكم، إلا على الإقرار منكم أنا على الحق وأنتم على باطل، وأن قتيلنا في الجنة وقتيلكم في النار، وعلى أنا نحكم فيكم بما رأينا) .
قال: فأجابوه إلى ذلك، فأرسل إليهم: أن اخرجوا الآن عن مدينتكم بلا سلاح، ففعلوا ذلك، ودخل المسلمون إلى حصنهم، فقتلوا أشرافهم، وسبوا نساءهم وأولادهم، وأخذوا أموالهم، ووجه برجالهم إلى أبي بكر وهم ثلاث مائة رجل من المقاتلة، وأربع مائة من النساء والذراري، فهم أبو بكر بقتل رجالهم، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن القوم على دين الإسلام، لأني أجدهم يحلفون بالله مجتهدين ما رجعوا عن دين الإسلام، ولكن شحوا على أموالهم، وقد كان منهم ما كان فلا تعجل عليهم، واحبسهم عندك إلى أن ترى فيهم رأيك) .
قال: فأمر بحبسهم، فحبسوا في دار رملة بنت الحارث [ فلم يزالوا هناك إلى أن توفي أبو بكر رضي الله عنه، فدعاهم عمر، ثم قال لهم: ( [إنكم تعرفون أن] ما كان من رأي أبي بكر ما كان من رأي، وقد مات أبو بكر، وقد أفضى الأمر إلي، فانطلقوا إلى أي بلد شئتم، فأنتم أحرار لوجه الله تعالى، فلا فدية عليكم) .
قال: فمضى القوم على وجوههم، فمنهم من صار إلى بلاده، ومنهم من صار إلى البصرة بعد عمارتها فنزلها، وكان أبو صفرة أبو المهلب ممن نزل البصرة بعد عمارتها، فيها خطط المهالبة إلى يومنا هذا.
قال: وسار عكرمة/ يريد زياد بن لبيد، وبلغ ذلك الأشعث بن قيس، ] فانحاز إلى حصن من حصون حضرموت ] يقال له النجير [ ، فرمه وأصلحه، ثم جمع نساء قومه وذريته، فأدخلهم ذلك الحصن.
قال: ونادى زياد بن لبيد في أصحابه فجمعهم ثم قال: أيها الناس، اعلموا أنكم تقاتلون أهل ردة وكفر، فأظهروا أسلحتكم، واشحذوا سيوفكم، فإني ناهض إليهم إن شاء الله، وهذا عكرمة بن أبي جهل قد جاءكم مددا لكم في عسكر لجب ، فابشروا بالنصر والظفر.

قال: وجعل زياد بن لبيد يحرض المسلمين على حرب عدوهم وهو يقول:

1- يا بني كندة الكرام أعدوا ... واستعدوا لوقعة الأحزاب
2- قد أمد العدو منكم بخيل ... وكهول لحربكم وشباب
3- وأمدوا نفوسكم باصطبار ... حين تلقون جمعهم واحتساب
4- إنكم طال ما بهم قد ظفرتم ... وأقمتم للقوم سوق الضراب
5- فامنحوهم إذا التقيتم طعانا ... وضرابا على المذاكي العراب
قال: وبلغ ذلك الأشعث بن قيس بأن زياد بن لبيد قد شجع أصحابه، فجعل الأشعث أيضا يشجع أصحابه ويحرضهم وهو يقول: يا معشر كندة، لا يهولنكم مدد أعدائكم لأصحابهم فإن النصر مع الصبر، والقوم مع الصبر لا يثبتون، فقاتلوهم محتسبين، ثم أنشأ يقول:

1- لا يهولنكم بني عمرو الندى ... مدد المكي إليهم [] عكرمه
2- فاستعدوا برماح شرع ... وسيوف الهند تفري القممه
3- واصبروا عن كل ما نابكم ... فعلى مالك تيم وكمه
4- هذه نيران حرب أضرمت ... فاصطلوا نيران حرب مضرمه

5- لستم فيها بأنكاس ولا ... عزلا مثل اللئام القرمه
6- فافلقوا بالبيض هامات العدى ... في الوغى حتى تلاقى البهمه [


