المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين التصوف والتشيع والتسلف!



أهــل الحـديث
10-01-2013, 04:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قبل البدء، أذكرك أيها القارئ العزيز بأنني أعبر عن رأيي، ولا أكفر أحدا من المسلمين. وسأحاول التطرق لجملة من طوائف المسلمين حسب ما تيسر لي في هذه الجلسة راجيا من الله العلي العظيم أن يجعلني من أهل الحق وأن يستر عيوبي..
إخوتي الأعزاء، من أهم ما نلاحظ في عالمنا الإسلامي تفرق المسلمين إلى شراذم قد لا يجمعها إلا الإسم.
وقد تتساءل لماذا هذا الإختلاف الكبير رغم أن الدين واحد والأمة واحدة، خصوصا أن الإسلام في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان واحدا؟
المبرر بسيط، وهو أننا ممتحنون. لينجح من يستحق ويفشل من يستحق. ففي كل ما يحيط بنا ابتلاء، لا يمكننا النجاة منه ما دمنا أحياء. وتلك من قواعد هذه الحياة. أقسم الله عز وجل بأنه خلق الإنسان في كبد، أي شقاء وعناء. يولد صارخا، وقد يموت صارخا. وبين ذلك وذلك، حياة لا سلامة فيها من الحزن ولا المرض ولا الضعف ولا الحاجة. تأمل في حال الأغنياء من حولك تجد أنهم مبتلون أكثر مما هم منعمون. قد يموت الواحد منهم بسبب ضغط الملايين الذي يتعرض له صباح مساء. تأمل في حال الطفل الصغير تجده يستيقظ باكرا ليذهب إلى المدرسة في كل يوم، ويقاسى عناء متابعة الدروس ومراجعتها، وربما تعرض لأنواع الضرب والإمتهان من قبل معلميه وزملائه، وقد يخرج في الأخير صفر اليدين عندما يفشل في الباكالوريا، أو في العمل بعد تخرجه من مدرسة الغفلة والشهادات الدنيوية، كما هو الحال بالنسبة لي.. أليس ذلك من الكبد.

تأمل حزن الفقير. وهم العاشق المنبوذ المستدرج من الشيطان. وحرص التاجر على الربح من الغش والربا. وظن الرئيس أنه مخلد في الكرسي السامي، وظن الإمبراطوريات الغاشمة أنها باقية إلى الأبد. واستعجال البعض إنزال العقوبة على مخالفيهم بالضرب والتسفيه والتفجير.. أليس ذلك من الكَبَد؟
إن من دلائل صدق هذه الرسالة أن الله تعالى جعلها واضحة لمن اهتدى. واسعة عجيبة محيرة على بساطتها تفوق قدرات بعض البشر أحيانا. الآية الواحدة من القرآن تقرأها اليوم فتجد لها طعما وفهما غير الذي وجدت بالأمس. والحديث الواحد قد يختلف فيه العلماء.. ويظل ذلك من الإبتلاء، والحق موجود والحمد لله يهدي إليه الله من يشاء من عباده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا) وقال (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)..
فكانت الخلافة الرشيدة أولا، على منهاج النبوة الصافي. ثم توسعت الأمصار واحتاج الناس إلى المذاهب، فكان المذهب الفلاني يبلغه ما لم يبلغ المذهب الفلاني من العلم، فيخرج بما لم يخرج به غيره من فهوم واستنباطاات. وكلهم على هدى لأنهم يأخذون من مشكاة النبوة (والشريعة سكتت عن أمور كثيرة رحمة بنا). ومما يدل على ذلك انهم جميعا ينادون بضرب عرض الحائط بأقوالهم إن هي خالفت الكتاب والسنة، عكس من يدعو -بمنتهى الوقاحة- إلى ضربه بالكتاب والسنة إن هما خالفا آرائه المبتدعة.
تعددت المذاهب، لكن أشهر منها هذه الأربعة المعروفة. وأكثر الناس حاجة إلى التمذهب هم العامة المقلدون، الذين لا بد لهم ممن يدلهم على الصواب. أما العلماء فيكره لهم التقليد..
والإسلام واحد هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. لكن سنة الله في خلقه وتقديره للإبتلاء عليهم أدى إلى اختلافهم، فاستغل ذلك بعض الكفار من اليهود والنصارى، فأدخلوا على الدين الصافي الخالي من الشرك، بدعا خطيرة من أهمها وأخطرها في الوقت الحالي بدعة التشيع أدخلها عبد الله بن سبأ اليهودي، وبدعة التصوف التي من أهم أعلامها ابن عربي.. وخطورة هذه البدع في كونها في معظمها صارفة عن توحيد الله تعالى وعن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المدونة المحفوظة، وتقوم عليها اليوم للأسف أبلدان إسلامية بأكملها..
ما معنى بدعة؟ قال العلماء: إن إتباع السنة يكون باجتماع أمور ستة: الموافقة في الزمان والمكان والكم، والكيف، والسبب، والجنس.
فالزمان مثلًا: لو أراد إنسان أن يصوم في شهر غير رمضان. لا يصح. المكان: إذا أراد الطواف حول غير الكعبة، لا يصح. الكمّ: إذا زاد ركعة على ركعات صلاة الظهر الأربع، لا يصح. الكيف: إذا خالف طريقة الصلاة من ركوع ثم رفع ثم.. إلخ. لا تصح. الجنس: إذا ضحي في يوم العيد بفرس ثمين. لا تُقبل. السبب: إذا وضع للعبادة سببا غير مشروع، مثل جعله لقوله "لا إله إلا الله" سببا لم يجعله رسول الله؛ كأن يقول: ينبغي للإنسان إذا شرب شيئًا لذيذًا أن يقول بعد شربه: لا إله إلا الله. لا يصح.
فمن وافق السنة في هذه الأشياء الستة فقد وافق السنة، ومَن خالف في واحدٍ فقد خالف السنة.
وقد يبدو لأول وهلة أن مبرر البدعة (وهي الزيادة أو النقص في الدين) هو الحرص على الخير، مثلا قد يقول المبتدع: لم تأمرني نفسي ولا شيخي إلا بالخير، وينسى أنه مقيد بعبادة الله تعالى وفق ما أراده الله تعالى، ودله عليه رسوله صلى الله عليه وسلم. فالله تعالى يحب أن يعبد كما أمر أن يُعبد وذلك بإجتماع الأمور الستة السابقة التي ذكر العلماء. ولا يقبل غيره، وإن بدا أحيانا أنه أفضل. مثلا: قد يظن ظان أن الزيادة على ركعتي الصبح أفضل. وأن التضحية يوم العيد بفرس أغلي وأسمن من الكبش أفضل. وأن صوم الليل والنهار بدون انقطاع أفضل. وأن اعتزال الناس للتعبد أفضل. وأن التوجه بالدعاء إلى الصالحين والتعلق بهم كحبال موصلة إلى الجنة، أفضل.
وفي كل هذه الأمور وأشباهها، قد يظن المسلم الذي فطر على العجلة والحرص الخوف من الآخر بسبب ضعف توكله وقلة علمه، قد يظن أن الإبتداع أفضل لما يرى فيه من منافع ظاهرية قد لا تمت للشريعة بصلة. مثلا قد يكون الشيخ ساحرا فيظن المريد المسكين أن ما يقوم به من خوارق شيطانية هو من الكرامات!! وعلى كل حال من أعرض عن سبيل الله (عكس الإبتداع) اكتنفته الشياطين مهما أظهر من الصلاح والعبادة.. قيل لأحد السحرة: لماذا تتعب نفسك في العبادة وأنت غير معترف بها أصلا؟ فقال: بو بم نظهر العبادة والصلاح للناس لفروا منا (أو ما هذا معناه)..
فكل مسلم منا مخاطب بمفرده، سيتبرأ منه الذين أضلوه يوم القيامة، وأولهم ابليس، ولن يقبل الله عذره إذ أعطاه عقلا وابتلاه على قدر طاقته، وجعل الخيار في يده بين أن يكون من الصالحين أو من أتباع الشياطين. فعلى كل واحد منا أن يبحث بنفسه عن الحق، ولا يتكل في ذلك إلا على الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء عنه. وأن يحرص كل الحرص على البعد عن هؤلاء المضلين العابثين بمصيره، فالجنة والنار أعظم من أن يسلم قياده إلى هؤلاء المشبوهين، الذين لم ولن يسلموا من معارضة أهل الحق لهم.
قلت لقريب لي يتبع إحدى الطرق الصوفية: ستخاطب وحدك يوم القيامة مثل شيخك الذي تتقوى به، ولن ينفعك إلا عملك الصالح الذي استوثقت منه، وابتعدت فيه عن الشرك والبدع. فقال ببراءة: لقد أخفتني.
أحسست بالشفقة عليه وقلت مخففا: المهم أن تبتعد عن الشرك، لأن خطورة البدعة أنها توقع الناس في الشرك. وسدد وقارب، ولا تتكل على بشر مثلك مهما كان، كل ما بينك وبينه أن ينصح لك وتنصح له، لا أن يستعبدك ويقيدك بسلاسل التبعية للباطل –لأن الرسول لم يقيد أحدا بطريقة ولا غيرها-.
وقد قال العلماء أن صاحب الكبائر أفضل من المبتدع، لأنه موحد ومآله -وإن عُذب في النار- إلى الجنة. أما المبتدع فاخطر ما فيه أنه قد يشرك بالله، والله تعالى يغفر الذنوب كلها إلا الشرك.
إذن من أجل فهم ديننا يجب أن نعمل عقولنا في ما وردنا وفي الكون من حولنا. فالله تعالى خلقنا لكي نعبده، وقدر علينا العيش في هذه الدنيا في كبد وابتلاء بعد أن أكل أبونا آدم من التفاحة.
أهبطنا إلى الأرض وجعلت بيننا العداوة والبغضاء إلى حين –مما يدل على أننا راجعون بعد هذه الحياة القصيرة إلى الخلود، إما في النعيم أو في النار والعياذ بالله. فالحياة الدنيا دار ابتلاء، ينبغي الحذر فيها من الضلال.
وبما أننا بشر فقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يبعث الله إلينا بشرا مثلنا اصطفاهم برسالاته، وجعلهم مبلغون عنه، وعصمهم من الخطأ في التبليغ، يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام، ويتزوجون النساء، ويضحكون، وويحزنون، ويمرضون، ويتعرضون للأذية، ويستغفرون من أخطائهم البشرية العادية التي تمر عليهم في غير ما يتعلق بالتبليغ. وكل ما ذكرته عنهم ثابت بالكتاب والسنة.
لم يجعلهم الله عز وجل ملائكة لعلمه بطبيعة الناس وجدالهم، ولم يخلق الكون من نورهم، ولم يجعلهم متحكمين معه في الخلق. بل جعلهم بشرا عاديين ميزتهم النقاء والصدق، جعلنا الله وإياكم ممن يكونون في زمرتهم يوم القيامة..
وللأسف عبد بعض الناس الأنبياء والصالحين، فمثلا تجد في التشيع أن فكرته تقوم على هدم دين الإسلام، رغم الإدعاء أنهم يتبعونه ويدافعون عنه. القرآن عند الشيعة قد دخله التحريف –وأين مراعاتهم لقول الله تعالى أنه قد حفظه بنفسه-، والصحابة الذين رضى الله عنهم (أصحاب الشجرة مثلا وعددهم فوق الألف) وأمهات المؤمنين (اللواتي كرمهن وجعلهن أمهاتنا)، يتهمهم الشيعة بأبشع التهم من زنى ولواط وتكفير، والعياذ بالله-.
وكيف يقوم للشيعة دين وقد رفضوا التراث الإسلامي كله برفضهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا قليلا لا يبلغ عددهم العشرة)، ولكتب الحديث المعتمدة عند جمهور المسلمين –التي تؤخذ منها الحكام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة-، واعتمادهم على كتب وأقوال مدسوسة لا يعرفها ولا يعترف بها السواد العظم من المسلمين.. فيا عجبا ممن باع نفسه لحزب اللات وايران..
أيضا في التصوف، بدأ الأمر محمودا –رغم عدم إيجابية فكرة اعتزال الناس، لكن لنسلم أن صاحبها حر في نفسه- بالزهد واعتزال الدنيا. وطبعا كل من أخلص لله تعالى لا بد أن يكون وليا من أولياء الله، لا عجب أن تظهر على يده بعض الكرامات تأييدا من الله وتثبيتا له.
وللعلم قال ابن تيمية رحمه الله –ذلك الشيخ المفترى عليه-: إذا أردت أن تكون وليا من أولياء الله فعليك بمسألتين: الإيمان والتقوى. وبحسبهما تزداد ولايتك وتنقص، والدليل قول الله تعالى: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
وقال تعالى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾؛ أي ألم نوسع لك صدرك فنجعله فسيحًا، واسعًا طيبًا لا يحمل فيه غلًّا ولا حقدًا ولا حسدًا. وأين هذا من الحقد والغل بين طوائف المسلمين اليوم. قال: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾، الصحيح الذي عليه عامة السلف والأئمة المحققون: أن الأنبياء تصدر منهم الذنوب، لكن الله يوفقهم للتوبة، ولا يصدر منهم من الذنوب ما لا يليق بمقامهم ويتنافى مع مقامهم ويتنافى مع نبوتهم. فالأنبياء يوفقهم الله -سبحانه وتعالى- للتوبة فيتوبون، ولذلك قال العلماء: إنه لا يمكن أن يحصل للنبي ذنب يقدح في عصمة النبوة في تبليغ الرسالة، كالكذب مثلًا، وكذلك الكبائر. ويدل على ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت». ويقول: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري». والله -سبحانه وتعالى- يقول في حقه ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح 1، 2].
﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾؛ أي حططنا عنك ذنوبك، تفضلًا من الله -سبحانه وتعالى- على نبيه. قال: ﴿الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾، أنقض أي أثقل، وهذا يدلنا على أن الذنب يثقل الإنسان ويؤذيه، ويؤخر مسيرته، ويعيقه عن الجد والاجتهاد والعمل، ومزيد التحصيل من العمل الصالح ومن الكسب في الدعوة. ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]. والنقيض: هو الصرير الذي يسمع للدابة عندما تحمل ثقلا. قال: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، أي جعلنا لك ذكرًا رفيعًا منشورًا في الخلق باقيًا إلى يوم القيامة، هذه هي النعمة الثالثة على نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا حصل لرسول الله بما لم يحصل لأحد من رسل الله قبله. وهذا يدلنا على أن من شرح الله صدره ووضع عنه وزره، أن الله يرفع ذكره، يعني مجيء هذا بعد هذين. أقول: وهذا ما يحصل للأولياء..
إذن: كما جعل الشيعة أهل البيت شبه أرباب من دون الله (غلوا)، جعل الصوفية الأولياء شبه أرباب (أقصد المبتدعة). فكلا الطائفتين جعل بينه وبين الله وسائط يتعلق بهم، ويتبع ما أبتدعوا واخترعوا في الدين (أو ما فعل المتقولون عليهم). وفي جميع الأحوال يضع المتبع لهم نفسه في موقف عصيب، فالبدعة تقيده بقيود ثقيلة تجعل مجرد قراءة هذا المقال ذنب كبير، وإساءة إلى الطريقة لا تغتفر!!! بل في بعض الطرق (لا تجالس من يتكلم بسوء في شيخك!!) وما ذلك إلا ليظل ذلك المريد المقهور حبيس ذلك السجن الخبيث حتى يموت على الشبهات والضلالات، ويتحقق هدف الشيطان من ضياع لماله في الدنيا على الزوايا والأضرحة وأئمة الضلال، وضياع أعماله الصالحة في الآخرة.
ولو فكرنا في هذه المقولة الغبية سنرى أنه وفقا لها: لا تجوز مجالسة الملحدين الذين لا يعترفون بوجود الله تعالى أصلا، ولا الكفار الذين قد يسبونه ويسبون رسوله، إذا كان الهدف من مجالستهم دعوتهم إلى الحق وهدايتهم!! وهذا عجيب. بل بالعكس لو كان قائل هذه المقولة واثقا من نفسه ومن شيخه لما قالها، لأن صاحب الحق لا يخشى الخروج إلى المخالفين وسماع ضلالالتهم والرد عليها بالحجة الداحضة. أما صاحب البدعة فحججه منعدمة، وهو مثل الخفاش يخشى نشر غسيله في النور. وهذا ملاحظ لمن تأمله. تجدهم دائما منغلقين على أنفسهم، مبغضون لمن يختلف معهم في الرأي، مظهرون للمودة والبراءة أمامه حفظا من لأنفسهم من شره -كما يرون، وذلك تقية- وهم في بواطنهم كارهون له وللحق الذي معه.
ولو كان أهل البدع والطرق على حق، لما كان في قلوبهم غل على من ينصح لهم، ولما ترددوا في محاورة من يخالفهم بالحجة والدليل. لكنهم متقوقعون على أنفسهم وعلى من اتبعهم من البسطاء والمساكين الذين يحجون نحو أضرحتهم ويبذلون نفوسهم وأموالهم في سبيلهم. وللأسف يجاملهم اليوم كثير من علماء المسلمين بحجة الأخوة، والوحدة، ولكم دينكم ولي دين.. وهذا أحد أسباب تفشي هذه الظواهر الزائفة التي طالت الجميع!!
فانتبه يا أخي –ويا أختي- واسأل نفسك دائما: هل أنا على جادة الصواب، فالإسلام أوضح من أن يضره التلبيس، والقرآن يحوي الردود الشافية الواضحة على كل تلك التخريفات، وطبعا لتفادي تلك الآيات الدامغة التي تظهر قصورهم يلجئون إلى التأويل والفهم السقيم والدس على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصالحين..
ولاحظ أن أهم ما يسعى إليه هؤلاء هو تضليل الناس وإخراجهم من الدين، وهذا هو الهدف الأساسي لأول واضع بذور هذه البدع، ولبعض الذين يستخدمون السحر (الكفار أصلا)، ولبعض المحتالين الذين يأكلون الدنيا باسم الدين. وأن من أهدافها تكبيل التابع أو المريد بعبادات لم يعرفها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وهي عبادات مرهقة للإنسان –لأن الشيطان لا يرضيه إلا ارهاقه-، انظر إلى تقطيع الشيعة لأنفسهم بالسكاكين والسيوف، وزحفهم على بطونهم نحو الأضرحة، وكثرة مناسباتهم الدينية المكلفة والمتعبة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي لو وضعوا الجهد الذي يبذلونه فيها في عبادة الله الحقيقية لما كان احد أعبد لله تعالى منهم، وكذلك المتصوفة هم وملايين الأوراد التي قد يحبس الواحد منهم نفسه على قولها في الظلام ويرهق نفسه، من أجل نحقيق الولاية أو عطف الشيخ الميت عليه، وكلها ليست من أهداف العبادة الصحيحة. ولو حفظ بدلا من ذلك متنا صحيحا وشرحه لكان خيرا له وأفضل.
وانظر إلى خلوات المريدين المتصوفة التي هي أقرب إلى أن تكون شيطانية، وذلك في أماكن مظلمة مزلزلة للعقول قد لا يسلم المداوم عليها من الجنون لما يكتنفه من الشياطين (ولذا لا تستغرب أن يكثر فيهم الجنون، والكبت الجنسي، وغير ذلك من آفات الخلوات الشيطانية)، وترديدهم لآلاف الأدعية في وقت واحد مع أفعال بعيدة عن السنة. وخوفهم العجيب من شيوخهم الأموات، والذي يشبه خوف البريء من البلطجي. كل ذلك عناء شيطاني لا هدف منه إلا تحطيم ذلك المسكين الذي رضي بالبدعة والهوان في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله برحمته، نسأل الله العلي العظيم أن يهدينا ويهدي إخواننا المسلمين.
ولاحظ أيضا تركيزهم على متعة الفرج (إضافة إلى متعة البطن التي تحققت من خلال صناديق النذور والهدايا (أضحكني أخ لي لاحظ ذلك الإندفاع العجيب للعامة على تلك المناسك المبتدعة، بقوله: مخطئ من يظن ان العامة لا يحبون العبادة، أنظر إلى جهادهم هذا).
