المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهلًا يا شيخ حاتم ما هكذا تورد الإبل !



أهــل الحـديث
12-01-2013, 01:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مهلًا يا شيخ حاتم ما هكذا تورد الإبل !
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعدُ : فقد أوقفني الأخ العزيز خالد فحام ـ سدده الله ـ على مقال للشيخ حاتم الشريف العوني أستاذ الحديث بجامعة أم القرى وعضو مجلس الشورى ـ حفظه الله وبارك فيه ـ في ملحق الرسالة لجريدة المدينة ص (5) بعنوان :
بابُ في العشق وفوقه ترويسة فيها : هكذا يصدح النبي صلى الله عليه وسلم بحبه ويعلن اسم محبوبته الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها .
وهذا نص المقال : (( اعتدنا أن لا يكون حديث العشق إلا في كتب الأدب، وتصوّر بعضنا أنه مقصور على أحاديث أهل المجون فقط ! والصحيح أنه ليس كذلك، فالعشق العفيف لا يتنزه عنه كُمّل الرجال !ولذلك أحببت أن أستدرك هذا التبويب، على كتب السنة: ( بابٌ في العشق )[1]
في صحيح البخاري: من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ( رضي الله عنهما)، قال: ‏إنَّ زَوْجَ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏ ‏كَانَ عَبْدًا ، يُقَالُ لَهُ ‏ ‏مُغِيثٌ ‏ . ‏كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ !! فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِعبَّاسٍ:‏ ‏يَا ‏‏عَبَّاسُ ‏، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ ‏ ‏مُغِيثٍ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏، ‏وَمِنْ بُغْضِ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏ ‏مُغِيثًا ‏. ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏لبريرة:( ‏لَوْ رَاجَعْتِهِ ! قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ ‏) .
في الحديث صورة عجيبة من صور العشق ، رجل يسير خلف امرأة كانت زوجه، ثم أصبحت أجنبية عنه، وهو يبكي وراءها بكاء حقيقيا ، تسيل دموعه على لحيته ! حتى أثار هذا المنظر المؤثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ ‏ ‏مُغِيثٍ ‏ ‏بَرِيرَةَ، ‏وَمِنْ بُغْضِ ‏ ‏بَرِيرَةَ ‏ ‏مُغِيثًا )) .
والغريب: أنه لم يُعدّ هذا الفعل منه فعلا منكرا، مادام أنه لم يمسها بسوء [2] ، ولا تعرّض لها بأذى .فبالله عليكم: هل كان مثل هذا الصحابي سينجو من بعض محتسبينا، لو كان في زماننا ؟!
طبعا: لا أتحدث عن شباب فاسد في زماننا ، لا يُؤمَنون على حماية الأعراض . فأفسدوا بذلك سمعة شباب آخرين ، يذوبون حياء من الخنا والفساد . وإنما أتحدث عن هذا المشهد ، رجل يمشي خلف امرأة ، وهو يبكي ، يشكو حبه لها [3] .
وفي الصحيحين من حديث عمرو بن العاص ( رضي الله عنه )، قال: قُلْتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: ((‏عَائِشَةُ )). قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ ؟ قَالَ: (( أَبُوهَا ‏)) . هكذا يصدح النبي صلى الله عليه وسلم بحبه ! ويعلن اسم محبوبته ، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما [4] ! فمن منّا إذا أحب زوجه: قال: أحب فلانة ؟!
ومن قصص الحب التي ثبت وقوعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحَّ سندُها ، قصةٌ خلاصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سريةً عليها خالد بن الوليد ( رضي الله عنه)، إلى بني جذيمة. فأسروا منهم رجالا، فادعى رجل من الأسرى أنه ليس منهم ، وأنه إنما جاء إليهم لأنه كان قد عشق امرأة منهم، فجاء ليزورها فقط، وطلب من جنود خالد أن يسمحوا له بأن يحادثها، وقال لهم: دعوني أنظر إليها نظرة، ثم اصنعوا بي ما بدا لكم ، فوقف على امرأة منهن طويلة أدماء ( سمراء)، وهي التي كان يعشقها، واسمها حُبيشة، فقال لها: (اسلمي حبيش، بعد نفاد العيش) . فقالت له: (وأنتَ ، فحُييتَ عشرًا، وسبعًا وترًا، وثمانيَ تترا !) .ثم خاطبها بقصيدة يَتلوّعُ فيها على ما فاته من وصالها، حتى حان أجله، يقول فيها:
أرَيتُكِ لو تبّعتكم فلحقتكم •• بحلية أو أدركتكم بالخوانقِ
ألم يك حقا أن يُنوَّل عاشقٌ •• تَكلّفَ إدلاج السُّرى والودائقِ
فقالت له: نعم ، فديتُك !فعاجله أحد المسلمين، فقتله، أمام معشوقته .فلما قُتل ، قامت الجارية إليه تقبّله وترشفه، حتى ماتت معه .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، قال: (( أليس فيكم رجل رحيم ؟!!)) [5] .