قال: وجعل كل رأس من رؤساء كندة يحرض بني عمه على الحرب، ويأمرهم أن لا يقصروا.
قال: وأصبح زياد بن لبيد وقد عبى أصحابه، وعبى الأشعث أيضا أصحابه، وتسربل في سلاحه، وعلى رأسه تاج لجده يزيد بن معديكرب، وتقدم زياد بن لبيد حتى وقف قدام أصحابه، وجالت الحرب بعضها على بعض، واقتتلوا قتالا شديدا، وتناشدوا أشعارا لم نذكرها، وخرج الأشعث لزياد، فانهزم زياد وأصحابه حتى دخلوا مدينة حضرموت فتحصنوا بها، وبلغ ذلك عكرمة بن أبي جهل، فكتب إلى زياد يعلمه الوقت الذي يوافيه فيه، وأنه يوافيه في يوم كذا وكذا.
قال: ففرح زياد وأصحابه، وخرج من مدينة تريم ، وأنه يشك بقدوم عكرمة عليهم، فلما كان ذلك اليوم الذي وعده عكرمة أن يوافيه فيه، ركب زياد في أصحابه/ وخرج من مدينة تريم، وأنه ليشد بالأيدي على استواء فرسه من الجراحات، فعلم الأشعث أن زيادا قد خرج إليه، ثم ركب هو وأصحابه وساروا نحو زياد على غير تعبئة، فلما تلاقى الجمعان، اختلط القوم واقتتلوا قتالا شديدا، وهم أصحاب زياد بالهزيمة، فبينما هم كذلك إذ وصل إليهم عكرمة في تعبئة حسنة، وخيل عتاق، وسلاح شاك، ورجال جلد.
قال: ونظرت قبائل كندة إلى خيل عكرمة وقد أشرفت عليهم، فصاحوا بالأشعث، ما ترى هذه خيل عكرمة قد أشرفت، ونحن تعبنا وخيلنا قد كلت، وعامتنا جرحى. قال: فشجعهم الأشعث وأمرهم بالصبر ونهاهم عن العجز والكسل، واختلطت خيل عكرمة وخيل زياد، فصاروا في موضع واحد، واجتمعوا وحملوا على الأشعث وأصحابه، فلم يزل واحد منهم عن موضعه، لكنهم أشرعوا الرماح في صدور المسلمين، ثم جالت الخيل بعضهم في بعض، وتقدم رجل من فرسان الأشعث، يقال له عرفجة بن عبد الله الذهلي، فحمل على خيل المسلمين، ولم يزل يقاتل حتى ضج المسلمون من طعانه، قال:
فرماه رجل من أهل مكة بسهم فوقع في فؤاده فقتله، فصاح زياد بن لبيد: يا معشر المسلمين، أبشروا فقد أخمد الله جمرة كندة بقتل عرفجة الذهلي.
قال: وتقدم الأشعث بن قيس حاسر الرأس، وطلب البراز، فخرج إليه عكرمة، فجالا ثم التقيا بطعنتين ولم يصنعا شيئا، فرمى كل واحد برمحه من يده واعتمد على قائم سيفه، ثم التقيا بضربتين، بدره الأشعث بضربة قد بها بيضة عكرمة، ثم إن رجلا يقال له النعمان بن الحارث، حمل على الأشعث فطعنه طعنة منكرة، حتى كاد الأشعث أن يسقط عن فرسه.
قال: وجعل الأشعث يقاتل، وكلما حمل بفرسه على الناحية التي فيها زياد ينحاز زياد عن ذلك الموقف إلى غيره. وهبت ريح وثار العجاج، فلم يبصر الناس بعضهم بعضا وحسر الأشعث عن رأسه، ونادى: الصبر الصبر يا معشر كندة، فإن القوم قد صبروا لكم.
قال: ولم يزل القوم على ذلك إلى وقت المساء، ثم اجتمع المسلمون بأجمعهم في موضع واحد، ورفعوا أصواتهم بالتكبير، ثم حملوا على الأشعث وأصحابه، كحملة رجل واحد، فهزموهم حتى ألجئوهم إلى حصنهم الأعظم.
قال: فدخل الأشعث وأصحابه إلى ذلك الحصن وأغلقوا عليهم الباب. وأقبل زياد بن لبيد، وعكرمة بن أبي جهل، والمهاجر بن أمية، وجميع المسلمين، حتى نزلوا/ على الحصن فأحدقوا به من كل ناحية، واشتد الحصار على من في
الحصن من قبائل كندة، فقال لهم الأشعث: يا بني عمي، ما الرأي، فقالوا:
والله الرأي أن نموت كراما، قال الأشعث: فإن كنتم عزمتم على ذلك فافعلوا كما أفعل حتى أعلم أنكم صادقون، قال: ثم ضرب الأشعث بيده إلى ناصيته فجزها وربطها على رأس رمحه، وجز القوم نواصيهم وربطوها في رؤوس رماحهم، وتبايعوا على الموت. فلما أصبح الأشعث أمر بباب الحصن ففتح، وخرج في أوائل القوم، وهو يرتجز ويقول:

1- يا قوم إن الصبر بالإخلاص ... 2- فللإله فاحلقوا النواصي
3- وبارزوا الأعداء بالعراص ... 4- على عتاق الخيل والقلاص
5- لا تجزعوا قومي من القصاص ... 6- ولا تقروا الدهر بالنكاص
7- أو لا تصيرون إلى الخلاص
قال: ثم خرج خلفه الخنفسيس بن عمرو، وضفيرته معقودة على رأس رمحه، وأنشد أبياتا اختصرنا عن ذكرها.

يوم من أيامهم، حتى قتل من الفريقين بشر كثير. قال: وأثخن الأشعث بالجراحات، فولى منهزما هو وأصحابه، حتى دخلوا الحصن، فحاصر [المسلمون] [ الأشعث وأصحابه أشد حصار.
قال: وسمعت بذلك قبائل كندة ممن كان تفرق عن الأشعث لما قتل رسول أبي بكر رضي الله عنه، فقال بعضهم لبعض: يا قومنا، إن بني عمنا قد حصروا في حصن النجير، وهذا عار علينا أن نسلمهم، فسيروا بنا إليهم. قال:
فسارت قبائل كندة يريدون محاربة المسلمين، وبين أيديهم الجبر بن القشعم الأرقمي شاك في السلاح، وهو يقول:

1- قد حصرت كندة في النجير ... 2- ما إن لها عن الدفاع غيري
3- ومنجهم غيري معا وخيري ... 4- وعنهم أنفي العدا بصبري
وأقبل أبو قرة الكندي في قومه، وأنشد أبياتا لم نذكرها. قال: وأقبل أبو الشمر الكندي في قومه من بني جمرة، وأنشد أبياتا لم نذكرها.
قال: وبلغ زياد بن لبيد مسير هؤلاء القوم إليه، فكأنه جزع لذلك، ثم أقبل على عكرمة بن أبي جهل فقال له/ ما ترى، فقال عكرمة: أرى أن تقيم أنت على باب الحصن محاصرا لمن فيه، حتى أمضي أنا فألتقي هؤلاء القوم، فقال زياد: نعم ما رأيت، ولكن انظر يا عكرمة، إن أظفرك الله بهم فلا ترفع السيف عنهم أو تبيدهم عن آخرهم. فقال عكرمة: لست ألوي جهدا فيما أقدر عليه إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________
قال: ثم خرج من بعده عبد الرحمن بن محرز الحطمي وناصيته مربوطة في رأس رمحه، وأنشد أبياتا تركنا ذكرها. قال: ثم خرج من بعده مسيلمة بن يزيد القشيري، وأنشد أبياتا تركنا ذكرها. ثم خرج من بعده سعد بن معد يكرب، وأنشد أبياتا تركنا ذكرها، قال: فكان كلما خرج رجل من أشرافهم خرج معه قومه وعشيرته.
قال: واختلط القوم، فاقتتلوا على باب الحصن قتالا لم يقاتلوا مثله في
قال: ثم جمع عكرمة أصحابه وسار حتى وافى القوم، وقد تعبأ تعبئة الحرب، فلم يكذب [] عكرمة أن حمل عليهم، واقتتلوا قتالا شديدا، وجرح عكرمة في رأسه، وجاء الليل فحجز بين الفريقين، فلما كان من الغد، دنا بعضهم من بعض واقتتلوا حتى أمسوا، والأشعث لا يعلم بشيء من ذلك، غير أنه طال عليه وعلى من معه الحصار، واشتد بهم الجوع والعطش، فأرسل الأشعث إلى زياد أن يعطيه الأمان ولأهل بيته ولعشرة من وجوه أصحابه، فأجابه زياد إلى ذلك، وكتب بينهم الكتاب، فظن أهل الحصن أن الأشعث قد أخذ لهم الأمان بأجمعهم، فسكتوا ولم يقولوا شيئا، واتصل الخبر بعكرمة فقال للذين يقاتلونه: يا هؤلاء، على ماذا تقاتلون، فقالوا: نقاتلكم على صاحبنا الأشعث بن قيس، قال عكرمة: إن صاحبكم قد طلب الأمان، وهذا كتاب زياد بن لبيد إلي يخبرني بذلك، ورمى الكتاب إليهم، فلما قرأوه قالوا: يا هذا ننصرف، فلا حاجة لنا في قتالك بعد هذا.
ثم انصرف القوم عن محاربة عكرمة، وهم في ذلك يسبون الأشعث ويلعنونه، فأنشأ عكرمة يقول:

1- رددت بني وهب عن الحرب بعد ما ... علينا بأسياف حداد تجمعوا
2- فجالدتهم صدر النهار إلى الضحى ... وكافحني منهم همام سميدع []
3- فلا القوم حامونا ولا نحن عنهم ... ولكن صلح القوم أبقى وأودع
قال: ثم أقبل عكرمة على أصحابه فقال: سيروا وأسرعوا السير إلى إخوانكم من المسلمين، فإن الأشعث قد طلب الأمان، فلعله أن يغنم زياد
وأصحابه ما في الحصن، إنهم لا يشركونكم في شيء من ذلك، لأنهم قد سبقوكم إلى فتح الحصن، إلا أن يرى زياد في ذلك رأيه. قال: فأنشأ رجل من أصحابه يقول [ :

1- ألا ليت شعري والحوادث جمة ... أيشركنا فيها صحاب زياد
2- وفي بذل هذا ائتلاف قلوبنا ... وفي منع هذا للقلوب فساد
3- نهضنا إليه ناصرين ودونه ... قبائل أبطال الجلاد مراد
4- إذا ما أتانا راكب برسالة ... رحلنا وفي الليل الطويل سواد
5- إلى الله قوما طالبين سبيله ... ودينا نحامي دونه ونذود
6- أبابيل أرسالا على كل وجهة ... كأنا إذا انصاح الصباح جراد
7- فلما أتى أهل النجير مسيرنا ... وفي الصبر في الحرب العوان عداد
8- نفى النوم عنهم ذكرنا وتقاربوا ... وقد كان فيهم قبل ذاك بعاد
9- فأعطوا بأيديهم مخافة حربنا ... وكان زياد قبل ذاك يكاد
10- فقل لزياد زادك الله نعمة ... خذ الشكر عفوا فالشكور يزاد
قال: ثم قدم عكرمة وأصحابه على زياد، والأشعث بعد لم ينزل من الحصن وهو يستوثق لنفسه ولمن معه من بني عمه، فأقبل زياد على عكرمة
فقال: ما صنعت مع قبائل كندة، فقال: صنعت، والله إني لقيت قوما لهم أقدار وأخطار صبر على الموت فلم أزل أحاربهم حتى علمت أن انتصافهم مني أكثر من انتصافي منهم، وأتاني كتابك بخبر الأشعث أنه بعث إليك يسألك الأمان، فكففت عن حرب القوم وانصرفت إليكم.
فقال زياد: لا والله، ولكنك جبنت وضعفت وكففت عن الحرب، ألم آمرك أن تضع سيفك فيهم، ثم لا ترفعه عنهم وفيهم عين تطرف، فعصيتني وأحببت العافية، وانصرفت إلي بأصحابك خوفا من أن تفوتك الغنيمة، قبح الله من يزعم أنك شجاع القلب بعد هذا. فغضب عكرمة من ذلك فقال: أما والله يا زياد، إن لقيتهم وقد أزمعوا على حربك لرأيت أسودا تحمي أشبالا وتكافح أبطالا، ذات أنياب حداد ومخاليب شداد، لتمنيت أنهم ينصرفون عنك ويخلونك، وبعد فإنك أظلم وأغشم وأجبن قلبا، وأشح نفسا، وأيبس كفا، إذ قاتلت هؤلاء القوم، وأنشبت هذه الحرب بينك وبينهم بسبب ناقة واحدة، لا أقل ولا أكثر، ولو لم أعنك بجنودي هؤلاء لعلمت أنك تكون رهين سيوفهم، وأسير جوامعهم. ثم أنشأ عكرمة يقول:

1- ما كنت بالرعش الكهام وإنني ... قدما غداة الروع غير نكوص
2- قتل الكماة إذا الحروب تسعرت ... بالمرهفات لذي حذر [] رخيص
3- لاقيت قوما أفزعوك بوقعهم ... حتى اتسعت وقلت أين محيصي
4- لو لم أعنك لكنت رهن سيوفهم ... تغري الخوامع منك كل قلوص
قال: ثم نادى عكرمة في أصحابه وهم بالرحيل، فاعتذر إليه زياد مما تكلم به، فقبل عكرمة عذره.
ونزل الأشعث بن قيس من الحصن في أهل بيته وعشيرته من رؤساء بني عمه، مع أهاليهم وأموالهم وأولادهم، فقال زياد: (يا أشعث، ألست إنما سألتني الأمان لعشرة من أهاليهم وأولادهم، وبهذا كتبت لك الكتاب) ، فقال الأشعث:
(بلى، قد كان ذلك) ، قال زياد: / (فالحمد لله الذي أعماك أن تأخذ الأمان لنفسك، والله لا أرى في الكتاب لك اسما، والله لأقتلنك) ، فقال الأشعث: (يا أقل الخلق عقلا، أترى أنه بلغ مني الجهل أن أطلب الأمان لغيري وأتركه لنفسي، أما إني لو كنت أخاف غدرك لبدأت بنفسي في أول الكتاب، ولكنني أنا كنت الطالب لقومي الأمان فلم أكن بالذي أطلب وأثبت نفسي مع غيري، وأما قولك أنك تقتلني، فو الله لئن قتلتني لتجلبن إليك وعلى صاحبك اليمن بأجمعها، وخيلها ورجلها، فينسينك ما قد مضى) ، ثم أنشأ الأشعث يقول:
(
1- ما كنت أنسى ] في أمانك فاعلمن ... نفسي وأثبت غيرها يا خاسر
2- لو خفت غدرك يا زياد سفاهة ... ما كان غيري في الكتاب العاشر
3- لو كنت أعلم أن ستفعل ما أرى ... لهوى برأسك مشرفي باتر
4- بل أنت ويلك يا زياد ملعن ... رث الأمانة والديانة غادر
5- كم مرة مني فررت وإنني ... لعلى حصارك لو أردت لقادر
6- حتى إذا ظفرت يداك حصرتني ... تربت يداك ألا فبئس الظافر
7- إني لأصبر للحكومة من أبي ... بكر فينظر لي فنعم الناظر
قال زياد: (إني والله لأرجو أن ينظر إليك أبو بكر الصديق بضرب عنقك، فإنه أهل لذلك يا عدو الله) . فقال الأشعث: (والله يا زياد، لئن يأكلني الأسد أحب إلي من أن يأكلني الكلب، يعني بالكلب هو، ولكن كيف أنت يا زياد من تلك الضربات التي نالتك مني يوم بارزتني) .
قال: فسكت زياد ولم يرد عليه شيئا، فازداد عليه غضبا وحنقا، ثم استوثق به وبأصحابه، ودخل الحصن فجعل يأخذ المقاتلة ويضرب رقابهم صبرا. فقال له القوم: (إنما فتحنا باب الحصن لأن الأشعث خبرنا بأنك أعطيته الأمان، فلم تقاتلنا) ، قال زياد: (كذب الأشعث، ما أثبت أحدا منكم في الكتاب غيره وغير أهل بيته وعشرة من بني عمه) .
قال: فسكت القوم وعلموا أن الأشعث هو الذي أسلمهم للقتل
. قال:
فبينما زياد كذلك يضرب أعناق القوم، إذا كتاب أبي بكر رضي الله عنه قد ورد عليه، وإذا فيه:
(أما بعد يا زياد، فقد بلغني أن الأشعث بن قيس قد سألك الأمان، وقد نزل على حكمي، فإذا ورد عليك كتابي هذا، فاحمله إلي مكرما، ولا تقتلن أحدا من أشراف كندة، صغيرا ولا كبيرا، والسلام) .
قال: فلما قرأ زياد ] الكتاب قال: (أما إنه لو سبق هذا الكتاب قبل قتلي هؤلاء ما قتلت منهم أحدا، ولكن قد مضى فيهم القضاء والقدر) . فكان نهيك بن أوس الأنصاري يقول: (لقد نظرت إلى قتل كندة فلم أشبههم إلا بقتل قريظة/ يوم قتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) . قال: ثم جمع زياد بن لبيد من بقي من بقايا ملوك كندة، وهم ثمانون رجلا، فصفدهم في الحديد، ووجه بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه، فأنشأ المهاجر بن أمية يقول:


1- هلا وقفت بربع سلمى المقفر ... فسألت عن خود كعاب معصر
2- مملوءة الساقين طاوية الحشا ... وفرانة ] مثل الغزال الأحور
3- بانوا بها فدموع عينك بعدها ... مثل الجمان بخدك المتحدر
4- دع ذكر خود وجمال أروع [ ... تسبي القلوب بنور وجه مقمر
5- واذكر وقائع حضرموت فإنها ... تشفي غليل الهائم المتحير
6- إذ نحن نجزر بالسيوف رؤوسهم ... والخيل تعثر بالقنا المتكسر
7- وملوك كندة في الهياج كأنهم ... أسد العرين لدى العجاج الأكدر
8- يمشون في الحلق المضاعف بالقنا ... وبكل صافي الشفرتين مكدر
9- كم فارس منا هناك ومنهم ... تحت العجاجة في الثرى لم يقبر
10- ولنعم فرسان الكريهة في الوغى ... كانوا ونعم ذوو ] السنا والمفخر
11- كانوا الملوك على ] البرية كلها ... بتسلط وتكبر وتجبر
12- فالبغي أوردهم فأصبح جمعهم ... في معرك مثل الهشيم المحضر
قال: ثم إنه أتى بالأسارى حتى أدخلوا المدينة، فأوقفوا بين يدي أبي بكر رضي الله عنه، فلما نظر أبو بكر إلى الأشعث بن قيس قال: (الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو نفسه) ، قال الأشعث: (لعمري لقد أمكنك الله مني، وبعد فإن قومي أطاعوني مخالفا، وعصوني محاربا، وقد كان مني ما كان من غيري،
وذلك أن صاحبك زيادا قتل قومي ظلما وعدوانا، فكان مني ما قد علمت) . قال:
فوثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: (يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الأشعث بن قيس، قد كان مسلما وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقرأ القرآن، وحج البيت الحرام، ثم إنه رجع عن دينه وغير وبدل، ومنع الزكاة، وقد قال البني صلى الله عليه وآله وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ، وقد وسع الله عليك فيه، فاقتله فدمه حلال) . فقال الأشعث: (يا خليفة رسول الله، إني ما غيرت ولا بدلت ولا شححت على مال، ولكن عاملك زيادا جار على قومي، فقتل منهم من لا ذنب له، فأنفت لذلك، وانتصرت لقومي فقاتلته، وقد كان مني ما قد كان، فإني أفدي نفسي وهؤلاء الملوك، وأطلق كل أسير في بلاد اليمن وأكون عونا لك وناصرا ما بقيت، على أنك تزوجني أم فروة بنت أبي قحافة ، فإني لك نعم الصهر، فهذا خير مما يقول عمر بن الخطاب) .
قال: فأطرق أبو بكر رضي الله عنه، ثم رفع رأسه وقال: (إني قد فعلت) .
قال: ثم أطلقه أبو بكر رضي الله عنه من حديده، وأطلق من كان معه من ملوك كندة، ثم أمره فجلس، وزوجه أبو بكر/ رضي الله عنه أخته [أم] فروة بنت أبي قحافة وأحسن إليه غاية الإحسان، وكان الأشعث بن قيس عند أبي بكر رضي الله عنه بأفضل المنازل وأرفعها، ويقال إن أم فروة بنت أبي قحافة ولدت من الأشعث محمد بن الأشعث [ ، وإسحاق بن الأشعث، وإسماعيل، فأما
إسماعيل وإسحاق فإنهما قتلا في أيام عبد الملك ابن مروان في بعض الوقائع، وأما محمد بن الأشعث فإنه لم يزل مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ومع علي رضي الله عنهم، وشهد مقتل الحسين بن علي عليهم السلام، وقتل في أيام المختار بن أبي عبيد ، وابنه عبد الرحمن بن محمد ] هو الذي خرج على الحجاج في أيام دير الجماجم
قال: وكان الأشعث بن قيس إذا ذكر قتلى كندة يتمثل بهذه الأبيات [
.1- لعمري وما عمري علي بهين ... لقد كنت بالقتلى أحق ضنين
2- وإن يك هذا الدهر فرق بيننا ... فما الدهر عندي بعدهم بمكين
3- ولا غزو إلا يوم يقسم بينهم ... فلست لشيء بعدهم بأمين
4- فليت جنوب الناس قبل جنوبهم ... ولم ينس أني بعدهم بحنين


*وكان اسم الأشعث: معديكرب وكان أبدا أشعث الرأس فغلب عليه.
*وأصيبت عينه يوم اليرموك وكان أكبر أمراء علي يوم صفين.

*دخل الأشعث على علي بن ابي طالب في شيء فتهدده بالموت فقال علي: بالموت تهددني ما أباليه هاتوا لي جامعة وقيدا ثم أومأ إلى أصحابه قال: فطلبوا إليه فيه فتركه.