حتى بنات المريدين وزوجاتهم قد لا يسلمن من الشر. كذلك في التشيع يمكن لأي شيخ أو غيره أن يتمتع بمن شاء كثمن للتشيع الذي كافئ الدخلين فيه بذلك، بل ويؤجر -على زعمهم- على الإكثار من ذلك، والمتعة تخالف قواعد الزواج المعروف في الإسلام بل هي زنا واضح.
كذلك عند الصوفية، تجد أحيانا أنواعا من الإختلاط الغريب بين الذكور والإناث باسم التبرك وغير ذلك.. سترنا الله وإياكم بستره الجميل..
وتوجد طائفة أخرى ينسبها خصوم السلفية إلى السلفية، بل ويقرر بعض المفكرين الأعلام أن السلفية أنواع. وإذا تأملت في أولئك (قااعدة وغيرها) الذين أباحوا لأنفسهم قتل الناس تكفيرا وجهادا في سبيل الشيطان (الجهاد في سبيل الله له ضوابطه، ولا يؤذي المسالمين والمعاهدين). تلك الطائفة التي خرجت على علماء الإسلام كما خرج الخوارج على علمائه من قبل. غر بعضها طول السجود، وكثرة تلاوة القرآن، والتشدد في الأمر بالمعروف إلى درجة تبغيض الناس فيه وفيهم. والحماس والإندفاع في نصرة الدين حتى بدون تبصر، بل بعضهم كان منحرفا ثم استقام على التشدد وقلة الفهم لمبادئ الدين البعيدة عن الظلم والقسوة والفظاظة والعدوان. فهذه الطائفة لا تحمل من السلفية إلا اسمها فقط..
وتوجد طائفة أخرى هي الطائفة الظاهرة المنصورة التي لا تزال متشبثة بالحق وإن اختلفت فيه. وهي سلفية -كما يطلق عليها، لا تطلق هذا الإسم على نفسها- تحارب البدع دون نفاق ومجاملة في دين الله تعالى، ليس لأنها تكره المساكين المغترين بها كما يروج لذلك أعلام الضلال، بل شفقة عليهم من النار، وتقربا إلى الله تعالى بالنصح لهم وإظهار الحق لهم، رغم ما يلحقها من أذية بسبب ذلك. مما أدى إلى بغض أئمة الضلال والمستمرئين للبدع لها، وتدليسهم عليها من أجل النيل منها، لأن ضعيف الحجة غالبا ما يلجأ إلى الأساليب الملتوية من أجل النجاة بحجته الواهية (ومن بين تلك الأساليب الكذب والتدليس، فهو يكذب ويكذب حتى يصدقه الناس، مثلا يقول الشيعة أن السلفية تكره آل البيت وتناصبهم العداء!! وهذا كذب وافتراء. ويقول الصوفية أنها تكره الأولياء!! ولعمري إن لم يكن الأولياء هم أتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن يكونوا؟.
فهذه السلفية تتحدث بالدليل من الكتاب والسنة، الدليل الواضح بالنص، فيأتي أعدائها المنحرفون ويقولون: لا، يل تأويل النص كذا!! وانتم فكركم متحجر، وظاهريين، ولا تعتبرون اختلاف الأزمان في فتاواكم!!.
مثال: عندما يدعي المتصوفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بين الناس بعد موته، يلتقي الولي فلان، والعامي فلان!! تقول لهم تلك السلفية -التي يبغضون لتذكيرها ضحاياهم بالحق-: نصوص القرآن والسنة التي تفند ادعاءاتكم موجودة. فماذا يقولون؟ بل أنتم لا تفهمون ما وراء النص من حكم وأسرار وتجليات وشطحات ورقصات!! وعلمنا علم باطن أما علمكم فعلم ظاهر. وكيف لا يجتمع الباطن مع الظاهر الذي هو الأصل؟ اللهم إلا إذا كان ذلك الباطن ضلالة.
تقسيم عجيب للعلم لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولا في كتاب الله تعالى. فالعلم الذي هو الأهم هو علم الظاهر، أي علم الشريعة، وطريقه معروفة بالتعلم والدليل، وليست بالإلهام والتخريف، والتحكم في الكون الذي هو أبعد ما يكون عن قدرات الناس.