ما أرحمك يا رسول الله !! وما أرقّ قلبك !! أخرج هذه القصة الإمام النسائي في سننه الكبرى، وصححها الحاكم ، وصححها الحافظ ابن حجر في الفتح ، وحسن الهيثمي أحد أسانيدها، وهي قصة صحيحة لا شك فيها، رواها أصحاب السيرة كابن إسحاق وابن هشام وغيرهما في السيرة النبوية، ولها أسانيد عديدة، تؤكد بُعد أصلها عن التقوّل والوهم .
ولذلك حكى الحافظ مُغُلْطاي الحنفي ( ت ٧٦٢هـ) الإجماع على جواز العشق [6] ، فقال ( رحمه الله): (( وقد أجمع العلماء: أن الحب ليس بمستنكر في التنزيل ، ولا بمحظور في الشرع ))، كما في كتابه: الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين [7] .
ويؤكد صحة هذا الإجماع ما صحّ عن الإمام التابعي الجليل محمد بن سيرين: أنه قال : (( كانوا يعشقون من غير ريبة )) . أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ، ومن طريقه ابن الجوزي في ذم الهوى، بإسناد صحيح .
وهذا التعبير ( كانوا) من التابعي محمول على أنه ينقل إجماع الصحابة ، عند بعض أهل العلم ! [8] .
هذا بابٌ جليل في العشق، يجلّ عن الوصف ويدقّ . عقدتُ تبويبه ، ليعلم يهود ومن قلّد يهود ، وتبعهم ، فدخل جحرهم ، من غلاتنا المتزمتين: أن في ديننا فسحة [9] !! وأنه دينٌ سمحٌ لا يعارض الفطر السوية .
قرأت المقال فهالني ما فيه وآلمني ما قاله الشيخ حاتم ـ غفر الله لي وله ـ ولي وقفات معه حسب الأرقام ؛ سائلًا الله التوفيق والسداد فأقول :
1ـ أما هذا الاستدراك فما أدري ما وجهه ؛ أن يأتي عالم من القرن الخامس عشر فيستدرك على البخاري إمام الدنيا علمًا وفقهًا ومن سار بعده من العلماء في أكثر من ألف عام حتى يأتي ويستدرك الشيخ حاتم عليهم هذا التبويب العجيب ! مع العلم أن هناك فرقًا بين الحب والعشق .قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية (1/358/1445) : (( الفرق بين العشق والمحبة: أن العشق شدة الشهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسانا والعزم على مواقعته عند التمكن منه، ولو كان العشق مفارقا للشهوة لجاز أن يكون العاشق خاليا من أن يشتهي النيل ممن يعشقه، إلا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها وهي شهوة الرجل للنيل ممن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر وأكل الطيب عشقا، والعشق أيضا هو الشهوة التي إذا أفرطت وامتنع نيل ما يتعلق بها قتلت صاحبها ولا يقتل من الشهوات غيرها ألا ترى أن أحدًا لم يمت من شهوة الخمر والطعام والطيب ولا من محبة داره أو ماله ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق والنيل منه )) .
وقال ابن القيم في روضة المحبين : ((وأما العشق فهو أمر هذه الأسماء وأخبثها وقل ما ولعت به العرب وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفصحوا به ولا تكاد تجده في شعرهم القديم وإنما أولع به المتأخرون ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة )) ، وقال أيضًا : (( وقال ابن سيده : العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عفاف الحب ودعارته يعني في العفة والفجور )) .
أفمن أجل هذا تريد الاستدراك ؟! من باب حسن الظن بكم أبدًا والله لكنها زلة قلم .
2ـ ألم يكن الأمر أنه يريد مراجعتها واستعطاف قلبها ؟! بل ويشفع النبي صلى الله عليه وسلم له في مراجعته ، لذا هي حالة خاصة بها ونظائرها لا ينبغي التعميم بها وأنت عالم فقيه
3ـ لنجعل هذا المشهد الذي صورته لابنتك ورجل أجنبي عنها يقول لها هذا الكلام ماذا ستفعل ؟! هل ستأخذه بالأحضان أم ستغضب ؟! لاشك أن هذا الأمر مستنكر مستقبح عند الفطر السوية التي تعرف الحياء والعزة والكرامة والعبودية الحقة لله ، يا أخي إذا أحببت امرأة أخطبها أو ابتعد عنها ولا تؤذيها بكلامك فهو يسبب لها خضوعًا يأباه الشارع الحكيم.
4ـ لم يخجل يومًا من صراحته بحبه لعائشة وهذا مهم ، لكنه ما كان في كل لقاء ومحفل يقول أحب عائشة !! ، لكن كلما اقتضت الحاجة كان صريحًا ولنا فيه أسوة حسنة ..
5ـ أما قوله : (( أليس فيكم رجل رحيم ؟!!)) إنكارًا لقتله ، لا لما قامت به الجارية : (( تقبيله وارتشافه )) !
وهذا واضح جدًا فهي أجنبية عنه ، ولا أخالك كفقيه تجوز مصافحة الأجنبية فضلًا عن تقبيله !. فبهذا سقط الاستدلال بالحديث فيما أردت .
6ـ لعلك تقصد الحب لا العشق كما ذكر هو بنفسه ولفظه !.
7ـ أما كتابه فللعلماء معه وقفة صارمة .قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمة الحافظ مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري الحنفي : (( وقف له العلائي لما رحل إلى القاهرة بابنه شيخنا أبي الخير ليسمعه على شيوخ العصر وهو بسوق الكتب على كتاب جمعه في العشق تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة فأنكر عليه ذلك ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي فاعتقله بعد أن عزره فانتصر له جنكلي بن البابا وخلصه )) ، وقال الحافظ أيضًا : ((وأنشدني لنفسه في ( الواضح المبين ) شعراً يدل على استهتار وضعف في الدين )) .
ويكفيك قبح عنوان الكتاب (الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين ) فأي شهادة ينالها العاشق بالنساء ! بل والله هو محض مزلة ..
وقد ورد حديث أذكره للقراء والشيخ أعلم به مني : (( مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ ، وَكَتَمَ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ))
قال ابن القيم : (( وحديث من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد )) موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني مكذوب .
وقال في الجواب الكافي : (( وَأَمَّا حَدِيثُ : " مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ " فَهَذَا يَرْوِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ حُفَّاظُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ : (( هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ )) ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ طَاهِرٍ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ ، وَأَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَعَدَّهُ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ عَلَى تَسَاهُلِهِ ، وَقَالَ : أَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ )) .
فكيف يسمي كتابه بمعنى باطل ؟!والتحقيق في أمره ما قاله ابن القيم في آخر الجواب الكافي ( الداء والدواء ) :(( أَقْسَامُ عِشْقِ النِّسَاءِ
فَعِشْقُ النِّسَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ ، وَهُوَ عِشْقُ امْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ ، وَهَذَا الْعِشْقُ نَافِعٌ ؛ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى الْمَقَاصِدِ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ لَهَا النِّكَاحَ ، وَأَكَفُّ لِلْبَصَرِ وَالْقَلْبِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ، وَلِهَذَا يُحْمَدُ هَذَا الْعَاشِقُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَعِنْدَ النَّاسِ .
وَعِشْقٌ : هُوَ مَقْتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَبُعْدٌ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَهُوَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ، وَهُوَ عِشْقُ الْمُرْدَانِ ، فَمَا ابْتُلِيَ بِهِ إِلَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ ، وَطُرِدَ عَنْ بَابِهِ ، وَأُبْعِدَ قَلْبُهُ عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجُبِ الْقَاطِعَةِ عَنِ الله كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إِذَا سَقَطَ الْعَبْدُ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ ، ابْتَلَاهُ بِمَحَبَّةِ الْمُرْدَانِ ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي جَلَبَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ مَا جَلَبَتْ ، فَمَا أُتُوا إِلَّا مِنْ هَذَا الْعِشْقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ )) [ سُورَةُ الْحِجْرِ : 72 ]
وَدَوَاءُ هَذَا الدَّاءِ : الِاسْتِعَانَةُ بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ، وَصِدْقُ اللَّجَأِ إِلَيْهِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِهِ ، وَالتَّعْوِيضُ بِحُبِّهِ وَقُرْبِهِ ، وَالتَّفَكُّرُ فِي الْأَلَمِ الَّذِي يُعْقِبُهُ هَذَا الْعِشْقُ، وَاللَّذَّةُ الَّتِي تَفُوتُهُ بِهِ ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ أَعْظَمِ مَحْبُوبٍ ، وَحُصُولُ أَعْظَمِ مَكْرُوهٍ ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ نَفْسُهُ عَلَى هَذَا وَآثَرَتْهُ ، فَلْيُكَبِّرْ عَلَى نَفْسِهِ تَكْبِيرَ الْجِنَازَةِ ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْبَلَاءَ قَدْ أَحَاطَ بِهِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : الْعِشْقُ الْمُبَاحُ
1 ـ وَهُوَ الْوَاقِعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، كَعِشْقِ مَنْ وُصِفَتْ لَهُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ ، أَوْ رَآهَا فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ
2 ـ فَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا
3 ـ وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ ذَلِكَ الْعِشْقُ مَعْصِيَةً
فَهَذَا لَا يُمْلَكُ وَلَا يُعَاقَبُ ، وَالْأَنْفَعُ لَهُ مُدَافَعَتُهُ ، وَالِاشْتِغَالُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُ
4ـ وَيَجِبُ الْكَتْمُ وَالْعِفَّةُ وَالصَّبْرُ فِيهِ عَلَى الْبَلْوَى ، فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُعَوِّضُهُ عَلَى صَبْرِهِ لِلَّهِ وَعِفَّتِهِ ، وَتَرْكِهِ طَاعَةَ هَوَاهُ ، وَإِيثَارِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ ))
قلت : ولابد من هذه القيود ليضبط الأمر .
وسماه عشقًا للعرف السائد في التسمية أما حقيقة الأمر فهو ما ذكره سابقًا : (( أما العشق فهو أمر هذه الأسماء وأخبثها ))
8ـ أحسنت في القيد . لكن بالتفصيل السابق آنفًا .
9ـ فسحة في ماذا يا شيخنا الكريم ؟
إذا الأمر الآن كما قيل : (( بلغ السيل الزبى )) انحراف جارف في كل مكان حتى في مكة بلد الله الحرام وفي بيته تجد المصائب والمعائب وتقول : اللهم غفرا مما نراه ونسمع به ، لكنك يا شيخ تعيش في مثالية زائفة ( المدينة الفاضلة ) وأنت في مكتبك وبين الكتب تجالس أهل العلم والحلم ، ولا تعيش واقعًا مرًا حول هذه القضية .
شيخي الحبيب أحبك والله لعلمك ودينك ، لكن لك طرحًا في الآونة لا توافق عليه يدخل أحيانا حول ( فقه التيسير ) وهو بعيد عن ذلك من ذلك ترى أن الخلاف في الغناء مستساغ ! وأنك لا تعرف أحدًا نص عليه أنه من الكبائر ، والرمي قبل الزوال ..إلخ .
أما الغناء فقد كفانا العلماء بيان حرمته بل وبعضهم ينقل الإجماع عليه كابن الصلاح ، ويعدون كلام ابن حزم ـ رحمه الله ـ زلة عظيمة لا يفرح بها كما فرح بها بعض متفقهة عصرنا ، وبعض العلماء الكبار يرون أن الظاهرية لا يعتد بهم وليسوا من جملة العلماء .
وأما كونك لا تعرف من نص على الغناء كونه من الكبائر فلا يعني هذا خلافه ، فهذا استحضرت تعريف الكبيرة وجدت الغناء يدخل فيه ولابد لأن فيه ذكر العقوبة لمن اتصف بأحد هذه الأوصاف الواردة في الحديث : (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ ، يَعْنِي الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
ثم يا شيخنا لابد من مراعاة السياسة الشرعية للناس وفقه الدعوة فالناس الذين يطالعون ما تكتب في الجريدة أكثرهم من العامة وفي هذا الكلام تغرير بهم وليس عندهم هذا النفس العلمي وقد يفهم الكثير غير ما أردت ، ويفهمون من الجهة أنك مخالف لما عليه غالب العلماء فهم متشددون وحاتم الشريف هو الذي سهل لهم الأمور فهو الصح والباقي خطأ ! .
ولنضرب مثالًا واقعيًا لهذا المقال الذي ضربته أنت موضوع العشق ، فأنت جزمت في مقدار صفحتين مليئة بنقاط تحتاج إلى بيان بالذي أردت ، بينما ابن القيم عالج الموضوع في مجلد ، مشى فيه على منهج تربوي عظيم حتى أجاب بالذي ذكرته عنه .
فليس العلم هو أن تلقى معلوماته على الجميع دفعة واحدة ، بل لابد من مراعاة العامة ، حتى لو كان في ذلك كتمان لبعض العلم خشية ضرر الناس كما في حديث معاذ بن جبل : (( أفلا أخبرهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا حتى لا يتكلوا ))
هذا وصلى الله على محمد