المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لِمَن السِّيادة في الإسلام؟



أهــل الحـديث
01-01-2013, 06:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إنَّ دساتير النُّظُم العَلمانية – غربية وشرقية وأعجمية وعربية – تَنُص على أنَّ "السيادة للشعب" أو "السيادة للأُمَّة"، وترتَّب على هذا النَّص الدستوري المحوري إناطة سَن القوانين ووضع القواعد والنُّظُم بالبرلمان الذي يُمَثِّل الشعب والأُمَّة.

هذا هو الذي يعلمه الكافَّة عن السيادة في الفِكر العَلماني وفي النُّظُم العَلمانية، فهل هي كذلك في الإسلام؟
هذا هو السؤال الذي يُحَدِّد الهُوِيَّة والوجهة والمسار: لِمَن السيادة في الإسلام؟

إنَّ هذا الدِّين قد بُنِيَ ابتداءً على أساس في غاية المتانة وفي غاية النصاعة كذلك، بُنِيَ على إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية والألوهية، وبالمُلك والسُّلطان التام، وعلى أنَّ الأمر كله – كونياً وشرعياً – مَرَدَّه إلى الله عَزَّ وجَلَّ، وعلى أنَّ الإنسان مخلوق لعبادة الله، ولا يسعه إلا الرضوخ لإرادته والالتزام بشريعته.
ومِن هنا فإنَّ ((روح التشريع الإسلامي تفترض أنَّ السيادة بمعنى السُّلطة غير المحدودة لا يملكها أحد مِن البَشَر، فكُل سُلطة إنسانية محدودة بالحُدود التي فرضها الله، فهو وحده صاحب السيادة العليا ومالِك المُلك، وإرادته هي شريعة المُسلِمين التي لها السيادة في المُجتمَع)) [فِقه الخِلافة وتطَورها لتصبح عصبة أُمم شرقية – د. عبد الرزاق السنهوري (ص56)].
وحيال هذه السيادة الإلهية العُليا لا يملك أحدٌ إلا الإذعان والخُضوع والانقياد، أما الأمر والنهي والتحليل والتحريم والتشريع، فكُل هذا حَقٌ خالصٌ للشارِع الحكيم صاحِب السيادة المُطلقة التي لا يُشارِكه فيها أحدٌ سواه.

وما مِن شك في أنَّ رُسُل الله – على جلالة قَدرهم – يَقِفون عند حَد التبليغ والإنهاء، ولا يجاوزونه البتَّة إلى الوَضْع والإنشاء، وإذا كان هذا هو حال الرُّسُل الكِرام فحال غيرهم مِن عباد الله مِن باب أولى أبعد ما يكون عن وَضْع شرع أو إنشاء حُكم ((فالقَوْل الكاشِف للغطاء المُزِيل للخفاء أنَّ الأمر لله والنبي مُنهيه، فإنْ لم يكُن في العَصر نبي فالعُلماء وَرَثة الشريعة والقائِمون في إنهائها مقام الأنبياء)) [غياث الأُمم في التياث الظلم – أبي المعالي الجويني (ص107)].

ومِن هنا تفترق الشريعة الإسلامية عن القانون الوَضعي العَلماني في أصل النشأة، فالشريعة الإسلامية مصدرها إرادة الله جَلَّ وعَلا، والقانون الوَضعي العَلماني مصدره إرادة الشعب.


كتبه: د. عطية عَدلان،
مِن كتاب "النَّظريَّة العامَّة لنِظام الحُكم في الإسلام" [ص125، 126].