أما ما يتفضل الله به على بعض البشر من كرامات تأييدا وتثبيتا فهذا كرم من الله تعالى. ولله تعالى جنود (هم الملائكة) يقومون بالمهام التي يزعم بعضهم أن الله تعالى أوكلها إلى أقطابه وأوليائه، مثل تدبير الكون، وغير ذلك مما لن تجد في القرآن أو في الأحاديث ما يدل على أنه من اختصاص البشر!!
ثم إذا أرادوا الطعن في السلفية، لا يجدون آية ثابتة ولا حديثا صحيحا يفندون به أقوالها، فيلجئون إلى أمور ثانوية بعيدة عن أسس الدين (العقيدة وغيرها) فيقولون: متزمتين مع المرأة. رافضين للديمقراطية. متمسكين بدين محمد صلى الله عليه وسلم يوم بعث، ويريدون تطبيق النصوص بحرفيتها على الواقع اليوم!!. متشددين في الصلاة جماعة في المسجد. متشددين في مصافحة النساء والخلوة بهن. متشددين في حلق اللحية. متشددين في التفرج على الأفم وسما الموسيقى. من فكرهم وتشددهم انبثقت هذه السلفية الإرهابية التي تفجر كل من هب ودب دون تفريق بين مسلم وكافر (وهذا افتراء فلا علاقة للحق بهذا التفجير الذي نسأل الله تعالى أن يهدي أصحابه إلى التوبة وإلى سواء السبيل)..
وكلها دعاوى لا أساس لها، بل يقف الحق في كثير منها إلى جانب السلفية، فأنت إذا تأملت مثلا أيهما أفضل أن تصلي الجماعة في المسجد أو في المنزل. تجد الأفضل هو الصلاة جماعة في المسجد. وهكذا، بين أن تخرج المرأة سافرة أو أن تحتجب وتتنقب فتسلم من شياطين الإنس. أن نطبق الشورى والشريعة الإسلامية أو أن نطبق الديمقراطية بإنحرافاتها. أن نحلق اللحية أو أن نتركها لأنها سنة.
وطبعا قد يتساهل البعض في بعض هذه الأمور، لكن المهم والخطير هو تساهله في ما يمس دينه بأكمله، ألا وهو البدع. فعليك يا أخي العزيز –ويا أختي- أن لا تنظر إلى كلامي ولا إلى كلام غيري، بل تعود بنفسك إلى أصول هذه الطوائف التي ذكرت لك وسيتبين لك الصواب بإذن الله. فلا شيء أهم من النجاة في الآخرة، ولا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستحق الخوف منه وتقديمه على النفس ما لم يأمر بالكتاب والسنة.
اقرأ لأعلام الشيعة، ولأعلام الصوفية، وأقر لأعلام السلفية كابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي (وكلهم تلامذة للأول) وستستفيد الفائدة الحقيقية.
واهم من ذلك أن لا تحقد على مسلم. فأنا مثلا، إن اختلفت معك، يجب أن لا يكون الخلاف بيننا سببا للشقاق، وما الخلاف والبغضاء إلا حيلة شيطانية لإبعادنا عن الحق. فكل واحد منا يعبد الله تعالى بالطريقة التي يراها حقا، والإسلام واحد، فماذا يضير من الحوار والمناظرة من اجل التوصل إلى الحق الذي هو هدف الصادقين جميعا؟ والحق واحد ومؤيد بالأدلة الموجودة بيننا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
إن الباحث عن الحق لا يتعصب لآبائه ولا لطائفته، وهذا التعصب منهي عنه في القرآن (نهى عن الإتباع الأعمى للآباء ومن دونهم). بل يجلس مع إخوته ويتحاور ويتبادل المعلومات عسى أن يهتدي أو يهدي الله به. أما المجاملات، التي أصبحنا نرى حتى من العلماء، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن الذي أمامهم مسكين ضال في أمس الحاجة إلى نصحهم. فهذا ليس من الصدق في الدين. والعالم وريث النبي، لذا بلاؤه عظيم، فإن لم يشمر عن لسانه ويبين الحق للمضللين عنه، فما قام بدوره –في رأيي. أقول هذا تذكيرا لبعض المتغافلين من العلماء عن هذه الشرور الصارفة عن الصراط المستقيم، والتي يؤلم كثيرا موت البسطاء من الناس عليها..