جواهر عبدالله
27-03-2006, 01:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُتابع معكم أشراط الساعة الصغرى في [ قسم لم يظهر إلى الآن ] في الجُزء الأخير .
ملاحظة / رغم تصنيف هذه الأشراط الثلاث مع قسم أشراط الساعة الصغرى .. إلا أن الأحاديث دلت على أنها لن تحدث إلا بعد بعض الأشراط الكبرى ..
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
نفي المدينة لشرارها ثم خرابها آخر الزمان
حث النبي صلى الله عليه وسلم سُكنى المدينة ورغّب في ذلكـ ، وأخبر أنه لا يخرج أحد منها رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها من هو خيرُ منه .
وأخبر أن من علامات الساعة نفي المدينة لخبثها ، وهم شرار الناس ، كما ينفي الكير خُبث الحديد .
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلمّ إلى الرخاء ، هلمّ إلى الرخاء ، والمدينة خيرُ لهم لو كانوا يعلمون ، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه ، ألا إن المدينة كالكير يُخرج الخبيث ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها ، كما ينفي الكير خُبث الحديد ) .
وقد حمل القاضي عياض نفي المدينة لُخبثها على زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة ، والمقام في المدينة ، إلا من كان ثابت الإيمان .
وأما المنافقون ، وجهلة الأعراب ، فلا يصبرون على شدة المدينة ولأوائها ، ولا يحتسبون من الأجر في ذلكـ .
وحمله النووي على زمن الدجال ، واستبعد ما اختاره القاضي عياض ، وذكر أنه يُحتمل أن يكون ذلكـ في أزمان متفرقة .
وذكر الحافظ ابن حجر ، أنه يُحتمل أن يكون المراد كلاً من الزمنين :
زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، بدليل قصة الأعرابي كما في البخاري عن جابر رضي الله عنه : جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام ، فجاء من الغد محموماً ، فقال : أقِلني . فأبى ، ثلاث مرار ، فقال : ( المدينة كالكير ، تنفي خًبًثًها وينصح طيبُها ) .
والزمن الثاني : زمن الدجال ، كما في حديث أنس بن مالكـ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال ، ثم قال : ( ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله إليه كل كافر ومنافق ) رواه البخاري .
وأما ما بين ذلكـ من الأزمان فلا
فإن كثير من فُضلاء الصحابة قد خرجوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، كمعاذ بن جبل ، وأبي عبيدة ، وابن مسعود ، وطائفة .. ثم خرج علي ، وطلحة ، والزبير ، وعمار ، وغيرهم ، وهم من أطيب الخلق .. فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ، ووقت دون وقت ، بدليل قوله تعالى : " ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " [ التوبة : 101 ] .
والمنافق خبيث بلا شكـ .
وأما خروج الناس بالكلية من المدينة فذلكـ في آخر الزمان .. قُرب قيام الساعة ، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي ـ يريد عوافي السباع والطير ـ وآخر من يُحشر راعيان من مُزينة يُريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرًّا على وجوههما ) . رواه البخاري .
وروى الإمام مالكـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتركن المدينة على أحسن ما كانت ، حتى يدخل الكلب أو الذئب ، فيغذى بعض سواري المسجد ، أو على المنبر ) . فقالوا : يا رسول الله ! فلمن تكون الثمار ذلكـ الزمان ؟ قال : ( للعوافي : الطير والسباع ) .
قال ابن كثير : [ والمقصود أن المدينة تكون باقية عامرة أيام الدجال ، ثم تكون كذلكـ في زمان عيسى ابن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون وفاته بها ، ودفنه بها ، ثم تخرب بعد ذلكـ ) .
ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه قال : أخبرني عمر ابن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليسيرن الراكب بجنبات المدينة ثم ليقولن : لقد كان في هذا حاضراً من المسلمين كثير ) رواه أحمد .
وقال الحافظ ابن حجر : [ روى عمر ابن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالكـ قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، ثم نظر إلينا فقال : ( أما والله ليدعنها أهلها مذللةً أربعين عاماً للعوافي ، أتدرون ما العوافي ؟ الطير والسباع ) .
ثم قال ابن حجر : [ وهذا لم يقطع قطعاً ]
فدل هذا على أن خروج الناس من المدينة بالكلية يكون في آخر الزمان ، بعد خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام .
ويحتمل أن يكون ذلكـ عند خروج النار التي تحشر الناس ، وهي آخر أشراط الساعة ، وأول العلامات الدالة على قيام الساعة ، فليس بعدها إلا ساعة .
ويؤيد ذلكـ كون آخر من يُحشر يكون منهم ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( وآخر من يُحشر راعيان من مُزينة يريدان المدينة ، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً ) ، أي : خالية من الناس ، أو أن الوحوش قد سكنتها ، والله أعلم .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين
ومنها هبوب الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين ، فلا يبقى على ظهر الأرض من يقول : الله ، الله ، ويبقى شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة .
وقد جاء في صفة هذه الريح أنها ألين من الحرير ، ولعل ذلكـ من إكرام الله لعباده المؤمنين ، في ذلكـ الزمان المليء بالفتن والشرور .
جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل في قصة الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج : ( إذا بعث الله ريحاً طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ، يتهارجون فيها تهارج الحُمر ، فعليهم تقوم الساعة ) .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج الدجال ... ( فذكر الحديث ، وفيه : ) فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه ، فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قِبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه ) .
فقد دلت الأحاديث أن ظهور هذه الريح يكون بعد نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدجال ، وهلاكـ يأجوج ومأجوج .
وأيضاً ، فإن ظهورها يكون بعد طلوع الشمس من مغربها ، وبعد ظهور الدابة ، وسائر الآيات العظام .
وعلى هذا ، فظهورها قريب جداً من قيام الساعة .
ولا يتعارض أحاديث ظهور هذه الريح مع حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ) .
وفي رواية : ( ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلكـ ) .
فإن المعنى أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة ، ويكون المراد بـ ( أمر الله ) هو هبوب تلكـ الريح .
وجاء في حديث عبد الله بن عمرو أن ظهور هذه الريح يكون من الشام كما سبق .
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث ريحاً من اليمن ، ألين من الحرير ، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرةِ من إيمانِ ، إلا قبضته ) رواه مسلم .
ويُجاب عن هذا بوجهين :
1 ـ يحتمل أنهما ريحان : شامية ، ويمانية .
2 ـ ويُحتمل أن مبدأها من أحد الإقليمين ، ثم تصل الآخر ، وتنتشر عنده . والله أعلم .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
استحلال البيت الحرام ، وهدم الكعبة
لا يستحل البيت الحرام إلا أهله ، وأهله هم المسلمون ، فإذا استحلوه فإنه يصيبهم الهلاكـ ، ثم يخرج رجل من أهل الحبشة ، يقال له ذو السويقتين ، فيُخرب الكعبة ، وينقضها حجراً حجرا ، ويسلبها حليتها ، ويجردها من كسوتها وذلكـ في آخر الزمان ، حين لا يبقى في الأرض أحد يقول : الله ، الله .
ولذلكـ لا يُعمر البيت بعد هدمه أبداً ، كما جاءت بذلكـ الأحاديث الصحيحة .
روى الإمام أحمد بسنده عن سعيد بن سمعان قال : سمعت أبا هريرة يُخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يُبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يُسأل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فيخربونه خراباً لا يُعمر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه ) .
وعن عبد الله ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ، ويسلبها حليتها ، ويجردها من كسوتها ، ولكأني أنظر إليه : أُصيلع ، أُفيدع ، يضرب عليها بمسحاته ومعوله ) رواه أحمد .
[ السويقتين ] : السويقة تصغير الساق ، وهي مؤنثة ، فلذلكـ ظهرت التاء في تصغيرها ، وإنما صغر الساق لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة .
[ أُصيلع ] : تصغير أصلع ، وهو الذي انحسر الشعر عن رأسه .
[ أُفيدع ] : تصغير أفدع ، والفدع بالتحريكـ زيغ بين القدم وعظم الساق ، وكذلكـ يكون في اليد ، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ) .
وروى الإمام أحمد والبخاري أيضاً ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كأني أنظر إليه : أسود ، أفحج ، ينقضها حجراً حجرا [ يعني الكعبة ] ) .
[ أفحج ] : فحج في مشيته ، أي تدانى صدور قدميه وتباعد عقباه ، وقال ابن الأثير : الفُحج تباعد ما بين الفخذين .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في آخر الزمان يظهر ذو السويقتين على الكعبة ـ قال : حسبت أنه قال : ـ فيهدمها ) .
فإن قيل أن هذه الأحاديث تخالف قوله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً "
[ العنكبوت : 67 ] .
