المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف المتكلمين ( المعتزلة والأشاعرة ) من الاستدلال بالنقل في العقيدة .



أهــل الحـديث
02-01-2013, 12:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
يستدل المتكلمون بالقرآن وكذلك بالمتواتر من السنة بشرط أن لا يخالف العقل ، أما أخبار الآحاد فإنهم لا يستدلون بها في العقيدة ؛ لأنها كلها ظنية بزعمهم والعقيدة لا بد فيها من القطع وهذا من أخطر آرائهم التي ردوا بها أكثر السنة !! والرد عليهم من وجوه كثيرة ، منها :
أ ) ما تواتر في الأحاديث من أن الرسول r كان يرسل الدعاة ؛ وهم آحاد إلى الملوك والأمم ليبلغوا العقيدة والدين كله ؛ كما أرسل دعاته لملوك الروم وفارس ؛ وكما أرسل معاذا t لأهل اليمن.
ب ) أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول أو احتفت بها القرائن فإنه يفيد اليقين ، ومعظم أحاديث الصحيحين من هذا القبيل ؛ لتلقي الأمة لهما بالقبول . ولو سلمنا بأنه إنما يفيد الظن فالظن الناشئ عن نص خير من تلك الأدلة العقلية التي حيرت أهلها قبل غيرهم ! وسنذكر شواهد من كلامهم لهذه الحيرة !!
قال أحدهم :
طلبتك جاهدا خمسين عاما فلم أعثر على بـــــرد اليقين
فهل بعد الممات بك اتصال فأعرف غامض السر المصون
وقال آخر :-
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وقلبت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائــر على ذقن أو قارعا سن نـادم
وقد تصاحبهم الحيرة حتى في أحرج لحظات العمر ؛ كما في قول أحدهم :-
لعمرك ما أدري وقد أذن البلى بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي
وأين محل الروح عند خروجه من الهيكل المنحل والجسد البالي
ج) أن أخبار الآحاد الثابته موافقة للقرآن وهذا دليل على أنها تخرج من مشكاة واحدة ؛ ولهذا كان الإمام البخاري يذكر دليل المعتقد من القرآن ثم يتبعه بالأحاديث التي توافقه وتفسره .
د) أن إنكار أخبار الآحاد يعني رد معظم الأحاديث ؛ لأن أكثر الأحاديث أخبار آحاد والمتواتر قليل جدًا . بل إن الرازي اشتط فعزل النقل كله عن الاستدلال العقدي ؛ فزعم في كتابــــه ( المحصل ) أن الأدلة النقلية كلها لاتفيد اليقين إلا بعد تيقن عشرة أمور ؛ عصمة الرواة ، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة وعدم الإضمار والتأخير والتقديم والنسخ وعدم المعارض العقلي الذي لوكان لرجح عليه !!! ؛ ولهذا نقل ابن تيمية في (منهاج السنة ) قول أحدهم في ذم هذا الكتاب :
محصل في أصول الدين حاصـــــله من بعد تحصيله أصل بلا دين
أصل الضلالات والشك المبين فما فيه فأكثره وحي الشــيــاطين
بل إن ابن القيم اعتبر هذا الأصل أحد أربعة أصول دك بها المتكلمون معاقل الوحي !! وهي :-
1- اشتراط القطعية في أدلة العقيدة ، وهذا لا يتحقق بزعمهم إلا في الأدلة العقلية ، لأن النقل حتى لو كان قرآنا أو سنة متواترة يتطرق إليه عشرة احتمالات كل واحد منها كاف في رفع قطعية الدليل النقلي ؛ كاحتمال النسخ أ والإضمار أو التخصيص أو المعارض العقلي .... الى آخر ما ذكره الرازي في المحصل .
2- تقديم العقل على النقل عند التعارض ، ولهذا أنكروا كثيرا من الصفات حتى وإن جاء بها القرآن والسنة المتواترة ، فاستواء الله مثلا وإن ذكر في سبع من آيات القرآن إلا أنه لا يمكن القول بموجبها والأخذ بدلالتها ، لأنها تعارض دلالة العقل على تنزيه الرب عن الجهة ، لأنها من خصائص الأجســام !!
3- اعتبار نصوص الصفات مجازا يمكن نفيه أوتأويله بما يتسق مع دلالة العقل ، ولهذا أولو صفة اليد بالنعمة ، وصفة الرحمة بالإرادة ، وصفة النزول بنزول أمر الله تعالى أو نزول ملك من ملائكته مع أن الحديث نص في نزول الرب تبارك وتعالى ، فلا يمكن أبدا أن يقول الملك : (من يدعوني فأستجيب له ) هذا لا يقوله أبدا إلا رب العالمين !!
4- رفض الاستدلال بأخبار الآحاد في العقيدة حتى لو كانت في الصحيح ، لأنها بزعمهم إنما تفيد الظن ، والظن لا يجوز أن يكون أساسا تبنى عليه العقيدة ، ولهذا ردوا كثيرا من الأحاديث الصحيحة بهذه الحجة الباطلة مع أن أكثر ما ردوه يفيد القطع ، لأن خبر الواحد يفيد القطع اذا احتفت به القرائن ؛ كتلقي الأمة له بالقبول ، وعامة أحاديث البخاري ومسلم من هذا الضرب .
وهكذا صالوا على النصوص حتى عزلوها عن الاستدلال العقدي أو كادوا ، فلا يذكرونها في كتبهم إلا قليلا . وانظر في ( شرح المواقف ) أو (المقاصد ) أو ( النسفية) تجد مصداق ما ذكرت مع أنهم أقرب الخلف لأهل السنة فكيف لو طالعت ( شرح الأصول الخمسة ) أو ( المغني ) للقاضي عبد الجبار وكتب أضرابه من المعتزلة والشيعة الإمامية ؟! لاشك أن الأمر أكبر من ذلك بكثير ، فبعدهم عن النص أظهر وأظهر وهيمنة العقل عندهم أعظم وأعظم !! فحسبنا الله ونعم الوكيل . ولعظم خطورة هذه الأصول أفرد ابن القيم لها كتابه المشهور ( الصواعق المرسلة ) . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .