المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذكير الأنام بحق الجار في الإسلام



أهــل الحـديث
08-01-2013, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله) ، نسأل الله أن ينفعنا بها جميعا.


تذكير الأنام بحق الجار في الإسلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد وصى ديننا الحنيف بالإحسان بالقول والفعل إلى الجار قريبا كان أو بعيدا،مسلما كان أو كافرا،قال تعالى:(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى و المساكين و الجار ذي القربى و الجار الجنب...) [النساء: 36]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:" في قوله(و الجار ذي القربى):أي:الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة،فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف.(و)كذلك (الْجَارِ الْجُنُبِ)أي:الذي ليس له قرابة،وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا،فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل".تفسير السعدي (ص177)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" قال أهل العلم: والجيران ثلاثة:
1-جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار، والقرابة، والإسلام.
2- وجار مسلم غريب قريب؛ فله حق الجوار، والإسلام.
3- وجار كافر؛ فله حق الجوار، وإن كان قريباً فله حق القرابة أيضاً". شرح رياض الصالحين(3/175)
إن حسن معاملة الجار و الإحسان إليه أيها الأحبة من علامات قوة الإيمان،فعن أبي شريح الخزاعي–رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم:"من كان يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر فَلْيُحْسِنْ إلى جاره".رواه مسلم(48)
وإن الإساءة إليه وظلمه دليل على ضعف الإيمان،فعن أبي شريح الخزاعي-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والله لا يُؤمن،والله لا يُؤمن و الله لا يُؤمن"، قيل:ومن يا رسول الله ؟قال:"الذي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَه". رواه البخاري(6016)
قال ابن بطال-رحمه الله-:"وهذا الحديث شديد في الحض على ترك أذى الجار،ألا ترى أنه عليه السلام أكد ذلك بقسمه ثلاث مرات أنه لا يؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه،ومعناه أنه لا يؤمن الإيمان الكامل،ولا يبلغ أعلى درجاته من كان بهذه الصفة، فينبغي لكل مؤمن أن يحذر أذى جاره ويرغب أن يكون في أعلى درجات الإيمان،وينتهي عما نهاه الله ورسوله عنه،ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه".شرح ابن بطال على صحيح البخاري (9/222)
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:"(بوائقه):يعني غدره وخيانته وظلمه وعدوانه،فالذي لا يأمن جاره من ذلك ليس بمؤمن، وإذا كان يفعل ذلك ويوقعه فعلاً فهو أشد.
وفي هذا دليل على تحريم العدوان على الجار؛ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل،أما بالقول فأن يسمع منه ما يزعجه ويقلقه،كالذين يفتحون الراديو أو التلفزيون أو غيرهما مما يسمع فيزعج الجيران،فإن هذا لا يحل له،حتى لو فتحه على كتاب الله وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتد عليهم،ولا يحل له لك أن يفعل ذلك.
وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكناسة حول بابه،والتضييق عليه عند مداخل بابه،أو بالدق،أو ما أشبه ذلك مما يضره،ومن هذا أيضاً إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي،فإن ذلك من بوائق الجار فلا يحل له.
إذاً يحرم على الجار أن يؤذي جاره بأي شيء،فإن فعل فإنه ليس بمؤمن،والمعنى أنه ليس متصفاً بصفات المؤمنين في هذه المسألة التي خالف بها الحق".شرح رياض الصالحين(3/180)
فللجار أيها الكرام شأن عظيم في الإسلام ،حتى قال رسولنا صلى الله عليه وسلم:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثُهُ".رواه البخاري(6015)ومسلم(2625)من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-.
قال العيني-رحمه الله- :"قيل:معناهُ أَي يَأمُرني عَن الله بتوريث الجار من جاره،وَهَذَا خرج مخرج المبَالغَة فِي شدَّة حفظ حق الْجَار".عمدة القاري(22/108)
فعلى الجار أيها الأحبة أن يؤدي ما يجب عليه تجاه جاره من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك بالرفق و اللين، وأن يحفظ شرفه ويصون عرضه ،وأن يعينه إذا استعان به،ويعوده إذا مرض،ويهنئه ويبارك له إذا أصابه خير و يعزيه ويقف معه إذا أصابه ضُر،بل عليه حتى أن يُشركه أحيانا في طعامه لما في ذلك من جلب المحبة وغرس المودة في النفوس، قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر-رضي الله عنه-:"يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً،فَأَكْثِرْ مَاءَهَا،وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ".رواه مسلم(2625)
قال محمد بن علاَّن الشافعي -رحمه الله- :ففي الحديث الحض على مكارم الأخلاق والإرشاد لمحاسنها،لما يترتب عليه من المحبة والألفة ولما يحصل به من المنفعة ودفع الحاجة والمفسدة،فقد يتأذى الجار بقِتار قِدْرِ جاره-أي برائحة قدر جاره- وعياله وصغار ولده ولا يقدر على التوصل لذلك،فتهيج من صغارهم الشهوة ،ويقوم على القائم بهم الألم والكلفة،وربما كان يتيماً أو أرملة فتكون المشقة أعظم وتشتد منهم الحسرة والألم،وكل ذلك لَيَندفع بتشريكهم في شيء من الطبخ، فلا أقبح من منع هذا اليسير المترتب عليه هذا الضرر الكبير".دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(3/136)
فعلينا أيها الأفاضل إذا أردنا أن نعيش في مجتمع مسلم قوي مترابط يعمُّ فيه الخير وتسود الأخوة بين أفراده أن نحافظ على تعاليم ديننا الكريم،الذي أمرنا بكل ما فيه نفع لنا في الدنيا والآخرة،ونهانا عن كل ما فيه ضرر لنا، ومن ذلك الإحسان إلى الجار بالقول والعمل وعدم أذيته،فإن الجار متى أحسَّ بأن جاره يُحسن إليه اطمأن قلبه وانشرح صدره وارتاحت نفسه ومتى شعر بخلاف ذلك ضاق صدره وعاش في همِّ ووسوسة من جاره فتحدث بالتالي فجوة بينهما ويحصل التباعد والتنافر، وتنشأ بينهما الشحناء والبغضاء،والله المستعان.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يؤلف بين قلوب المسلمين،ويجعلهم في كل مكان متحابين متعاونين على الخير فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي