المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهجية الترتيب إحدى مسائل التحقيق.



أهــل الحـديث
08-01-2013, 01:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


منهجية الترتيب
إحدى مسائل التحقيق
الحمد لله الذي رتبنا فجعل بعضنا أفضل من بعض، وأكرمنا بنعمه الكثيرة الظاهرة والباطنة، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، فنعمة الإسلام والسنة أعظم نعمة وأكبر منة، والصلاة والسلام على معلم الأمة.
أما بعد
فقد لاحظت في مقدمات تحقيق النصوص تخبط بعض المحققين في ترتيب المؤلفات أو الشيوخ أو التلاميذ أو غير ذلك، كما أنني لاحظت على وجه العموم في مجالات شتى قليل من الناس من يعتني بمسألة الترتيب.
وقد طالعت عملا ببلوجرافيا قيما ولكن كان ترتيبه سقيما فقد رتب الأعمال حسب الترتيب الهجائي للمؤلفين!. وكان الأولى أن يرتبها ترتيبا أفضل مما فعل وذلك بحسب الأقدمية.
فكما هو مقرر عند أهل العلم أن الأولية لها نصيب في الأولوية، فلا يقدمون إلا ما كان الأولى له أن يكون متقدما، وكل تقديم بحسبه، فالتقديم والتأخير لا يكون إلا بسبب.
فهناك ترتيب التدلي:
يبدأ من الكبير إلى الصغير. يتدلى كغصن الشجرة.
وهناك ترتيب الترقي:
يبدأ من المتقدم القريب من الأرض ويترقى في السماء إلى أن يصل المتأخر.
وهناك الإسناد العالي:
نوع ترتيب بحيث يكون سندك إلى صاحب الخبر أقل وسائط.
وهذا يكون قريبا من المصدر فهو مصدرنا إلى المصدر.
ـ الإسناد النازل:
نوع ترتيب ضد الذي قبله بحيث يكون سندك إلى صاحب الخبر متعدد الوسائط.
وهذا يكون بعيدا من المصدر فهو مرجعنا إلى المصدر.
الشاعر لو أراد أن يجمع قصائده في ديوان يجب عليه أن يتفطن إلى مسألة الترتيب، فهل يرتب القصائد بحسب الولادة أم بحسب الحب له أم بحسب الموضوع أم ماذا يفعل؟!.
المحقق إذا وجد ديوانا مخطوطا فلا يتصرف في ترتيبه بل يحققه على نفس الترتيب خاصة إن علم أن الترتيب ليس من تصرف النساخ ولا الوراقين بل هو من فعل المؤلف المحض فهذا يتعين عليه التزام ترتيبه حتى وإن كان ترتيبه خاطئ أو ترتيبه ليس له نظام.
التراتيب في القرآن الكريم مثل تقديم اليهود على النصارى، أو البياض على السواد، أو الذكور على الإناث....الخ
التقديم والتأخير عموما في القرآن الكريم له حكم وأسرار، وقد تتغير القاعدة فتأتي مقولة العلماء (قد يعرض للمفضول ما يجعله فاضلا)!. وهذه فيها نكتة، والتفات.
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، يفيد نوع ترتيب.
الصلاة على الجنائز الرجال ثم الأطفال ثم النساء هذا فيه نوع ترتيب.
إليك بحسب الاستقراء مناهج الترتيب وهي تتفاضل بحسب سياقها:
1 ـ ترتيب بحسب الوفاة:
فالمتقدم وفاة يقدم على المتأخر. مثال ذلك ترتيب الأئمة الأربعة: أبو حنيفة (ت 150هـ) مالك (ت 179هـ) الشافعي (ت 204هـ) أحمد (ت 241هـ).
فالمحقق عندما يذكر الأعلام في أي بحث يقدمه فضلا عن الدراسة التي تسبق العمل المحقق؛ يتوجب عليه أن يكتب بعد كل علم تاريخ وفاته ليعرف ترتيب الأعلام، وإذا اتفق علمان أو أكثر في تاريخ وفاة فإنك تنظر في الحروف الهجائية لاسم العلم.
2 ـ ترتيب بحسب أهل الفن:
فلكل فن رجاله وكتبه، ولكل فن عرف في ترتيبه، مثال ذلك: عند أهل الحديث يرتبون الكتب الستة بحسب شروط مؤلفيها: صحيح البخاري (ت 256هـ) ثم صحيح مسلم (ت 261هـ) ثم سنن أبي داود (ت 275هـ) ثم سنن الترمذي (ت 279هـ) ثم سنن النسائي (ت 303هـ) ثم سنن ابن ماجه (ت 273هـ) والخلاف في السادس معروف.
فعلى المحقق أن ينتبه لترتيب بعض الكتب وتقدم بعضها على بعض، ونقل بعضها من بعض. فقد يؤخر تخريج الترمذي ليختم به قوله.
فالعرف عند أهل العلم (علم الفقه) أنهم يرتبون كتبهم على طريقة معينة مثال ذلك: كتاب الطهارة قبل كتاب الصلاة...وقسم العبادات قبل قسم الأحوال الشخصية وهكذا...الخ
3 ـ ترتيب بحسب الأفضلية:
فلو أردت أن ترتب الأئمة الأربعة بحسب فضلهم في الحديث عندنا مثلا تجد أن في مقدمتهم الإمام أحمد ثم نجم السنن الإمام مالك ثم الإمام الشافعي ثم الإمام أبي حنيفة.
فالأفضلية في الأئمة الأربعة من حيث العلم بالحديث، وهناك أفضلية العمر فينظر إلى الكبير (كبر، كبر)، وهناك أفضلية اليمين، وهناك أفضلية صاحب المكان، وهناك أفضلية المحتفى به لقدومه من السفر أو لكونه ضيفا أو ما شابه ذلك. فالأفضلية بابها واسع.
وترتيب الأفضلية قد يكون نسبيا فهو هنا له ترتيب وهناك له ترتيب مختلف فهو ترتيب متغير.
ومن طالع مثلا ختم الرسول تجد العبارات الثلاث مرتبة من أسفل: (محمد) ثم (رسول) ثم في الأعلى (الله)، وهو ترتيب بالترقي حسب الأفضلية، وبالمناسبة فإن الأختام في المخطوطات سارت على هذا فهي تقرأ من أسفل إلى أعلى في الغالب الأعم. وفي ترتيب الخاتم فيه حسن أدب مع الله.
لذا على المحقق أن يتفطن لمثل هذا الترتيب إن صادفه في عمله سواء في النص المحقق أو في دراساته وبحوثه.
4ـ ترتيب بحسب الأولية:
فمثلا في البحوث المعاصرة وكل الباحثين أحياء فإنك تقدم أول من كتب في الموضوع بحسب تاريخ النشر.
أو تريد ترتيب مطبوعات معينة في مسألة معينة فإنك تبدأ بحسب تاريخ النشر، أو تريد ترتيب إنتاج علَم من الأعلام المعاصرين فإنك تبدأ بأولها نشرا. ويذكر أهل العلم (الأولية لها نصيب في الأولوية) بمعنى أن الأول هنا في النشر هو أولى أن يتقدم.
وهو أفضل ترتيب للدراسات الببلوجرافية لو أردت مثلا أن تصنع قائمة ببلوجرافية عن كتب منهجية تحقيق النصوص؛ فإنك تبدأ بحسب تاريخ النشر.
5 ـ ترتيب بحسب الأولوية:
من باب (فقه الأولويات)، أي بحسب الأهمية والحاجة، فمثلا مناهج الطلب يبدأ المتعلم بكتب المبتدئين ثم يحق له أن يشرع بكتب المتوسطين ثم يختم بكتب المنتهين.
خذ مثلا ترتيب أهل العلم لمكتباتهم فهم يبدأون بالقرآن وعلومه ثم الحديث ومصطلحه ثم الفقه وأصوله وهكذا...بل حتى إذا وضعوا الكتب على الأرض جعلوا الأعلى أعلى والأسفل أسفل بمعنى لو كان لدى العالم عشرة كتب ويرغب صفها فوق بعضها وهي مصحف وصحيح البخاري وزاد المستقنع ومتن الأجرومية، فإنه يجعل الملاصق للأرض متن الأجرومية وفوقه الزاد ثم فوقه البخاري ثم فوقه القرآن.
فالمحقق مثلا عندما يضع نماذج من صور المخطوطات التي تم بناء العمل عليها فإنه يرتب الصور بحسب الأولية؛ الأم أولا يضع صورها مرتبة حسب العرف ثم يرتب النسخ كل نسخة بحسب قوتها تتقدم على الأخرى.
6 ـ ترتيب بحسب الحروف:
في بعض المواضع تستغلق الأمور فلا يمكن إلا أن ترتب بحسب حروف الهجاء الألف بائي وهناك الأبجدي.
ولا يعنى أن الترتيب بحسب الحروف فقط عند المضايق، بل له حينه المناسب فإذا جاء الترتيب الهجائي في مكانه المناسب فهو ترتيب معتبر.
مثال ذلك: ترتيب فهرس المصادر فإنك إما أن تجعل المدخل بالعنوان أو بالمؤلف، وسواء هذا أو ذاك فإن الترتيب الداخلي المعتبر هو الحروف الهجائية، فإن رتبت بحسب العناوين فإنك لا تعتبر (أل) التعريف وتنظر بحسب حروف الهجاء، وإن رتبت بحسب المؤلفين فإنك تنظر في حروف اسم المؤلف ثم تحت المؤلف ترتب كتبه بحسب حروف الهجاء.
معلوم أن ترتيب حروف الهجاء عند المشارقة يختلف عنه عند المغاربة، لذا على المحقق أن يتفطن ولا يبدل النص كما فعله أحد الأكابر عفى الله عنا وعنه عندما حقق كتابا لأحد الأندلسيين وكان ترتيب الكتاب بحسب حروف الهجاء عندهم فجاء المحقق الفاضل وعدل ترتيب الحروف من طريقة المغاربة إلى طريقة المشارقة فتعدى وأساء وظلم، وهذه من الأخطاء الشنيعة.
فعلى المحقق أن يتفطن لمثل هذه الأمور ويلتزم الجادة.
7 ـ الترتيب بحسب الأقوى:
وهذا يتضح في المناظرات والاحتجاج فالمقرر أن يبدأ المرء بالأقوى ثم ينتقل إلى الأقل قوة ليحج الخصم أو يكون أبين في حجته وحكمه وما ذهب إليه، ويرددون عبارة (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق) بمعنى لا يطيل المرء في أدلة الاحتجاج فيتحول من الأقوى حتى يصل إلى الأضعف بل يكتفي بالأقوى إن أراد نفوذ حجته.
بعض المحققين يرتب شيوخ مؤلفه أو تلاميذه حسب الأقوى والأشهر وهذا غلط فادح، والصواب أن استخدام الترتيب حسب الأقوى يكون في الأدلة وما شابه ذلك فقط.
لا أريد أن أطيل وأعلم أنني أطلت، ولكن الكلام يجر بعضه بعضا، فمن كان لديه استدراك فلا يبخل على القارئ بما ينفع.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.