المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير كلام الخطابي في تقسيمه لأنواع الحديث



أهــل الحـديث
29-12-2012, 10:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فقد ذكر الإمام الخطابي رحمه الله، في مقدمة كتابه معالم السنن شرح سنن أبي داود (1/ 6)
تقسيما ثلاثيا لأنواع الحديث عند أهله، حيث قال:
ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.
فالصحيح عندهم: ما اتصل سنده، وعُدّلت نقلته.
والحسن منه: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله.
وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث.
فأما السقيم منه فعلى طبقات: شرها الموضوع، ثم المقلوب أعني ما قلب إسناده، ثم المجهول، وكتاب أبي داود خلي منها بريء من جملة وجوهها، فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره فإنه لا يألو أن يبين أمره، ويذكر علته، ويخرج من عهدته.انتهى.

فبدأ رحمه الله بتعريف الصحيح عند المحدثين بقوله : ما اتصل سنده، وعُدّلت نقلته.
فذكر اتصال الإسناد الذي هو ضد الانقطاع وغيره مما يقدح في الاتصال، ثم ذكر عدالة الرواة، ويدخل فيها توثيق رواته وكونهم في درجة متقدمة في الضبط، وكذا عدم الشذوذ والعلة.
فإن قلت كيف نفهم هذا من كلام الخطابي وهو لم يذكر إلا اتصال السند وعدالة الرواة؟
فالجواب عن ذلك أن الخطابي ذكر بعد ذكر الأنواع الأخرى منها الحديث الحسن والسقيم ، وذكر فيها ما يدل على ذلك، فقال في الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، ولاشك أن الصحيح أعلى درجة عنده من الحسن، فيكون مخرجه معروف ورجاله مشاهير أكثر مما عليه الحسن، وهذا يدل على أن رواة الحديث الصحيح عنده في درجة عالية من التوثيق، وأن مخرج الحديث الصحيح في درجة أعلى مما عليه الحسن، وهذا يدل على سلامته من العلل القادحة الخفية.
ثم ذكر في تعريف السقيم أنه منه المقلوب الذي قلب سنده، ومن السقيم كذلك المجهول، أي مجهول الرواة ومجهول المخرج، فدل هذا على أن الصحيح والحسن على خلاف ذلك.
فتبين لنا بعد جمع كلام الإمام الخطابي ومقارنته أنه ينقل عن أهل الحديث اشتراطهم في الصحيح؛ عدالة الرواة، وضبطهم، واتصال سنده، وخلوه من العلل.
وهذا يوافق ما نقله غيره عن أهل الحديث من المتقدمين والمتأخرين.

أما قوله بعد ذكر الحسن (وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء) ، فهل يقصد به الحديث الحسن فقط، أم يقصد به الصحيح والحسن؟

الذي ذهب إليه ابن الصلاح في علوم الحديث ص 30 أن هذا الكلام خاص بالحديث الحسن، وكذلك ذهب غيره من العلماء، ومنهم الذهبي في الموقظة ص 26.

قال ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: 31) شارحا كلام الخطابي في الحس:
القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من

حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا - مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا - سلامته من أن يكون معللا.
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي.انتهى.

وقد انتقد الذهبي كلام الخطابي بقوله في الموقظة (ص: 26): وهذه عبارة ليست على صناعة الحدود والتعريفات، إذ الصحيح ينطبق ذلك عليه أيضا! لكن مراده: مما لم يبلغ درجة الصحيح.انتهى.

ونقد الذهبي هذا إنما هو على ما فهم من كلام الخطابي ؛ أنه يقصد بكلامه الحسن المعروف عند المتأخرين، وهو ما دون مرتبة الصحيح لخفة ضبط رواته، أو لغير ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب علوم الحديث.

ووما قد يقال في معنى ما ذكره الإمام الخطابي من تقسيم الحديث لثلاثة أقسام أن الصحيح عنده هو أعلى درجات الصحيح الذي يكون رجاله من الحفاظ الكبار ويكون متنه في غاية الضبط والحفظ والاتقان.
أما الدرجة الثانية من الحديث المقبول التي هي دون الصحيح السابق فهي الحسن عند الخطابي.
فعلى هذا يكون الحسن عند الخطابي شاملا للحسن وللصحيح الذي نزل مرتبة عن النوع الأول من الصحيح .
وعلى هذا يكون قوله بعد ذكر الحسن: (وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء) يقصد به الحسن والصحيح المرتبة الثانية، لأن هذا الذي عليه مدار أكثر الحديث، ويقبله أكثر العلماء ويحتج به الفقهاء في الأحكام.
وبهذا يزول الإشكال الذي ذكره الذهبي.

وقد يحمل كلام الخطابي رحمه الله على أنه يقصد الصحيح والحسن، ولايقصد به الحسن فقط ، فقد قال (ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم. فالصحيح عندهم: ما اتصل سنده، وعُدّلت نقلته.والحسن منه: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله.وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء. وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث). فيكون قوله (وعليه مدار الحديث...) يقصد به ما سبق ذكره من الصحيح والحسن، ويدل عليه أنه قال بعد ذلك(وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث) .
فعلى هذا يكون تعريف الخطابي للصحيح قريبا مما عليه بقية العلماء من كونه ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط وسلم من الشذوذ والعلة القادحة. ويكون الحسن عنده ما خف ضبط راويه عن الصحيح ولم يصل لحد الضعف .
ولعل هذا التوجيه أقرب من السابق، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.