والله تعالى قد حبس عن مكة الفيل ، ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ، ولم تكن إذ ذاكـ قبلة ، فكيف يُسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلةً للمسلمين ؟!
قيل جواباً عن ذلكـ : [ إن خراب الكعبة يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حين لا يبقى في الأرض أحدُ يقول : الله ، الله ، ولهذا جاء في رواية الأمام أحمد السابقة عن سعيد بن سمعان ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُعمر بعده أبداً ) . فهو حرمُ آمن ما لم يستحله أهله .
وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها .
وقد حدث القتال في مكة مرات عديدة ، وأعظم ذلكـ ما وقع من القرامطة في القرن الرابع الهجري ، حيث قتلوا المسلمين في المطاف ، وقلعوا الحجر الأسود ، وحملوه إلى بلادهم ، ثم أعادوه بعد مدة طويلة ، ومع ذلكـ لم يكن ما حدث معارضاً للآية الكريمة ، لأن ذلكـ إنما وقع بأيدي المسلمين ، والمنتسبين إليهم . فهو مطابق لما جاء في رواية الأمام أحمد من أنه لا يستحل البيت الحرام إلا أهله ، فوقع ذلكـ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيقع ذلكـ آخر الزمان ، لا يُعمر مرةً أخرى ، حين لا يبقى على ظهر الأرض مسلم ] . " فتح الباري "
[ القرامطة ] : طائفة من الباطنية تنتسب لرجل اسمه حمدان قرمط من أهل الكوفة ، ولهذه الطائفة الخبيثة في تاريخها الطويل المخزي أعمال شنيعة ، ومن أعظمها ، ما وقع منهم سنة 317 هـ حيث هاجموا الحجاج يوم التروية ، واستباحوا أموالهم ودماءهم ، فقتلوا في رحاب مكة وشعابها ، وفي المسجد الحرام ، وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً ، وهدموا قبة زمزم ، وقلعوا باب الكعبة ، ونزعوا كسوتها ، وقلعوا الحجر الأسود ، ونقلوه إلى بلادهم ، ومكث عندهم 22 سنة .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
* أشراط الساعة / يوسف الوابل .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُتابع معكم أشراط الساعة الصغرى في [ قسم لم يظهر إلى الآن ] في الجُزء الأخير .
ملاحظة / رغم تصنيف هذه الأشراط الثلاث مع قسم أشراط الساعة الصغرى .. إلا أن الأحاديث دلت على أنها لن تحدث إلا بعد بعض الأشراط الكبرى ..
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
نفي المدينة لشرارها ثم خرابها آخر الزمان
حث النبي صلى الله عليه وسلم سُكنى المدينة ورغّب في ذلكـ ، وأخبر أنه لا يخرج أحد منها رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها من هو خيرُ منه .
وأخبر أن من علامات الساعة نفي المدينة لخبثها ، وهم شرار الناس ، كما ينفي الكير خُبث الحديد .
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلمّ إلى الرخاء ، هلمّ إلى الرخاء ، والمدينة خيرُ لهم لو كانوا يعلمون ، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه ، ألا إن المدينة كالكير يُخرج الخبيث ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها ، كما ينفي الكير خُبث الحديد ) .
وقد حمل القاضي عياض نفي المدينة لُخبثها على زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة ، والمقام في المدينة ، إلا من كان ثابت الإيمان .
وأما المنافقون ، وجهلة الأعراب ، فلا يصبرون على شدة المدينة ولأوائها ، ولا يحتسبون من الأجر في ذلكـ .
وحمله النووي على زمن الدجال ، واستبعد ما اختاره القاضي عياض ، وذكر أنه يُحتمل أن يكون ذلكـ في أزمان متفرقة .
وذكر الحافظ ابن حجر ، أنه يُحتمل أن يكون المراد كلاً من الزمنين :
زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، بدليل قصة الأعرابي كما في البخاري عن جابر رضي الله عنه : جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام ، فجاء من الغد محموماً ، فقال : أقِلني . فأبى ، ثلاث مرار ، فقال : ( المدينة كالكير ، تنفي خًبًثًها وينصح طيبُها ) .
والزمن الثاني : زمن الدجال ، كما في حديث أنس بن مالكـ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال ، ثم قال : ( ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله إليه كل كافر ومنافق ) رواه البخاري .
وأما ما بين ذلكـ من الأزمان فلا
فإن كثير من فُضلاء الصحابة قد خرجوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، كمعاذ بن جبل ، وأبي عبيدة ، وابن مسعود ، وطائفة .. ثم خرج علي ، وطلحة ، والزبير ، وعمار ، وغيرهم ، وهم من أطيب الخلق .. فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ، ووقت دون وقت ، بدليل قوله تعالى : " ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " [ التوبة : 101 ] .
والمنافق خبيث بلا شكـ .
وأما خروج الناس بالكلية من المدينة فذلكـ في آخر الزمان .. قُرب قيام الساعة ، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي ـ يريد عوافي السباع والطير ـ وآخر من يُحشر راعيان من مُزينة يُريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرًّا على وجوههما ) . رواه البخاري .
وروى الإمام مالكـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتركن المدينة على أحسن ما كانت ، حتى يدخل الكلب أو الذئب ، فيغذى بعض سواري المسجد ، أو على المنبر ) . فقالوا : يا رسول الله ! فلمن تكون الثمار ذلكـ الزمان ؟ قال : ( للعوافي : الطير والسباع ) .
قال ابن كثير : [ والمقصود أن المدينة تكون باقية عامرة أيام الدجال ، ثم تكون كذلكـ في زمان عيسى ابن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون وفاته بها ، ودفنه بها ، ثم تخرب بعد ذلكـ ) .
ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه قال : أخبرني عمر ابن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليسيرن الراكب بجنبات المدينة ثم ليقولن : لقد كان في هذا حاضراً من المسلمين كثير ) رواه أحمد .
وقال الحافظ ابن حجر : [ روى عمر ابن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالكـ قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، ثم نظر إلينا فقال : ( أما والله ليدعنها أهلها مذللةً أربعين عاماً للعوافي ، أتدرون ما العوافي ؟ الطير والسباع ) .
ثم قال ابن حجر : [ وهذا لم يقطع قطعاً ]
فدل هذا على أن خروج الناس من المدينة بالكلية يكون في آخر الزمان ، بعد خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام .
ويحتمل أن يكون ذلكـ عند خروج النار التي تحشر الناس ، وهي آخر أشراط الساعة ، وأول العلامات الدالة على قيام الساعة ، فليس بعدها إلا ساعة .
ويؤيد ذلكـ كون آخر من يُحشر يكون منهم ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( وآخر من يُحشر راعيان من مُزينة يريدان المدينة ، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً ) ، أي : خالية من الناس ، أو أن الوحوش قد سكنتها ، والله أعلم .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين
ومنها هبوب الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين ، فلا يبقى على ظهر الأرض من يقول : الله ، الله ، ويبقى شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة .
وقد جاء في صفة هذه الريح أنها ألين من الحرير ، ولعل ذلكـ من إكرام الله لعباده المؤمنين ، في ذلكـ الزمان المليء بالفتن والشرور .
جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل في قصة الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج : ( إذا بعث الله ريحاً طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ، يتهارجون فيها تهارج الحُمر ، فعليهم تقوم الساعة ) .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج الدجال ... ( فذكر الحديث ، وفيه : ) فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه ، فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قِبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه ) .
فقد دلت الأحاديث أن ظهور هذه الريح يكون بعد نزول عيسى عليه السلام ، وقتله الدجال ، وهلاكـ يأجوج ومأجوج .
وأيضاً ، فإن ظهورها يكون بعد طلوع الشمس من مغربها ، وبعد ظهور الدابة ، وسائر الآيات العظام .
وعلى هذا ، فظهورها قريب جداً من قيام الساعة .
ولا يتعارض أحاديث ظهور هذه الريح مع حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ) .
وفي رواية : ( ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلكـ ) .
فإن المعنى أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة ، ويكون المراد بـ ( أمر الله ) هو هبوب تلكـ الريح .
وجاء في حديث عبد الله بن عمرو أن ظهور هذه الريح يكون من الشام كما سبق .
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث ريحاً من اليمن ، ألين من الحرير ، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرةِ من إيمانِ ، إلا قبضته ) رواه مسلم .
ويُجاب عن هذا بوجهين :
1 ـ يحتمل أنهما ريحان : شامية ، ويمانية .
2 ـ ويُحتمل أن مبدأها من أحد الإقليمين ، ثم تصل الآخر ، وتنتشر عنده . والله أعلم .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
استحلال البيت الحرام ، وهدم الكعبة
لا يستحل البيت الحرام إلا أهله ، وأهله هم المسلمون ، فإذا استحلوه فإنه يصيبهم الهلاكـ ، ثم يخرج رجل من أهل الحبشة ، يقال له ذو السويقتين ، فيُخرب الكعبة ، وينقضها حجراً حجرا ، ويسلبها حليتها ، ويجردها من كسوتها وذلكـ في آخر الزمان ، حين لا يبقى في الأرض أحد يقول : الله ، الله .
ولذلكـ لا يُعمر البيت بعد هدمه أبداً ، كما جاءت بذلكـ الأحاديث الصحيحة .
روى الإمام أحمد بسنده عن سعيد بن سمعان قال : سمعت أبا هريرة يُخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يُبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يُسأل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فيخربونه خراباً لا يُعمر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه ) .
وعن عبد الله ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ، ويسلبها حليتها ، ويجردها من كسوتها ، ولكأني أنظر إليه : أُصيلع ، أُفيدع ، يضرب عليها بمسحاته ومعوله ) رواه أحمد .
[ السويقتين ] : السويقة تصغير الساق ، وهي مؤنثة ، فلذلكـ ظهرت التاء في تصغيرها ، وإنما صغر الساق لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة .
[ أُصيلع ] : تصغير أصلع ، وهو الذي انحسر الشعر عن رأسه .
[ أُفيدع ] : تصغير أفدع ، والفدع بالتحريكـ زيغ بين القدم وعظم الساق ، وكذلكـ يكون في اليد ، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها .
وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ) .
وروى الإمام أحمد والبخاري أيضاً ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كأني أنظر إليه : أسود ، أفحج ، ينقضها حجراً حجرا [ يعني الكعبة ] ) .
[ أفحج ] : فحج في مشيته ، أي تدانى صدور قدميه وتباعد عقباه ، وقال ابن الأثير : الفُحج تباعد ما بين الفخذين .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في آخر الزمان يظهر ذو السويقتين على الكعبة ـ قال : حسبت أنه قال : ـ فيهدمها ) .
فإن قيل أن هذه الأحاديث تخالف قوله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً "
[ العنكبوت : 67 ] .
والله تعالى قد حبس عن مكة الفيل ، ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ، ولم تكن إذ ذاكـ قبلة ، فكيف يُسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلةً للمسلمين ؟!
قيل جواباً عن ذلكـ : [ إن خراب الكعبة يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حين لا يبقى في الأرض أحدُ يقول : الله ، الله ، ولهذا جاء في رواية الأمام أحمد السابقة عن سعيد بن سمعان ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُعمر بعده أبداً ) . فهو حرمُ آمن ما لم يستحله أهله .
وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها .
وقد حدث القتال في مكة مرات عديدة ، وأعظم ذلكـ ما وقع من القرامطة في القرن الرابع الهجري ، حيث قتلوا المسلمين في المطاف ، وقلعوا الحجر الأسود ، وحملوه إلى بلادهم ، ثم أعادوه بعد مدة طويلة ، ومع ذلكـ لم يكن ما حدث معارضاً للآية الكريمة ، لأن ذلكـ إنما وقع بأيدي المسلمين ، والمنتسبين إليهم . فهو مطابق لما جاء في رواية الأمام أحمد من أنه لا يستحل البيت الحرام إلا أهله ، فوقع ذلكـ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيقع ذلكـ آخر الزمان ، لا يُعمر مرةً أخرى ، حين لا يبقى على ظهر الأرض مسلم ] . " فتح الباري "
[ القرامطة ] : طائفة من الباطنية تنتسب لرجل اسمه حمدان قرمط من أهل الكوفة ، ولهذه الطائفة الخبيثة في تاريخها الطويل المخزي أعمال شنيعة ، ومن أعظمها ، ما وقع منهم سنة 317 هـ حيث هاجموا الحجاج يوم التروية ، واستباحوا أموالهم ودماءهم ، فقتلوا في رحاب مكة وشعابها ، وفي المسجد الحرام ، وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً ، وهدموا قبة زمزم ، وقلعوا باب الكعبة ، ونزعوا كسوتها ، وقلعوا الحجر الأسود ، ونقلوه إلى بلادهم ، ومكث عندهم 22 سنة .
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com12.gif
* أشراط الساعة / يوسف الوابل .